أمل الكردفاني- الفنان قاتل والده.. قصة قصيرة

شاع الخبر في المدينة الصغيرة، بأن الفنان قد قتل والده. وكانا قد فازا بجائزة كبرى حينما غنيا سوياً قبل سنين بعيدة أغنية واعدة بمهارتيهما، كان القاتل حينها طفلاً لذلك انتشر الخبر بسرعة وأضحى حكم الإعدام جاهزاً تقريباً قبل المحاكمة، أما الأجيال الحديثة فقد عادت لتسمع الأغنية القديمة وتعرف إن كان الأمر يستحق كل هذا الضجيج أم لا، غير أنهم انقسموا، فجزء يرى أن الأغنية تافهة، وجزء يرى أنها وإن كانت تحتاج لأدوات موسيقية متطورة لكنها جيدة. وصاح رجال الدين بأن هذه نهاية الأسر التي تتربى على المعازف واللهو. السياسيون في الساحات العامة أقسموا بدورهم بأن دم الأب المغدور لن يروح هدراً وأن القصاص واقع واقع فصاح أهل المدينة بنشوة نصر لا يعرفون لها مبرراً، كل ما في الأمر أن مكبرات الصوت كانت من النوع الرديئ لأن من قام بتوريدها للحكومة هو ابن الوزير ونائب رئيس الحزب الحاكم.
وقد اجتمع بضعة آلاف من أهل المدينة يوم النطق بحكم الإعدام داخل وخارج مبنى القضاء. لقد تركوا أعمالهم ليكونوا قريبين من الحدث. في الواقع لم يكن لهم أعمال حقيقية ليتركوها، ومع ذلك تعطلت المصالح الحكومية في ذلك اليوم وكذلك المدارس والجامعة الوحيدة في المدينة، وسوق الخضار واللحوم، وازدحمت الشوارع بالسيارات والماشين على أقدامهم. وبعد الحكم عاد الناس ليجدوا منازلهم وقد سرقت. مع ذلك فلم يكن ما سُرق بأكثر أهمية من مواكبتهم للحدث التاريخي، اي تاريخ هذه المدينة التي تقبع في منتصف الصحراء.
ضرب القاضي عصاه ونطق بحكم الاعدام بقوة وعرقه يتصبب لأن الكهرباء كانت مقطوعة، وبعدها على الفور صاح الحاجب بصوت قوي ينم عن خطورة مجهولة: "مح....كمة"، فنهض الجالسون وغادر الواقفون، وتشتت البشر، وهم صامتون، مشيحين النظر عن رؤية القاتل الشاب الذي يقف خلف القضبان بثبات، وقد جاء الشرطي فنكزه إلى خارج القاعة ليتم اقتياده من قبل شرطة السجون إلى زنزانته. عاد أهل المدينة ليجدوا منازلهم وقد سرقت، وقال المحامي أمام القناة الفضائية، بأن الأمر لم ينتهِ بعد فهناك استئناف ونقض حيث لن يحدث تأثير من الجماهير على الأحكام التالية. وقد أثار ذلك غضب القاضي، والقضاة الآخرين فدفعوا ببيان احتجاج أكدوا فيه أن القضاة يتمتعون بالحيدة بفضل جهود رئيس الجمهورية في تعزيز استقلال القضاء. مع ذلك كان الحكم الأول هذا كافياً بالنسبة للشعب، ولم يحاول الناس تقصي ما أعقب ذلك من طعون، غير أن لصوص المنازل طبعوا منشورات تندد بحكم الاستئناف الذي خفف العقوبة من الإعدام إلى عشر سنوات، ودعوا في تلك المنشورات إلى الخروج للمطالبة بالقصاص، فخرج الناس، وعادوا ليجدوا منازلهم وقد سُرقت مجدداً، وتجددت المنشورات الداعية للخروج من أجل دفع المحكمة العليا إلى نقض حكم الاستئناف وتأييد الحكم بالقصاص، وقد حدث ذلك بالفعل، وبعد أيام طويلة وأهل المدينة واقفين أمام مباني القضاء صدر الحكم بإعدام الفنان الشاب بالفعل، فعاد الناس إلى منازلهم وهم يعلمون بأنها قد سرقت. وفي اليوم التالي، أصدر اللصوص بياناً طالبوا فيه أهل المدينة بالخروج للإسراع بتنفيذ القصاص، وقد حدث ذلك، وسرقت المنازل كالمعتاد. وحتى بعد إعدام الشاب، تكررت المنشورات والبيانات، وتكرر خروج أهل المدينة، وتكررت سرقة منازلهم، حتى أضحى من الغريب أن يعودوا فلا يجدونها قد سرقت.

(تمت)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى