قحطان عدنان السوداني - وشم

كلما رأينا الصحن الفخاري أُخرج من مخبئه ، وانثيال رائحة بتنا نميزها ، نتيقن بإن احتفالية ستكون في المكان، هي احتفالية أوطقس سنمارسه في رحاب غرفة جدتي، التي بين يديها نضع رؤوسنا كأي مريد يضع رأسه بين يدي شيخه طامعا بالبركات ، وقبل توزيع بركاتها تضحك شيختنا وهي ترى وصلة لإطلاق شعفاتنا في الهواء ودوران رؤوسنا على نفسها فنبدو كغجريات في جلسة عرس ، تضحك جدتي وتهم أن تشاركنا،ثم سرعان ما تصرخ بنا للكف عن الرقص حتى لا يفلت الأمر من زمامه ، وتأمرنا أن نتكور بين يديها واضعة عجينة الحناء على رؤوسنا وكأنها تباركها في جلسة روحانية. جلسة فيها نضحك لتكور شعرنا، وانسياح ماء الحناء الماصل على وجوهنا متخذا أشكالا مضحكة ، ثم نقوم نحن بمسح ماانساح على وجهها،
بعدما تكون آخر من تمارس الطقس قائلة:"طابخ السم ذائقه"، موشمة على ظهر كفوفنا الصغيرات بما تبقى من الحناء ، فاضة بذلك جلسة كأنها كانت للتعميد، لأخرج وبنات عمومتي منتظرات إيعاز كبيرتنا، التي علمتنا السحر لنغسل شعرنا ونزدحم أمام المرآة نلاحظ كيف صار أثر الأصطباغ فتغدو الكفوف كأقراص شموس صغيرة عند الغروب تتنقل في البيت الذي يحتفل بكرنفال للحناء والوشم ،أما جدتي فتكون عيوننا مرآتها ،نعلق على خصلة شعر لم تصطبع وذؤابة هناك لم تصلحها الحناء ، وفي كل مرة تجيبنا (يمه قابل أريد أرجع بنيه) فنجيبها جميعا(عروسة بيبي أنت عروسة) نقولها فتضحك لنا معدلة ما نفر من زلفيها المصطبغين بلون مقام العبد الصالح الذي كانت دؤوبة على زيارته ملطخة حائط المقام
بحناء الصحن الفخاري الذي تعده قبل الزيارة وهي تصطحبنا إلى المقام على ضفة نهر دجلة التي كانت
تقول إن منبعه من الجنة فأعتقدناه حقا. في زيارة للمقام دون جدتي بعد عشرات السنين
وكل مصطحبة ابنتها، بكينا كالشموع ونحن نوقد لروحها شمعة ،ونترك على الحائط حناء
معها كدنا نتلمس أثرا لأصابعها
لا زالت باقية، وما أن هممنا مغادرة المكان سحبت إبنتي طرف عباءتي متشبثة لأبتاع لها من
قرب المقام وشما صيني المنشأ ،
اشتريته لها فوضعته على ظهر يدها؛ من دون كرنفال.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى