زينب محمد عبد الرحيم* - ظاهرة الاحتيال بين الادب العربي والمقامات العبرية

الاحتيال فى اللغه يجمع بين المنع والإلحاح وأستعملت هذه الكلمة بكثرة فى العصر العباسي إشاره إلى شدة السؤال و الإلحاح . للاحتيال صور عديدة مثل الكدية، التسول، النصب ، التطفل و السرقة و يقوم المحتالون بالأنتشار و نصب الشباك و يستخدمون حيلهم و مكائدهم للحصول على مرادهم فمنهم من يحتال من أجل المال أو الطعام أو تحقيق هدف أجتماعى و ظاهرة الاحتيال منتشرة فى كل المجتمعات وقد عرف المجتمع العربي هذه الظاهره منذ العصر الجاهلى و هؤلاء المحتالون كانوا يعرفون بالصعاليك و كانوا ينشرون الفساد فى الأرض و يسرقون و ينهبون.

و فى العصر العباسي أزدادت هذه الظاهره بشكل كبير و مبالغ فيه بسبب الظلم و الفقر و أستحواذ الطبقات العليا على المال و الثروه على حساب الطبقات الكادحه و لا شك أن هذا التفاوت الطبقى جعل الطبقه الشعبيه تعانى الفقر و الظلم و من ثم ظهور المحتالين و المتسولين و اللصوص . ظاهره الاحتيال ، هى ظاهره تعتبر لسان حال المجتمع خاصة فى العصر العباسي مما جعل العديد من الفقراء يلجأون للأحتيال من أجل الطعام و الكسب .

و بما أن الأدب يعتبر مرآة المجتمع فقد عبر الأدب عن هذه الظاهره و ظهرت فى العديد من كتب التراث العربي حيث ألف الأدباء كتبا كاملة عن التسول و الكديه و كل ما يخص المحتالين، كما شهدت أعمال الجاحظ فى كتاب الحيوان و البخلاء و حيل اللصوص قصص كامله عن المحتالين ، حيث أعتبر البعض كتب الجاحظ بمثابة دستور الشطار و العيارين لما فيه من وصف دقيق لصفاتهم و مكائدهم .

و فى كتاب البخلاء، أستطاع الجاحظ أن يعرض صورة البخلاء الحقيقيه و أساليبهم فى الأحتيال للحصول على أغراضهم، فالبخلاء إن عجزوا عن إخفاء البخل لجئوا إلى المغالطه و التأويل و قلب المفاهيم ، فإذا البخل أقتصاد و إذا التقتير حسن تدبير و هكذا يسمون الأشياء بغير أسمائه.

لقد أفرد الجاحظ قصص عدة حول البخلاء نذكر منها قصة “أهل البصرة من المسجديين” و المسجديين :هم طائفه من الفقراء و البخلاء التى كانت تلازم مساجد البصرة و تتخذها ميدانا للدرس و المذاكره حيث كانوا يعقدون أجتماعا للبخلاء يرون فيه حكاياتهم و يدرسون أمور البخل والتواصى به و فى هذه القصه يقول الجاحظ: قال أصحابنا المسجديين أجتمع ناس فى المسجد ممن ينتحل الأقتصاد فى النفقه من أصحاب الجمع و المنع و قد صار هذا المذهب عندهم كالنسب الذى يجمع على التحاب و كانوا إذا ألتقوا تذكروا هذا الباب و تطارحوه ألتماسا للفائده و أستمتاعا بذكره.

الأحتيال فى الأدب العبرى، حيث تأثر كثيرا بالادب العربي ، وظهر أدب الاحتيال فى فن المقامه و صوره العديد من الأدباء اليهود اللذين تأثروا بفن المقامه العربي.

فى كتاب التسالى، ليوسف بن مائير بن زباره، صور فى مقاماته الاحتيال عن طريق شخصيات تتسم بهذه الصفه وذكر على سبيل المثال رجل الدين الذى من المفترض أن يكون مثالا للأخلاق و العفه، ولكن بعضهم يلجأ إلى الأحتيال و الغش من أجل تحقيق منافع شخصيه.

هذا النوع أفصح عنه ابن زباره و صوب نحوه سهام النقد و أظهر رجل الدين فى صوره مشينه إذ قام هذا الرجل بسرقة مهر عروس أبنة جاره، فيلومه أبن زبارة على أحتياله ، وفى موضع آخر ينتقد ابن زباره معظم رجال الدين(الحاخامات) و يحذر الناس منهم و يصفهم بالغش و النفاق و يقول عنهم فى إحدى مقاماته : معظمهم لصوص فلا تثق بكلامهم لأنهم كاذبون و يفسقون مع النساء و يزنون و يستحلون أموال أصدقائهم و هم شركاء للشياطين يتظاهرون بالمحبه و الكذب يملأ أفواههم و لا يعرفون شمالهم من يمينهم و طوال اليوم يدعون و لا يعرفون من يدعون و يرفعون أيديهم و لا يعلمون لمن يرفعونها. (ترجمت من العبريه)

و مما سبق يتضح ان الاحتيال له أهله و نظامه حيث يقوم المحتالون بالتخطيط لكل شئ من أجل إيقاع الضحيه فى الفخ و أن الاعمال الأدبيه التى تناولت مواضيع الأحتيال تحاول أن توجه دعوة إلى ان ينصلح حال المجتمع و هو سخريه مره من الزيف الأجتماعى و النفاق و التشدق بالشرف و التمسك بالأحترام لآخفاء الأنهيار الأخلاقى للشرفاء المحترمين .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الباحثة المصرية زينب محمد عبد الرحيم كاتبة وباحثة في الفولكلور والثقافة الشعبية والتراث الحضاري







تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى