فاطمة مندي - العسل المر

علي طاولة النقاش أمسكت الأم والإبنة طرفي المشكلة ، شد وجذب، كلاهما يريد إقناع الآخر بوجهة نظره إلي أن وصلت المناقشة إلي طريق مسدود، حاولت الأم بشتى الطرق أن تنير للإبنة الطريق، أن تشرح لها مع من سوف تقضي حياتها، وأن الحياة بينهم شبه مستحيلة لأن أفكارهم مختلفة، ولن تتقابل في نقطة، وسيمضي الوقت مسرعاً وتصحو علي مشاكل كارثية. فأعرافهم وحياتهم عكس كل شيء نشأتي عليه ، لم تستمع بل سيطر عليها هاجس الحب فقط ورونق العاطفة، ولم تعلم أن الحياة الزوجية تبدأ بخلع الأقنعة. علا صوت الإبنة: ثقي يا أمي أنني لن أتزوج غيره، أهواه بل أعشقه.
حاولت الأم بشتى الطرق إقصاء الإبنة عن موقفها دون جدوى. رضخت الأم لصوت العقل أسفة علي هذا الإختيار غير المتكافئ؛ فالذي تريده الإبنة شاب صعيدي يقطن في محافظة من محافظات الصعيد ، وهناك عدة عراقيل توشي بعدم نجاح هذا الزواج، فرق شاسع فى الثقافة والحياة بين المدينة المتحررة
والصعيد
المغلق.
حاولت الأم وضع العراقيل أمام العريس ، غالت في كل شيء كي تقصيه عن أبنتها لكنه وافق.
تم الزواج على غير رغبة الأم والأب اللذان رضخوا لرغبة الإبنة متصلبة الرأي.
في أول يوم زواج أضاء نور اختلاف الثقافات على سطح الواقع بازغاً، احتد النقاش بين العروسين حول أمور تافهة من وجهة نظر الكل، لكنه العقل المتحجر، كان يصَّعد الموضوعات بشكل مخيف. بدأت سلسلة من الخلافات التى غالباً تكون بدايتها أمور تافهة، ويتفاقم الأمر حد النواح. دمرت الخلافات خيط العشق الواهم بين الزوجين، وبدأ كلاهما يكيل الاتهامات للآخر على أشياء تافهة ومن خلاف إلى خلاف حتي جائهم مولود صغير. لم يشفع المولود للخلافات أن تختفي، بل العكس كلما تناقش الزوجان في أي أمر يتصاعد حدة الخلاف ويخرج خارج نطاقهما.
حار الأبوين بينهما .
حتى وصلا إلى طريق شبه مسدود.
حارت الأم مع الإبنة وقالت لها معنفة : أما قلت لكِ هذا قبل الارتباط ، أما أخبرتكِ أنهم بأفكار غير أفكارنا، وثقافة غير ثقافتنا، بكت الإبنة وأحرق بكائها قلب الأم. هدأّت الأم الإبنة وسألتها في هدوء: ماذا تريدين ؟
قالت الإبنة : الإنفصال. ربتّت الأم على كتفيها وقالت: كما تريدين . ولكن لك طفل منه وأنت مازلت صغيرة، ولو أردتي الزواج مرة أخرى؛ سيأخذ منك الطفل، فهل تريدين الإنفصال؟ بكت الإبنة مر البكاء معللة:
يا أمي إنه إنسان لم أر مثله، أتحدث عن عقل لا يفهم، وقلب لا يشفع، وطبع لا يرضخ، لقد مزق إيماني وحطم تمثال الزواج عندي، عاملني كأن التحرر سبة، وأنى عاجزة عن تحمل المسئولية، يشكك في كل شيء تربيت عليه.
ردت الأم في حكمة: هكذا هم أهل الصعيد، متشددون في أفكارهم، عادتهم، تقاليدهم تختلف عنا تماما.
كل شيء عندهم يأخذونه محمل الجد، يؤمنون بأفكار أندثرت منذ عهود، ولكنهم مازالوا يحافظون عليها، وهذا ما رفضته من أجله لم أرفضه لشيء يعيبه كشخص، ولكن رفضي له يا بنيتي من أجل ما تعانيه الأن، كنت أرى كل هذا مسبقا، فكما تعلمين أنا أنتمى لهم، ولكن تربيت بين أحضان عائلة تتسم بالمرونة بعض الشيء ، لكنهم عموماً لا يتزوجوا إلا من ذويهم؛ لأنهم من بيئة واحدة، أما وقد خرجوا من بيئتهم، فلا بد من صدام الحضارات هذا ففرق الثقافات، حتى عندما يتزوجون تحدث الكارثة ويدب الخلاف القاتل.
قالت الإبنة: وبعد.
ردت الأم في عقل: كما شئتي إنها حياتك أنت، وتذكري طفلك عند اختيارك للحلول.
سألتها الأبنة: ورأيك أنت يا أمي.
قالت الأم في صرامة: الأن تريدين نصيحتي؟!
أنا لا رأي لي، هذه حياتك، إفعلي ما تريدين، نحن أهلك مهما حدث، والزوجة عندما تنجب تنسي كل شيء وتعيش لأبنائها الذين لا كذب لهم، ونحن نخاف عليك ونؤيدك في أي اختيار.

فاطمة مندي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى