(9)
لم تتلقّ زوجتي طيلة مدّة مرضها التي جاوزت الأربعين يوما سوى زيارات نادرة من بعض نساء الجيران. وتلقّت في المقابل مئات المكالمات الهاتفيّة العادية والمصوّرة والرسائل القصيرة بنوعيها. بعض زميلاتها العاملات معها مثلا أغرقن في التواصل معها عن بعد ولم يتسنّ لهن أن يزرنها. واحدة فقط من بين كثيرات جدّا طرقت الباب ودخلت المنزل وجلست إليها حيث تجلس. إنّها السيدة ليلى. جاءت وأمضت ساعتين أو أكثر قرب صديقتها. لم أكن عند قدومها في المنزل. دخلت فسلّمت عليها وتركتهما تتبادلان الأحاديث. أنا في العادة لست ميّالا إلى إلى مثل هذه المجالس، وثقافتي لا تسمح لي بحشر أنفي في ما لا يخصّني. نعم هي ضيفة وأستاذة زميلة، وتلقائيّة جدّا ومع ذلك لم أشأ أن أشوّش عليهما حديثهما. لذلك جلست في مكتبي بعيدا عنهما. زوجتي تناديني: هات قهوة يا محمّد. فأقول: دقائق وتكون القهوة جاهزة. كيف لم أفكّر من تلقاء نفسي في إعداد القهوة؟ أيكون هذا علامة على البخل أم علامة على الكسل أم علامة على أمور أخرى؟ هل يمكن أن تفهم الصديقة الزائرة من غفلتي عن القهوة أنّها شخص غير مرغوب فيها؟ مستحيل. أنا أعرف السيدة ليلى وهي تعرفني، وبيننا علاقات احترام ومودة متبادلة. هي في الحقيقة امرأة تلقائية جدا وبأخلاق بدوية. وإذن فلا داعي إلى مثل هذه التأويلات. أعددت القهوة، وعوض أن أقدّمها وفق البروتوكولات المعروفة قدّمت الكأسين مجرّدين، كأسا بيدي اليمنى تسلّمتها الأساتذة ليلى منّى بلطف وهي تشكرني، وكأسا بيدي اليسرى هممت بتسليمها إلى ربّة البيت المصون ولكنّها قالت منبّهة: أهكذا نقدّم القهوة يا محمّد.؟ ضحكت وقلت: وكيف إذن؟ قالت: أين الصينية، وعلبة السكّر والمناديل وزجاجة الماء؟ قلت: سيأتي ذلك تباعا. الحقيقة أنّي لم أفكّر في ذلك البتّة. القهوة عندي هي القهوة فقط. وها أنا أقدّمها. أما الحواشي والملاحق فأمر ثانوي جدا. تقتضي آداب الضيافة كلّ تلك البروتوكولات التي نبّهتني إليها ربّة البيت الأصيلة وأنا تصرّفت بتلقائية وعفوية تنمّان عن إهمال واضح لكلّ فنون الخدمات السياحيّة. السيدة ليلى تضحك وتقول: دعي الأمر على ما هو عليه، لست ضيفة. نحن عائلة واحدة. أغتنم هذا التصريح وأقول: أرأيت؟ لا فائدة في البروتوكولات. ثم تركت الصديقتين، ومضيت إلى شؤون أخرى تشغلني. وقبل أن تغادر السيدة ليلى نادتني وهي تقول: سي محمّد. لا تشتر غداء الغد. سيأتيكم الغداء جاهزا. أقول مجاملا: لا ترهقي نفسك يا أستاذة. لقد تعوّدنا على طعام السوق بل إن الجماعة استساغته وهو في اعتقاد الكل أطيب. تضحك الأستاذة ليلى وتقول: لن يكون أطيب من طعامي. سترون.
لم تتلقّ زوجتي طيلة مدّة مرضها التي جاوزت الأربعين يوما سوى زيارات نادرة من بعض نساء الجيران. وتلقّت في المقابل مئات المكالمات الهاتفيّة العادية والمصوّرة والرسائل القصيرة بنوعيها. بعض زميلاتها العاملات معها مثلا أغرقن في التواصل معها عن بعد ولم يتسنّ لهن أن يزرنها. واحدة فقط من بين كثيرات جدّا طرقت الباب ودخلت المنزل وجلست إليها حيث تجلس. إنّها السيدة ليلى. جاءت وأمضت ساعتين أو أكثر قرب صديقتها. لم أكن عند قدومها في المنزل. دخلت فسلّمت عليها وتركتهما تتبادلان الأحاديث. أنا في العادة لست ميّالا إلى إلى مثل هذه المجالس، وثقافتي لا تسمح لي بحشر أنفي في ما لا يخصّني. نعم هي ضيفة وأستاذة زميلة، وتلقائيّة جدّا ومع ذلك لم أشأ أن أشوّش عليهما حديثهما. لذلك جلست في مكتبي بعيدا عنهما. زوجتي تناديني: هات قهوة يا محمّد. فأقول: دقائق وتكون القهوة جاهزة. كيف لم أفكّر من تلقاء نفسي في إعداد القهوة؟ أيكون هذا علامة على البخل أم علامة على الكسل أم علامة على أمور أخرى؟ هل يمكن أن تفهم الصديقة الزائرة من غفلتي عن القهوة أنّها شخص غير مرغوب فيها؟ مستحيل. أنا أعرف السيدة ليلى وهي تعرفني، وبيننا علاقات احترام ومودة متبادلة. هي في الحقيقة امرأة تلقائية جدا وبأخلاق بدوية. وإذن فلا داعي إلى مثل هذه التأويلات. أعددت القهوة، وعوض أن أقدّمها وفق البروتوكولات المعروفة قدّمت الكأسين مجرّدين، كأسا بيدي اليمنى تسلّمتها الأساتذة ليلى منّى بلطف وهي تشكرني، وكأسا بيدي اليسرى هممت بتسليمها إلى ربّة البيت المصون ولكنّها قالت منبّهة: أهكذا نقدّم القهوة يا محمّد.؟ ضحكت وقلت: وكيف إذن؟ قالت: أين الصينية، وعلبة السكّر والمناديل وزجاجة الماء؟ قلت: سيأتي ذلك تباعا. الحقيقة أنّي لم أفكّر في ذلك البتّة. القهوة عندي هي القهوة فقط. وها أنا أقدّمها. أما الحواشي والملاحق فأمر ثانوي جدا. تقتضي آداب الضيافة كلّ تلك البروتوكولات التي نبّهتني إليها ربّة البيت الأصيلة وأنا تصرّفت بتلقائية وعفوية تنمّان عن إهمال واضح لكلّ فنون الخدمات السياحيّة. السيدة ليلى تضحك وتقول: دعي الأمر على ما هو عليه، لست ضيفة. نحن عائلة واحدة. أغتنم هذا التصريح وأقول: أرأيت؟ لا فائدة في البروتوكولات. ثم تركت الصديقتين، ومضيت إلى شؤون أخرى تشغلني. وقبل أن تغادر السيدة ليلى نادتني وهي تقول: سي محمّد. لا تشتر غداء الغد. سيأتيكم الغداء جاهزا. أقول مجاملا: لا ترهقي نفسك يا أستاذة. لقد تعوّدنا على طعام السوق بل إن الجماعة استساغته وهو في اعتقاد الكل أطيب. تضحك الأستاذة ليلى وتقول: لن يكون أطيب من طعامي. سترون.