عمار حميد مهدي - عندما سكن الطائر , قصة قصيرة

هبّت رياح شهر آذار الربيعية , كانت الغيوم ترسل المطر مدرارا يغسل وجه الارض التي تحولت الى خضراء محتفيّةُ بالربيع , وزهور الهندباء البرية المنتشرة تتمايل راقصة تتلقى قطرات المطر لتزيّن بها لونها الاصفر الداكن , وعلى قمّة شجرة الصفصاف الكبيرة المعمّرة وسط الحقول وقف الطائر صامتا ساكنا يتأمل ويراقب السيارات القليلة التي كانت تسير على الطريق البعيد , كان الطائر من مكانه هذا يرى كل الاشياء واضحةً وصافية تحت غيومٍ رمادية مضاءة بنور الشمس الخافت وكان يشعر بسموّه وعلياءه من هذا المُرتَفَع عندما كانت الرياح تداعب ريشه الابيض وحفيف الاوراق التي يحتمي بها يهمس اليه , ألقى نظرةً الى البعيد حيث كانت بضعة عصافير تحلّق تحت المطر وصوت زقزقتها يقطع تأملاته التي كان غارقا فيها ونظر الى سيارة بعيدة مسرعة , كانت فيها امرأة تنظر اليه لبرهة وقد جذبت انتباهه لها بوجهها الابيض الناصع , لم تتأمل المرأة ابدا منظر الطائر الجميل وهو يقف في مهابة اعلى قمّة الشجرة , ولم تُعِر اهتماماً ألبتّه لمنظر الحقول الخضراء المبللة بالمطر ولا بزهور الهندباء الصفراء اذ سرعان ما حولت وجهها نحو زوجها الذي كان يقود السيارة لتواصل جدلها المحتدم معه وهو يرد عليها بإنزعاج وانفعال بسبب شؤون زوجية يومية ومتطلبات منزلية لاتنتهي , كذلك لم يكن ما يحصل من جدال داخل السيارة يصل الى مسامع الطائر البعيد , ذلك الطائر الذي كان في عالمه الخاص يشرف على مملكته الهادئة من عرشه عند اعلى شجرة الصفصاف العجوز منتظرا انتهاء المطر ليرسم بتحليقه فيما بعد لوحة جميلة اخرى تضاف للحقول.

عمار حميد مهدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى