محمد آدم - نشيد الجحيم وقصائد أخرى (5)

تابع (5)


(17)
أنا أهفو إلى ضوء الزمن
إلى المشاعل الموقدة على الطرقاتِ
وفى داخل البيوت
إلى ضوء الفجر البرىء على شجرة الخُلْدِ
وأوراق الجميز
أهفو إلى ضوء الزمن الذى يكون فيه الإنسان
شقيقاً للإنسان
الزمن الذى تقطّع فيه جذور الرأسمالية من الأعماق
الزمن الذى يجعل من كل البشر إخوة
الزمن الذى تسير فيه المرأة إلى جنب الرجل
ودون أن يكون هناك ثواب أو عقاب
أو كابوسية العالم الآخر
وتوحش ملائكة الربّ
الزمن الذى ترتمى فيه المرأة فى حض الرجل
ليمارسا الجنس فى الشوارعِ
وبلا مساءلةٍ من أحدٍ
طالما أن هذه هى المحبة
المحبة لها قانونها
المحبة بلا قانون أصلاً
المحبة قانون نفسها
كم أهفو إلى ضوءِ الزمن الذى أسير فيه فى الشوارعِ
وأغنى بمفردى
وأضع يدى فى جيبى وأنا أحتضن كل شىء
بدءاً من العصفور الذى يزقزق فوق هذه الشجرةِ
أو تلك
وانتهاءً بذلك الهندى الأحمر الذى قتلوه عمداً
ليأخذوا أرضه وسماواتهِ
أرغفة خبزه
ونساءهُ الجميلات
أحصنته المتوجة بالذهبِ والفضةِ
وكافة مناجم أرضهِ التى يسير عليها
من يوقف عقارب التاريخ
من يوقف عقارب الزمن
من يقول لكل تلك الساعات
أنتِ هرمة
وخائنة
أنا فقط أسأل
أين كان الرب واقفاً أثناء كل هذه المجزرةِ البشرية
- مجزرة إبادة الهنود الحمر وسكان بابلِ
وحضارات آشور
ألم يسمع عن أنهار الدم التى كانت تسيل فى شيكاغو
وعلى ضفافِ كاليفورنيا
وهناك
فى كندا
فى البرتا
وإدمنتون
وعلى جبالِ فان كوفر
وفى شوارع مونتريال
وعلى جبالِ الهيمالايا
ألم يصنع الإنسان التاريخ
ألم يجعل من الإنسان قاتلاً ضد أخيه الإنسان
لمَ كل هذه الطرق الوعرة والمبنية على الدم
وعظام الصدر
وأطرف العين
وكل جماجم الموتى !!
فقط
أنا أريد من أنهار البشرية أن تتوقف تماماً
عن كل هذه الأكاذيب
كلنا يسرق باسم الربّ
وكلنا يقتل باسم الرب
وباسم الربّ وحده تصنع كل القوانين اللامجدية
لكى يسيطر الإنسان على أخيهِ الانسان
كلنا يحاول أن يخترع الرب لحسابهِ الخاص
وأن يرسم صورته طبقاً لخيالاتهِ
فما هو الربّ الحالك فعلاً لذلك الهندوسى
القابع فى معبدهِ ليل نهار
فى انتظار أن يرى الربّ الخالص
أن يرى رب الهندوس لوحدهم
ذلك الرب الذى إختار هذه الطائفة بالذات
لكى ينزل عليها بموتوسيكلاتهِ
وطائراته الورقية
وعرباتهِ الفنطاسية المقدسةِ
وكتاباته التى لا تنتهى عن العالم الآخر
ويوم القيامة الذى لن يجىء أبداً
لكى يخصهم وحدهم بجناتهِ
وأنهارهِ
وعيونه
وما هو شكل الرب الخالص بأتباع يسوع المسيح
هل كان فى حاجة إلى فرجٍ امرأةٍ
لكى يأتى إلى هذا العالم
هل هو الرب الذى إخترعته مريم العذراء
وحدثنا عنه الأنجيل
الربّ الذى تربى طويلاً فى شوارع القدس
وكان يمشى فى الأسواق
وبين الأزقة
وتحت الجدرانِ المهدمة
بحثاً عن لقمة الخبز
وقطرةِ الماء
ويرضع اللبن من ثدى مريم العذراء
أم هو ذلك الربّ الذى كان يأخذ المجدلية فى حضنهِ
كل ليلةٍ
على أريكة من القش والتبن
لكى يعلمها أصول اللذةِ
وجنات الجسد
وأنهار اللبن المصفى
وهو يدعك ثدييها المستوقدتينِ المستديرتينِ
كلؤلؤتين أسطورتين
وباذختين
ويدخل فيها مسلته الحارقة الخارقة
من أول الليل
إلى آخر النهار
وهو يقول لها
إذهبى مغفور لك خطاياك
إنت إلهى
وشجرة أرزى
وكل حقول حنطتى
وبوابات قصورى
لا
لا
أنت قصرى المنيف والوحيد الذى أسكن فيه
ولا أريد أن أغادره أبداً
أنت سيدة الماء
والروح القدس بالنسبة لىْ
لا تصدقى أى شىء سوى ذلك
لاتصدقى أبداً أننى مبعوث الرب إلى العالم
ولاتصدقى أن الرب اختارنى لوحدى
الرب اختارنا جميعاً
ونحن – كلنا – أبناء الله
نحن جميعاً كل تلك الأوراقِ الساقطةِ
من شجرةِ الله
على الأرض
ما من ورقةٍ أفضل من ورقة
ولا من ورقة أحسن من ورقةٍ
أنا هذه الورقة
وأنت أنت يامريم كذلك
أنا فقط
أردت أن أغير مسار التاريخ
أليس من حقى أن أثور على الظلَمة والكلاب
وبعد أن رأيت كل هؤلاء الحاخامات
والذين يأخذون الرب لصالحهم
ولايأبهون لكل هؤلاء الفقراء
دائماً دائماً هى عجلة التاريخ المعطوبة
ألم أقل لكِ يامريم أن الكل يسرق باسم الربّ
وأن الكل يقتل باسم الربّ
الكل يحاول أن يربط الربّ فى سلسلة مفاتيحه
من رقبتهِ
ويحبسه فى فناءِ الدار
داره الواسعه
إلى جوار نسائهِ
وإمائهِ
كافة عبيدهِ وسباياه
وكأنه كلب وحشى
يجرجره صاحبه متى شاء ويذهب به إلى حيث شاء
ويطلق سراحه عندما يريد
ويتحدث باسمه كيفما شاء
إنظرى يامريم
إلى هذه الشمس
أليست جميلةً بما يكفى
الرب جميل مثل هذه الشمس يا مريم
الرب يشرق على العالم
على كل تلك الجهات فى نفس الوقت
هو يعطى ضوءه لكل أحدٍ
ويرش نوره على كل الأنحاء
لم يخصّ بلداً ما دون سواها
لم يحجب نوره أبداً عن قارةٍ
دون أخرى
فلماذا لا نعرف الرب من كل الجهات
ونجعله لايشرق إلا من هذه
الناحية
وعلى تلك البلدة فقط
القدس
يامريم
أنا ، ومنذ أن رأيتك عرفت الربّ حقاً
رأيت الربّ حقيقة
الربّ هو هذا الجسد اللامتناهى للعالم
الذى يُختَزَلُ فيك
فيكِ أنتِ يامريمُ
الربّ هو هذا الإناء الخالص من الذهبِ
وحريرة الماس الخالصةِ
هو هذه الكلمة أو تلك
الكلمة الغير مسبوقة والتى تدخل فى جسدكِ
وتجعلك تسيرين فوق كل هذه الأرضِ
المتيمة بالظلم
والمملوءةِ بالخراب
الربّ يامريم هو أنا وأنت
هو كل تلك الصرخة المدوية التى تطلقينها
وأنا أمتطيك
وأدبّ فيك قضيبى الملتهب
بين فخذيك
الرعويتين
الربّ
هو هذه البطن المنتفخة لهذه المرأةِ
أو تلك
هو ذلك الطفل الذى يحبو هناك فوق الجسرِ
وتحت ندى الفجر اللامعِ
أو على ضفاتِ الأنهار
أنا لا أعرف أى شىء آخر عن الربّ
أكثر من ذلك يامريم
لا ، ولم يقل لى الربّ أى شىء غير ذلك
ليس للربّ لغةٌ واحدةٌ ليرددها على كافة البشرية
ولا كلمة واحدة ليرددها أو يحفظها عامة الناس
الرب ليس بجلبابٍ واحدٍ يامريم
ولا صورةٍ واحدةٍ
وبلا إناءٍ واحدٍ ليشرب منه الكافة
وبنفس الطريقة كل يوم
فى كل لحظة هو فى شكلٍ ولا أحد يعرفه خالص
لا أحد يمكن له أن يعثر على مكانهِ
هنا على الأرض
أو هناك تحت فيه السماء
انه فكرة
معنى
ولا شىء أكثر
قد يكون بين هذه الزريبة الخربة
وهو واقف بين كل هاتيك الخنازيرْ
والأبقار
يطعمهم بإحدى يديهِ
وباليد الأخرى يسقيهم من حليب أنهارهِ
التى لاتجف
إسكتى
إسكتى يامريم
لاتتحدثى عن أى شىءٍ آخر
أنا قلت لكِ
أنا ماجئت إلا لأخلص الربّ
من كل هؤلاء الحاخامات الكفرة
الذين أرادوا أن يأخذوا الربّ لهم لوحدهم
الذين أرادوا أن يضعوا الربّ فى شباكهمْ لوحدهمْ
ويقررون ماذا عليه أن يفعل
وماذا عليه أن لا يفعل
- التهديد بما يدعى الجحيم بالنسبة لى تافه ولاشىء
والإغواء بما يدعى الفردوس وهم خالص وبلا معنى تافه ولاشىء –
خلاصكمْ فى أنفسكمْ أنتم
ولا خلاص لكمْ
سواكمْ !!
(18)
أريد أن أسير فى كافة الطرقات
وأنا أضع يدى فى جيبى ولا أحدّق
إلا إلى النهر
فى لحظة الشروق
ولا يقول لى أحد إننى هندى
أو بوذى
لا أريد أن يقول لى أحد أنا من كازاخستان
او من سيبيريا
ولا أعرف ماهو الفرق بين أن تكون من أمريكا اللاتينية
أو من هضبة التبت
حدِّقوا جيداً فى الظهيرةِ
حدقوا جيداً فى الأرضِ ياأبناء الأرضِ
والسماء
ألم نكن – جميعنا – أبناء رجلٍ واحد
هو آدم
وكما يقولون
وأننا أبناء إمرأة واحدة
هى حوّاء
وكما يدّعون
فلماذا هذا الإقتتال والدم
ولأن الربّ عادل
- وكما يقولون –
فلماذا أقتتل الأخوان
- وليس سواهما على الأرض
وفى هذا العالم –
قابيل من ناحية
وهابيل من الناحية الأخرى
ولماذا نكون – وفى المحصلة – أبناء رجل قاتل
أليس الشرّ هو أساس كلمة الربّ
الم يكن الربّ بقادر على أن يمحو الشر من كل هذا العالم
أن يخلصنا من القاتلِ
والشيطان فى نفس الوقت ؟!
أليس العقل هو حجر المعرفة الذى سيطر
ويسيطر على هذا العالم من أقصى نقطة فى الشرق
إلى أقصى نقطة فى الغرب
فلماذا كل هذه الأساطيرُ إذن
حول الربّ
وجنته الموعودة
والمفقودة فى نفس الوقت ؟!
لمَ لم يتخذ الربّ قراراً جريئاً
واستثنائياً
يجعل جنته الموعودة هنا وعلى الأرض
بدلاً من تلك الجنة الزائفة
التى تنتظرنا – أو ننتظرها هناك –
فى السماء
ومنذ مليارات السنوات؟!
ألم يقل أحدهم ذات يوم حقاً
من صعد إلى السماء ونزل ؟!
من ذهب إلى القبر وعاد ؟!
من صرّ الماء فى صرّة ؟!
فماذا بعد
ماذا بعد.

(19)
سلاماً
سلاماً
سلاماً لك يازوربا
وأنت ترقص على شواطئ اليونانِ المضمخة بالقرنفل
وضحكات الجسد العميانةِ
سلاماً لك وأنت ترسل أنا شيدك الدوّارةِ
فى كل اتجاه من هذا العالم
لكى تقول لنا وبصوتِ صارخِ فى البرية
أيها الحمقى
ياسلالة العميان
تمتعوا من هذا العالم وقبل أن يفاجئكم الموت
الموت الأعمى بأسلحته النشابةِ
ومكانسهِ التى لا تترك مكاناً على الأرض
إشربوا كأسكم حتى الثمالةِ
وارقصوا
إرقصوا
فوق مدائن الجسد
وتصوراتهِ الضخمةِ
وفوق تلال أرضهِ
ومنحدراتِ مصاعدهِ
ومها بطهِ
فكل ما عدا الجسد وهم وأكاذيب
لقد خوفوكم بالجحيم المنقعرِ
ووعدوكم بحنة الخلد
وأنا أقول لكم كلها أكاذيب
وترّهات
الجنة هنا فى قلبى
والجحيم هنا فى قلب العالم
المرأة هى الجنة
والجحيم فى آنٍ واحدٍ
إشخروا معى وقولوا
يالحظ كل أولئك الذين لم يرسل الربّ إليهم
أنبياء
وسحرة
من مدعى الدياناتِ
وصكوكِ الغفرانِ
يالحظ كل أولئك الذين عاشوا على الفطرةِ
واستمتعوا بالعالمِ
ورأوا الربّ على حقيقتهِ
بلا أغلالٍ
أو حتى تعليمات
سلاماً لك يازوربا
وأنت ترقص على شواطئ الإسكندرية
وفوق أحجار كريت
وتنظر إلى القساوسة
قساوسة الربّ الشرسينَ
وهم يذبحون هيباتيا
ويشرّحون جسدها على طاولةٍ من خزعبلات الربّ
وخرفات حرّاسهِ
وأنت تنظر كذلك
إلى كل تلك السفن التى تأتى وتذهب
وهى محملة بالقمح و القطنِ
وآلاف الأطنانِ من الذرةِ
والشعير
وحبات البازلاء والمانجو
إلى إمبراطورية روما
لكى تكون مصر المنهوبة - هى سلة الغلال
لهذهِ الإمبراطورية
أوتلك
وأبناؤها جائعون فقراء وعرايا
وهم يتسولون فى شوارع التاريخ
و على محطات الجغرافيا المترامية الأطرافِ
وكل ذلك تحت عينىْ الرّبّ التى لا تنام أبداً
وبمباركةٍ من قساوسته العظام
وخنافسهِ الجعرانيين
ألم يكن الربّ يريد ذلك
ألم تكن تلك إذن شريعته
ألم يكن الربّ مباركاً لكل أولئك الأوغاد
الذين شرّعوا
وقننوا لكل هذه اللصوصيات
والفرائض
وإذا لم يكن يريد ذلك
فماذا فعل بكل هؤلاءِ هنا
على الأرضِ
وعلى مرأى ومسمع من الناس
لا تقولوا لى هناك فى العالم الآخرِ
فليس هناك أى عالم آخرٍ
كلها أكاذيب
وتخيلاتِ
واختراعات مجانين وسحرةْ
سلاماً لك يازوربا
وأنت تمارس العادةَ السّرية تحت عين الشمس
التى لا تنام
وتلعب الإستغماية أنت والقمر
كصديقين يتيمين
فى هذه الهدأة
وتحت سمع وبصر العالم المملوء
بالنفايات
سلاماً لك يازوربا وأنت تقابل كازنتزاكيس
فى حانات سيبيريا
وأثينا
وعلى أطراف مكة التى تغصُ بالحجاج والقبائل
من ذوى اللحى والجلاليب البيضاء
وترقص هناك أمام حدائق البنتاجونْ
وتنظر إلى الجنود الأمريكان العائدين من فيتنام
وبعد أن قتلوا الملايين من أهل أسيا
وأخذوا يسكرون فى شوارع فلوريدا
وعلى شواطئ تكساس
ويذبحون الهنود الحمر فى أزقة فرجينيا
وهم يضعون أيديهم فى أيدى عرب الجزيرة
من أجل أن يشعلوا النار فى العالمِ
سلاماً لك يازوربا
وأنت تقابل كانط
فى شوارع برلين – تحت كاتدرائية الرب المقدسة-
وهو يجلس إلى كراريسهِ وأوراقهِ ويبحث
عن المنظور واللامنظور
وكل فلاسفةِ اليونانِ
والكونفوشيوسيين
والبوذيين
وينظر بسِخريةٍ إلى كل هذا العالمِ
فيما ساعته التى تعملُ بانتظام
تتعطل على أطراف غابةِ بولونيا
سلاماً لك يازوربا
وأنت تضع يدك فى جيبك المثقوب
لكى تعطى لهيجل العظيم نظارتك اللاسلكية
وقلنسوتك المصنوعة من القش
وبضع ماركات زائفة
لكى يعيد تصميم منزله الذى أصبح خرباً
وخارياً
بفعل تساقط الأمطار
وغياب النظرة العقلانيةِ للعالم الملآن
بالجواميس
والكوابيس
وبعد أن أكلت الكلاب الضالة أوراق ملفاته الخاصةِ
عن كل فلاسفة التاريخ
وأشعلوا النار فى كل كتاباتهِ
ولم يعد هناك ثمة جدل فى التاريخ
سوى جدل البنادق
والديناميت
لم يعد هناك جدل فى التاريخ
غير جدلِ القنابل النووية
وغرفِ الغاز
ودبابات ميركافا
والصواريخ العابرةِ للقاراتِ
سلاماً لك يازوربا وأنت تضحك من أنبا ذوقليس
وأفكاره الخرفةِ عن الماءِ والنارِ
والهواءِ
والترابِ
وأنت تصطحبُ كلاً من أفلاطونِ
وأستاذه سقراط
معك إلى السجن
وتجلس على أبواب أثينا السوداء
لتتسول لقمةً أجيرةً من أحد الشحاذين
من أجل هذين اللقيطين ماركس
وإنجلز
فلم يعد للإشتراكية من مكان
فى زمن فوكوياما التعس
وبوش الأب
وبوش الإبن
وبوش الروح القدس
ولم يعد للحرية من معنى فى زمن ترامب الجنسانى
الشاذ
ولإنجيلا مريكل التى لا تسمحُ سوى لكتبية
من الحمير بمعاشرتها
على بوابات برلين
وأزقة فرانكفورتْ
فيما يرقص الأفارقة السود هناك
تحت قوس النصر مع باراباس
فى شوارع باريس
ويطلبون من الربّ أن يوقف نواقيس الحرب العالمية
الثالثة وهم يحتسون النبيذ المثلج
على ضفة السين
وهناك
فوق نهر الفولجا
سلاماً لك يازوربا
وأنت تأخذ معك ابن سينا إلى حانةٍ من حانات
السليمانية ودهوك وأربيلْ
وتتوقف – هناك – فى شوارع بغداد
التى أهلكها المغوليون الجدد
فى حملة استعراضية أمام التاريخ المزورِ
لكى يعيدوا تشكيل الجغرافيا
وحسب إسطرلاباتهمْ المخوخةِ
وفى آخر الليل تصطحبه فى جولةٍ مطاطيةٍ
إلى بلاد فارس
وعرب الأهواز
لكى يقوم بمراجعة الذاتِ عن العقل المنفعل تارةً
والعقل الفعال تارةً أخرى
وربما يعيد تصوره الخالص عن العالم واللهِ
سلاماً لك يازوربا
وأنت تحدق إلى تريليونات الموتىْ الذين راحوا
بلا ذنب نتيجة المجازر الجماعيةِ والعرقيات
منذ فجر التاريخ وحتى الآن
فى انتظار صفارة الإنذار التى سوف يطلقها ملائكة الربّ
لكى يخرجوا من غرف الدفنِ
أو تحت الأرضِ
لكى يقفوا أمام كُشك الله الواسع أبداً
وكشافات الربّ شديدة الإنارةِ
وهم عرايا تماماً
ومصابون بفقدان الذاكرةِ
أوعسى أن يمنحهم الربّ بضع دقائق إضافية
وذلك قبل أن يصدر أوامره النقالة
بإلقائهم فى الجحيمْ المنقعر
لأنه وفى هذه الساعةِ بالذاتِ
لا يريد ان يشغل نفسه بكل هذه الترهات
ولا حتى النظر إلى كل هذه الصراصير الملونةِ
التى تريد أن تخلد إلى النوم
فى لحظةٍ
هو يريد فيها أن يركب عرباته المصفحة
ومجنزراته الكونية
لكى يطوف حول الكرةِ الأرضيةِ
ليراقب الأطفالَ الصغار الذين يلعبون الكرةَ القدم
فوق سواحلِ الجليدِ المترامية الأطرافِ
والممتدةِ من سيبيريا
وحتى شوارع إدمنتون
ربما يجد طفلاً من أطفالِ الهنودِ الحمرِ
قد أخذه الجنود الأمريكان
وهو ملفوف فى بطانيةٍ إستوائيةٍ
لكى يعيدوا رسم المخيخ
أويعيدوا تشكيل خلاياه المعطوبة
وحتى لا يعود يتذكر أى شئٍ
أى شئ
لا عن الهنودِ الحمرِ
ولا عن كل أولئك القتلى من أبناء عشيرتهِ
الذين هربوا إلى الجبال
ودفنوا أنفسهم أحياءً تحت الأهراماتِ الثلجية
للقطب الجنوبى !!
(20)
إننى أنظر إلى الشرقِ وأحدّق
وأنظر إلى الغرب وأصرخ
أيها الشرق العظيم أين ذهبت حضاراتك الراسخة
وإشعاعاتك
أين راحت كلماتك
وأساطيرك
تواريخك
وكل كتاباتك المقدسة
وكتاب صلواتك
من الذى سطاعليها وأغار على أرضك
وسلب منك كل شئٍ
بدءاً من المعرفة الكبرى
وانتهاءً بلحظات الحب العامرةِ
والفرح العظيم
كان كل شئ مباحاً لديك
ولم تكن تقدس إلا أرضك
وسمواتك
أنت الذى اخترعت كافة الديانات
وإلا فقولوا لى يا أصحاب العقول الشرهةِ إلى الخرابِ
ويا عقول الغربِ المتخمة بالدم
ماذا يفعل ذلك الراهب فوق هضبة التبت
وأى إله يعبدْ
وماشأن الدلاى لاما
وماذا يفعل ذلك الهندوسى فى معبده
وأمام دكانه
ووأمام كافة أوراق التاروت والماروت
وما هو أصل بوذا
ولمذا دشدش تمثاله رجال طالبان
من هو طالبان أصلاً سوى أنه اختراعٍ
أمريكىّ بالأساس
وكيف استطاع هذا الرجل أصلاً
ان يعيد تفكيك التاريخ
وصياغه شكل الربّ
وخارطة الإنسانية
بوذا
الناسك
الواحد
المتعدّدُ
الزاهد
المتعبد
المحب
العطوف
بوذا السلام والمحبة
قولوا يا أصحاب الديانات الكلبية
كم من الملايين قتل بوذا
وكم عدد الأطفال الذين دمرهم
من أجل أن يقيم شريعته
ويبشرهو الآخر بملكوتات الربّ
بوذا الذى علم الإنسانية كيف تسخرُ من الموت
ولا تعبأ بأى شئ آخر
حتى ولو كان الموت ذاته
بوذا الذى صنع من الروح عجلة إصطناعية
وأخذ يجرجرها صباح مساء
وهو يصعد إلى الجبال
ويركض على المنحدرات
وينادى بالسلام بين الناس
وهو يهتف
أنتم يا أبناء الأرض
ويا أبناء الإنسان
تخلوا عن كل شئٍ
وأي شئ
الملكية أساس الشّر
وأصل الخراب
تخلوا عن العالم لكى ترثوا العالم
تعلموا كيف تكونوا أحراراً
الحرية هى أن لا تملك أي شئ
إذا تخليتم عن العالمِ
سوف تكونوا قياصَرةّ
أو ملوكاً
تخلوا عن العالم لكى تبصروا النور
النور الذى يسكن بداخلكم
النور الذى يشع على الألوانِ كلها
ومن خلال ذواتكمْ أنتمْ
أنتم ملح الأرض
لاجنة إلا فى داخلكم
ولانار إلا فى قلوبكم
ليكن شعاركم المحبة ثم المحبة ثم المحبة
فلا عذاب
ولا جحيم!!
هنا
وفوق هذه الأرض سوف نؤسس لمملكة الإنسان
الإنسان العارف الواعى المحب الرءوم الرحيم
هنا وفوق هذه الأرض سوف نصنع الجنة
ونتخلى تماماً ونهائياً عن فكرة الجحيمْ
الجنة والجحيم فكرتانِ فى شيطانيتان
اخترعهما القوادون الكذبة
سّراق الشعوبْ
المتحدثون الرسميون باسم الربّ
من أجل ان يستضعفوكم
وينهبوا ثروات بلادكمْ
إنظروا
من عمل تذكرةً خضراء
يدخل إلى الجنة لكى يضاجع النساء بحرية
والأطفال بحرية
يسكر بحرية
ويمارس الجنس العلنى تحت ورق الجنةٍ
وهو لا يعمل أى شئٍ ليل نهار
إلا أن يضاجع النساء والولدان
الكل فى حالةِ من النكاح الكونى
وكأن الجنة بيت دعارةٍ
رسمى
والرب واقف يتفرج!!
كل ذلك لكى تكونوا عرضة للاستغلال الأبدى
الرجال يصبحون عبيدأ فى ممالكهم الواسعةِ
المترامية الأطراف
والنسوة يصبحن إماءً
وسبابا
وكأنه لا عقل خالص
ولا روح أبداً
ومن يحمل فى يده تذكرةً حمراءَ
يدخل إلى الحجيمْ حقاً
حيث تنتظره العقارب
والسحالىْ
حيث تكوى الجباهَ
وتبقر البطون
ويلتهب السعير
ودون أن يُسمحَ لهم بالصراخ
أو الاستغاثات
فى مستنقعاتهم الخلواتية
تتحول النساء إلى مجرد فراريج صغيرة
لا تفعل أى شئ سوى أنها تبيض البيض المقدس
الذى يسمى الأطفال
ويتحول الأطفال بدورهم إلى أسرى وعبيد
البعض يحمل السلاح من أجل أفكارهم ومعتقداتهمْ
والبعض يزرع ويحصد من أجل بطونهم الشرهة
وفروجهم المنفوخة على الشهوةِ
بينما يظل الزرّاع والصنّاع جوعى
بأرجلهم المشققة كالترع الجافة
ومؤخراتهم المكشوفة للجرادِ
والناموسِ
والقُمّل
والبق
آهِ
متى تتحول كل هذه الأنوات اللامتعددة
إلى آناة واحدةٍ فقط
وتعمل من أجل الخير المحض
لامن أجل الشر المحض
الذى يملأ العالم
من أجل الإنسان هنا
أو هناك
وفوق هذه الأرض
هل البشر فعلاً بحاجة إلى كتابٍ مقدسٍ
وينزل من السماءِ
هل البشرية فعلاً بحاجة إلى أنبياء قدامى
وأنبياء جدد
ومتحدثون رسميون باسم الربّ
وما هو الربّ بالأساس
وما هو الروح القُدس
إن لم يكن أنا وأنت
أليس الإنسان هو الذى فجّر الصخر
واكتشف النيران
وبنى الكاتدرائيات
والمعابد
وصنع من حروف اللغة معانى وكلمات
أليس هو الإنسان الذى اخترع الآلهة
وأخذ يتحدث باسمهم ونيابة عنهمْ
فتارة يكون الربّ صنماً جبلياً
وتارةً يكون صورةً أو رسماً
تارةً يكون شمساً
أو قمراً
وتارةً يكون كتاباً مقدساً
تارةً يكون على هيئة حيوان أو ديناصور
وتارةً يكون لوحاً محفوراً فى الصخرِ
وتارةً يكون امرأةً
وعلى طول التاريخ
فماذا تكون فينوس
وماذا كان أبوللو
ماذا يكون آمون رع
وماذا يكون إخناتون
ماذا يكون بوذا
وماذا يكون كونفوشيوس
ماذا عن زارادشت
وماذا يكون حور محب
ماذا تكون نفرتيتى
وماذا عن كل آلهة الأوليمب
وماذا عن البقرة المقدسة فى الهند
وماذا عن آلهة بنجلاديش
وآلهة كازخستان
هل يكون إله القطب الشمالى
هو هو نفس إله القطب الجنوبى
وهل يكون إله الصحراوات المتعطشة لقطرةِ ماءٍ وحيدةٍ
أو ظل نخلةٍ
مثل إله الأنهار
والفياضانات
هناك فى الصحراوات لا أثر لشئ
سوى السحالى
والثعابين السامة
والأحناش والصراصير
والهاموش الطائر
وخيالات الجن
والشياطين
وهنا فى بلاد مابين النهرين
وعلى ضفافِ النيل
وأدغال إفريقيا
الوردة تزهر إلى جوار طائر النورس
والقمر يخرج من جلاليبه المختفية خلف الأدغال
ليمشى فى الشوارعِ
والسكك
يأكل
ويشرب
ويتسلل إلى غرف النوم
وينام على نفس المخدات التى ينام عليها عاشق
وعاشقة
والشمس تجرى على الأنهار
وتشرب الحشيش
وتدخن الماريجوانا
وتنام فى آخر الليل بين فخذى امرأةٍ
كما يرقص ويتهلل قضيب الرجلِ
بلا محرّمات
ولا ممنوعات
باسم الربّ الجائر !!
(21)
إنى أتساءل ماذا لو كان محمد مثلاً قد ولد فوق ضفاف
دجلة
والفرات
ماذا لو كان قد عرف طعم الجميز
وحبات التوت
وأخذ بجمع القطن فى جلبابهِ
ويغنى خلف النوارج فى عز الظهيرةِ
ويمشى خلف المحراث طيلة النهار
وهو يبذر القمح
وينظر إلى كيزان الذرةِ
وسنابل الشعير
ويجمع الطماطم والباذنجان فى طنجرتهِ؟
ماذا لوكان قد أكل الجوافة المعطوبة
وأحس بطعم المانجو المالح
وأخذ يقطّع البطيخ بأسنانهَ المسوسةِ
وهو يسأل شجرة اللوز
أين الله يا أخت
فلا تجيبه شجرة اللوز سوى بابتسامةٍ
دامعة
وهى تنحنى على ثمراتها الناضجة !!
ماذا لو كان قد دار خلف الساقية
-بدلاً من رعى الأغنام- ليجلب الماء إلى الحقول
ونباتات الحميض
وشجرات البامياء الباسقة
ماذا لو كان يعرف أغانى الفلاح الفصيح
وهو يغنى أغانى المصريين القدماء
وأناشيد أهل بابل
وآشور
ماذا لو كان يعرف الإنجليزية
أو الفرنسية بالفعل
بدلاً من قراءاته
بكل تناقضاتهِ
عن الجنةِ
والجحيمَ
والرب الواسع المغفرة
والربّ الشديد العقاب
ولماذا توقف عند التين والزيتون
ألم تكن تلك هى النظرة الصحراوية فقط
لما كان يعرف
هل غابت عن الله بقية التشكيلات الهائلة
لكافة الثمار
ولم يكن يعرف سوى التين والزيتون
والنخيل والأعناب
تلك التى تنمو – وبغزارةٍ – فقط
على وديان مكةَ
وفى دروب نجد
وعلى أطرافِ الطائف
ولماذا كانت كل الديانات صحراوية بالأساس
ولم تكن على ضفافِ الأنهارِ
وفى مختلف الأصقاع
ولماذا مكة بالذاتِ
والقدس بالذاتِ
ولم تكن بكين أو السلفادور
أو على جليد موسكو
وماذا عن سائر البلدان وبقية الشعوب
هل كان الله غافلاً أصلاً
عن نيكاراجوا
وأدغال الهند
وصحراوات منغوليا
وماذا عن غانا
وغنيا
وجنوب إفريقيا
وسواحل المكسيك
وهم لا يتحدثون العربية ولا يعرفون أى شئ
عن لغة الضاد أصلاً
ماذا عن اليابان
ورجال الساموراىْ
وأهل موريتانيا
وماذا عن كل أولئك الذين يسكنون فى الكهوفِ
وبقية الجبال
ماذا عن أهل القطب الجنوبى
الذين يعيشون فى درجة حرارةٍ قد تصل أحياناً
إلى 40° درجة تحت الصفر ؟!
وماذا عن ناس القطب الشمالى الذين يأكلون
الكلاب
والقطط
ويطاردون الدببة الصخابة
ويأكلون لحم الخنزير الطيب
ويتجرعون الخمرة المقدسة ليل نهار
لعلهم يستدفئون
وتنتعش أجسادهمْ
وداخل صهاريج الثلج وأنابيب البيوت
والغياب الكامل لكل شمس النهارْ
وليس لديهم ولانجمة واحدة ليهتدوا بها
إلى الطرقات
والشوارع
هل كان الربّ لا يعنيه كل هذه الأمم
وكافة تلك اللغات
ألم يقل كازنتزاكيس يوماً ما لشجرة اللوز
أين الله يا أخت
فأزهرت شجرة اللوز
إنفخوا فى البوق إذن أيتها الأصنام المجوفة
وتعالوا لنتسلق معاً شجرة الورد هذه
أو نقعد تحت هذه العريشة
أو تلك
لنغنى معاً أغنية الإنسان الكاملِ
والإنسان الناقص على السواء
الإنسان الذى حدّد مسارات السحب
وأخذ يحفرُ الأرضَ
بحثاً عن القوة القاهرةِ للطاقة
فاخترع النواقيس والطائرات
والأقمار الإصطناعية واخترق حاجز الصوت
والضوء
الإنسان الذى ألغى مايسمى بالزمان والمكان
وبضغطة واحدة على الزرّ
الإنسان الذى أسس لقواعد الموسيقى
وتفنن فى شق الطرقات
والأنهار
الإنسان الذى طار فوق السحابِ
وراح يغزو الكواكب السيارة
ويتوقف هنا أو هناك فوق سطح المريخ
ويصعد إلى كوكب زحل
وينزل على كوكب المشترى
الإنسان القوة الدافعة المتواصلة
نحو كل شئ
بدءاً من الذرّة
وتفتيت الذرة
وانتهاءً
بتفكيك كل آليات الكون
للوصول إلى المعرفة الحقة
والقبض على الحقيقة
من رقبتها!!
(22)
وفيما كنت أجلس بمفردى فى حانةٍ ما
أو على طاولةٍ فى مقهى من مقاهى كاراكاس
أو مونتريال
وعلى زهرة البستان
فى قلب القاهرة العتيقة
رحت أتذكر كيف مرت حجافل المغول من هنا
وكيف جاء نابليون ذات يوم إلى قلب هذه المدينة
أوتلك
لكى يسحق بجيوشة الجرّارةِ
كل هذه الحضاراتِ والتواريخ
وكيف أتى الإسكندر الأكبر – هو الآخرُ –
ووقف على ساحل الإسكندرية
وأخذ ينظر إلى المتوسط بعيونه الفولاذية
وقلبه المتعجرف الضال
كيف ساروا جميعاً فى قلب هذه الشوارع العتيقة
ومشوا فى أزقتها المزخرفةِ بالنقوش
وكتابات الفراعنة
وأكلوا من خبزها الجاف
ونهبوا كافة الثرواتِ
ترى أين هم الأن
وكيف صاروا مع الزمن وفى دورة التاريخ
وماذا عن عجل هارون الذهبى
وكيف صار
هل نفخ الربّ فى البوق فعلاً
أم مازال البوق معطلاً
وناقص الخلقة
أين سحرة فرعون
وماذا عن ألواح موسى
وعصاهُ التاريخانية أقصد السحريةِ
- أم أن كل تلك القصص مجرد خرافات
اخترعها لص محترف ذات يوم
ليشغل بها الناس –
أنا أعرف أن كل الطغاة قد مروا من هنا
وأكلوا من عجين هذه الأرض
وأكلهم خمر النسيان
وتوابيت غرف الدفن
ولا شئ يستمر إلى ما لا نهاية
الكل يخضع لقانون التحولِ والنسبية
هل شمس هذا النهار هى هى نفس شمس الأمس
شمس الأمس كانت سوداء وتستند على كفلِ
عكازٍ وتحجبها ألف غيمةٍ متناثرةٍ وغيمةٍ
وتنام على مؤخرة بعوضةٍ فى عز الظهيرة
أو تنعس تحت شجرةِ برقوق
وشمس هذا اليوم
تأتى مترجلة
وبفستانها الأرجوانى
المنقوش على معابد الأقصرِ
وتل العمارنة
وبشهواتها اللانهائية تترجل بين الشوارعِ
وتسير فى حدائق البنتاجون
وفوق مكاتب الـCIA
وكما تسير فى أضيق شارع من شوارع السيدة زينب
تسير فى أضخم شارع من شوارع
فيلادلفيا
أو أركنساس
وداخل سرايب الفاتيكان
إنها تحتضن هذا الراهب الأعمى
وذلك القسيس المنعزل فى غرفةٍ تحت الأرض
كما تحتضن النملة الخرفاء
وفى عشش الترجمان
وفوق أسوار قرطاجة
وفى جامع القيروان
إنها نفس الشمس
فلماذا يكون الإنسان أنساناً آخر
وتحت أية شريعة تقوم الحروب
وتسفك الدماءْ
لمَ لا نعيش أخوة تحت سقف هذا العالم
الواسع
من الذى أسس لكل هذا الظلم فى العالم
ولماذا انتفت العدالة من فوق كل هذه الأرض
لم يكن الربّ طبقياً
ولا رأسمالياً
لم يكن الله شيوعياً
أو اشتراكياً
الله ليس إله العبرانيين وحدهمْ
لم يكن لامكياً
ولا توراتياً
إذا كان الربّ بهذه الطريقة وفقط
فأنا الآخر لا أعرفه
كيف يكون الربّ مصنوعاً على هذه الطريقة
أو تلك
كيف يكون بهذه الصورة
ولا يكون بتلك الكيفية
أنا الأنسان الواعى
أغنى لهذه العشبة كما أغنى لتك المرأة
أحتضن الشمس بالنهار
وآخذ القمر فى حجرى آناء الليل
أركض باتجاه الشواطئ والمصبات
وأطلق حنجرتىْ – بالغناء-
فى كل طريق أسير فيه
لا أعرف لغةً واحدةً لأقف عندها وأقدسها
ولا إنجيلاً واحداً
أو حتى توراةً واحدةً
أنا كافة الأناجيل فى نفس الوقت
أنا القرآن العظيم
والتوراة الكبرى
أنا النقوش البابلية
والأغانى الفرعونية التى انتصرت على الزمن
وظلت فى الحلق إلى الأبد
أنا التطور الخلاق لكل ديانات العالم
التى اخترعها الإنسان
وتتركز فى تصاويره
الإنسان أساس كل شئ
والجامع لكل شئ
حين آخذ إمرأةً ما فى حضنى أشعر
أن الكون كله كلمات ترقص
وأغنيات تضحك وتفور
أن الأرض
والشجر
الماعز
والأغنام
والحشرات
والهواء
جميعهما جميعهما تتغنى بنفس الشئ
وتنطق بهذه اللغات
أنا لمَ لا اكون مثل هذا العصفور
حراً
وطليقاً
لمَ لاأكون مثل هذه النحلة آخذ رحيق الأزهار
فى فمى وأترك كل هذا العسل على السكك
وفوق الأوراق
أنا لمَ لا أكون مثل هذه الفراشة
حراً
وطليقاً
أنام فوق أى شجرةٍ
وأواصل نهارى فوق أى غصن
أذهب إلى الشرق بلاخشيةٍ من أحدٍ
بلا تذكرة سفر
أو حتى تأشيرة دخول
وأذهب إلى الغرب وقتما أشاء
وكيفما أريد!!
أحياناً
ما أسأل نفسى
من الذى اخترع الشّر فى هذا العالم
من وضع قواعد الظلم
وأسس لشريعة الاستغلال
من الذى أسس للصوصية الجزية
والخراج
واضطهاد الآخر
وقتل الإنسان بدعوى الدين
من الذى جعل الأبيض فوق الأسود
ولماذا كانت الحضارة هى حضارة الرجل الأبيض فقط
ولم تكن حضارة الرجل الأسود كذلك
أنا
أريد أن أغنى فى الليل كما فى النهار
فوق كل هذه المآذنِ
وذلك بدلاً
من الصلواتِ
وعلى أبواب كل تلك الكنائس
بدلاً من القربان المقدس
وغير المقدس
وأمام كل تلك الكاتدرائيات المزينة بالعذراءِ
وحوارى المسيح الإثنى عشر
بدلاً من باراباس
وبيلاطس والبنطى
وكل تلك المجدليات
تماماً
وكما أقف أمام الكنيس لأتحدث إلى يهوه
رأساً
برأسٍ
أنا
أريد أن أحتضن الله بالقلبِ
والعينين
والذاكرةِ
أريد ان أدخل إلى جبالهِ الوعرةِ
وأتجول فوق سهولهِ
ومنحدرات
جناتهِ الخالية
وأرخبيلاتهِ
أريد ان أجلس إلى جوارهِ وأنا اقرأ كتاباً فى الفلسفة
أو الشعر الفرعونى
أو حتى رواية المجانين لديستويفسكى
أو الحرافيش وأولاد حارتنا لنجيب محفوظ
أريد أن أقرأ على مسامعه رواية الحرب والسلام
ومقبرة براغ لأومبرتوإيكو
وحتى البومة العمياء لصادق هدايت.
(23)
أين أنتِ يا أنا إخماتوفا
وأنت ترقدين الآن فى مقبرة من مقابر موسكو
وتتوشحين بحروف كلماتك
وأشعارك الرائعة عن عاشقك الوحيد
جميلوف
وتكتبين بأقلام البوص والرصاص
عن كل ذكرياتك القديمة
عن سان بطر سبورج
وأغانى الجبليين
ومعاناتك المزاجاة فوق ألف جبلِ
وجبلٍ
وتحت كل ذلك الثلج المتساقط كالكوابيسِ
من فوهات بوشكين
أو حدائق القيصر
وأنت- يا أنّا إخماتوفا – تكتبين كل أشعارك
أمام بوابة السجنِ
وفوق جبلِ الجليدِ
وتوزعين البطاطس على الفقراء
وأصحاب الإحتياجات الخاصة
فى سجون ليننجراد
وسان بطرسبورج
وتذهبين فى آخر الليلِ إلى مغارةِ
ديستويفسكى
وهو عاكف على كتابة الإخوة كارامازوف
والشياطين
ومنزل الأمواتِ وتحت ذلك الضوء الضئيل لكل تلك الشمس
التى تنحرف عن بوّابات موسكو
ولاتنام إلاتحت حدائق القيصر
أين أنتِ يا أنّا إخماتوفا وأنا أكتب أشعارى
ومن قلب هذه الولاية – ألبرتا- فى كندا
وتحت كل هذا الجليد المتساقطِ
وتحت هذا الهواءِ القارصِ والمشبع بالوحدةِ
وأزهارِ الصمت
وبين كل تلك الأغانى التى يرددها الهنود الحمر
صباح مساء
عن أحلامهم المذبوحة تحت الرمادِ
والتى سرقها اللصوصِ
وقطاع الطرق
وخريجو السجون والمعتقلات
- سجون الرجلِ الأبيض
وكافة كلابه النورة –
أولئك الذين قضوا على كل شئٍ
بدءاً من الأغنيات البكرلكافة الهنود الحمرِ
وانتهاءً بلون الجلاليب
واسطوانية النهود المغطاةِ بالفُل
وكروية المؤخرةِ
وخرائطِ الجسدِ
والضحكات التى كانت تملأ الطرقِ
وتتنقل ما بين الأشجار
كالأيائل
ولا يشغلها الموت – بكل ألاعيبهِ
وصناجاتهِ- باى شئٍ
أى شئ
ولاتعرف سوى الحياةِ الحقةِ
الحياة التى تتنطط على الأرضِ
وتغنى على الطرقاتِ
وتزهر على الأرصفةِ
الحياة بكل لغاتها المتعددة
حياة البيوت العتيقةِ
والأنهارِ الجافة
حياة الفراشات العابرة للقارات
وأغنيات الجسدِ الفاتنِ
حياة الراقصة الشهوانية
وحياة الرجلِ الغارق فى سيمفونية اللذة
ونبيذ المرأةِ المسكرِ
تحت ثلوج إدمنتون
وفان كوفر
وعلى بعد 1000كيلو متر من كاراكاس
أومونتر يال
وأين أنت يا بوشكين
ياصاحب العطارةِ الباهظةِ
والحواريين
وأنت تكتب خطاباتك الكبرى إلى العالمِ
أقصد قصائدك الشهوانية
فوق أسوار المدينة البهية موسكو
وأمام عين القيصر
فى موسكو
مدينة الشعراء
والقصاصين
مدينة الملاحدةِ
وأصحاب الرايات الحمراءِ
مدينة الدمّ
والنحاتين
مدينة الموسيقيين العباقرة
أولئك الذين اخترعوا الموسيقى
من جوف الكلماتِ
واخترعوا الكلمات من جوف الموسيقى!!
أين أنت أيها البوشكين
الذى لم يعبأ بأى شئٍ
لا بالتواريخ
ولا بكل تلك الديانات
البوشكين الذى لم يعبأ سوى بكلماتهِ
ولمعان سيفهِ المصقولِ تحت وهجِ الظهيرةِ
وأمام ليرمنتوف الذى ترك لك قصائده
النافخة فى البوقِ
بوق الإنسانية الرحب
وجسدها الشاسع الذى يمتدّ من الشرقِ إلى الغربِ
ومن الغربِ إلى الشرقِ
وأين أنتِ يافروخ فرخ زاد
وأنتِ تكتبين قصائدكِ العريانة فوق ورقِ الحائطِ
وعلى جدرانِ حدائق بابل المعلقةِ
وفوانيس فارسِ
وأزقة أصفهانِ
عن الدم المسفوكِ فى السككِ
وسلخانة الديانات
-التى تفرّق بين المرء وزوجهِ-
وتحت أرجلِ المارةِ
وسيارات الإسعافِ
أين أنتِ أيتها المأخوذة بالشهوةِ
- تحت أعين القراصنةِ والجلادين -
لحد الجنونِ
والمجنونة لحدّ الشهوة
يا أنتِ
أيتها الاخذة بناصية اللغةِ
وعبقرية القصائد
والتى لم تعبأفى يوم من الأيام
لابالذهاب إلى المساجدِ
أوزيارة الأضرحة الملآنة بالعظم
والجماجمِ
ولا بغناء الفارسياتِ الأسطوريات
فى شوارع طهرانِ
وفوق أرصفة الأهوازِ
ومدافن الرّى
أين أنتِ
وأنا أجلس مثلك الآن عارياً ووحيداً
منبوذاً
خائخاً
وخائباً
وأتوه فى المدنِ والبلدانِ
ولا أفتش عن أى شئٍ
سوى عن هذه القصيدة النائمةِ
والنائحة تحت سفحِ جبلٍ
والهاربة منى فى المقاهى
والباراتِ
وتحت عربات الميكروباص
والسيارات فائقة السرعةِ
عن كل تلك القصيدة التى أحملها بين أضلاعى
وداخل رئتىّ ليل نهار
وأنا أدور بها فى السكك والموانئ
أحياناً ما أعرّضها للشمسِ خشية الذوبان فى الفمِ
من الخوف والإنكسارات
أو اللامبالاةِ
وأحياناً
ما أضعها على أعلى الشجرةِ
حتى لا يطؤها المارة بالأحذيةِ
أو يأخذها تجار اللحم البشرى
لكى يعرضونها فى محلاتهم الوسخةِ
ويبيعونها بثمنٍ بخسٍ
دراهم معدوداتٍ
وهم يشخرون من لغاتى المنحرفةِ
وتصاويرى التى تقف عاريةً على المائدةِ
ورغم كل ذلك
أجلس فى كل يوم وفى نفس الغرفةِ
لأكتب قصائدى
ربما
لاأنتظر قارئاً واحداً لكى يقرأها
ولا حتى نعجة ضالة تتوقف بإزائها
لتصب لها بعض الحليب الساخن
فى كنكة القهوةِ
أو فوق كسرةِ خبز مرمية
على الطريق
ربما
لا أنتظر طفلاً ذات بهجةٍ
أن يجلس وكما أجلس تماماً الآن
وهو يحدق إلى كل تلك القصائد الفارهةِ
التى تتنطط على المائدةِ
وتسرق منى خبزى الجافّ
وحتى أشعة الشمس
ولا تترك لى على المائدة أى شئ
سوى قلم رصاصٍ مبحوحٍ
ودواةٍ فارغةٍ من الحبر
وهو يقول أى ذلك الطفل
فى أخر الليل سوف أشعل النار
فى كل تلك القصائد التى تخرج عن المألوفِ
وتؤسس لديانةٍ جديدةٍ فى كل شئ
ديانة ليست فى كتابة الأسلافِ
ولا فى كتابِ واحدٍ ويسمونه الكتاب المقدس
لا هى من التلمود فى شئ
ولا تشبه الأناجيل فى لغاتها
وتتلخص فى كلمةٍ واحدةٍ فقط
هى الحرية
سوف أترك لك يافروخ – أنا الآخر – كل هذه الأشعار
اللامجدية عن الزمن
لتعلقينها إلى جانب أشعارك الفهلوانية
وصورك المزجاة
وفى نفس الغرفة التى تقيمين فيها
أو على جدرانِ نفس المقبرةِ العتيقةِ
التى تحتفظين فيها بكل شئ
بدءاً من خاتم زواجك التعس
نفس خاتمك الفضى
ومروراً بأساورك الذهبية
وحتى ملابسك الداخلية
ولكن أرجوكِ يافروخ
أرجوكِ أنتِ بالذات
أن تقتفى أثر قصائدى
أن تخبئى قصائدى وداخل قميص نومك
أولباسك الداخلى الذى يغطى فرجك
وقصائدكِ
وحتى لا يطلع عليها أحد سواكِ
أو حتى بين سوتياناتك التى تتربع على جواهركِ
وأنتِ تدخنين الماريجوانا
أو تغنين أغنيتك الرهيفة
عن الشاهنامةِ
وأغانى الحلاج
وجلال الدين الرومى فى المثنوى
ومنطق الطير
والفيروزاَ بادى
وربما تأخذك سنة من النومٍ
وأنتِ تقرأين قصائدى
أو تشعلين فيها النار لافرق
لتعرفى كيف كان محمد آدم يأكل ويشرب
ويحدّق فى المرآةِ
أو يسير فى السكك عارياً ووحيداً
ويهزأ من كل شئ
من المقدس وغير المقدس
وهو يضع يديه فى جيب بنطاله الخنفسائى
ولا يفكر فى أى شئ
سوى هذه المرأة أو تلك
وهو يعرف جيداً أن المرأة هى سرّ العالم
وكنز الطبيعة المخبوء
بين فخذين يرتعشان فى لحظة المناولةِ
أن المرأة هى صورة الله التى تمشى على الأرضِ
أرجوك يافروخ
لا تذهبى إلى البيت
أو تغلقى كافة النوافذ
فربما آتى اليك متسللاً
وعبر نافذتك الوحيدة
وسوف أدخل إلى غرفة نومك المضاءة بالكوابيس
وأضع إلى جوارِ رأسك كافة قصائدى
لعلك تعرضينها على الربّ
ليقرر هو بنفسة إن كانت صالحةً للنشر
أوغير صالحة بالأساس
أنا
سوف أتركك الآن يافروخ لأذهب إلى البيت
لاتناول قليلاً من الخمر
أو لأبحث عن كلمةٍ ضائعةٍ
وأتلصص قليلاً على التلفاز
لأرى كم عدد القتلى فى شوارع صنعاء
أو الحديّدة
وكم بلغ عدد الجرحى فى اليمن السعيد
وأرى إن كانت بلقيس لاتزال هناك
فى داخل القصر
وهى تفلّى رأسها من عبث التاريخ
وقمل الجغرافيا
أم إن كان الملك سليمان سوف يركب
عربتة المصفحة ليذهب بنفسه
إلى شوارع صنعاء
ليفتش عن بلقيس
تلك المرأة البهية
ملكة سبأ
وأسطورة الأساطير
لكى تكشف له عن ساقيها
وفى آخر الليل يأخذها إلى فراشة الوثير
ليمارس معها الجنس على مرأى ومسمعٍ
من قادة جيوشه
أو ربما يتخلى عنها لكافة كتائبة الحربية
وجيوشة التى تقاتل باسم الربّ وتسرق باسم الربّ.


(24)
أمازال ستالين هو الآخر يجلس فى الكرملن
ويحتسى زجاجات الفودكا المملحة بالفول السودانى
وسمك الفولجا المدخن
وهو يحصى عدد الموتى من الفلاحين والأجراء
جراء سياساتهِ المعوية
واستمراراً لعبودياته المغناطيسية
والتى بلغت ما يفوق الـ15مليون قتيلاً
لحد الأن
وماذا يفعل السيد لينين هو الآخر
هل يجلس فى البيت الأبيض
أم يحتسى البيرة المثلجة مع السيد جورباتشوف
ورحمانينوف على طاولةٍ واحدةٍ
فى انتظار أن يفتح الكرملن أبوابة المغلقة
ليطبق الاشتراكية حتى على الموتى
فيما المخابرات الأمريكية تلعب البولنج هناك
فى خلفية الكرملنْ
وعلى بوابات ليننجراد
وسان بطر سبورج
وتضع مؤخرتها الضخمة أمام السيد زخاروف
لكى ينشغل ولو لدقيقة واحدةٍ
عن خططه الإستراتيجية
ومدوناتهِ العسكرية
فيما الشاعر يسنين الفذ يكتب آخر قصائده
عن تستيفايا التى تركها هناك وحيدةً
لحد الجنون
والتى كان يتغنى فيها بالعينين العسليتين
والسٌرة المدورةِ كالكأس المقدسة
والفخذ المرمرية التى قدّت من الذهبِ الخالص
وحرير أصفهانْ
فيما هو -أى السيد يسنيين – يركب قارباً صغيراً
ويعبر الفولجا ذهاباً وإياباً
عساه أن يصطاد ولو سمكة صغيرةً بالشصّ
لكى يهديها لمحبوبته العارية
فيما تطارده القصائد صباح مساء
إلى أن وجدوه قتيلاً ذات يوم
وأمام قصيدة غادرة
لم تشأ أن تعطى نفسها له
وتذهب إلى سواه من الشعراء
حتى لو قدم نفسه قرباناً
لهذهِ القصيدة أو تلك!
(25)
وأين أنتَ ياوالت ويتمان
ألازلت تكتب عن الديمقراطية وحرية الإنسان
عن أمريكا المتوحشة اللبؤة
أمريكا
الأنبوب النحاسى الضخم
والمبولهَ القذرة
والبلاّعة الواسعة لرأس المالِ
واستغلال الشعوبْ
ألازالت أمريكا تمثل لديك وحتى الآن
الحلم الذهبى
الذى يسعى الإنسان فى أن يكونه
وتسعى البشرية فى أن تكونها
ألازالت أمريكاك الشرموطة هى المدينة الفاضلة
التى راهنت عليها طويلاً
وأخذت تغنى لها على قيتارتك المبوبة ليل نهار
هل تحولت أمريكتك اللبؤة القاسية القلب
إلى مدينة الله
وماذا تقول عن ملايين الفيتناميين
الذين قتلهم رجال المارينز
وسحقتهم الدبابات الامريكية
على بوّابات سايجون
ومازال الرئيس نيكسون يسخر من الربّ ذاته
ويمسح دم الفيتناميين فى مؤخرة السيدة العذراء
أم صارت مدينة الله هى مدينة جورج واشنطون
وخزانة السيد ترامب
وماذا تقول عن السيد ريجان
والسيد جورج بوش الأب
والسيد جورج بوش الإبن
اللذين قتلا الآلاف المؤلفة من أبناء بابل
وسامرّاء
والبصرة
ونينوى
ودهوك
والموصل مدينة الغناءِ والشعر
وخرّبا كل شئ
بدءاً من أغنيات بدر شاكر السياب والقبانجى
وإنتهاءً بإسحق الموصلى
وعربات التاريخ المركونة فى متاحف العالم
هل لازلت ياولت ويتمان تنظر إلى التاريخ
من خلال عدستك المصغرةِ فقط
وترى أن البشرية كل البشرية تنحصر فى الولايات المتحدة الأمريكية
المتعددة الأعراقِ
وماذا عن بقية الشعوب
والأجناس
ماذا تقول عن السيدجورج بوش وهو يدمّر حضارة الرافدين
بدباباتةِ
ومجنزراتهِ
بدءاً من أم قصر
وانتهاءً بألواح سومر
وآشور
وقوانين حمورابى الغير مسبوقة على طول التاريخ المرّ
للإنسانسة المزوّرة

ألم تصرخ أمامك نخلة واحدهّ من كل نخل العراق
لكى تقول لك كفى
ألم يمتلئ الفرات بالدمْ
ويفيض دجلة بالجماجم المنخورةِ
وصراخ الأمهات والأرامل الباحثات عن أبنائهن وبناتهن
الذين ضاعوا تحت القصف المدفعى
وطائرات القصف الكمياوى
ألم يمتلئ شارع الرشيد
ومدينة الكرخ
وشارع المتنبى
والسعدون
بكل تلك البنايات المهدمةِ
وعيون الأطفال المرمية على عتبة الشوارعِ
وهى تحدق إلى التاريخ الأعمى
والعدالة الغائبة عن الوعى
-أين أنت يا الله-
وماذا فعلت بأغانى الموصلى ياجورج بوش الأب
وماذا فعلت بكل قصائد المتنبى
وكزار حنتوش
وسركون بولص
وأبى نؤاس
والجواهرى
وخان مرجان
وقصر هارون الرشيد
وعازف النايات الأعمى الذى ظل يرقص لليلتينِ كاملتين
على الناى العراقى وذلك قبل أن يعثروا على جثتهِ
فى داخل برميل فارغ
لشاحنةِ أمريكيةٍ وهى فى طريقها إلى أوكلاهوما
ياباراك أوباما
كل هذا والعالم أخرس
وأعمى
ميت وبلاضمير
أين هى حقوق الإنسان أيها العالم المملوء بالروث
حتى النخاع
وأين هى محكمة العدل الدولية
وحرية الشعوب
ومجلس الأمن
أيتها المحافل الماسونية القذرة
التى تمتلئ بآكلى لحم الشعوب
ومصاصى الدماء من كل حدبٍ وصوبٍ
والتى لا تعبأ بأى شئ سوى براميل النفطِ
وأنابيب الغاز
وتريليونات الدولارات فى خزائن الوول ستريت
وتحت قبة مجلس الشيوخِ
وعلى موائد الروليت
أما عن حرية الشعوب ومجلس الأمن
ومحكمة الدول الدولية
فقد عثروا عليها محفوظة فى شبكة المجارى الكونية
والتى تمتد من موسكو وحتى نيويورك
ومن شارع الشانزليزيه
وحتى جزر الكاريبىْ
هل نحن قيد الإقامة الجبرية هنا وفوق هذه الأرض
وبعد أن حصدنا سنابل القمح
وجمعنا كيزان الذرة فى أجولتنا المقطعة
فوق ظهورنا لآلاف الأميال
نحن الذين صحونا بالليل والنهار من أجل ان نزرع ونحصد
وما حصدنا سوى الخيبة فى نهاية الأمر
وقراربط اليأس
نحن الذين أقمنا المدارس
والمستشفيات
وعبدنا الطرق – فى الوحل-
وبنينا الجسور الشاهقة خشية الفيضاناتِ
ولعبنا الكرة الشراب فى أزقتنا المعتمة
وشوارعنا التى أصابها الدوران
والدوسنتاريا
من فرط الصخب والعنف
نحن الذين ذهبنا إلى الكتاتيب فى الفجر
من أجل أن نحفظ القرأن عن ظهر قلب
أكثر مما كنا نحفظ أسماءنا وأسماء آبائنا وأمهاتنا
اللواتى يرقدن على القش
وفى غرف التبن
ولا يملكن أى شئ من هذا العالم
سوى أساور من خشب ونحاسٍ
وخرزة فى الأذن خشية الحسدِ والشّرِ
والأن
يرقدن فى المقابر المهدمةِ لقرية منسيةِ
وليس هناك سوى شاهدةِ قبر متآكلةٍ
ولوحةٍمكتوبةٍ بالحبر الأزرقِ
هنا ترقد فلانة الفلانية
والتى ماتت بسرطان البنكرياس
وتليف الكبد
ياكل كتائب التاريخ والجغرافيا
ماذا أفعل أنا بالملامتية
وحادثة الإفك وإن كانت عائشة بريئة أم كانت مع
ذلك الصفوان
ماذا أفعل أنا بالبراق الذى يقل الأنبياء وفى لمح البصر
ماذا أفعل بالمنزلةِ بين المنزلتين
بالقرامطة
والحشاشين
والفرقة الناجية
وكتائب حسن الصباح
ما شأنى أنا إن كان محمد قد صلى بجميع الأنبياء
وفى بيت المقدس
وما إذا كان إبراهيم قد أعطى امرأته الجميلة
ساراى لفرعون مصر
من أجل الذهب والفضةِ
وهل تغيرت البشرية فعلاً ورغم كل هؤلاء الأنبياء أم أن العالم كما هو
ماذا أفعل برحلة الأسراء والمعراج
وحكاية صلب المسيح
والثلاثين فضة
وعربة بيلاطس البنطى
وتخريفات يهوذا الإسقريوطى
أنا أريد أن أسير فى الشوارع ومسلحاً بالعدالةِ
والديمقراطية
أريد أنأ أنام وليس فى جعبتى أى فلس
غير أنى أشعر بأننى أغنى الأغنياء
ولمجرد أن حبيبتى غاليتى تنام فى حضنى
وتغطُ فى النوم
لا أريد أن أسمع أى شئ عن الجنةِ
أوالحجيمْ
وملائكة الله الشدادِ الغلاظ
ما شأنى أنا بكل تلك الخرافات والكتابات المنوية الشاذة
أريد أن أسمع الموسيقى وفوق جبل موسى
وأحدق إلى الشمس الخارجة هناك من البحر
أريد أن أرقص الفالس أو التانجو
وأنا أحتضن الشمس بيمينى والقمر بيسارى
أريد أن أجلس تحت أشجار الموز
والتفاح
وأنا أغنى لفراشةٍ عاشقةٍ
وتبحث عن أختها الفراشة
ليرقصا معاً وحتى مطلع الفجرْ
أريد أن يكون العالم كل العالم
ملكاً خالصاً للبشرية
وأن تلغى جوازات السفرِ والحدود
وكافة الهويات المكذوبة التى أخترعها
الملوك والقياصرة
وأن تلغى التأشيرات الملعونة من كافة القارات
الخمس
أريد أن أرى اليوم الذى يجلس فيه الإنسان
إلى طاولة أخيه الإنسان
ليتحدثا معاً عن الحريةِ
والسلام
عن العدالةِ
والحب
عن العدالة التى تمشى على قدمين راسختين
وتسير فى الشوارع
بلا رهبة أو خوف
أن تلغى محاكم التفتيش
ولا يكون هناك سوى قانون واحدٍ
هو كل البشرأخوة
أريد أن أرى اليوم الذى تكون فيه الحريةِ
مثل شاب جميل
وهى تأكل وتشرب على نفس الموائد
التى يجلس عليها النبيين والقديسين
عن الشمس التى تشرق على الجميع من كل ناحية
من أجل أن يكون هناك شرق واحد فقط
وغرب واحد فقط
أن يكون الشرق للجميع
والغرب للجميع
أريد أن تجلس البشرية إلى مائدة واحدة
لتضع حداً لكل هذه المهازل
التى سطت على التاريخ الإنسانى
ودمرت الروح الإنسانية
لكى تضع قانوناً عاماً للجميع
ويكون فيه الإنسان هو سيد العالم بلامنازعٍ
ألم يقل نيتشه ذات يوم إن الله قد مات
ماذا كان يعنى هذا النيتشوى العظيم
بهذه العبارة
ألم يكن يريد أن يؤسس لحضارة الإنسان
ألم يكن يريد أن يجعل من الإنسان إلهاً لكل
هذا العالم
وذلك بدلاً من ذلك الإله الغامض
الأسطورى
الذى يجلس هناك خلف السمواتِ
والسحب
وبين دساتيرهِ وقوانينهِ التى تهدد
سقف الإنسانية
وتجعل من الإنسان مجرد كلب ضائعٍ
أوحشرة صغيرة فى مملكة الرب العامرةِ
بالجنس والخمر والحوريات
الإسطوريات
مجرد ذرة من الغبارْ
لا تلبث أن تتلاشى
أو تضمحلْ
ماذا سنقول للأجيال القادمةِ
إن هى سألتنا ماذا تركتم لنا أيها الآباء الكفرة
هل نقول لهمْ
تركنا لكم كل تلك الديانات المتناقضة
المتضاربة
والتى يكره بعضها البعض
ويشكّك بعضها فى بعض
كل ديانة تدعى أنها صاحبة الحق الوحيد
فى الاستحواذ على الربّ
وأن الربّ الحقيقى هو ربّ هذه الملّة
أو تلك
هل نقول لهم لقد تركنا لكم شرقاً غارقاً فى الدم
وغرباً غارقاً فى المؤامراتِ والتحالفات
وكلاب الرأسمالية المتوحشة
هل نقول لهم لقد سطاهؤلاء القتلة على عقولنا
وجعلونا مثل ملايين السلاحف
التى لا يعنيها أى شئ فى هذا العالم
سوى أن تأكل وتشرب
وتنجب الآلاف من السلاحف الأخرى
والبراغيت التى تملأ الأرض
بالعفونة
ماذا يعنينى أنا بالقديس إثناسيوس
أوتوماالإكوينى
ألم يكن مارتن لوثركنج
أكثر إنسانية
من المسيح نفسه
وكافة الأنبياءْ
الذين زوروا التاريخ وحذفوا الواقع الإنسانى
من سجلات الوجود
ولم يتركوا لنا سوى معاولهمْ الواسعة
والراسخة والتى لا تتحدث إلا عن العالم الآخر
وإذا كان هذا العالم الذى نعيش فيه
منقوصاً بالفعل
فلماذا لم يخلقه الله كاملاً
ما معنى الخير والشر بالإساس
الخير هنا وفى هذه البقعة
قد يكون شراً هناك وفى بقعةٍ أخرى
من الذى يقرر إن كان هذا
هو الشر أم ذاك هو الخير
أريد ان يأتى اليوم الذى يسير فيه النمل فى الشوارع
ولايخشى أرجل الجواميس
أن ياكل الذئب مع النعجة فى صفيحة واحدةٍ
أن يرقص الحملُ مع الأسدِ وفى نفس السيرك
فلايكون الأسد فى حاجة إلى لحم الحملِ
ولا يكون فيه الحمل خائفاً من إفتراسات الأسد
أريد أن يأتى اليوم الذى يكون فيه الجنس مباحاً
وللكافةِ
بلا حلالٍ خالص
أو حرام محض
من الذى حلّل الحلال وحرّم الحرام
أليست الشهوة جزءاً من تركيبة الإنسان
ومن هو صاحب الميتافيزيقات الرائجة
والتى قلبت موازين الشعوب
أريد أن أرى العالم جمهوريةً واحدةً
ومقسمةً إلى شوارع ومدن
كل شارع فيها يقود إلى شارع آخر
وكل مدينة تقود إلى مدينة أخرى
لا فيضانات هنا
ولاجفاف هناك
أن تكون الأرض مشاعاً للجميع
مثلها مثل السماء
والشمس
والقمر
وبقية النجومْ
هل رأيتم يوماً ما من امتلك قمراً خاصاً به
أو سماءً مخصوصة لأبنائه
هل رأيتم أن أحدكم قد أشترى الشمس لحسابهِ
فلا تشرق إلا له
ولا تغرب إلا فى جوف دارهِ
أريد أن يأتى اليوم الذى تلغى فيه كافة الديانات
وكافة التصورات البشرية السابقة
عن اللهِ
والموت
والعالم الآخر
عن الجنة والجحيمْ
وعبودية الإنسان لأخيهِ الإنسان
أن يكون هناك دين آخر للجميع
لايؤمن سوى بالحياةِ
ولكل تلك الأرض
أن تلغى فيه قوانين الرأسمالية المتوحشة
الأبيقورية
والبراجماتية اللعينة
ولا أحد يمتلك أى شئ
فقط تكون كل حاجيات هذا العالم
لأفرادِ هذا العالم
أن لا يوجد ما يسمى بالرأسمالية
أو الإشتراكية
أو الملكية الخاصة
أو التميز الفردى
أريد أن يتجاوز التاريخ كل تلك الأفكار
القروسطية عن فرسانِ المعبدِ
وأسطورة المسيح الزائفةِ
المسيح الحىّ
أو الميت لافرق
عن الخلاص بالزيت
أو الخلاص بالخراءِ
وأن يكون الجميع أخوة
بلا أية تمايزات
أو علاماتٍ نفعيةٍ
غنِ أيها الإنسان فى كل مكان
فوق هذه الأرض
أنا أعرف أن هذا اليوم سوف ياتى
-نعم سوف يأتى هذا اليوم وبعد أن تعبت
البشرية من الصراعِ والدم
ويومها لن تكون فى حاجةِ إلى الله-
وأننا – ذات يوم – سوف نشعل النار
فى كل الكتب المقدسةِ وغير المقدسةِ
وأننا سوف نخترع ديننا الجديد
بلا واسطة من جبرائيل
أو ميخائيل
ولا خوف حتى من عزازيلْ
حتى تغنى المزامير فى الشوارع
ويرقص الأولاد والبنات معاً
وعلى أنغام الدفوفِ
لا
ولم يعد يرعبنا ذلك الربّ الجالس
على حلقوم التواريخ
فى انتظار أن يفتح بوابات الحجيمْ
-فى رحلة أبديةٍ-
لا تنتهى
ولاتتوقف!
(26)
أنا
لا أملك كلمةً واحدةً لأ قولها لك
أيها القارئ العزيز عن بلادى
أنا لا أملك أغنيةً واحدةً غناها المصريون الأوائل
لأقدمها قرباناً لهذا العالم
أنا لا أعرف أين ذهبت أو اختفت اللغة المصريةِ
القديمة والديانة المصرية القديمة
- ولماذا ومن كان السبب
أليست الديانات العاهرة
خلف كل ذلك-
وكيف تآمر كل طغاة العالم على إهدار الحياة
المصرية القديمة
واللغة المصرية القديمة
من الذى دفن هذه اللغة تحت الأرض
وجعل المصريون يدوسون عليها بالأحذية
والأقدام
ويتجاهلونها كأنها أكذوبة
أو مرض من أمراض التاريخ الحصرية
ألم يتآمر العالم كله عليك ياشعبى
يسرقون لغتك المقدسة
ودياناتك المنقوشة على جدران المعابدِ
والماتزال مدفونة تحت الأرض
أين أنت يامصر القديمة
يامن علّمت الدنيا كيف تكون الحضارة
وكيف أسستِ لكل هذه المعارف
فى العلوم القديمة
فى الطبِ
والفلكِ
والهندسةِ
وعلوم التحنيطِ
والحسابِ
والميكانيكا
والجبر
والرسم
وفيزياء الضوء
وكل تلك الحسابات الدقيقة للأرض
وكم تبعد السماء
وأين تختفى الشمس
أين ذهبت كل هذه العلوم
وأين اختفت كل تلك المعارف
أين صلوات آمون
أين كتابات إخناتون
وماذا عن صلوات نفرتيتى المنقوشة
على القبة الزرقاء لهذا العالم
وفى مقابر تل العمارنة بالذات
أين كتابات الكهنة
والعرّافين
والسحرة
وحرّاس البوابات
أين ذهبت كل أسرار التحنيط
وغرف الدفن
من كان وراء اختفاء كل هذه العوالم المخفية
وأنا أدور فى شوارعكِ ليلاً
أرى الإسكندر الأكبر بجيوشه
الجرّارةِ
وهى تبحر عبر المتوسط
بأعلامها الخضراء والحمراء والصفراء
وإيقاع صناجاتةِ المرنّةِ
الصخابة
أرى كليوباترا البهية وهى تنظر إلى كل هذه الجيوش
الجرّارة وتضحك من كل هذه المهزلة البشريةِ
التى تبدأ من الصفر
وتنتهى على عتبة الموتِ الرنّانْ
هللوايا
يا أنتمْ
ياكل أبناء العالم المتساوين فى الذل والقهر
فى العبوديةِ
والاستغلال
فلا تزال الشمس فى المجرة
ولازال الأمل
يقف على الشاطئ
وينتظر شارة الخلاص
وهى تقود كافة السفن إلى هنا أوهناك
إلى حيث أنتمْ
واقفون
وتضحكون
ولاتبكون
وتكتبون رقصاتكم الكوكبية على كل شئ
حتى على أجنحة العصافير
وحناجر البلابل
والفراشات
وعلى شواهد القبور
ورمل المستنقعات
آه
وأنتَ
أنت يامن ترقد الأن فى الحديقة الدولية
معاقاً وشبه أعزلِ
وبلاأحلامِ
هل تنظر إلى النجوم
كل النجوم
بازدراءٍ
وأنتَ
يا من تركب الأن سيارة إسعاف وحيدة
لجر المصابين فى الحربِ إلى المستشفى
وأنتِ
أيتها النائمة هناك بجوار الزوج
ولا تفكرين فى أى شئ
سوى حضانة الأطفال
وعناق الشمس اللذيذه
وأنت
يامن تسهر بمفردك الأن فى حانةٍ معزولةٍ
وليس فى جيبك سوى أغنيات منقرضةٍ
وبقايا عصرٍ بائد
ولا تنتظر أى شئٍ
من أى أحدٍ
وتحدّق دائماً إلى السقفِ المرفوعِ
والنمارق المصفوفةِ
وبنات الحور
وأنتَ
أيها الجالس هناك على بوابة الفجر الدامع
وتنتظر النهار بأسى بالغٍ
وبأسٍ بليغ
وأنت
أنت أيها الفلاح الفصيح
ياخريج قاعاتِ التبنِ
وعشش الصفيح
أيها الممسك بالمحراث
والفأسِ
ليل نهار
وتنتظر البذورَ فى الأرض
ولا تفكر سوى فى الفيضانات
ووقت الحصادِ
والبهجةِ
وأنت أيها الجندى الخائف البردان
الواقف هناك على الحدودِ
معزولاً
وجائعاً
ولا تجلس إلاعلى صخرةٍ منحوتةٍ
من العظامِ
والجماجم
ومحشوة بحثث الموتى
بدءاً من حروب الهكسوسِ
وانتهاءً بالحرب العالمية الأولى
والثانية
وبقية الحروبِ الدولية التى تنشأ هنا
أو هناك
بفعل أمريكا المتوحشةِ اللبؤةِ
ورؤسائها الشراميط القتلة
وتطاردك الأشباح فى الليل
فيما تسمع نقيق الضفادع فى المستنقعاتِ الجافة
والأراضى المزروعة بالشوكِ
والتكتلاتِ الدولية
أقدم حبى إليكمْ جميعاً جميعاً
هنا
ومن فوق هذه الأرض بالذات!!
-آهِ
يكلف المرء عناءً
أن يؤمن بإلهٍ يتخلى عن مخلوقاتهِ
ويتركها تلقى مصيرها
تحت رحمةِ موجات الشيخوخة
والأمراض
ناهيك عن الموت!!
ولذلك أعلن أمامكم
أنا كاتدرائيتى هى أبراج الحمام
وشخاخ الأرانب
وروث الحمير
والأحشاء الدموية لفأرٍ ميتٍ
وأغلفة التاريخ الخرفاء والمرمية
تحت أرجل الخنازير
ومجنزرات الدبابات
وقتلى الحروبِ
والديانات
كاتدرائيتى
هى شبكة المجارى الكونية التى تبدأ من الصيف الحارّ
وتنتهى أمام تريليونات الموتى
والتى تبدأ من بارامنيدس
ومروراً بشيليجل
وفتجانشتاين
وكذلك بالحلاج
والنفرّى
والجنيد
والشيخ محى الدين بن عربى
وتنهى تحت عربة كانط المحملة بالأخطاء دائماً
منتزعاً نفسى مما كان
ومما هو كائن
ومما سوف يكون
منتزعاً نفسى من الماضى الغائب
والحاضر المضمحل
والمستقبل اللامنظور
منتزعاً نفسى من أرض الوعى الخربةِ
والمسكونةِ بتناقضات الديانات
المملوءة بالخرافات والخزعبلات
منتزعاً نفسى من أرغفة الفقراء
وتضاريس الموتى المنهوبين
كل أولئك الموتى الذين يخافون من الجحيمْ
ويقفون صفوفاً صفوفاً
على شفا جرُفٍ هارٍ
منتزعاً نفسى كذلك
من اللاوعى الزائف للإنسانية المعطلة
على جدار برلين
وتحت سقف البيت الأبيض
وعلى وسادة الرئيس الأمريكى وهو يخطط
لتدمير العالم
وعلى أرضية البنتاجون
ومن بذلات رجال الحزب الديمقراطى الأشرار
ونساء الحزبِ الجمهورى الشراميط.
(27)
أهِ
ماذا تفعلين الآن ياهيباتيا
هل تنضدين الحروف على فستانك الكتانى
وتكتبين كلماتك المغموسةِ بالدم
على قبعاتك المحشوةِ بأوراق الجميز
وعصير العنب الجافّ
وحبات التوتِ البرى
هل تذهبين فى العصارى إلى الملك أمنحتب الثالث
لكى تقولى له
إركب عجلاتك الحربية أيها الملك المعظم
أمنحتب الثالث
لأن جيش الهكسوس قد أصبح
على أطراف طيبة
ويريد أن يدمر المعابد والتواريخ
ويغتصب الأرض
والنساء
وكل ماله علاقة بالواقع
أن يقتحم الأهرامات
ويشعل النار فى منف
وتونة الجبل
ويدمر كل ماله علاقة بالحضارةِ والمعرفة الإنسانية
ولماذا أخذك القساوسة الكلاب
وأقعدوك هناك فى غرفةٍ شبه مظلمةٍ وباردةٍ
تحت الأرض
وتركوك بمفردك مع الثعابين النهاشةٍ
والصراصير
وجعلوا على بوابة غرفتك أسداً مندكاً
وهو يزأر زئيره الرهيب
عسى أن ينهش جثتك
ويشرب من دمكِ الحارّ
هؤلاء القساوسة القتلة الذين ساوموك
مرةً واثنتين
وعشراً
عسى أن تتركى ديانتك القديمة
ديانة المصريين القدماء
وآلهتك المقدسة
رمز المحبة
والسلام
بدءاً من آمون رع
وحور محب
وانتهاءً بإلهك المفضل إخناتون
-الذى يؤمن بالإله الواحد الأحد والذى ليس كمثله شئ
وابن الشمس الوحيد
أنا أعرف أنهم ساوموكِ
قالوا لك
إلهنا هو يسوع المسيح
إبن الناصرة
وبيت لحمْ
إلهنا يمشى على الماء
ويبرئ الأكمه
والأبرص
ويحي الموتى
ويتقدس بالحنطة
والزيت
إلهنا هو الربّ الوحيد فى هذا العالمِ
الذى أعاد إلى الأعمى بصره
إلهنا الذى لم يلد ولم يولد-وهم كذبة-
ولم يكن له كفواً أحد
عيسى بن مريم الذى وقف ذات يوم على بحيرة طبرية
وأخذه يوحنا المعمدان
لكى يعمدة بكل ماء البحيرة
وملح طبرية
إبن الناصرة
الذى جلس إلى حوارييهِ فى العشاءِ الأخير
وهو يحدثهم عن مملكة السماء
وإنجيل الرب
بكلمات غامضةٍ
وحكايات إسطورية
وأن مملكتى ليست من هذا العالم
إبن الناصرة الذين زعموا أنهم صلبوه
ودقوا فى رسغية المسامير
وجعلوا الدم يبك حتى من العروق
كالشلالات
-هل كان هناك أحد ليحدث
من رأى منكم ليقول
وكم من الآلاف المؤلفة حدث لهم أكثر مما حدث
للمسيحِ ذاته ولم يذكرهم أحدٍ
وتواروا فى الظلمات
كم من الآلاف الذين صلبوا أكثر مما صلب المسيح
ذاته
ولم يقولوا عن أنفسهم إنهم أصحاب رسالات
أو أنبياء الربّ
وإلا فما الفرق!!-
وأمه تبكى وتولولُ
بينما المجدلية – عشيقتهِ – ترقص على إيقاع جسدها الفذ
وتقول لهم بصوتٍ صارخٍ
هذا هو رجلى الوحيد
جسده ألذ من الخمر المعتق
طعم شفتيهِأطيب من كل فاكهة الأرض
أنا
كنت يوماً ماعشيقتهُ
يوماًما ثمرته الشهية
ذات يوم أقعدنى على حجرِهِ وهو يدّلك لى جسدى
بيديه الأسطوريتين
وينظر إلى عينىّ بشغفِ عاشق
ولهفة محروم
إلى حديقة اللذة
لقد أكلنا معاً من شجرةِ الجسد الجامعةِ
وأرتشفنا – معاً – حليب الجسدين
بلا خوف من أحدٍ
أوحتى الشعور بالذنب
أو تأنيب الضمير
لأن تلك هى إرادة الرب أيضاً أنا ما اخترت ذلك ولا هو اختار
لأن كل ما يفعل يفعل للخيرِ
إن قال لكم أنا إلهكم الوحيد فقد صدق فى دعواه
وإن قال لكم إنما أنا بشر مثلكم فقد صدق أيضاً
آهِ
كيف عذبك القساوسة الكلاب ياهيباتيا
كيف جرجروكِ فى الشوارعِ
وجعلوك أضحية
كيف خلعوا عنك كل شئ
وجعلوكِ هكذا عاريةً أمام المارة
وأمروا المارةَ ان يرجموكِ بالطوبِ
والحجارة
وقالوا لكل عابر سبيل إبصق على هذه المرأة
لكى تكون عبرةً للعالمين
لا لشئ إلا لأنكِ كنت تقولين
إن الواحد يمكن فى المتعدد
وأن المتعدد يمكن فى الواحد
ألم يأت أفلوطين سيد فلاسفة أثينا
ومعه كتبية من التلاميذ
وراغبى الفلسفة
إلى مدرستك فى الإسكندرية
لكى يتعلم أصول الحكمة
وتفرعات الفلسفة الإنسانية
ألم يجلس اليك لكى يتعلم أصول الحساب
واللوغاريتمات
وحساب المثلثات
والمربعاتِ
وكيفية عمل الضوء
وكيف يمكن أن يقيس المسافة بين الأرض
والشمس
وفى أقل من دقيقة واحدة
وأن يدرس أصول الديانة الفرعونية
وجغرافيات العالم
الم يأتِ إليك العلماء من كل حدَبِ وصوبٍ
لكى يتعلموا أصول الطب
والرسم
لقد تعلموا فن التحنيط على يديك
لقد عرفوا كيف تقومين بتشريحِ الجسدِ
بدءاً من العينينِ
والمخيخ
وجراحة القلب المفتوح
وكيف تقومين بعلاج العظام
وإعادة تركيب العمود الفقرى
والاحتباس البولىّ
وتوقف عمل الكلى وضعف الإبصار
كل ذلك وأنتِ أنتِ هيباتيا
التى تشكل حلقاتها الدراسية أهم حقبةٍ
من حقبات التاريخ بلا منازعٍ
ترى
لماذا وضعوكِ ياهيباتيا على كيران الحدادين
وأخذوا يشعلون النارَ تحت جسدك
وكلما راحت النار تنطفئ
كانوا يأتون بمزيد من الفحمِ
والخشب
لكى تتأجج النيران ثانيةَ
أكل ذلك من أجلِ ان تؤمنى بإلههم الجديد
الذى جاءنا من الناصرةِ
كل ذلك من أجل أن تقولى
باسم الآب
والإبن
والروح القدس
كل ذلك من أجل ان تقرّى بأن المسيح
قد ولد من غير أبٍ
-هل كان الرب فى حاجة فى أن يخرج
من فرج امرأةٍ
وهو يستطيع أن يسوى السماء بالأرض
وكما يزعمون فى خرافاتهم
وأساطيرهم الملفقة-
وأن أمه – مريم – من أجل أن تهرب من
بطش الرومان- ولمَ لمْ يحم
نفسه إن كان هو الربّ بالفعل –
جاءت إلى هنا إلى مصر المفتوحة على
مصراعيها لكل من هبّ ودبّ
لكى تجلب له الراحةَ والأمان
ألم يقولوا عن موسى النبى كذلك
إنه جاء إلى مصر
وجاءت به أمه كذلك من أجل ان تخفيةِ
وبعيداً عن الأعداءِ
موسى اللقيط أيضاً
أولم يات إبراهم كذلك إلى برمصر
وجاء أخوة يوسف
ويوسف
الذى أكل فى قصر الفرعون
ونام على سرير الفرعون
يأكل ويشرب من خير مصر المنهوبة
وفى نهاية المطاف يتحول إلى العدو الأكبر لكافة المصريين
تقولون لى كيف
انظروا معى
جاء أبناء يعقوب كلهم كلهم إلى بر مصر
مصر الغنيمة-
وألم تكن سارة زوجة إبراهيم هى الآخرى
عشيقة لفرعون مصر
ألم يقدمها ابراهيم للفرعون وهو يقول له
ساراى إختى وليست زوجتى
حتى الأنبياء أنفسهم يكذبون
ولماذا مصر بالذات أيها الربّ الجالس
هناك على العرش
أين كانت أمريكا آنذاك ياسادة العالم الجدد
أين كانت روسيا
وانجلترا
وفرنسا
وأين كان عرب الجزيرة
هؤلاء المتوحشون الكلاب بكل خراءاتهمْ
وتصوراتهمْ عن العنفِ
والعنف المضاد
عن الله الواحد الأحدِ
وبحور الدم التى تسيل للركب
ما بين قبيلةٍ وقبيلةٍ
هل كانت مصر تئدُ البنات حقاً ؟
ويمارس أهلها الشذوذ مع الغلمان؟
ترى
ما الذى جاءنا من هناك ياهيباتيا
أنتِ
ألم تعجنى من طين الأرض ذهب كلماتك
وخميرة معرفتك
وحقيقة لغاتك
وأنشودتك الوحيدة المرنّة
وفوق كل هذه الأرضِ
عن الإنسان
لماذا أغتالك كل هولاء اللصوص
- لصوص الله
والتفّ الكهنة الأشرار حول جسدك
المسجى فى الوحلِ
بعد أن سمحوا الرجال الدين
وحاملى النواقيس
وضاربى الأجراس
وعازفى الكمانات
بأن يمتطوك الواحد بعد الآخر
وأن يستبيحوا حرمة الجسد المقدسِ
ثم ألقوا بكِ هناك
تحت أرجل العامة والدهماء
من أجل أن تكونى خلاصاً للربّ
وقرباناً لتصوراتهم الكلبية
وتحت أعين قساوسته الأشرار
هل قال لهم الرب ذلك
قطّعوا أيديها
مزقوا جسدها إلى أشلاء
وجزازاتٍ
اربطوها فى أربعة أحصنة
واجعلوا كل حصان يذهب فى اتجاه
أحدهم إلى الشرق
والآخر إلى الغربِ
أحدهم يسحبها إلى الجنوبِ
والآخر يجرجرها إلى الشمال
لكى تنقذ الجهات الأربع من الشر.

(28)
آهِ
يامذاق العدم
أيها الشصّ الضخمُ
لإله غامضٍ
أيها الإله الساكن هناك فى قاع الهاوية
أو فى قلب الجحيم لافرق
أيها الساكن فوق السموات السبع
أو تحت الأرضين السبع
ما الفرق
ما الفرق فى أن تكون هنا أو تكون هناك
ما الفرق فى أن نعرفك أو لا نعرفك
هل تشكل اللامعرفة بك علامة نقص فى ذاتك
أو جوانيتك
لماذا أنت مهموم هكذا وإلى هذا الحدّ
بأن نعرفك
ونتعرفّ عليك
أن نسير فى دروبك الوحيدة
وطرقاتك المعتمة
وتحت سقف كلماتك المحمومةِ
الواعدةِ
والمتوعدةِ
بالعذاب الأكبر
وفى مهاوى الجحيمْ
وأن نتخلى تماماً عن العاطفة والحب المنجنيزى
عن العقل الذى ينظر فى كل اتجاه
ويفتش عن كل شئٍ
فكل ما يقبله العقل الإنسانى صحيح
وكل ما لا يقبله العقل الإنسانى
زائف
وبلامعنى
لماذا تريدنا أيها الرب الساكن هناك بعيداً
أن نكون نمطاً واحداً من العصارة الإنسانية
وفى الأخير تلقى بنا على سواحلِ الجحيمْ لماذا تريدنا أن نسير فى طابور طويل من الأغنام
والماعزِ
إلى أن نصل إلى – مراعيك اللانهائية
وجناتك التى تغض بالحورياتِ
لكى نشربَ من خمرتك التى لا تنتهى
ونضاجع نساءك على مدار الساعة
لكى تقول لنا
أنا الربّ ذاته
لم لا تتركنا وشأننا لنكون كالعصافير
أو الطيور
لمَ لا نكون كالفراشات نسبح فى السماء بحرية
ونرقص تحت كل شمس
أن نأكل
ونشرب
ونقف هناك على ضفات الأنهارِ
لنغنى
لا نتربص بأحدٍ
أو يتربص بنا أحد
وفى آخر النهار نأوى إلى أعشاشنا
التى صنعناها بأيدينا
ليس فى جعبتنا سوى الأحلام ,
ولا يرعبنا الموت فى شئ
أيها الإله
القاتلُ
الواعد
المتوعد
والمتناقض فى ذاتهِ كذلك
إذا كنت أنت القادرُ على كل شئٍ حقاً
فلم كل هذا الظلم على الأرض
لم لم تمنحنا السلام والسكينة هنا على الأرض
ويتحقق العدل
والحرية
بدلاً من الإنتظار إلى ما لا نهاية
إلى أن تقوم الساعة
إن كانت هناك ساعة بالأساس
(29)
أين ذهبت بالميرا يارب
أين ذهبت حضارتها
وراعية أغنامها
أين ذهبت أغانيها القديمة
وعرباتها الموشاة بالذهب
والفضة
أين كلماتها التى نقشها الكهنة على الصخور
وكانوا يحفظونها عن ظهر قلب
ويعلمونها لأولادهم
فى قلب بالميرا
ولماذا تحولت بالميرا إلى تدمر
أنا زنوبيا
سيدة الملكات
وجميلة الجميلات
لماذا أتى الطغاة من كل فجّ
وما الذى فعلوه بأوراقى
وقصاصات أشعارى
بكتبى وأوراقى الموسيقية

وأنا شيدى الدينية
وأشعلوا النار فى النخيل
وألقوا بحبات الأعناب تحت أرجل الجواميس
لم يكن هناك خطأ أوصواب قطّ
لأن الكل فرح
ويمتلئ بالحياة
أنا زنوبيا
سيدة الملكات
وجميلة الجميلات
إلى أن جاءنا مجموعة من البدو الرّحل
ودمّرَوا كل شئ
من أجل أن نعبد أصنامهم
وأوثانهمْ
الكل يأتى ليتحدث باسم الربْ
الكل يقول أنا وحدى أملك حقيقة
الربّ
ثم يتحولون وفى نهاية المطاف إلى مجموعة
من القتلة
واللصوص
باسم الربّ
وباسم شريعة الربّ
ولم نر الربّ يتحرك لمرة واحدةِ لكى ينفذنا
سبوا النساء
وقتلوا الأطفال الرضع
واستولوا على الأرض
باسم الربّ
والرب هناك غارق فى الطمأنينة
ولم يفعل أى شئ
بل أين أنتِ ياسيبيل
ياامرأة ساتيرن
وياأم جوبيتر
حين كانت الألهة ترعى الأغنام
وتشرب لبن الماعز
وتحتسى الخمر فى عز الظهيرةِ
حين كانت الالهة ترقص معنا وتشربْ
من نفس الكأس حلاوة النبيذ
وتتدلى بين الجسدين الملتحمين
وتمارس معنا لذة الجنس
ونفس الشهوة
وبنفس الطريقة التى كنا نلبس بها هدومنا
وأحذيتنا
ولم يفكروا أبداً فى الشرّ
ولم يقل أحد لأحد أنت مطرودُ من مملكة الربّ
أهِ
أين أنتِ ياسيبيل
يا أم جوبيتر العظيمة
ياإلهة الأرضِ والخصوبةْ
حين كنا نصحو على أنغام الآلات الموسيقية
وزقزقة العصافير
وغناءِ البلابل
ونصطاد الفراشاتِ بالضحك
لم يكن الرجل أبداً سيداً على المرأةِ
ولم تكن المرأة أبداً أمة للرجل
كان كل جسد يلتحم بكل جسد
ولم يكن هناك لاجنة
ولا جحيمْ
الجنة هى المحبة
وشريعتها الإخلاص
والجحيمْ هو الكراهية
وبلا شريعةٍ قطّ!!
(30)
من الأعماق صرخت إليك يارب
-إن كنت موجوداً حقاً-
ألم تشبع بعد من الموتى
ألم يصيبك القرف من كل هاتيك الجثث
التى تجئ إليك كل يوم إلى المقابر
على نقالة من خشبٍ
وأحياناً من خراءٍ بأكفانٍ محشوةٍ
بصلوات غامضةٍ
ألم يشبع جحيمك بعدُ من كل تلك الجماجم
التى تتراصّ إلى مالا نهايةٍ
وفى مقبرتك الضخمة التى تلتفُ حول العالمِ
ألم تقرف بعد أو يصيبك المللُ
من كل تلك اللعبة اللعينة القذرة
والتى تبدأ بالميلاد
وتنتهى دائماً بالموت
ألم يكن لديك خيار آخر أو صيغة أخرى
لتزجية أوقات فراغك
وطالما أنك خلقت الإنسان وتعلم
ماتوسوس به نفسه
ما جدوى الاختبار
ولعبة الخير والشر اللعينة هذه
بينك وبين عدوك الأكبر
الشيطان الرجيم؟!
ماذا ستفعل بكل هذه الدمى
ولماذا جئت بهم إلى هذا العالم أصلاً
وأين هى رحمتك التى تقول عنها
إنها وسعت كل شئ
الصيف تلو الصيف
والشتاء بعد الشتاء
الربيع يأتى ليعود
والخريف لا يتوقف
عن تساقط الأوراق أبداً
فى كل هذه اللعبة المكررة
والعالم كل العالم
بلامبرر بالأساس
من الأعماق صرخت إليك يارب
-إن كنت موجوداً حقاً-
أين تتوقف سفنك
وفى أى ميناء تهبط طائراتك الورقية
ومتى تتوقف كلابك المدربة على الصيد
والقنص
عن النباح
ومتى تتعطل موسيقاك الصاخبة ذات الجلبة
فوق نوارج العتمة
ماذا نفعل نحن بحشائش الرغبةِ
التى تسكن بداخلنا
ونشوة الأمل
ماذا نفعل بكل هذه الشمس التى تشرق
بداخلنا كل يوم ولا تتوقف أبداً
إلا تحت سيوف أنبيائكِ ومدعى
رسالاتك
ماذا نفعل بكل هذا الألم الذى يتنطط
فى غرفنا المغلقة
ويداعب أحلامنا الشائخة
ويجعلنا ندور فى السكك كالضالين
أنا أريد أن أعثر عليك أيها الربّ الإله
حتى ولو تحت بوابة بيت خربْ
أو بداخل دورة مياه
أو وراء تكعيبة عنب
أريد أن أراك بعينى هاتين
والمسك بيدىّ المجروحتين
هل تشبة السرابَ الأبدى أيها الربّ
كلما مشى إليك السائر فى الصحراءِ
إكتشف أنه يطارد اللا شئ
وهويموت من العطش
ولا يحلم سوى بقطرة ماءِ
ياحارس الجبانات الأبدى
ماذا أقول- أنا – عن كل تلك الأحلام التى تولول فى الرأس
وتنام عند المؤخرةِ
لمَ أصحو من النوم على صوت صراخك
الذى يأخذ بتلابيبى
ولا يترك لى ولو قميصاً واحداً
لأمسح به
عن مخيلى
كل تلك الكوابيس
التى تشبة القطط المحروقة والمتوحشة الشرسةِ
والتى تكون أنت سائق عربتها الوحيدة
وملاح سفينتها الأمهر
الذى لا يعبأ لا بالأمواجِ
ولا بالبحرِ
ولا بأسماك القرش المتوحشة
أو فلاّيات الأنهار الخرافية
أحياناً
تكون سائق عربة من عربات الكارو
وأحياناً أخرى تكون صياد سمك
مرةً تكون أغنيةً – باذخةً-
على جسد إمرأةٍ رامحةٍ
ومرة تكون شجرة دردارٍ
تحت سقف بيت منكسرٍ
هل تعرفنى حقاً أيها الربّ المجنح
وأنا أتوسل إليك فى كل ليلةٍ
أن تطبطب على قلبى
أنا حقاً لم أعد أعبأ
لا بجنتك الموعودةِ الموؤدةِ
ولا بجحيمك المنقعر
كل تلك التصورات مجرد لعب أطفال
وتخريفات رحلٍ معتوه.
(31)
أنا سأغنى لكل تلك الاجيال القادمةِ
كل تلك الأجيال الواقفة على بعد ألف عام
من الآن
سأغنى للبحر الأبيض المتوسطِ
والبحر الأسودِ على حدٍ سواء
سأغنى للشجر الواقف على الجسور
فى انتظار الشتاء
أو الصيف
سأغنى لكل كرات الثلج الساقطة هناك
على جبالِ سيبيريا
سأغنى لكل تلك الأجيال القادمة من بعيد
وهى تغنى للحرية
وهى تتخلص تماماً ونهائياً
من كل أفكارنا القردية
عز الجنة
الجحيم
وعذاب القبر
ومنكر ونكير
لكل تلك الأجيال التى سوف تأتى من بعدنا
لتقدس العقل
وهى تنظر إلى عصورنا الحالية هذه
كعصور منقرضةِ
أو خيالات سينمائية
لمخرج أبلهٍ
ومعتوه!!
أنا فقط سأغنى للإنسان الواقف على عرش الآلهة
وهو يهتف لأخيه الإنسان
تعال
تعال معاً لنتحرر
من قبضة الزمن
لنتحرر من الخوف من الموت
من كل تلك الأفكار المنقرضةِ
لدينا صورات البلاليع
ليكن كتابنا المقدس هو الحب
ولاشئ إلا الحب
لتكن كل صلواتنا العميقة للجسد
وهى تقدس جسد المرأةِ
الجسد ذلك الإله المرئى واللامرئى فى نفس الوقت
تعال معاً يارفيق
لنتحرر من كل تلك الأفكار الكهرومغناطيسيةِ
لأنبياء الصحراوات الملاعين
وكل قساوسة الكنائس المبرقشة بالدم
والخرافات
ليكن كتابنا المقدس هو الإنسان
ولا شئ سوى الإنسان
بلا رموزٍ
أو أساطير
وسنعرف كيف نغنى لهذه الوردةِ
أو ذلك المحراث
كيف نغنى للشمس الرائحة فى النوم
كما نغنى للقمر النائم على السكك
والوديان
بلا أساطير خالصٍ
عن المصلوبِ
ولا خزعبلات مريم العذراءِ
أو مريم المجدلية
أو حتى اليعازر
تعالوا إذن أيها الرفاق
لنجعل من الحياة رحلةً ممتدة من الأزلِ
إلى الأبدِ
أنا مثل النبى يوسف لايعنيه من العالم
سوى إمرأة العزيز
أنا مثل النبى داوود
لا يعنية من العالم سوى إمراةِ أوريّا الحِتىّ
آه
فلنجعل من هذا العالمِ
مرأةً لتصوراتنا الحرة
لا أنبوبة إختبار لحيواتنا اللامرئية
من قال إننا سوف نبعث من جديد
بعد الموت
إن كان هذا سيحدث بالفعلِ
فقولوا لى
من صعد إلى السماءِ ونزل؟!
من صرّ الماء فى صرّةٍ؟!
فقط أجيبوا على كل هذه التساؤلات
من قال إن الروح سوف تعود ثانيةً
لتسكن فى هذا القُماطِ
أوذاك
إنظروا أيها البلهاء
كيف احتضن النبى سليمان بلقيس
أخذ ينقش لها الأناشيد
كيف سافرإليها وعبر كافة البرارى والصحراواتِ
ليجلسَ تحت قدميها مثل عاشقٍ
أو عبد ذليل
وكيف راحت بلقيس تغريه بساقيها المرمريتين
وبطنها الذهبية
وصدرها الأرجوانى الأخاذ
والذى يتفوق حتى على ذهب
أصفهانِ
وطشقندْ
كيف جلس إلى هاتين الساقين الأرجوانيتين
وراح يلعق جمالها المثير
وكأنما هو يحتسى خمر العالم
من إباريق اللذةِ
وهو يقف على ساحلِ الخلود وأخذ يمارس معها الجنس بضراوةِ
حصانٍ منيف
أو أسدٍ قد عثر أخيراً على فريستهِ
وهى –أى هذه المرأة بلقيس-
تخرج عن نطاق العقل والتصورات
وتقف بمفردها
فوق قضيبه الأرجوانى الذى يفتك
بفستانىهاُ الكتانى
ويمزق جسدها الأسطورى
إرباً
إرباً
وهو يقف على شراشيب شهواتها التى راحت تتفرع
إلى شوارع
وسككٍ
إلى أودية
ومغارات
فكانت أحياناً ما يخر منها الماءِ
على الأرض
وأحياناً ما تعطّرُ الأرض
بجليب شهوتها الساخن
وهى تقول له آه أه , آه
اوآ , او آه , أو آه
إيه
إيه
ها –
ها- !!
ياسليمانى العتيق
أين كنت أيها الملك قبل ذلك
وماذا فعلت بدونى
أين كنت أيها الملك ومن قبل أن أراك
كيف غبت عنى كل هذه السنواتِ
أنا كنت أحلم بك
وأترقب وصولك
خذنى إليك
إجعل من جسدى كرةَ مطاطٍ
وبين فخذيك
إغرس أصابعك فى جسدى
وسلاحك الرهيب فى مؤخرتىْ
أنا
أريد أن أسمع طقطقة روحىْ
على صنج جسدك
أريد أن أرى نوافيرى تصاعد إلى السماء
وأنا أصرخ بين ذراعيك
أريد أن أفرغ شهواتى كلها فى مياةِ أنهارك
وأن أفرغ مياه أنهارك
فى بوتقة جسدى
ومستنقعات أوردتى
روحى غريقة فيك
من أين أتيت بهذه القوة أيها الملك
ومن أدراك بى
أنا سمعت عنك من كتاب الجسد
الجسد الذى أرسلته إلىّ
وأنتَ
أنتَ
كيف سمعت عنى
ولماذا جسدى أنا بالذات
أصبح بين عينيك لجة
إدخل إلى قصرى
وأنا سوف أفتح أبواب قصورك كلها
إركض
إركض
فى ملاعبى الظمآنة العفيفةِ
وأنا
سوف أنعس على سواحل جسدك
وأجعل منك أسطورةً
أومقدساً
لا قداسة إلا للجسد ياسليمان
ولا خلود بعد الموت
أنا وأنت فوق هذه القصبة
ما شأننا بالبلهاء الذين يملأون هذا العالم
دعنى أشرب من كأسك الملآنة بالخمرِ ياحبيبى
وأنا سوف أسقيك من كأسى المترعةِ يالحليب
ذهب قصورك لاشئ
إلى جوار جسدى
وذهب قصورى لاشئ إلى جوار جسدك
وعسل حليبك
أنا تناولت عشائى وغذائى
فوق جسدك المخيف هذا
وأنا أنا يا بلقيس
ألف ألف زهرةٍ قطفت
أنا طفت فى كافة المدن
ونزلت إلى أغوارِ كافة البلدانِ
قدموا لى كل شئ
الذهب
والماس
والمرجان
والعطور
والأناشيد
إلى ان سقطتُ فوق جسدك أنتِ
يا بلقيس
وإلى أن عثرت عليك أنتِ
ياكنزى المخفى
وياإلهى الوحيد
أنا
كنت أبحث عن الله إلى أن وجدتك
كنت أبحث عن الخلودِ إلى أن رأيتك
أنا كنت أبحث عن معنى ما لكل هذا العالم
إلى أن ارتقيت إلى قم جبالك
ودخلت إلى طرقات قصوركِ المخفية
وداخل هذا الجسد
فوق جسدك رأيت الله متربعاً
فوق سُرّة هذا العالمِ
وهو يمسك فى يده اليمنى صنجاً ليغنى
لك أغنيته الأخيرةَ
وفى يده اليسرى شمسه التى لم يطلع عليها أحد حتى الآن
ليضئ لك – انتِ يا بلقيس –
ومن خلالِ جسدك كافة المسالك
وبقية الدروب
أنتِ العالم يا بلقيس
وبعدك
بعدك لاشئ
سوى العدم والموت
أناروحى فقيرة يابلقيس
كنت أسكن فيها بمفردى
كشحاذٍ
لا أرى سوى هبوب الرياح فى الشتاء
وغلظة الصيف
التى تحرق حتى الأمعاء
والقلب
وكان لا شئ يزين جدران هذا الكهف
الذى أقيم فيه
سوى صورة عن الربّ الإله
وهو يقف على فوهةِ الجحيمْ
وكما قالت لى امى يابلقيس
إلى أن أتيت أنتِ يابلقيس
كنت أنتِ الإله الذى أنتظر
كل تلك الروح التى تنفخ فى العدم
يابلقيس
بك يتحول العالم إلى شمسٍ وقمرٍ
وضحى
وضحكات
أنت العالم يابلقيس
والعالم أنتِ
فى داخلى يسكن الوجود والعدم يابلقيس
على طاولةٍ واحدةٍ
أحدق إلى اليمين فأرى الوجود رمز كل شئ
وأنظر إلى الشمال فأرى العدم
وأيضاً
ومثل أسد بألف فم
ماذا أفعل أنا يابلقيس- فى هذه الظهيرة الغاوية
سوى أن أفرش ملابسى على السكك
وأمسك بمزمارى الخشبى
على أملِ
أن أجد أحداً يسمعنى
فى هذا العالم يابلقيس
ولكن العالم ميت
ويبدو أن الله قد انشغل هو الآخر بتأليف سيمفونية جديدة
المرأة بنفسها فخارة
والرجل قربة ماء
ما إن تلتقى الفخارة
وقربة الماء
حتى تزدهر اللآلئ فى الأفق
وتفور الشمس فى الأرجاءْ
فيا أصحاب الديانات المهرة
المرأة
والرجل
فيهما يقيم الواحد ليل نهار
ومن خلال جسدهما يخرج
المتعدد
واللا نهائى
أين شوكتك ياموت
أين غلبتك ياجحيمْ!!
محمد آدم
كندا- إدمنتون
2018

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى