محمد مزيد - نزوة رجل في الخمسين

هذه القصة، لا أريدك أن تصدقها، عزيزي القارئ الفيسبوكي، لأنني أنا لم أصدّقها، حتى وأن كنتُ بطلها.. كانت مغامرة تبلغ من الجنون أقصاه ، ومن الطيش أبلغه ، ومن الرعونة وعدم الحياء أفظعه .
رأيت شابا في الثلاثين ، وفتاة جميلة جدا اصغر منه، بيضاء ، ممتلئة الجسد من الخلف، يسيران معا، يدها في يد الشاب ، وفي اليد الآخرى للفتاة تمسك بحبل لكلب صغير وبره أبيض مثل الثلج يسر الناظرين . يمشيان بخفة ووداعة ومرح، كانهما يرقصان في الشارع المزدحم بين تمثال أتاتورك ومول قيصري الكبير .
كنت كعادتي في أوقات قبيل الغروب، أسير وحدي، ولما شاهدت الشاب ، أرتبكت حتى كدت أقع بسبب أنفعالي ودهشتي . كان الشاب يشبهني الى حد التطابق العجيب .
لحقت بالشاب والفتاة ، أمشي خلفهما حذرا ، مرتجفا ، حتى وصلا الى مكان خفتت فيه الإضاءة ، قبّل الشاب الفتاة ثم أفتراقا ، وقد أرخى الليل سدوله ، ومن هنا بدأت مغامرة الطيش وعدم الحياء، هل ألحق بالشاب لأفهم كيف صاغ القدر شكلا لإنسان شبيها لي؟ أم أتجه بخطواتي الحذرة الراجفة خلف الفتاة ؟ رُجِحتْ كفة الفتاة، فمشيت خلفها، حتى وصلت الى باب عمارة يبدو إنها تسكنها في منطقة، قريبا من عمارتنا السكنية .
عدتُ الى شقتي، بعد دخول الفتاة الى عمارتهم، وأنا أحلم كيف سألتقي بها في اليوم التالي، لقد نسيت أن لي زوجة وأولاد وأن عمري فوق الخمسين، تمددتُ في الصالة، أحوس بافكاري بحثاً عن أجوبةٍ مقنعةٍ تمنعُني من التماهي برغباتٍ صبيانية حمقاء، بقيتُ حتى ساعة متأخرة من الليل أقلّب صورتي الفتاة والفتى في ذهني .
في اليوم التالي، صباحاً، وقفتُ مقابل العمارة التي تسكنها الفتاة . بقيتُ ملطوشاً في مكاني، أبتسم للمارة كالأبله لمدة أربع ساعات، حتى تعبت من وقوفي في المكان نفسه، أبتسم أبتسامات بليدة لهذه العجوز أو ذاك الشايب . وبعد مضي هذه الساعات، بزغت شمس الفتاة، لو تعلمون ماذا حصل لقلبي حينئذ ، وهي من جهتها ، ما أن رأتني حتى هرعت راكضةً باتجاهي فاتحة ذراعيها ، هل رأيتم غزالاً يركض راقصاً منتشياً بالمراعي ينثر حوله الورود ؟ هكذا تصورتها مقبلة اليّ ، حتى خفت عليها أن " تنهطر " فسارعت الى فتح ذراعي لها، وبمجرد وصولها، ألتصق جسدها البض بجسدي المتخشب واحاطتني بذراعيها، شمتني وقبلتني من فمي وخدي ورقبتي، وأنا أقبل جيدها وخديها وفمها أيضا ( السن بالسن والعين بالعين ) ، وبعد إنتهاء موجة القبل ، خرج كلبها الأبيض الجميل ، فهيأت نفسي لاحضنه وأقبله أيضا ، أمتنانا وحبا بصاحبته ، لكنه ما أن رآني أقبّل فتاته حتى هجم عليّ مسعوراً ، كأنما يريد التهام قدميّ ويقفز يريد خمش يدّي ، فهربت منه مذعورا وأنا أركض .. وأركض .. وأركض ، الى هذه الساعة .

* ( نشرت قبل ثلاث سنوات وذكرت بها اليوم )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى