خالد جهاد - امرأة كتبت قلبها

مقال بعنوان (امرأة كتبت قلبها) نشره موقع (الأنطولوجيا)..

مارغريت ميتشل.. اسمٌ قد لا يعرفه الكثيرون لكنه دخل التاريخ من خلال عمل أدبي واحد خلد اسمها وأصبح مرادفاً للكثير من المشاعر الإنسانية، وأصبحت بعض أسمائه وعباراته تحظى بشهرةٍ عالمية، فإسما "سكارليت أوهارا" و "ريت بتلر" وعبارة مثل (غداً يوم آخر) والحالة التي خلقها النص الأدبي والأحاسيس التي صاحبته جعلت اسم روايتها (ذهب مع الريح) مرافقاً لمنظومةٍ من الأفكار ذات الدلالات..

ولدت مارجريت في الثامن من نوفمبر عام ١٩٠٠، وكان والدها رجل قانون، وضمت عائلتها العديد من الجنود السابقين الذين قاتلوا في الحرب الأهلية مما جعلها تنبهر بقصص الحرب، وكانت لا تحب في طفولتها مادة الرياضيات مما جعلها تكره الذهاب إلى المدرسة لكن والدتها كانت تجبرها على الذهاب إليها، ولاحقاً تمت خطوبتها على أحد الشبان والذي التحق بالجيش الأمريكي ولقي مصرعه في فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٨..

وبعدها بعام توفيت والدتها بسبب وباء الإنفلونزا، ثم تزوجت لاحقاً من الصحفي جون مارش عام ١٩٢٥ بعدما رفضته مسبقاً لأجل الزواج من لاعب كرة قدم انفصلت عنه بعد مدة ليست بالطويلة، وكان هو من وفر لها عملاً في صحيفته مقابل ٢٥ دولاراً في الأسبوع بعد أن بدأت حياتها كصحفية في جريدة (أتلانتا)، واعتزلت الصحافة بعد زواجها منه..

وكما يحدث في حياة الكثير من المبدعين، يكون هناك حدث مهم يشكل نقطة تحول في حياتهم واحساسهم وتفكيرهم، أحدثت إصابة مارجريت بالمرض والذي لم يتم الإشارة له بشكل دقيق فرقاً في حياتها، فأصبحت ملازمةً للمنزل بشكلٍ شبه دائم، وكان تنفيذ مشروع روائي ضخم يصور أحداث الحرب الأهلية بين ولايات الشمال والجنوب هو مخرجها من الحزن والمرض والألم، فبدأت تقرأ قراءةً مستفيضة في المراجع التاريخية والإجتماعية، وكتبتها خلال عشر سنوات لكن جهودها تركزت مابين عام ١٩٣٠ وعام ١٩٣٦، فاستغرقت وقتاً ومجهوداً كبيراً حيث كانت تكتب الفصول بشكلٍ منفصل، وتعيد ترتيبها وكتابتها وتعديلها بشكل ٍ مستمر لتحافظ على تسلسل أحداث الرواية، واعتبرت بمجرد صدورها حدثاً أدبياً بارزاً فباعت أكثر من مليون نسخة خلال ستة أشهر، وحققت شهرةً عالمية وترجمت إلى أغلب لغات العالم، واعتبرها الأمريكيون الرواية الأهم في تاريخ الأدب الأمريكي في القرن العشرين، ومنحت العديد من الجوائز الأدبية منها جائزة بوليتزر عام ١٩٣٧، وهي جائزة ٌ تقدم سنوياً من جامعة كولومبيا بنيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية في مجالات الخدمة العامة والصحافة والآداب والموسيقى، كما وتم تحويلها إلى فيلم سينمائي بنفس الإسم عام ١٩٣٩، وحقق أعلى الإيرادات في تاريخ هوليوود في ذلك الوقت واختير كأهم فيلم في تاريخ السينما الأمريكية، كما نال عددا ً قياسياً من الجوائز وحقق الفيلم أيضاً شهرةً عالمية كأحد أهم الكلاسيكيات السينمائية، وبعد اصدار الرواية انهالت العروض على مارجريت ميتشل من دور النشر والعديد من الجهات سواءاً لكتابة جزءٍ ثانٍ من الرواية أو كتابة أعمال أدبية جديدة، ولكنها اعتذرت للجميع واكتفت بنجاح روايتها..

وتطوعت لاحقاً في الحرب العالمية الثانية للعمل مع منظمة الصليب الأحمر الأمريكية وتركز نشاطها لإيصال المساعدات الغذائية لبلدة ڤيموتييه الفرنسية، وحصلت نظيراً لجهودها على المواطنة الفخرية لتلك البلدة عام ١٩٤٩، وربما كانت تولي فرنسا اهتماماً خاصاً لأن خطيبها الأول لقي مصرعه هناك خلال الحرب العالمية الأولى كما ذكرنا، وفي شهر أغسطس من نفس العام توفيت متأثرةً بإصابتها في حادث سيارة بعد أن نقلت إلى المستشفى، وتحول منزلها في أتلانتا في ١٦ مايو عام ١٩٩٧ إلى متحفٍ مفتوح على مدار الأسبوع، وهو المكان الذي كتبت فيه روايتها الخالدة ويحتوي أيضاً على وثائق وشرائط أصلية لرواية وفيلم (ذهب مع الريح) مع بعض المقتنيات الشخصية..

وستظل روايتها واحدةً من أهم الأعمال الأدبية في العالم، لأنها تميزت بحسٍ انساني وقيمةٍ وطنية ونظرةٍ واقعية للحب في ظل أكثر الظروف صعوبة،وسط صراعٍ للبقاء قد يدفعنا إلى إنكار ذاتنا ومشاعرنا ويخلق تحولاً في تفكيرنا وشخصياتنا وأيامنا..وستظل مقولة (ذهب مع الريح) تعبيراً عن كل شخص ٍ عزيز غادرنا وعاطفةٍ ذبلت في داخلنا وانتهت من حياتنا، وستظل مقولة (غداً يوم ٌ آخر) تعبيراً عن الأمل والإصرار على مواجهة الصعاب وإن كثرت الآلام والجراح..

ولا يفوتنا رغم الإحتفاء بروايتها أن نؤكد على رفض جميع أشكال التمييز والعنصرية ومظاهر الإستعباد التي كانت إحدى سمات تلك الفترة وقامت الرواية بتوثيقها، ولنؤكد على حق الحياة والكرامة الإنسانية والمساواة للجميع على مر الزمان لأننا يجب أن لا ننسى هذه الأحداث المؤلمة بل علينا التعلم منها كي لا نسمح بعودتها من جديد..ولأن الإنسان هو الإنسان في أي مكان..

خالد جهاد..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى