ناصر كمال - الرجل ذو البدلة الزرقاء

كان لابد أن أبحث عن عمل إضافي حتي أستطيع توفير نفقات المعيشة, وذلك بعد أن فوجئت بأن راتبي الشهري يبلغ أربعة وثمانون جنيها فقط لا غير, نظير عملى كمعلم فى الوزارة, بينما كنت أحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير حتي يمكنني البقاء على قيد الحياة..جربت أن أعمل مندوبا للمبيعات, فالتحقت بشركة للتوزيع تدعي بأنها شركة عالمية, وهي مجرد مكتب صغير..يديره رجل أنيق..يرتدي بدلة زرقاء, ويتحدث بلباقة وطلاقة..استطاع أن يقنعني فى دقائق أنني يوما ما سوف أجلس على مكتب مكيف مثله.. كان العمل يقتضى أن نجتمع سويا شبابا وفتيات صباحا؛ لنتدرب على إقناع الزبائن لشراء منتجات صينية رخيصة, بدافع أن هناك خصم يجب الاستفادة منه, ثم نتفرق بعد ذلك على المقاهي ومكاتب الموظفين, لتسويق ما لدينا من بضائع يومية: لعب أطفال أو أدوات منزلية أو غير ذلك مما يحتاجه الناس فى حياتهم..مرت الأيام أتجول فيها بين الطرقات, لأبحث عن الزبائن من الموظفين فى مكاتبهم أو مرتادي المقاهي, ومن أجل ذلك أسير عشرات الكيلومترات, وأنا أتصبب عرقا وأعاني من الإجهاد..أجلس أحيانا على حافة الرصيف,لألتقط الأنفاس وأحسب ما بعته ومقدار حصتي من الأرباح, والتى فى الغالب وفى أحسن الأحوال لا تتعدي ثلاث جنيهات يوميا.
فى هذا اليوم قررت أن أتجه إلى شركة كبيرة يعمل بها ربما مئات الموظفين..منعني حارس الأمن من الدخول..بقيت منتظرا خارج مبني الشركة أتحين فرصة للدخول..رأيته يبتعد عن الباب, فدلفت بسرعة للداخل..تجولت بين المكاتب حيث بعت الكثير من لعب الأطفال التي بحوزتي, وحانت لحظة المغادرة..رآني رجل أنيق ذو بدلة زرقاء, وأنا أعبر الطرقة نحو الباب, فخمنت أن يكون صاحب الشركة..سمعته ينادي بصوت عالى:
- أين الأمن؟
هرع الحارس نحوه, فأشار الرجل ناحيتي حينئذ أمسك الحارس بيدي, ليدفعني خارجا..سقطت الحقيبة التى تحتوي ما تبقى من البضائع من يدي..سحقها الحارس بقدمه..دفعته بعيدا عني..التقطت الحقيبة من الأرض, ورأيت مابها..كانت كل اللعب البلاستيكية مهشمة..بدرت مني صرخة بحشرجة واضحة..نظرت إلى الرجل ذو البدلة الزرقاء, فوجدته يضحك بأعلى صوته وهو يميل برأسه إلى الخلف.. تذكرت وقتها أنني قد رأيت هذا الوجه وتلك الضحكة من قبل.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى