وكنا كالقطعان، مجموعات مجموعات، وكان بعضنا يوجهنا نحو الأمام. "نحن بدائيون" يقولون ويذكروننا بذلك. وكانت الشمس تعصف برؤوسنا الممتلئة بالشعر والقمل، أما الصحراء فعلى مدِّ البصر أمام أعيننا المنكمشة. أطرافنا تتحرك ببطء، ونحن نطلق أصواتاً موسيقية من أفواهنا الممتلئة بالجوع والعفن. نكررها "هوممم هوممم.. آآآ.. هوووممم.. آآآ". وتغزونا الرمال كالرصاص وتلسعنا كالبعوض، فنستخف خطواتنا ونشد الملاءات الممزقة حول أجسادنا العارية الهزيلة. "لن نموت" وتصرخ امرأة حين ينصرع زوجها أو طفلها. "تذكروا دائماً.. نحن بدائيون". ونمسح ببواطن أقدامنا على الرمل الحار، ويحاول الأطفال إخراج صوت بكائهم دون جدوى إذ جفت حناجرهم.
تحوم ثلاثة نسور فوق رؤسنا باستمرار ثم بعد أن نبتعد تنقض على ما خلفناه لها من جثث.تلوح جبال صغيرة، وتبتعد عنا.
وبعد أشهر، نصل إلى من هم أقل بدائية منا، فنغير لغتنا، ونطور من موسيقى أفواهنا، ونحمل أصناماً جديدة في أيدينا. "مااااالووم.. مااالوم.. ماااا...." ولكننا نستبدلها بعد حين بناي.. والناي لا يمتعنا لأننا لا نغني جماعة، فدائماً يغني الناي وحده ورغم ذلك ورغم حزنه إلا أن البعض يصيح "تذكروا أنكم لازلتم بدائيين".. ونخلع ملاءاتنا ونبقى عراة لنخيط لها أكماماً وجيوباً.. ونعرف أن هناك ما يسمى بالأزهار، وأن للأزهار رحيق. ثم نغوص في البحيرات ونستحم ونفل القمل من شعورنا.. ويصيح البعض "لا تنسوا أبداً.. لا تنسوا أبداً". فنبكي قليلاً ونواصل توجهنا نحو المجهول ولكننا نركب الجمال ثَمَّ الحمير والبغال والخيول. لكننا مع ذلك نظل بدائيين كما نقول لأنفسنا.. ونخلف الصحراء خلفنا، لنقر في الأهوار. ونبني صروحاً من الطين.. نبنيها ونحن نبكي لأننا يجب أن نذكر أنفسنا بأننا لازلنا بدائيين. وتعمل النسوة، ويسن الرجال حرابهم وسيوفهم، ويشقون بطون أعدائهم، ويجلبون الفرح، والغناء بالطبول والمزامير والأوتار. ولكننا سنعيش البدائية إلى الأبد.. يجب أن نتذكر حقيقتنا دائماً. نصطاد النسور التي كانت تأكل جثثنا، ونحبسها وندربها على الصيد من أجلنا، ويختار البعض اقتلاع الزهور البرية من الوديان ليزرعوا قمحاً.. ويخمرون الخبز ثم يعتقونه ثم يقطرونه لينسينا بدائيتنا، وهكذا يقول قائدنا الأوحد الذي يعصف بالأعداء، ثم يشرب اللبن وياكل الزبد والشحم ويموت من الشبع وحده، ونهرول نحن لنقتنص شيئاٍ من كوخه الكبير، فيمنعنا القائد الأوحد الجديد من الدخول، ويقرر أن يرسلنا في مهام بعيدة لنتجاوز بدائيتنا. فنمضي ونشق الصحراء التي تتسع على مد البصر، يسقط القائد سريعاً، ونحاول الرجوع بلا جدوى، نخلع ملابسنا ونمزقها ثم نلفها حول أجسادنا، وتعصف الشمس برؤوسنا الممتلئة بالشعر والقمل..
فقد كنا كالقطعان، مجموعات مجموعات، وكان بعضنا يوجهنا نحو الأمام..نحو الأمام دائماً.
تحوم ثلاثة نسور فوق رؤسنا باستمرار ثم بعد أن نبتعد تنقض على ما خلفناه لها من جثث.تلوح جبال صغيرة، وتبتعد عنا.
وبعد أشهر، نصل إلى من هم أقل بدائية منا، فنغير لغتنا، ونطور من موسيقى أفواهنا، ونحمل أصناماً جديدة في أيدينا. "مااااالووم.. مااالوم.. ماااا...." ولكننا نستبدلها بعد حين بناي.. والناي لا يمتعنا لأننا لا نغني جماعة، فدائماً يغني الناي وحده ورغم ذلك ورغم حزنه إلا أن البعض يصيح "تذكروا أنكم لازلتم بدائيين".. ونخلع ملاءاتنا ونبقى عراة لنخيط لها أكماماً وجيوباً.. ونعرف أن هناك ما يسمى بالأزهار، وأن للأزهار رحيق. ثم نغوص في البحيرات ونستحم ونفل القمل من شعورنا.. ويصيح البعض "لا تنسوا أبداً.. لا تنسوا أبداً". فنبكي قليلاً ونواصل توجهنا نحو المجهول ولكننا نركب الجمال ثَمَّ الحمير والبغال والخيول. لكننا مع ذلك نظل بدائيين كما نقول لأنفسنا.. ونخلف الصحراء خلفنا، لنقر في الأهوار. ونبني صروحاً من الطين.. نبنيها ونحن نبكي لأننا يجب أن نذكر أنفسنا بأننا لازلنا بدائيين. وتعمل النسوة، ويسن الرجال حرابهم وسيوفهم، ويشقون بطون أعدائهم، ويجلبون الفرح، والغناء بالطبول والمزامير والأوتار. ولكننا سنعيش البدائية إلى الأبد.. يجب أن نتذكر حقيقتنا دائماً. نصطاد النسور التي كانت تأكل جثثنا، ونحبسها وندربها على الصيد من أجلنا، ويختار البعض اقتلاع الزهور البرية من الوديان ليزرعوا قمحاً.. ويخمرون الخبز ثم يعتقونه ثم يقطرونه لينسينا بدائيتنا، وهكذا يقول قائدنا الأوحد الذي يعصف بالأعداء، ثم يشرب اللبن وياكل الزبد والشحم ويموت من الشبع وحده، ونهرول نحن لنقتنص شيئاٍ من كوخه الكبير، فيمنعنا القائد الأوحد الجديد من الدخول، ويقرر أن يرسلنا في مهام بعيدة لنتجاوز بدائيتنا. فنمضي ونشق الصحراء التي تتسع على مد البصر، يسقط القائد سريعاً، ونحاول الرجوع بلا جدوى، نخلع ملابسنا ونمزقها ثم نلفها حول أجسادنا، وتعصف الشمس برؤوسنا الممتلئة بالشعر والقمل..
فقد كنا كالقطعان، مجموعات مجموعات، وكان بعضنا يوجهنا نحو الأمام..نحو الأمام دائماً.