د. محمد الهادي الطاهري - صار الموت مفتاحا لعودة اللاجئين

عدت من موكب جنازة لتوديع المرحومة مباركة بنت خال أبي رحمه الله. كان موتها مناسبة للاجتماع بعدد غفير من أبناء قريتنا. جاؤوا من أمكنة بعيدة ومن أزمنة أبعد. رأيت رجالا كانوا بالأمس أطفالا أو شبابا يافعين.رأيتهم ورأيت في أعينهم كلهم آثار الزمن. أتى علينا الزمان فصبغ وجوهنا ورؤوسنا ولوى ظهورنا وأعناقنا. أهذا أنت يا محمد؟ أهذا فلان؟ وهذا؟ وذاك؟ . لم يبق منا أحد على ما كان عليه. تعارفنا من جديد وأحيينا بالحديث أياما خلت. ها نحن في السبعينات أو الثمانينات شبابا مفعمين بالحياة. كنا هنا غير بعيد عن حوش المرحومة نلعب الكرة ولا نبالي بحر الشمس. لم تكن شمس حزيران ولا شمس تموز تمنعنا من الجري خلف كرة تشاركنا لتحصيل ثمنها. وهنا حيث نحن واقفون تماما كان حانوت العم الهادي فقاقيع زوج المرحومة هذه نأتيه في ليالي رمضان الصيفية لنشرب الفانتا أو نشرب الدخان. لم نكن نلعب الورق هنا فهذا الحانوت للكهول ونحن يافعون ممنوع علينا الجلوس مع الكهول فنلجأ إلى حانوت غومة. زمان بعيد رأيته اليوم يحط علينا بأعبائه وأفراحه وأتراحه أيضا. كل هذه الأحواش باتت خالية إلا قليلا. قطعان الأغنام والماعز راحت وراحت الحمير أيضا كما راح الناس. الموت آفة تأكلنا والفقر أيضا آفة تسحب الناس من هنا وتجرفهم نحو منحدرات المدن المالحة. أرأيت يا توفيق هذا؟ إنه عبد الزراق. ومن يكون عبد الرزاق؟ هو (رزوقة خو سي بلقاسم.) وانفجرنا ضاحكين وآثار الحزن بادية علينا. تذكرنا القصة. كأنها جرت بالأمس. رزوقة هذا من الصامدين القلائل. لم تجرفه آفة المنحدر المالح مازال بهيئته القديمة وبنبرة صوته الأولى أيام كنا في المدرسة. وهذا؟ هذا الحاج رومان. سنة أو سنتان أخريان ويكون قد أتم المائة عام. نحن من سلالة تعيش. لا تنسوا ذلك. وافترقنا. صار الموت في بلدتنا مفتاحا لعودة اللاجئين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى