محمد مصطفى العمراني - سعــــــاد

الليلة قررت أن أرحل ، لقد كرهت هذه الحياة التي أعيشها مع زوجي كزوجة ثانية ، شتمني كثيرا ، وضربني أكثر دون أية أسباب سوى إرضاء زوجته الجديدة.!
لقد تحملت كل هذا العذاب من أجل أولادي ، وهاهم قد كبروا ويستطيعون العيش بمفردهم ، أما الطفل الصغير فسأخذه معي.
الان الوقت بعد منتصف الليل ولم أنم بعد من شدة الحزن الذي يعتصرني ، قبل قليل كان صوته مع زوجته الجديدة يضحكان يزيد من حزني وألمي ، الان هدأت كل الأصوات سوى صرير الجدجد ونباح كلاب في أطراف القرية.
بعد الفجر سأحمل طفلي وأرحل ، ساجتاز سبع قرى لأصل إلى منزل شقيقي الذي عاد مؤخرا من السعودية ، لم يأت لزيارتي كما كنت أتوقع ، لكني سأذهب إليه فهو في النهاية شقيقي .
ربما يضع حدا لعذابي ويطلقني منه ، حينها سأظل أخدمه هو وزوجته لكني سأنجو من الضرب والإهانة .
وربما يلزم زوجي بمعاملتي كأي امرأة محترمة ، وان لم يتحقق لا هذا ولا ذاك سآخذ إجازة من الصرب والإهانة وسأرى شقيقي وبيته الجديدة.
سأرى قريتي ومسقط رأسي فلي فيها ذكريات الطفولة والشباب ورفيقات كثر .
ما ان أذن المؤذن حتى قبلت أطفالي الغارقون في نومهم ثم حملت الطفل الغارق في نومه وخرجت بهدوء ، أثقلني حمله فهو ابن سبع سنوات أنزلته ليمشي فظل يمشي ببطء ويتعثر في الظلام وأقوده خلال الطريق..
- إلى أين نذهب الان يا أمي؟
- سنذهب إلى بيت خالك وهناك سيعطيك ملابس جديدة وحلوى.
- أنا لا أعرفه
- اليوم ستراه.
أضواء النهار تشرق ولم أقطع الا قرية واحدة وقد بدأت أتعب .
أمشي وألتفت خلفي لعله قد صحا ولحق بي ، قلبي يدق بعنف وحبات العرق بدأت تظهر في جبيني .
بعد ساعة كنت قد اجتزت أربع قرى وبدأت أشعر باطمئنان فلم يبق الا ساعة لأصل إلى منزل شقيقي ، أسرعت في مشيي اسحب الطفل الذي أنهكه المشي الطويل الذي لم يعتاده.
لم يبق سوى قرية وأصل وحينها سمعت صوت سيارة ، دق قلبي بعنف ، أسرعت اختبئ في الحقل المجاور ، لم أكد اختفي حتى لمح الولد أبيه يركب السيارة ، كأن له عيون صقر ، صاح بأعلى صوته:
- أبااااه
توقفت السيارة ، شعرت بقلبي يسقط بين قدمي وبأن كل تعبها قد ذهب هدرا ، أسرع الطفل نحو والده الذي نزل من السيارة واحتضنه وقبله وسأله:
- أين أمك ؟
- بين الزرع
حمله إلى السيارة ثم ذهب إليها ، كنت متكومة على نفسي أبكي وأرتعد خوفا واتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعني ، ركلني بقدمها ثم أنهال علي صفعا وأمطرني بوابل من الشتائم البذيئة وجرني كخروف إلى السيارة ، صعد هو بجوار السائق وتركني أركب بجوار النافذة ، وعادت السيارة من جديد نحو المنزل الذي فررت منه.
في الطريق تحدث مع صديقه السائق عن حرب الخليج وعن صدام وعودة المغتربين من السعودية ، كنت أسح دموعها واتمنى الموت على العودة إلى منزله.
حين صعدت السيارة سفح جبل قررت أن اسحب عجلة القيادة بخطوة خاطفة لتهوي بنا جميعا إلى أسفل الجبل لكني نظرت إلى طفلها البريء فتراجعت عن قراري.
أوصلني إلى باب المنزل وذهب مع السائق إلى السوق ، دخلت كأنني جنازة أنزلوها قبرها ، جلست على الفراش البالي بركن البيت فتحلق حولي أطفالي يقبلونني ويبكون فرحا بعودتي.
لم يمض سوى دقائق حتى جاءت ضرتي ، كانت قبل ذلك قد تزينت كأنها عروسة ، رفعت صوت المسجل بشريط زفاف لتكيدها ، ألقت علي نظرة مليئة بالاحتقار والشماتة ، ثم ضحكت ضحكة ساخرة وعادت إلى غرفتها تحتفل.!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى