د. محمد عبدالله القواسمة - هل يحتاج الأديب إلى رقيب؟

في مقالة نشرت في ملحق الدستور الثقافي 24/شباط/ 2023م تحت عنوان "أزمة النقد الأدبي في الأردن" لاحظ الدكتور أحمد عرفات الضاوي في ظل غياب النقد الأدبي غزارة الإصدارات الأدبية من شعر ونثر، ورأى أن النقد الأدبي الموجود غير كاف؛ فهو مجرد قراءات نقدية؛ مما جعل الإصدارات في الشعر والنثر تتكاثر، ويتضاعف الهدر، وتتراجع الفائدة من الإصدارات التي يختلط فيها الغث بالسمين. ورأى أن من المفيد أن تعود دائرة المطبوعات وانشر أو من يقوم مقامها في مراقبة ما يُنشر، وعدم التساهل في شروط النشر؛ حتى لا تتراكم الإصدارات المتواضعة التي لا تسهم في إثراء الحركة الأدبية، وعدم ممارستها، أي دائرة المطبوعات والنشر ذلك "انسحاب غير منطقي من مسؤوليتها في اختيار الأفضل وإجازته للنشر".

إذا ما اعترفنا بأزمة في النقد الأدبي في الأردن، وبوجود كثير من الإصدارات الأدبية الركيكة، فهل الحل المطالبة بعودة الرقابة ودائرة المطبوعات والنشر للسماح بنشر الجيد من الإصدارات الأدبية؟

لا شك في أن الأدب لا ينمو ولا يتطور إلا في مناخ من الحرية، فلا يحتاج الأديب إلى رقيب من أي سلطة سواء أكانت سياسية، أم اجتماعية، أم ثقافية؛ فهو في العادة ينشد الحرية، ويحرص في أدبه على أن ينير الطريق إلى الخير والجمال. فالحرية جوهر الأدب ورسالة الأديب. فكيف والحالة هذه أن يتقبل الرقابة على نفسه، ويحكم على أدبه بالحشر في قوالب معينة؟

لعل الرقابة تستطيع أن تحد من نشاط الأديب، وتعرقل تطوره، وتجعله يُغيّر من أساليبه في الهروب منها، لكنها لن تقدر على منعه من الإبداع. فالطيور قد تقتلها بنادق الصيادين لكن لا تستطيع أن توقف تغريدها وهي على قيد الحياة. إن كل أنواع الرقابة والمحاكمات والملاحقات للأدباء والكتاب التي جرت عبر التاريخ لم تمنع رواية أو ديوان شعر أو كتابًا فكريًا من الصدور والانتشار، بل على النقيض من ذلك ساهمت في الإقبال على تلك الأعمال واتساع شهرة أصحابها. كما حدث لروايات: "مدام بوفاري" لفلوبير، و"عشيق الليدي تشاترلي" لـ د. ه. لورنس، و"وليمة لأعشاب البحر" لحيدر حيدر، وكتاب طه حسين "في الشعر الجاهلي" وغيره. ثم لا ننسى أننا في عصر التكنولوجيا التي سهلت للكتّاب نشر أعمالهم وتوزيعها، كما شجّعت من هب ودب على أن يكون في عداد الكتاب والنقاد.

والجدير بالذكر أن التجارب مع دائرة المطبوعات والنشر في الفترة التي كانت نشيطة باستخدام قلمها الأحمر تُبين أنها لم تساهم في ارتقاء الأدب والفكر والفن؛ فلم تمنع عملًا أدبيًا؛ لأنه ركيك أو متواضع القيمة الفكرية والجمالية بل منعت الأعمال التي كانت تخرج عن الخطوط الحمر في الثالوث: الجنس، والدين، والسياسة. وغالبًا ما كان رقيبها يمنع أي عمل يتغزل بالمرأة تغزلًا فاحشًا، أو يتحدث بصراحة في السياسة، أو يتناول قضايا دينية برؤية حديثة.

على ضوء تلك التجارب لا ينجو حتى الأديب المشهور من مقص الرقابة ومطرقتها، ويغدو بفضلها كأنه خليع أو زنديق أو كافر.

إن محاربة الركاكة والضعف في إنتاجنا الأدبي والفكري تحتاج-كما أرى- إلى النهوض في مجالات الحياة كلها السياسية والثقافية والاقتصادية، وإصلاح المؤسسات التعليمية والتربوية بدءًا من البيت ومرورًا بالمدرسة وانتهاء بالجامعة. ليتعزز في المجتمع التفكير الناقد، والإحساس بالجمال، والتشبث بالقيم الإنسانية، ونبذ التفاهة والسفاهة والانحطاط في شؤون الحياة.

في النهاية إن الأديب لا يحتاج إلى رقيب، فهو لا ينجح في أدبه إلا اذا كان حرًا، ولا يكون حرًا إلا إذا كان بعيدًا عن أي رقابة. فالحرية ليست شرطًا لإبداعه فحسب بل لحياته أيضًا، تلك الحرية التي عرفها منذ أن انسلّ من رحم أمه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى