فاطمة مندى - غانية وبائعة هوى

شردتُ بعيداً أنظر الي غروب الشمس وهي تلملم أشعتها من سماء النهار، كعروس تتهادي في موكب زفافها، وتفترش خيوط الليل سماء النهار رويداً رويداً كلما بعدت خيوط الشمس افترشتها خيوط الليل.
أنتظر اولادي لحين انتهائهم من تدريبهم الاسبوعي، كدأبهم كل خميس،
أقظتني يد تربت علي كتفي، نظرت بجانبي فلم أصدق مُقلتي! صديقتي، وصديقة طفولتي. لم أراها منذ أمد بعيد، قمت من سباتي وتعانقنا .
بعد الترحيب وتبادل القبلات، جلسنا نتجاذب اطراف الحديث.
_لم ارك منذ زفافك. أين كنت؟ وماذا فعلت بك الأيام؟ هل انجبت أولادا؟ وما أعمارهم ؟ وكم عددهم؟
=ضحكت الصديقة بصوت مسموع معقبة نعم أنجبت أربعة ابناء ثلاثة ذكور وفتاة، أكبرهم في الثانوية العامة وأخرهم الأبنة في أبتدائي.
_هل تعملين؟
نعم لقد تم تعييني في وزارة الكهرباء تعلمين أنني درست الهندسة قسم كهرباء.
= وأنت أعلم أنك كنت تدرسين الطب، وأكيد تعملين طبيبة. ولكن في أي قسم؟
_ أعمل طبيبة أطفال.
=هل تزوجت؟
_ نعم لقد تزوجت، وأنجبت ولد وبنت؟ هما الأن في التمرين، هم في إعدادي، كما تعلمين لقد تأخرت في الزواج قليلاً من أجل إنهاء دراستي.
= من زوجك؟
_ تزوجت معيد كان يحاضر لنا .
شردت الصديقة بعيداً.
_ حدثتها: ماذا بك؟ أحس أنك مختلفة شيئاً ما بداخلك؛ شيء لا أجيد قرأته غير طبيعي.
= كيف؟!
أنا لا شيء بي، أنا طبيعية جداً.
_ لا هناك شيء بداخلك لا أجيد التعبير عنه، لكنني أحسه ولا أعلم ما هو، هل حدث لك أي مكروه في الأونة الأخيرة؟
= تنهدت مع أخذ شهيق طويل ثم زفرته دفعة واحدة مع شرود دون تعقيب.
_ أريد أن أخفف عن كاهلك ما يثقل عليك حمله، قصي علي ماذا بك؟!.
اغرورقت مقلها بالدموع، حاولت أن تواريها عني ولكنها فشلت، لأن الدموع خذلتها وفرت مسرعة علي خديها، أخرجت منشفتها الورقية معقبة
= تعلمين أنني أعمل موظفة، بعد خروجي من العمل يأتي دوري في المنزل، ثم متابعة الأولاد، وفي المساء يكون كل جهدي ذهاب بلا عودة، أستلقي على فراشي مسلوبة العافية، واغط في سبات عميق، أعامل زوجي كأي زوجة محترمة وأراعي ربي فيه وفي نفسي وأولادي، كان زوجي يحبني حباً جنونيا ولكن عندما كان يطلبني أحيانا كنت اذهب إليه متضررة، وأحيانا كثيرة كنت اتجاهله، أسلم رأسي لوسادتي مسلوبة الوعي والإرادة من كثرة الإجهاد، يغافلني النوم عمداً يشد جفوني رغماً عني، أسلم رايتي واغفو في سبات عميق.
تذمر زوجي كثيراً وعنفني كثيراً وعنفته أكثر، وتصاعد سقف مناقشاتنا التي أحياناً كثيرة تكون حادة وتعلو اصواتنا معنفاً كلانا الأخر.
نكيل لبعض السباب علي أتفه الأسباب. في الأونة الأخيرة بدأ يتغير، ويخرج من البيت بعد تناول الغذاء ولا يعود إلا بعد منتصف االيل، التهمتني الهواجس والقمتني للشك في موقد النار، تؤرق مضجعي وتلهب فراشي بنيران حارقة، وأنياب مفترسة خدشت كرامتي.
قررت متابعته عن كثب، فوجدته يرتاد مقهى مع بعض اصدقائه الي ساعات متأخرة من الليل، حمدت الله كثيرا،ً ولكن ما الجدوى وقد لفظ عشه، واغتنم خروجه للجلوس في المقاهى.
هذا هو الحال منذ وقت طويل وبات ثوب علاقتنا فاتر هش مهترئ لا طعم له ولا رائحة. فشلت كل محاولاتي معه وكل مناقشة لي معه يزداد عناده أكثر.
_ ربتُ علي كفتفها معللة: هذه غلطة تقع فيها معطم النساء،
هل تعلمين لماذا يفر الزوج الي زوجة أخري؟ لأنها تتركه وحيداً، الرجل مثل الأبن يريد حنان زوجته يريدها أمه أخته صديقته زوجته ابنته حبيبته عشيقته، يريدها كل هؤلاء، تعلمين أن مشاغلي ضعف مشاغلك لأنني أعمل مرتان؛ في الصباح أعمل في المستشفى، وفي المساء أعمل في العيادة، وعندي شغل المنزل والاولاد كل هذا وحق زوجي لا اجور عليه وعندما يطلبني يجدني غانية وبائعة هوى.

فاطمة مندى

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى