عند عودتي، تغزل خطواتي سجادة الطريق، أعبر الطريق بسرعة وحذر كما لو أنني لم أعبره من قبل، أقف عند بائع الصحف، أشتري منه صحيفة، لكنني لا اتذكر يوماً أنني قرأتها او فتحت اوراقها، أو حتى اختارت ذائقتي اسم الصحيفة، سواء كانت صحيفةأخبار أو اهرام أو حتى جمهورية، كانت كما هي عادتي أمسح بالصحيفة زجاج سيارتي التي اركنها في مرآب قريب من نفق العباسية.
تأخر الوقت، كان طريق الخليفه المأمون قد أغلق تماماً من المتظاهرين، فمنذ ليلة أمس سمعت صوتاً مدوياً هز نوافذ شقتي، قوات الجيش تسد منافذ النفق، كنت أتوقع أن أحد المتظاهرين يضرم النار في سيارة تابعة للشرطة، حاولت أن أتحقق عن قرب عن نوع السيارة التي أصبحت كجرذ ايبسته نياران شعواء، ابتعدت عن لهيب النار ومن أصوات المتجمهرين، فثمة من ينذر الجميع بانفجار خزان الوقود،
لم أصل لذلك المرٱب بعد، فقد منعني ضابط في الجيش من الوصول إلى المرآب، حاولت أن التف حول المرآب أو
أتخذ طريقاً آخر، لكن الأمر ساء عندما راح بعض المتظاهرين يلوحون قناني البنزين ويلقونها في وسط الشارع، كان رجوعي صعب، بل أصبح وصولي إلى الشقة أصعب من أن أقف حيث أنا،
سحبني أحد المتظاهرين في زقاق ضيق لم تألف قدمي اسفلته من قبل، عدت كما لو أنني أدور في متاهة، جلست على رصيف الزقاق وأنا أضع رأسي بين ركبتي، انتابني شعور من الخوف، تذكرت أبني الصغير الذي آخذه كل يوم عند عودتي من المدرسة، تشجعت قليلاً وأنا أتخذ قرارا الوصول إلى سيارتي،
رحت اسير بسرعة ولم أكترث لصوت الضابط الذي راح يصرخ بصوت جاهوري وهو يأمرني بالرجوع، دخلت المرآب وانا أبحث من بين عشرات السيارات عن سيارتي المرسيدس، لم أكن مخطئة حينما ركنتها بالقرب من باب المرآب العريض، سمعت صوت عامل المرآب وهو رجل كبير في السن يخبرني بأن سيارتي المرسيدس اخذوها بعض البلطجية،
لا أدري لماذا؟! اسعفتني ذاكرتي حينما تذكرت تلك السيارة التي كانت تحترق في مدخل نفق العباسية، هممت بالرجوع كنسرة منقضة على فريستها كان الدخان هو الوحيد من يرشدني اليها من زحمة المتظاهرين، اقتربت منها بعد أن خفتت نيرانها الملتهبة، من المؤكد أنها المرسيدس، التي اشتريتها من أخي قبل أن يسافر إلى أمريكا لإكمال رسالة الدكتوراة للعلوم السياسية.
كان النفق مظلماً، لكنني لم أقف أو حتى اوقفتني حشود المتظاهرين، أو قوات الجيش فقد رحت اسير ببطء كسلحفاة فقدت طريق الشاطئ.
بانت أمامي بنايات وبيوت وفلل وشوارع وازقة، كأنني لم أراها من قبل.
كان كل شيء أمام نظري يعم بالضبابية التامة، فلا أتذكر كيف أنني دخلت شقتي وأنا شعثاء الرأس وطلاء الدخان قد ملأ وجهي تماماً، كل ما أتذكره قبل أن أفقد الوعي، هو سؤال أبني ماما ماذا حدث ؟!
فاطمة مندي
تأخر الوقت، كان طريق الخليفه المأمون قد أغلق تماماً من المتظاهرين، فمنذ ليلة أمس سمعت صوتاً مدوياً هز نوافذ شقتي، قوات الجيش تسد منافذ النفق، كنت أتوقع أن أحد المتظاهرين يضرم النار في سيارة تابعة للشرطة، حاولت أن أتحقق عن قرب عن نوع السيارة التي أصبحت كجرذ ايبسته نياران شعواء، ابتعدت عن لهيب النار ومن أصوات المتجمهرين، فثمة من ينذر الجميع بانفجار خزان الوقود،
لم أصل لذلك المرٱب بعد، فقد منعني ضابط في الجيش من الوصول إلى المرآب، حاولت أن التف حول المرآب أو
أتخذ طريقاً آخر، لكن الأمر ساء عندما راح بعض المتظاهرين يلوحون قناني البنزين ويلقونها في وسط الشارع، كان رجوعي صعب، بل أصبح وصولي إلى الشقة أصعب من أن أقف حيث أنا،
سحبني أحد المتظاهرين في زقاق ضيق لم تألف قدمي اسفلته من قبل، عدت كما لو أنني أدور في متاهة، جلست على رصيف الزقاق وأنا أضع رأسي بين ركبتي، انتابني شعور من الخوف، تذكرت أبني الصغير الذي آخذه كل يوم عند عودتي من المدرسة، تشجعت قليلاً وأنا أتخذ قرارا الوصول إلى سيارتي،
رحت اسير بسرعة ولم أكترث لصوت الضابط الذي راح يصرخ بصوت جاهوري وهو يأمرني بالرجوع، دخلت المرآب وانا أبحث من بين عشرات السيارات عن سيارتي المرسيدس، لم أكن مخطئة حينما ركنتها بالقرب من باب المرآب العريض، سمعت صوت عامل المرآب وهو رجل كبير في السن يخبرني بأن سيارتي المرسيدس اخذوها بعض البلطجية،
لا أدري لماذا؟! اسعفتني ذاكرتي حينما تذكرت تلك السيارة التي كانت تحترق في مدخل نفق العباسية، هممت بالرجوع كنسرة منقضة على فريستها كان الدخان هو الوحيد من يرشدني اليها من زحمة المتظاهرين، اقتربت منها بعد أن خفتت نيرانها الملتهبة، من المؤكد أنها المرسيدس، التي اشتريتها من أخي قبل أن يسافر إلى أمريكا لإكمال رسالة الدكتوراة للعلوم السياسية.
كان النفق مظلماً، لكنني لم أقف أو حتى اوقفتني حشود المتظاهرين، أو قوات الجيش فقد رحت اسير ببطء كسلحفاة فقدت طريق الشاطئ.
بانت أمامي بنايات وبيوت وفلل وشوارع وازقة، كأنني لم أراها من قبل.
كان كل شيء أمام نظري يعم بالضبابية التامة، فلا أتذكر كيف أنني دخلت شقتي وأنا شعثاء الرأس وطلاء الدخان قد ملأ وجهي تماماً، كل ما أتذكره قبل أن أفقد الوعي، هو سؤال أبني ماما ماذا حدث ؟!
فاطمة مندي