كل ما كتبناه ، لا أستطيع حمايته من الوحوش .
أزمان قاحلة ، تبحث عن أزمان أخرى .
لذلك أحاول بكل قواي أن أبني حائطاً بيني، وبين الموت، لأنني افضّل أن اصنع غيبوبتي بنفسي ، لتكون الغيبوبة الأخرى والطويلة جداً .. يصنعها الآخرون .
دائماً اتحيّن الفرصة المناسبة ، لأمارس البحث الجّاد عن الجثث الشقراء ، لأنني بحاجة إلى كمية بسيطة من الجمر، لتعيد لي صياغة موقع ما على حافة الريح ، والأفضل على حافة الدهر .
ومن يودّ الاستماع إلى ايقاع الكائن العربي ، فليستخدم
جلده فقط ، وبعدئذ يحق له مضاجعة قرفصائنا الأزلية ، لأن العيون وحدها التي تحفر في الزمن ، ووحدها التي تقرأ عن العيون الضائعة ، والأمكنة الضائعة ، وعن أصابع تريد أن تمتلئ بالهواء !
لاحظوا كيف أن أرض العرب أخذت شكل الحائط ، وإن الفلسفة العربية ضاعت في داخلنا وتوارت عن الأنظار .
يقول الكاتب الياباني يوكو ميشيما : الذي انتحر على طريقة الساموراي : إن الحياة البشرية ، لا حدّ لها ، لكنني اريد أن أعيش للأبد !
وفي حوار مع حاكم عربي ردّاً على سؤال عن شعبه ، قال:
إن شعبي يترعرع مثلما تترعرع القمامة .
فالجسد العربي جعل للهواء مذاقاً ومعنى، وتحدّث مع
الحائط فكان حائط الآخرة !
ولأننا ولدنا داخل الظِلال ، ظِلالنا لازالت في مكانها ، هيَ هيَ ، مع أننا عثرنا على الأجزاء الضائعة من أجسادنا ، حين عثرنا على ثيابنا !
إن الأفكار والممارسات الخرافية المتوارثة ، هي التي جعلتنا نعمل بميكانيكية خرافية أيضأً ، لأن العقل العربي ، ومعه الجسد العربي ، هما خارج اللعبة ، أي أنّ العقل العربي ، يتوقّف فوراً عند حدود ملابسه، وأحياناً تنفجر هذه الملابس فجأة لتُحدث مشكلة في الأجساد اللائقة لهذه الفضيحة !
نحن نضرم النار بأجيالنا القادمة ، التي يُفترض أن ترث الحلم لا الموت ، أو التيّه الذي يلاحقه الموت.
لقد رأيت أجيالنا وهم يطاردون الأفكار التي بلا ضفاف والفرح الذي تنتفي فيه المسافة بين الخبز. وبين انتمائه الذي انطفأ بسرعة البرق.
انا لن اقول من هنا تمرّ الجثث، وأيضاً تمرّ قوافل الخونة والأعوان ، وإن أصواتنا تنطلق من كلّ أرجاء أجسادنا ، فالعربي الذي امتلأ بالغيب وخرافة الغيب لا يزال يرى نهايته في عيون أطفاله ، وإن الفكر الذي داخل النصوص .. هو الذي جعلنا نهرب إلى ما وراء الأشياء !
هل نقول أننا وصلنا إلى نهاية حتفنا ؟ وإن اللحظة التي ولدنا فيها لم تعد تتّسع لكل هذه الجثث ؟.
قال لي : لم يعد بإمكاننا إلّا أن نكون ذلك النوع من اليهود ، قلت له : علينا ان لا نكفكف دموعنا التي لم تجد مكاناً حتى في رفوف وجوهنا ، قال : وكي تكتمل الرؤيا ، علينا أن نكون جمجمة وراء جمجمة وراء جمجمة ..
وستأتي لحظة ما ليست بعيدة ، نرتدي قبورنا ونرحل !.
إلى أين ؟ إلى تلك المعجزة التي ستضعننا على باب الأزمنة التي تحرسها سيقان الكراهية .
ما يهمّ اليهودي اليوم أو ما يتمناه ، أن تكون بلاد العرب
أمكنة لتخبئة الأحذية .
يعني ، علينا أن نطفئ الضوء لكي لا يظل أي بقية من بقاياه في أرواحنا.
منذ عقود ونحن نبحث عن الأصالة والتجديد والتراث والحداثة وما قبلها وما بعدها ، واليهوديّ في رأسه فكرة واحدة فقط .. طرد العربي خارج التاريخ ، لأن حلمه أُصيب بالغثيان بسبب هذا النوع من البشر ، وإن الحاخام اليهودي هو الوكيل الشرعي الوحيد لله ، وبالتالي: إمّا أن نكون نحن العرب من سكّان القبور، أو من سكان الكهوف .
في حوار عن دور النقد العربي، قلت لأحدهم: الوقت الآن هو وقت النقد المتنقّل بين الحرائق ؛ والناقد العربي يعرف تماماً انه من الخِرَق البالية ، بالرغم من كيانه الزائف حين يقارن ويسمع ويرى ، أنه لا فرق بين نظرته كناقد لذاته ، ونظرته للآخرين .
النقد العربي بكل مستوياته ، السياسية ، والأدبية ،
والاجتماعية .. لا يوجد تواصل معه حتى بالعبارة ، لأنه في حالة مَرَضيّة مزمنة ، مع أنها منظومة قيمية لا تشبه إلّا نفسها .
بصراحة ، الزمن العربي ليس له قلب ، فلنقل أنّ اسمه زمن الخراب، لأنه يشبهنا، ويشبه طواعية زمن الخراب.
صحيح أنّ الهواء يملأ أرواحنا، لكن هناك مو يقول : إن السبب الحقيقي هو المجيّء من أقبية الظلّ ، العربي يكبر كما تكبر " المزبلة " وهذا انتهاك صارخ وفضّ. لتأكيد أحقيّته في تجاوز خديعته لنفسه . يعني أننا وجه لوجه أمام كائن يجيد مهنة العزف على الوهم ، أو بناء معرفته على الوهم . إنه كائن يدير ظهره لوجهه ..
فهل يستحقّ العربي كل هذه الإهانة ، يقولون : إنه يمتلك وجهاً ضائعاً .. ولذلك معرفته ضائعة ، وبكاء الذين يستمعون إليه ضائع بين النفاق " والزعبرة " أي أنه ترك موته وحياته ومعرفته هناكَ ، ليشترك مع علاقة ما بين الأرصفة المهجورة ، وبين الفضائح المهجورة.
فكلّما تطوّر العربي ، كلّما صار ضدّ العربي. لأنه دائم التحدّث عن الفراغ ، وعن المساحة الواسعة الشاسعة التي تدنو أكثر فأكثر من خط الجاهلية الأولى .
أظن أن العربيّ الذي افتتن بالثقافة الأوربية، قد قاده حتفه إلى التمتّع بأصابعه التي صار لها نكهة النار ، وإن الخرافة القادمة قد تبتلع ما يمكن للمستقبل أن يكون كارثة ، ولا يمكن لأحدٍ ينسى كيف تمّ بيع كل ما لديه من لغة وكيان، وهو لا يدري انه من الخشب أم من السخام ، حتى لم يبق من هذا العربي.. سوى الساحات الباردة ، ليقف على مفترق الطرق، ويفتح فمه على مداه، ليهاجم الأرصفة التي استخدمها يوماً ما لإلقاء قصائده وأرائه للتأمّل ، وإن لغته الآن يستخدمها كغطاء فذّ للمعذبين ، لأن الله يحبّنا لأننا عراة !
العالم يمشي بكل سرعته ، ونحن في جدل غامض للاعتذار من عصرنا الحجريّ العليل.
ألم يقل فرنسيس فوكوياما عن العرب : هؤلاء الناس القدامى عليهم أن ينقرضوا إلى ما بعد الموت ؟!
أين نقف نحن العرب من العالم ؟ ونحن نملأ المقاعد الخشبية في شوارع العالم ؟ الطريف أننا مدعوون إلى غسل ملابس أجدادنا العظماء ، ونحن هنا نلفظ أنفاسنا الأخيرة أمام كل شيء أنتجناه ونحن في غرف النوم !
حتى الكراهية ، عادت فجأة واستيقظت للتحدّث عن أزمة الصراخ ، وهو يريد أن يذهب إلى حيثما يشاء !
وفي مكان آخر يطرح علينا الصراخ ما يلي : إن الحل الوحيد لهذه المشكلة هو النوم ، وبيع دقات قلوبنا إلى راعي البقر ،أو إلى شاعر عربي يقدّم روحه بسخاء ، لماسحي الأحذية !
هذا الزمن الذي نحن فيه ، لن تقف الشوارع على أقدامها عند مرور الريح ، لأن الخوف لا يريد أن يغادر الممرات الطويلة ، وأن النهار وهو ينهض من على موائدنا ، ترك الليل وهو ينهي وجبته المعتادة من وجوهنا، وأن يأتي ليلامس أصابعنا المطليّة بالخرافة.
العربي غامض في تعريفه للأشياء ، غامض في شراء طعامه ، غامض في تعذيب نفسه ، غامض حين يريد أن يعرف ، وحين يحب الآخر ، ايضاً غامض في سياسته ، وفي ماضيّه ، حتى أنه غامض في كل كلمة، ومعناها ، غامض في الزمان والمكان على السواء ،
غامض حين يموت ، وحين يحاول أن يعيش في المغامرة ، غامض حين يحسن الظنّ في أي شيء، وحين يستخدم الرموز ، وفي ذاته ، وفي المسافات التي يريدها أن تكون ولا تكون.
غامض في روايته الحديث.. او في الحديث مع الآخرين !
كل ما اودّ قوله أن المومياءات العربية ترتدي لباساً تشكيليياً مثيراً الدهشة.. وقد أُجبرنا على تقديم وجبة من الملح لصديقنا المكرّم العزيز التراب.
والأكثر إثارة أنّ التراب الذي أعنيّه ليس له علاقة لا بالزمن ولا بالملح ، .
سألني أحدهم ماذا تعني كلمة عربيّ: قلت له : إنه فقط
هيكل عظميّ ، وقطعة لحم جافة . أحَبَّ لعبة الدومينو
مع السيدة الغيبوبة .
لقد انتقلنا من ثقافة الهزائم ، إلى مستنقع السراب،
ولطالما نحن العرب أبناء الريح، لا بدّ من مكان فيه
بقايا من نكهة والله!
هل حاول أحدنا ان يصغي إلى ما قاله التراب للهواء ؟
لقد صارت أيدينا هي الهواء.. بل كُتب علينا أن نكون مثل تِلال القمامة !.
أيها العربي.. تبرّع بخبزك للعذاب
وبوجهكَ
للعذاب الآخر !
أزمان قاحلة ، تبحث عن أزمان أخرى .
لذلك أحاول بكل قواي أن أبني حائطاً بيني، وبين الموت، لأنني افضّل أن اصنع غيبوبتي بنفسي ، لتكون الغيبوبة الأخرى والطويلة جداً .. يصنعها الآخرون .
دائماً اتحيّن الفرصة المناسبة ، لأمارس البحث الجّاد عن الجثث الشقراء ، لأنني بحاجة إلى كمية بسيطة من الجمر، لتعيد لي صياغة موقع ما على حافة الريح ، والأفضل على حافة الدهر .
ومن يودّ الاستماع إلى ايقاع الكائن العربي ، فليستخدم
جلده فقط ، وبعدئذ يحق له مضاجعة قرفصائنا الأزلية ، لأن العيون وحدها التي تحفر في الزمن ، ووحدها التي تقرأ عن العيون الضائعة ، والأمكنة الضائعة ، وعن أصابع تريد أن تمتلئ بالهواء !
لاحظوا كيف أن أرض العرب أخذت شكل الحائط ، وإن الفلسفة العربية ضاعت في داخلنا وتوارت عن الأنظار .
يقول الكاتب الياباني يوكو ميشيما : الذي انتحر على طريقة الساموراي : إن الحياة البشرية ، لا حدّ لها ، لكنني اريد أن أعيش للأبد !
وفي حوار مع حاكم عربي ردّاً على سؤال عن شعبه ، قال:
إن شعبي يترعرع مثلما تترعرع القمامة .
فالجسد العربي جعل للهواء مذاقاً ومعنى، وتحدّث مع
الحائط فكان حائط الآخرة !
ولأننا ولدنا داخل الظِلال ، ظِلالنا لازالت في مكانها ، هيَ هيَ ، مع أننا عثرنا على الأجزاء الضائعة من أجسادنا ، حين عثرنا على ثيابنا !
إن الأفكار والممارسات الخرافية المتوارثة ، هي التي جعلتنا نعمل بميكانيكية خرافية أيضأً ، لأن العقل العربي ، ومعه الجسد العربي ، هما خارج اللعبة ، أي أنّ العقل العربي ، يتوقّف فوراً عند حدود ملابسه، وأحياناً تنفجر هذه الملابس فجأة لتُحدث مشكلة في الأجساد اللائقة لهذه الفضيحة !
نحن نضرم النار بأجيالنا القادمة ، التي يُفترض أن ترث الحلم لا الموت ، أو التيّه الذي يلاحقه الموت.
لقد رأيت أجيالنا وهم يطاردون الأفكار التي بلا ضفاف والفرح الذي تنتفي فيه المسافة بين الخبز. وبين انتمائه الذي انطفأ بسرعة البرق.
انا لن اقول من هنا تمرّ الجثث، وأيضاً تمرّ قوافل الخونة والأعوان ، وإن أصواتنا تنطلق من كلّ أرجاء أجسادنا ، فالعربي الذي امتلأ بالغيب وخرافة الغيب لا يزال يرى نهايته في عيون أطفاله ، وإن الفكر الذي داخل النصوص .. هو الذي جعلنا نهرب إلى ما وراء الأشياء !
هل نقول أننا وصلنا إلى نهاية حتفنا ؟ وإن اللحظة التي ولدنا فيها لم تعد تتّسع لكل هذه الجثث ؟.
قال لي : لم يعد بإمكاننا إلّا أن نكون ذلك النوع من اليهود ، قلت له : علينا ان لا نكفكف دموعنا التي لم تجد مكاناً حتى في رفوف وجوهنا ، قال : وكي تكتمل الرؤيا ، علينا أن نكون جمجمة وراء جمجمة وراء جمجمة ..
وستأتي لحظة ما ليست بعيدة ، نرتدي قبورنا ونرحل !.
إلى أين ؟ إلى تلك المعجزة التي ستضعننا على باب الأزمنة التي تحرسها سيقان الكراهية .
ما يهمّ اليهودي اليوم أو ما يتمناه ، أن تكون بلاد العرب
أمكنة لتخبئة الأحذية .
يعني ، علينا أن نطفئ الضوء لكي لا يظل أي بقية من بقاياه في أرواحنا.
منذ عقود ونحن نبحث عن الأصالة والتجديد والتراث والحداثة وما قبلها وما بعدها ، واليهوديّ في رأسه فكرة واحدة فقط .. طرد العربي خارج التاريخ ، لأن حلمه أُصيب بالغثيان بسبب هذا النوع من البشر ، وإن الحاخام اليهودي هو الوكيل الشرعي الوحيد لله ، وبالتالي: إمّا أن نكون نحن العرب من سكّان القبور، أو من سكان الكهوف .
في حوار عن دور النقد العربي، قلت لأحدهم: الوقت الآن هو وقت النقد المتنقّل بين الحرائق ؛ والناقد العربي يعرف تماماً انه من الخِرَق البالية ، بالرغم من كيانه الزائف حين يقارن ويسمع ويرى ، أنه لا فرق بين نظرته كناقد لذاته ، ونظرته للآخرين .
النقد العربي بكل مستوياته ، السياسية ، والأدبية ،
والاجتماعية .. لا يوجد تواصل معه حتى بالعبارة ، لأنه في حالة مَرَضيّة مزمنة ، مع أنها منظومة قيمية لا تشبه إلّا نفسها .
بصراحة ، الزمن العربي ليس له قلب ، فلنقل أنّ اسمه زمن الخراب، لأنه يشبهنا، ويشبه طواعية زمن الخراب.
صحيح أنّ الهواء يملأ أرواحنا، لكن هناك مو يقول : إن السبب الحقيقي هو المجيّء من أقبية الظلّ ، العربي يكبر كما تكبر " المزبلة " وهذا انتهاك صارخ وفضّ. لتأكيد أحقيّته في تجاوز خديعته لنفسه . يعني أننا وجه لوجه أمام كائن يجيد مهنة العزف على الوهم ، أو بناء معرفته على الوهم . إنه كائن يدير ظهره لوجهه ..
فهل يستحقّ العربي كل هذه الإهانة ، يقولون : إنه يمتلك وجهاً ضائعاً .. ولذلك معرفته ضائعة ، وبكاء الذين يستمعون إليه ضائع بين النفاق " والزعبرة " أي أنه ترك موته وحياته ومعرفته هناكَ ، ليشترك مع علاقة ما بين الأرصفة المهجورة ، وبين الفضائح المهجورة.
فكلّما تطوّر العربي ، كلّما صار ضدّ العربي. لأنه دائم التحدّث عن الفراغ ، وعن المساحة الواسعة الشاسعة التي تدنو أكثر فأكثر من خط الجاهلية الأولى .
أظن أن العربيّ الذي افتتن بالثقافة الأوربية، قد قاده حتفه إلى التمتّع بأصابعه التي صار لها نكهة النار ، وإن الخرافة القادمة قد تبتلع ما يمكن للمستقبل أن يكون كارثة ، ولا يمكن لأحدٍ ينسى كيف تمّ بيع كل ما لديه من لغة وكيان، وهو لا يدري انه من الخشب أم من السخام ، حتى لم يبق من هذا العربي.. سوى الساحات الباردة ، ليقف على مفترق الطرق، ويفتح فمه على مداه، ليهاجم الأرصفة التي استخدمها يوماً ما لإلقاء قصائده وأرائه للتأمّل ، وإن لغته الآن يستخدمها كغطاء فذّ للمعذبين ، لأن الله يحبّنا لأننا عراة !
العالم يمشي بكل سرعته ، ونحن في جدل غامض للاعتذار من عصرنا الحجريّ العليل.
ألم يقل فرنسيس فوكوياما عن العرب : هؤلاء الناس القدامى عليهم أن ينقرضوا إلى ما بعد الموت ؟!
أين نقف نحن العرب من العالم ؟ ونحن نملأ المقاعد الخشبية في شوارع العالم ؟ الطريف أننا مدعوون إلى غسل ملابس أجدادنا العظماء ، ونحن هنا نلفظ أنفاسنا الأخيرة أمام كل شيء أنتجناه ونحن في غرف النوم !
حتى الكراهية ، عادت فجأة واستيقظت للتحدّث عن أزمة الصراخ ، وهو يريد أن يذهب إلى حيثما يشاء !
وفي مكان آخر يطرح علينا الصراخ ما يلي : إن الحل الوحيد لهذه المشكلة هو النوم ، وبيع دقات قلوبنا إلى راعي البقر ،أو إلى شاعر عربي يقدّم روحه بسخاء ، لماسحي الأحذية !
هذا الزمن الذي نحن فيه ، لن تقف الشوارع على أقدامها عند مرور الريح ، لأن الخوف لا يريد أن يغادر الممرات الطويلة ، وأن النهار وهو ينهض من على موائدنا ، ترك الليل وهو ينهي وجبته المعتادة من وجوهنا، وأن يأتي ليلامس أصابعنا المطليّة بالخرافة.
العربي غامض في تعريفه للأشياء ، غامض في شراء طعامه ، غامض في تعذيب نفسه ، غامض حين يريد أن يعرف ، وحين يحب الآخر ، ايضاً غامض في سياسته ، وفي ماضيّه ، حتى أنه غامض في كل كلمة، ومعناها ، غامض في الزمان والمكان على السواء ،
غامض حين يموت ، وحين يحاول أن يعيش في المغامرة ، غامض حين يحسن الظنّ في أي شيء، وحين يستخدم الرموز ، وفي ذاته ، وفي المسافات التي يريدها أن تكون ولا تكون.
غامض في روايته الحديث.. او في الحديث مع الآخرين !
كل ما اودّ قوله أن المومياءات العربية ترتدي لباساً تشكيليياً مثيراً الدهشة.. وقد أُجبرنا على تقديم وجبة من الملح لصديقنا المكرّم العزيز التراب.
والأكثر إثارة أنّ التراب الذي أعنيّه ليس له علاقة لا بالزمن ولا بالملح ، .
سألني أحدهم ماذا تعني كلمة عربيّ: قلت له : إنه فقط
هيكل عظميّ ، وقطعة لحم جافة . أحَبَّ لعبة الدومينو
مع السيدة الغيبوبة .
لقد انتقلنا من ثقافة الهزائم ، إلى مستنقع السراب،
ولطالما نحن العرب أبناء الريح، لا بدّ من مكان فيه
بقايا من نكهة والله!
هل حاول أحدنا ان يصغي إلى ما قاله التراب للهواء ؟
لقد صارت أيدينا هي الهواء.. بل كُتب علينا أن نكون مثل تِلال القمامة !.
أيها العربي.. تبرّع بخبزك للعذاب
وبوجهكَ
للعذاب الآخر !