بهاء المري - قَرابين الشيطان

لم يشأ القَدَرُ أنْ يُتوَّجَ حُبهما المَجنونُ بإنجاب أبناء، ولم يَفْلَح طوافهما بعيادات الأطباء ومَعامل التحاليل في إيجادِ أمَل، حتى الدَّجالون طَرَقا أبوابهم من دون جَدوى، أعيَتهما جميع الحِيَل عن أن يجِدا لِعُقمِ الزوج عِلاجًا.
حُزنٌ شديدٌ يُسيطر على الزَوجةِ الشَّابة، لا تدَع وقتًا يَمُر إلاَّ وأعرَبَت فيه عن اشتياقها للأمومة، يتألم الزَّوج من أجلها ألما شديدا، يَعرضُ عليها الطلاق إيثارًا لها كي تُنجبَ من غيرهِ فترفض.
يُعنفها أهلها:
- سنواتٌ تلو الأخرى تَمرُّ سريعًا من دون إنجابٍ فما جدوى عَيشِكِ معه"؟
تزداد حُزنًا وهَمًّا، لا تقوى على بِعاده مهما كان السبب، لم تَتخيَّل يومًا تعيشُ فيه لحظةً واحدةً بعيدًا عنه.
يُواصل أهلها مُحاصرتها بُغْيةَ تطليقها، لا تكُفُّ عن البكاء، أصبح لسانها مُبَرمَجًا على عبارة تُردِّدها صُبح مَساء لزوجها:
- أريدُ طفلاً لِكىْ أبقَى معَكْ.
لم يَعُد أمرُ الإنجاب يَهمُّه بِقَدْرِ ما تُؤلمه أحزانها، لم يَحتمل رُؤية دُموعها الدائمة.
يَتفتَّق ذهنه عن أمرٍ جَلَل يُعلنه لها قائلا:
- سأُحقِّقُ لكِ رَغبتكْ.
يَتهلَّل وجهها، تنفرجُ شفتاها عن ابتسامة عريضة، بل تنتفضُ في مكانها واقفةً لتسمعَ أخطرَ نَبأٍ في حياتها.
تسأله في لهفةٍ بالغة:
- هل كانت التحاليل كاذبة؟ هل كانت لشخص آخر ونُسِبَت إليكَ خطأً؟ هل رأيتَ ليلة القدر ودعوتَ فاستُجيبَت دعوتكْ؟ قل لي كيفَ، منذ متى تَعرِف؟ ولماذا تركتني لأتَعذَّب؟
يَصُمُتُ لحظاتٍ قبل أن يُكملَ حديثه، تمرُّ اللحظات وكأنها دَهر، يَستجمع قُواه، يَسحَبُ نفَسًا عميقًا يُخرجه تنهيدة حزينة، يقول:
- سآتيكِ بِمَن يُعاشِرك، المُهم أن تُنجبي، ستُصبحينَ أُمًا ولن أفارقكْ!!
تَحجَّرَت ملامحها، شُلَّت أطرافها، أشاحَت عنه لحظيًا بوجهها، انتابَها الخوف، جلسَت في مكانها، عيناها مفتوحتان من دون أن تَرمِش، اللحظاتُ قاسية، تمرُّ ثقيلةً ثقيلة، تَستدير وكأنها مُتخشِّبة، تضحكُ في هيستيريا، تَحتضنه، تَغمرهُ بوابل من القُبلات، تُعلن مُوافقتها!
يَقترحُ عليها أن يكون قريبها الذي اعتاد زيارتهما، تتحدَّث مع الأخير ناقلة له رغبة زوجها، يَرفض حتى يَسمَعَ منه شخصيًا، استجاب الزوج وحَدثه، تحمل الزوجة، يَنزحان إلى مدينة كبرى، تسعة أشهر وتضع حملها!
يعودا إلى أهله بالوليد، تثور ثائرتهم، فكيف وهم يعلمون علم اليقين بعُقمه، يَطردون الزوجة بما ولدت، أقسموا ألا تطأ قدماها أعتاب البَيت به.
اشتاقا إلى بعضهما، تقابلا خلسة، عرَضَ عليه فكرته لتعود إليه، قتل الوليد، وافقتهُ وقتلته وألقت بجثته في حقل، انكشف أمر ما حدث، التقيا بالفعل بعدها، ولكن هذه المرَّة في قفص الاتهام!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى