ناجي ظاهر - الانسان المبدع.. كما اراه

اعتقد بداية ان ما وضعه مؤلفون ودارسون من دراسات حول موضوع الابداع وعنه ايضًا، قد اثار نوعًا من البلبلة لدى المهتمين بهذا الموضوع الشائك والشائق في الآن ذاته، فمن قائل إن الابداع هو ان تأتي بجديد، إلى قائل انه اختراقات لآفاق غير مسبوقة وغير مطروقة، وما إلى هذه من آراء صائبة في مجملها ومبلبلة في ذات الوقت. حتى لا نكون متجنين ومن اجل توضيح ما نود قوله، نقول إن هذه الدراسات رسّخت وركزت موضوع الابداع.. وكانت مصيبة حينما وضعت المبدع تحت المجهر فذهبت إلى أنه يتصف بالعديد من الصفات مشددة على ثلاث منها هي: الاصالة، محبة الاستطلاع والمرونة في التحاور والتقبل لكل ما هو جديد ومطروح حلًا لهذه المشكلة او تلك.
فما هو الابداع في عمقه؟
بالعودة إلى ما اشير اليه فيما يتعلّق بالبلبلة المنوه اليها، نقول ان تعريف الابداع بانه الاتيان بالجديد واختراق الافق البعيد..، دفع الكثيرين من المبدعين وسالكي طريقه في شتى المجالات، للتوجه المباشر إلى الجديد ومحاولة الاتيان به فتهاووا في متاهات لها أول وليس لها آخر، متنكبين السير في طرق ومنطلقين في طرائق لا حاجة لهم بها، ومفتعلين الاتيان بالمبتّدع والجديد، باي ثمن، الأمر الذي عاد بالأعداد الوفيرة من المهتمين والمتلقين، بهذا الموضوع الابداعي او ذاك، لا سيما في الفني التشكيلي، للانصراف عنه من ناحية ودفع اعدادٍ اخرى منهم لمجاملات فنية مبالغ فيها.. خشية اتهامهم بعدم المعرفة والاطلاع على الابداع الانساني العميق ومدارسه!!
لقد اذهبت الآراء العامة في الابداع واهمية التجديد بمقتضاه مكونًا هامًا، العديدين، لا سيما من الزوار الجدد لهذا النوع او ذاك من الانواع الابداعية، لسلوك طرق موحشة، فيما يضعونه ويقدمونه في المجال، فرأينا الكاتب الذي يكتب محاولًا الابتعاد عن ذاته ومفاهيمه الخاصة به، ولم نعدم الموسيقى الذي يدخل في نوع من الجنونيات البعيدة عن مكوناته الشخصية، كما التقينا بالرسام الذي يقدّم نوعًا من المخربشات التي لا يعيها هو ذاته.. والطريف ان هؤلاء اعتقدوا جازمين، ان هذا هو الطريق الصائب لتقديم ما يبقى من ابداع، فأصدروا الكتب الجنونية وقدموا المقطوعات الموسيقية والرسمات العبثية، محاولين فرضها على متلقيهم وكأنما هي الحقيقة التي لا توجد هناك حقيقة سواها، ومسوقينها على أنها هي الابداع الذي تجاوز كل ما سبق وتم تقديمه آنفًا في هذا النوع الابداعي او ذاك. وقد اعتمد هؤلاء في زمن الميديا وامكانية شراء ذممها الواردة دائمًا وعلى طول، من تسويق انفسهم وكأنما هم مالكو الحقيقة الابداعية ومخترقو افاقها الغامضة المبهمة.. المسربلة بضباب الوجود.
ما فعله هؤلاء ساهم في ظهور الفنان المشهور وبروزه من ناحية وفي غياب الفنان الحقيقي في كثير من الاحيان بدعوى انه لم يأت بالجديد والمرغوب فيه في عالم الابتداع والتخلق. بل اننا لا نبتعد كثيرًا اذا ما قلنا إن ثقة اولئك المدعين وسالكي مسلك البلبلة في دروب الابداع المختلفة، بأنفسهم وقدراتهم على تسويق انفسهم، تمكنت بهذا الشكل او ذاك من دفع اعداد ليست قليلة من المبدعين الحقيقيين.. المهمين، للوقوف جانبًا، ربما اعتقادًا منهم أن هذا العالم ليس لهم، وأن زمنهم مضى. ولن يعود.
بالعودة إلى السؤال الاول: من هو المبدع الحقيقي، نرانا مضطرين لتسليط الضوء على المبدع وليس على نتاجه. كما قلنا توجد هناك مميزات ومواصفات تمّ الاجماع والاتفاق عليها بين دارسي الابداع وحالاته المختلفة، على أن المبدع عادة ما يكون صاحب شخصية اصيلة بمعنى انه صاحب ذات مستقلة قد يستمع لكل ما يقال إلا أنه في النهاية يقول ما يراه صوابًا وخلاقًا، وانه محب للاستطلاع بمعنى انه يفترض أن يكون مثقفًا مطلعًا في مجاله الذي تخصّص فيه واراد ان يبرع، وان يكون مرنًا، بمعنى ان يكون سهلًا في التعامل مع ما يواجهه من مستجدات في الحياة والابداع، وان يكون انسانًا مفتوحا وليس مغلقًا.
توضيحًا لكل ما تقدّم نقول إن الانسيان المبدع كما نراه، هو صاحب شخصية تتميز بالأصالة والاستقلالية، اولًا وقبل كل شيء، وانه لا ينسخ سواه ويحرص على أن يكون هو.. هو.. قبل ان يكون اي انسان آخر، حتى لو كان هذا الانسان كونفوشيوس بهيبته ووقاره، وهذا يعني بجملة واضحة ومباشرة: كن انت.. انت بكل استقلالية، ثقة ومرونة.. تكن مبدعًا حقيقيًا.. ومُهمًا ايضًا.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى