قحطان عدنان السوداني - المزلاج

كلما تواريا خلف الباب ، أنام متكورا معطيا وجهي للحائط في الحجرة الجانبية ، وحتى لاأسمع حسيسهما ، أصم أذني بسبابتي .لكن تناهى لسمعي في مرة قول أمي ، صار الولد يفقه الأشياء أكثر ، دع الباب مفتوحا لحين نومه ..خرج ممتعضا رمقني شزرا ، ولم يمسد على رأسي كما في كل مرة عندما يفتح المزلاج ذاهبا إلى الحمام ، وفي كل مرة كنت أدفع يده من على هامتي ، هامتي التي أخاف أن يمسح من عليها أثر لأنامل أبي الغائب ، حيث كان يمشط بها شعري ناظرا بوجهي مبتسما ، صار تودد زوج أمي وأبتسامته لي ، مقترنتين بغفوة المزلاج في فتحته ، ذاك المزلاج الذي كنت أحسبه ملك يد أبي وألا يمتلكه غيره حتى وإن كان شرعا . صرت أحس البيت يعمه جو ربيعي ، كلما رأيت شعر أمي مبلولا عند المساء . بعد أمسيات
بت لا أنام متكورا ولا أضع في أذني سبابتي ،بعدما تغير الكف الذي يضع سقاطة الباب في بيتها، هذا هو الثاني بعد سنتين، فقد كان أكثر سخاء من سلفه، يغدق علي، وينصحني بالخروج متفسحا وأصدقائي عند المساء،وحين أعود أرى شعر أمي مبلولا ، والرجل خريفي العمر ينعم بأجواء الربيع . تغيرت مواسم البيت وتغيرت الأكف لمرات أخر ، وبت أنا في مواسم للضياع تارة ، وللأهتمام الذي يضفى علي ، كشمعة في صينية عرس تارة أخرى . وبين كل عرس وعرس ، كنت أذوي وتتكور روحي ، معطيا لحيطان الشوارع ظهري متكئا ، وهنا رأيته يترنح كسفينة، عائدة
لمينائها القديم . عاد أبي، بعدما هدأت سواحل أمي من تلاطم أمواج كنت أنا أعوم بها بأذرع
لم تخبر العوم ، عاد ليلتئم شملا
كان مشتتا ، هكذا قال أبي..وهكذا ارتضت به أمي ، وارتضى بها ، وارتضيت أنا أن يعود بكفوف معرورقة لم تعد أناملها تمشط شعري ، ولم تقو على أن تنزل السقاطة في بيتها إلا لمرة في ذلك المساء ، المساءالذي علا به صراخ أمي .. إبتسمت إذ رأيت شعر أبي مبلولا وهو مطروحا على الأرض دون حراك.. لا أعرف لماذا بدوت متحجر المشاعر ..وأنا أسجي جثمانه بشرشف ولم أبكه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى