أ. د. عادل الأسطة - حالات: بعيداً عن الحرب / قريباً من الحرب

في المنام أرى سلمى:
في الرابعة فجراً، فجر العشرين من الشهر الحالي، أرى د. سلمى الخضراء الجيوسي فأصحو. لِم لمْ أرَ نفسي قتيلاً أو جريحاً أو مذعوراً في شوارع غزة؟ لست أدري، علماً أنني كنت أتابع الأخبار متابعةً دائمةً، وأرى من على شاشات الفضائيات مناظر الدمار والخراب والدماء وسيارات الإسعاف... ووجوه السياسيين. حقاً لماذا لمْ أرَ نفسي أسير في شوارع غزة قتيلاً أو جريحاً أو مذعوراً، ووجدتني أسير في شوارع نابلس فألتقي بالدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي؟ ألأنني أسير في شوارع نابلس أكثر، بآلاف، بل مئات الآلاف مما سرت في شوارع غزة، غزة التي لم أزرها سوى زيارات تعد على أصابع اليد الواحدة؟ غزة التي لا أراها، الآن، بل ومنذ أكثر من ربع قرن إلاّ في شاشات التلفازات.
في الرابعة فجراً، أرى د. سلمى تسير في شوارع نابلس، أراها في صورة أستاذتي الألمانية التي أشرفت على أطروحتي في الدكتوراه (روتراود فيلاندت)، تحييني وتصطحبني معها، وفي أثناء السير يلحظها اثنان من معارفي، يمدان يديهما لمصافحتها، فلا تلتفت إليهما، ونسير معاً.
وأنا ألتقي بالدكتورة سلمى، وقد التقيت بها ما لا يقل عن أربع مرات، كانت تحدثني عن مشاريعها العديدة وعن الجهود التي تبذلها لخدمة الأدب العربي والفلسطيني، وعن كسل الباحثين العرب ونشاط الباحثين الغربيين. هل قرأت هذا، أيضاً، في المقابلة التي أجريت معها في مجلة "العرب" قبل عشر سنوات تقريباً؟ هل استمعت إلى هذا في إحدى المقابلات التلفازية معها؟ هل قالت إن جهودها الفردية تفوق جهود مؤسسات؟
على هامش معرض الكتاب في تشرين الأول التقيت بالدكتورة التي أصرّت على أن أتناول معها طعام العشاء، وقد أتينا على لقائها بالأدباء في قاعة بلدية البيرة وتسجيلها اللقاء الذي اعتمدت عليه لإصدار كتاب جديد. ماذا قالت لي د. سلمى في أثناء تناول العشاء عما قلته؟
في المنام رأيت الدكتورة في مدينة نابلس، رأيتها فرحة عندما التقت بي، وستدعوني إلى مقهى لتناول القهوة معاً. وفي المنام رأيتها تقول لي مادحةً جهودي في الكتابة: غالباً ما أسأل من بعض المستشرقين عن الجهود التي يقوم بها عادل الأسطة، وغالباً ما يوجهون لي السؤال التالي: إنه لا يعمل معنا، ولا يعمل لصالحه أيضاً، إن الجهود التي يقوم بها لا تستطيع تنظيمات القيام بها، الجهود الثقافية. وستأتي على ما يقال عن جهودها وعن تأويلاتها التي لا تروق للاستشراق الإسرائيلي. هل ذكرت لي اسم (شمعون بيريس) في المنام؟ أظن أنها قالت لي أيضاً إن تأويلاتها وتفسيراتها لا تروق حتى لشمعون بيريس الذي يدافع عني وعنها. من كان (شمعون بيريس) في المنام؟ أهو الألماني البروفيسور (S. W)؟ ربما. من هما الشخصان اللذان رفضت أن تصطحبهما معنا؟ رأيت أخي الأصغر مني وجاراً لنا، فتذكرت شخصين عرفتهما. هل كان أخي وجاري يمثلان دورهما؟
في المنام، في أثناء حرب غزة، لم أجدني في شوارع غزة أسير مذعوراً، لم أجدني قتيلاً/ شهيداً، لم أجدني جريحاً، ولم أرَ المباني مدمرة، لم أرَ سيارات الإسعاف. هكذا وجدتني أسير في شوارع نابلس وألتقي بالدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي التي طلبت مني قبل خمسة أسابيع أن أكتب لها دراسة عن القصة القصيرة لتنشرها في كتاب نقدي، ما دفعني لكتابة "تأملات في واقع القصة القصيرة" التي أواصل كتابتها ونشرها لولا الحرب ولولا النشر و... و... وماذا؟
في الأسبوع الماضي نشرت عن الحرب التي تعيق مشاريعنا، في الأسبوع الماضي تذكرت أسطر محمود درويش في "حالة حصار" (2002)، أسطره التي يأتي فيها عن كتابته عشرين سطراً عن الحب لما تراجع الحصار عشرين متراً، ثم... ثم... ثم... ماذا؟ ثم جاء الحصار، فصرنا أقل ذكاءً.

أنا.. وأنت.. والحرب القادمة:
في الخامسة فجراً، فجر الثاني والعشرين من الشهر الحالي، أصحوا من النوم، ولا أتذكر المنامات/ الأحلام، الرؤى. ثمة هدنة وتهدئة وقعتها حماس وإسرائيل. لقد نمت بعد الاستماع إلى الأخبار عن التهدئة والهدنة. وحين صحوت في الخامسة تذكرت مقالة محمود درويش، عن مسرحية (حانوخ ليفي) ورواية (ايهود بن يعازر)، في كتابه "يوميات الحزن العادي"، بل وتذكرت كتاب أنطوان شلحت "خداع الذات...": المسرح الإسرائيلي وحرب 1967 ومختارات من أعمال (حانوخ ليفي) (منشورات مدار 2007)، وكتاب (شمعون ليفي) الذي قدم له سلمان ناطور المسرح الإسرائيلي: "الأنا والآخر ومتاهة الواقع" (أيضاً منشورات مدار 2006).
لماذا تذكرت المقالة والكتابين؟ الإجابة واضحة ولا تحتاج إلى كثير ذكاء، وهكذا أخذت أعدد حروب الدولة العبرية منذ قيامها: 1948، 1956، 1967، 1973، 1978، 1982، الانتفاضة الأولى، تحرير الجنوب اللبناني 2000، انتفاضة الأقصى 28/9/2000، 2006، 2008ـ2009، 2012، ولم تقد الحرب الأخيرة إلى سلام ـ كان محمود درويش في كتابه "وداعاً أيتها الحرب، وداعاً أيها السلم" (1974) كتب: بالحرب وحدها نسير إلى السلام ـ ، لقد قادت الحرب الأخيرة إلى تهدئة وهدنة، وهذا يعني أن هناك حروباً قادمة. في نشرة أخبار السابعة، بعد أن صحوت، استمعت إلى كلمة خالد مشعل عن التهدئة: إنها ـ أي الحرب ـ جولة من جولات قادمة. وسأبحث عن كتابي شلحت وليفي وكتاب محمود درويش، وسأكرر: مشعل/ حماس و(نتن يا هو)/ إسرائيل والحرب القادمة.
"أنا .. وأنت.. والحرب القادمة" هي أغنية عبرية شاعت بعد حرب 1967، وهذا نصها من كتاب درويش "يوميات الحزن العادي": "حين نتنزه نكون ثلاثة: / أنا وأنت والحرب القادمة / وحين ننام نكون ثلاثة / أنت وأنا والحرب القادمة / الحرب القادمة علينا بالبركة/ أنت وأنا والحرب القادمة / ولترتاحي الراحة الصحيحة.
حين نبتسم في لحظة حب/ تبتسم معنا الحرب القادمة/ وحين ننتظر في غرفة الولادة/ تنتظر معنا الحرب القادمة/ وحين يقرعون الباب، نكون ثلاثة/ أنت وأنا والحرب القادمة/ وحين ينتهي كل شيء/ نكون أيضاً ثلاثة: / الحرب القادمة/ وأنت/ والصورة".
في الحرب على غزة تذكرت إميل حبيبي الذي لم يكن يرى من القمر إلا وجهه المضيء، ومحمود درويش ومحاورته الأدب العبري ـ وهذا موضوع شغلني ـ و(حانوخ ليفي) الكاتب الإسرائيلي الساخر من حكومات دولته، وأغنية "أنا.. وأنت.. والحرب القادمة". كل عامين ثلاثة ونحن في حرب جديدة.. وماذا بعد؟ .. ماذا بعد..؟

عادل الأسطة
2012-11-25

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى