ما سأرويه لكم، أصدقائي، من خيالي، فقد عثرت مؤخرا ، على مخطوطة كتاب عربي في مكتبة تركية، الكتاب عبارة عن مذكرات رحالة غرناطي، فأخذت زاوية من المكتبة، بعد ابتسامة طويلة عريضة لصاحب المكتبة، عرف من خلالها شغفي بتصفح المخطوطة .. أول عبارة قرأتها وشدتني الى الكتاب، تقول " أن سرائر النور فرشت في قلب الرحالة الغرناطي، من حيث لا يدري ، وهو يبحر بحثا عن الحقيقة في البلدان البعيدة عن دياره، بعدما ضاعت غرناطة من بين يدي سلطان العرب الاندلسي"، عبارة ( من حيث لايدري ) هي الهبت الحماس في عقلي واثارت انتباهي لتتركني أهيم مثل المجنون في عالم الكتاب .
حلقت بجناحي خيالي ، فألتقيت بالرحال الغرناطي، في ديوان قاضي القضاة أبي اسحاق، كان الرحالة الغرناطي يتحدث عن رحلته الاخيرة الشاقة الى البلدان التي تقع على نهر النيل، كيف أنه واجه رجالا بطوية جميلة لا بغض فيها، مضى يتحدث ثلاث ساعات، حتى وصل الى حكاية شد بها انتباهي ، تلك هي حكايته عن حمام الرجال والنساء المختلط في بلدة تقع على النيل ، لم يذكر إن كانت مصر او السودان او الحبشة، وبسبب جدية القاضي ابي اسحاق فلم يستفض الرحالة بحكايته ، تحينت الفرصة أن استفرد بصديق الغرناطي اللوذعي وهو شاب مليح باشا يعمل كاتبا لدى القاضي، لا يتكلم الا قليلا، بسبب حضور القاضي، لدى هذا الشاب بيت وزوجة في هذه البلدة، وبعد ان تعب الرحالة من رواياته الشائكة ، طلب منا الشاب المليح المبيت عنده في البيت ، تردد الغرناطي في بادئ الامر ، لكنه عندما وجدني مسرورا بالدعوة قبلها، كانت في نية الغرناطي أن يوجه له الدعوة القاضي وليس الشاب الذي يعمل لديه كاتبا ، فخرجنا من ديوان القاضي ليلا وسرنا في درب ترابي تتنابح به الكلاب ، ، قلت في نفسي ، سأنفرد بالرحالة في بيت الكاتب ليروي لي حكاية الحمام المختلط على ضفاف النيل ، وما إن وصلنا الى البيت ، حتى خرجت زوجة الكاتب وهي فرحة مسرورة لاستقبالنا ، خرجت من غرفتها التي رأيت انها مشرعة النافذة ولحمت بسرعة خاطفة رجلا اسود خرج منها مسرعا، عاري الظهر ، بالكاد استطاع ارتداء لباسا طويل ليواري عريه من الاسفل ، انتبه الكاتب الى الطريقة التي نظرت بها الى غرفة زوجته وما حصل فيها قبل قليل ، فابتسم لي وهو يمسك براحة يدي " لا تظن ان الامر فيه سوء ، هكذا نحن " لم افهم مقصده ، غير ان الرحالة الغرناطي قال لي هامسا ، " ساشرح لك ما استعصى عليك فهمه " كما لو كان قد علم ما يجول في خاطري .
جلسنا في رحبة البيت ، ثمة قنديلان على طرفي الرحبة، يضيئان المكان ، جلبت زوجة الكاتب الاطايب من لحم الطير وهي ترتدي الثوب نفسه التي رأيتها عندما خرجت من غرفتها ، ابيض شفاف لايستر جسدها ، الا قليلا ، اخذ الرحالة يدون ما كان قد فاته وانشغلنا انا والكاتب نتهامس بعيدا عنه ، فسألني من اي عصر اتيت ؟ وكيف اتيت الى هنا ، وماذا تحوي حقيبتك الصغيرة هذه؟ فاخرجت له الموبايل واندهش ، وفتحته له فازداد رعبا واعجابا ، كاد يفقد صوابه ، لابد من التذكير ان الصرح الاخلاقي الذي يهيمن على سلوك هؤلاء القوم يختزل ببساطة شديدة مقاربة فيما نعيشه نحن حاليا من تهتك فاضح للجسد البشري، بدليل ان الكاتب ، ما إن تلبسني القي نظرة الى زوجته وهو تودع رجلا اسود هرب من النافذة، حتى قال لي ببساطة " لاتظن ان الامر فيه سوء " بقيت اراقب رواح وغدو المرأة وهي مازالت ترتدي ثوبها الشفاف الخفيف الابيض الذي يشبه ما نسميه بعصرنا ملابس النوم او " الاتك " الذي لا يحجب النظر الى ما وراءه ، فكان صدرها بارزا من فتحته الثوب، وكلما احنت ظهرها لتضع الطعام يتدلى ثدياها ، وعندما تذهب الى المطبخ ، يبرز وركيها بشكل لافت وهما يعزفان موسيقى الخلود، كما لو كنا نصور احد افلام البرنو ، تركنا الرحالة الغرناطي يدون في دفتره الصغير مشاهداته ، واخذ يهمس الكاتب في اذني " سألتني عن الحمامات في عصرنا ، أليس كذلك ؟ " بعد صمت قليل، قال مضيّفنا " بعد الانتهاء من العشاء سنذهب أنا وأنت الى احدى الحمامات ونترك الغرناطي هنا لوحده إن قبل بذلك" ، فلم اسأله كيف يترك رجلا غريبا في بيته، مع امرأته السوداء الجميلة، بدأنا بالتهام الطعام والشراب المعتق ، وبعدها قال الكاتب للرحالة الغرناطي " اظنك لاتقوى على التجوال في الليل ، فهل ستبقى هنا وان اي شيء تحتاج اليه سيلبى طلبك، بمجرد ان تومئ الى زوجتي العزيزة " وبعد توقف برهة اكمل " حتى نمضي انا وصديقي المعاصر هذا ( وضع يده على كتفي ) الى احد الحمامات القريبة ليغتسل ويرى ما يحب رؤيته " .
خرجنا من بيته وانا اغبط الرحالة العجوز ( اظنه في الخمسين ) لكونه سيبقى ينظر الى مفاتن زوجة الكاتب وهي تتلوى بمشيتها بين رحبة البيت والمطبخ ، يخيم على الشوارع ظلام دامس الا من بعض القناديل موضوعة على حافات اشجار افريقية شاهقة ، كانت تضيء بعض مسارنا الملتوي بين دروب القرية الطينية، يمسك الشاب بيدي كي لايفقدني في الظلام ، وبعد أن تكاثر نباح الكلاب، مشينا باتجاه نهر النيل حتى وصلنا على اعتاب مبنى طيني كبير مضاء من الداخل ، يطل على نهر النيل كما لو كان منحنيا عليه ، ما شاهدته الان بسبب نور القمر المنعكس على صفحات النهر ، فقال " هذا هو الحمام ، سترى مصدر مياهه ، التي تزود الحمام بمضخات نواعير يدورها حمار من مجرى نهير صغير يصب في خزان ارضي " كنت مندهشا وانا امسك بجهاز التسجيل لاسجل ما ارى ،
دخلنا الحمام واستقبلنا مديره بحفاوة مبالغ بها فعرفت مكانة كاتب القاضي عنده ، ثم طلب منا خلع ملابسنا ، كان يوجه كلامه الى الكاتب الذي نزع ملابسه بدون توجيه المدير، غير ان قوله كان يقصدني به، وما ان بدأت بنزع ملابسي حتى شعرت بالخجل ، تأزر الكاتب بمنشفة كبيرة ، وفعلت مثله وقد ذاب خجلي بسرعة ، ودخلنا الى رحبة كبيرة لم تكن مظلمة، ثمة قناديل موزعة في كل مكان وهناك حوض يشبه شكل السمكة بحدود سبعة امتار طولا وثلاثة امتار عرضا، يتصاعد منه البخار، وعلى حافته ثمة مصطبة عريضة جلس عليها رجال ونساء عراة تلمع اجسادهم بالضوء الشحيح في داخل الرحبة تتدلى سيقانهم في مياه الحوض السمكي، دبت الهسهة في جسدي ، ولاحظ الكاتب انني منبهر فاغر فمي ، التفتُ الى كل الجهات ، ثمة غرف صغيرة بستائر شفافة على ابوابها ، كان الكاتب يبحث عن شيء ما قبل ان يطلب مني الجلوس بجانب احدى الحسناوات السود على المصطبة السمكية ، ولما عثر على الشيء الذي يبحث عنه، حتى عرفت انه يريد من امراة معينة ان تاتي الينا ، فجاءت ، بيضاء تتأزر بمنشفة وردية همس باذنها شيئا ، فابتسمت لي المرأة ثم اخذتني من يدي الى احدى الغرف ، طلبت مني الاستلقاء على بطني بدون المنشفة، وقامت برش الماء على جسدي باناء كبير ثم بدات تفرك ظهري بالصابون المعطر ، بعد ساعة شعرت انني صرت مثل طائر يريد الطيران بدون جناحين ، عدنا الى الرحبة ولاحظت ان الكاتب اختفى ، اجلستني المرأة على المصطبة وجاءت امرأة اخرى سوداء ، جلست بجانبي بعد اشارة من المرأة البيضاء ، لا ادري ما الذي حصل لي ، ان ما اراه حتى في افلام البرنو لم اشاهد مثلها ، في الغرف الموزعة بشكل دائري حو الرحبة ثمة رجال ونساء لوحدهم ، يفركون اجساد بعضهم البعض، لا تتكلم المرأة السوداء الجالسة بجانبي ، انها تراقبني فقط ، بابتسامة مشعة تظهر اسنانها اللؤلؤية ، ولما استعصى عليها الكلام بدأت تستعمل يديها لايصال ماتريد قوله ، ثم نهضت وجلبت لي صينية عبارة عن خوص النخيل فيها تمر البرحي فالتهمت نصفها ، وهي تقف امامي حاجبة الرؤية عني ، انسحبت كل النساء من الحوض السمكي وخرجن الى زاويا معينة وجلبن الدفوف وبدأن يغنين ويرقصن ، ترتدي بعضهن المناشف الوردية بيضاوات وسوداوات وحنطيات ، تدخل اصواتهم مسامعي فتثير في نفسي الراحة والتلذذ ، ماذا يجري هنا ، نحن في اي عصر نعيش ، تقول المخطوطة ، انه القرن السابع الهجري ، كنت اتنقل بنظري بين الحسناوات باحثا عن شيء ما لفت نظري ، لا اعرف ماهيته ، خطف هذا الشيء من امامي بسرعة عجيبة ، وتاه وسط حشد النساء ، لا اعرف ما هيته ، شعرت بالقلق والخدر اللذيذ ، وعدم القدرة على استيعاب ماهية هذا الحفل الغنائي الراقص ، يصفق الرجال وقفوا وانا والمرأة الجالسة بجانبي قد لصقت فخذها بفخذي ، مازلنا ننظر الى الاجواء السحرية الغارقة بالبرنو ، ولما انتهى الغناء والرقص انسبحت النساء الى الزوايا المظلمة من الرحبة ، لكنني وجدت شيئا لم يكن ليخطر على بالي ، انني رأيت امرأة تشبه حبيبتي التي فارقتني اثناء حرب ايران ، كانت تغني معهن ، فبحثت عن الكاتب لكي يساعدني في الوصول اليها ولما عثرت عليه هرعت اليه وهو مغمور بالضحك مع احداهن ، همست باذنه ، فذهب الى المدير وقال له مضمون ما همست ، حتى جئن النساء ، يمرن من امامي ، هذه المرة بدون المناشف ، يسرن بغنج ودلال وضحكات مكتومة ، يتهامسن ، وفي الاخير وجدت المراة التي تشبه حبيبتي ، التي فارقتني بسبب الحرب ، كانت تسير لوحدها في الرحبة ، ولما نهضت اليها كانت قد اختفت من ناظري ، كدت اشعر باليأس من فقدانها حتى وجدتها تقف بدلال، وبابتسامتها التي احبها في غرفة بعيدة ، خلف الستارة ، تومئ لي بالاقتراب منها ، ذهبت اليها ، ولما وصلت عانقتني وقبلتني ، هي هي نفسها ، حبيبتي التي فارقتني ايام حرب ايران ، بكيت بحرقة وانا الثمها واقبل كل جزء من جسدها ، بعدها اطفأت القناديل وبقي واحدا يحمله الكاتب يبحث عني ، ولما عثر علي تركتني الحبيبة وغادرت الظلام وأمسك الكاتب بيدي الى غرفة ارتداء الملابس، ثم ذهبنا الى بيته وقد طر الفجر، كنت مازال ابكي ، وانا غير مصدق بما انعمت به من الخدر واللذة ، حتى سقطت دموعي على المخطوطة التي كنت اقرأ بها .
حلقت بجناحي خيالي ، فألتقيت بالرحال الغرناطي، في ديوان قاضي القضاة أبي اسحاق، كان الرحالة الغرناطي يتحدث عن رحلته الاخيرة الشاقة الى البلدان التي تقع على نهر النيل، كيف أنه واجه رجالا بطوية جميلة لا بغض فيها، مضى يتحدث ثلاث ساعات، حتى وصل الى حكاية شد بها انتباهي ، تلك هي حكايته عن حمام الرجال والنساء المختلط في بلدة تقع على النيل ، لم يذكر إن كانت مصر او السودان او الحبشة، وبسبب جدية القاضي ابي اسحاق فلم يستفض الرحالة بحكايته ، تحينت الفرصة أن استفرد بصديق الغرناطي اللوذعي وهو شاب مليح باشا يعمل كاتبا لدى القاضي، لا يتكلم الا قليلا، بسبب حضور القاضي، لدى هذا الشاب بيت وزوجة في هذه البلدة، وبعد ان تعب الرحالة من رواياته الشائكة ، طلب منا الشاب المليح المبيت عنده في البيت ، تردد الغرناطي في بادئ الامر ، لكنه عندما وجدني مسرورا بالدعوة قبلها، كانت في نية الغرناطي أن يوجه له الدعوة القاضي وليس الشاب الذي يعمل لديه كاتبا ، فخرجنا من ديوان القاضي ليلا وسرنا في درب ترابي تتنابح به الكلاب ، ، قلت في نفسي ، سأنفرد بالرحالة في بيت الكاتب ليروي لي حكاية الحمام المختلط على ضفاف النيل ، وما إن وصلنا الى البيت ، حتى خرجت زوجة الكاتب وهي فرحة مسرورة لاستقبالنا ، خرجت من غرفتها التي رأيت انها مشرعة النافذة ولحمت بسرعة خاطفة رجلا اسود خرج منها مسرعا، عاري الظهر ، بالكاد استطاع ارتداء لباسا طويل ليواري عريه من الاسفل ، انتبه الكاتب الى الطريقة التي نظرت بها الى غرفة زوجته وما حصل فيها قبل قليل ، فابتسم لي وهو يمسك براحة يدي " لا تظن ان الامر فيه سوء ، هكذا نحن " لم افهم مقصده ، غير ان الرحالة الغرناطي قال لي هامسا ، " ساشرح لك ما استعصى عليك فهمه " كما لو كان قد علم ما يجول في خاطري .
جلسنا في رحبة البيت ، ثمة قنديلان على طرفي الرحبة، يضيئان المكان ، جلبت زوجة الكاتب الاطايب من لحم الطير وهي ترتدي الثوب نفسه التي رأيتها عندما خرجت من غرفتها ، ابيض شفاف لايستر جسدها ، الا قليلا ، اخذ الرحالة يدون ما كان قد فاته وانشغلنا انا والكاتب نتهامس بعيدا عنه ، فسألني من اي عصر اتيت ؟ وكيف اتيت الى هنا ، وماذا تحوي حقيبتك الصغيرة هذه؟ فاخرجت له الموبايل واندهش ، وفتحته له فازداد رعبا واعجابا ، كاد يفقد صوابه ، لابد من التذكير ان الصرح الاخلاقي الذي يهيمن على سلوك هؤلاء القوم يختزل ببساطة شديدة مقاربة فيما نعيشه نحن حاليا من تهتك فاضح للجسد البشري، بدليل ان الكاتب ، ما إن تلبسني القي نظرة الى زوجته وهو تودع رجلا اسود هرب من النافذة، حتى قال لي ببساطة " لاتظن ان الامر فيه سوء " بقيت اراقب رواح وغدو المرأة وهي مازالت ترتدي ثوبها الشفاف الخفيف الابيض الذي يشبه ما نسميه بعصرنا ملابس النوم او " الاتك " الذي لا يحجب النظر الى ما وراءه ، فكان صدرها بارزا من فتحته الثوب، وكلما احنت ظهرها لتضع الطعام يتدلى ثدياها ، وعندما تذهب الى المطبخ ، يبرز وركيها بشكل لافت وهما يعزفان موسيقى الخلود، كما لو كنا نصور احد افلام البرنو ، تركنا الرحالة الغرناطي يدون في دفتره الصغير مشاهداته ، واخذ يهمس الكاتب في اذني " سألتني عن الحمامات في عصرنا ، أليس كذلك ؟ " بعد صمت قليل، قال مضيّفنا " بعد الانتهاء من العشاء سنذهب أنا وأنت الى احدى الحمامات ونترك الغرناطي هنا لوحده إن قبل بذلك" ، فلم اسأله كيف يترك رجلا غريبا في بيته، مع امرأته السوداء الجميلة، بدأنا بالتهام الطعام والشراب المعتق ، وبعدها قال الكاتب للرحالة الغرناطي " اظنك لاتقوى على التجوال في الليل ، فهل ستبقى هنا وان اي شيء تحتاج اليه سيلبى طلبك، بمجرد ان تومئ الى زوجتي العزيزة " وبعد توقف برهة اكمل " حتى نمضي انا وصديقي المعاصر هذا ( وضع يده على كتفي ) الى احد الحمامات القريبة ليغتسل ويرى ما يحب رؤيته " .
خرجنا من بيته وانا اغبط الرحالة العجوز ( اظنه في الخمسين ) لكونه سيبقى ينظر الى مفاتن زوجة الكاتب وهي تتلوى بمشيتها بين رحبة البيت والمطبخ ، يخيم على الشوارع ظلام دامس الا من بعض القناديل موضوعة على حافات اشجار افريقية شاهقة ، كانت تضيء بعض مسارنا الملتوي بين دروب القرية الطينية، يمسك الشاب بيدي كي لايفقدني في الظلام ، وبعد أن تكاثر نباح الكلاب، مشينا باتجاه نهر النيل حتى وصلنا على اعتاب مبنى طيني كبير مضاء من الداخل ، يطل على نهر النيل كما لو كان منحنيا عليه ، ما شاهدته الان بسبب نور القمر المنعكس على صفحات النهر ، فقال " هذا هو الحمام ، سترى مصدر مياهه ، التي تزود الحمام بمضخات نواعير يدورها حمار من مجرى نهير صغير يصب في خزان ارضي " كنت مندهشا وانا امسك بجهاز التسجيل لاسجل ما ارى ،
دخلنا الحمام واستقبلنا مديره بحفاوة مبالغ بها فعرفت مكانة كاتب القاضي عنده ، ثم طلب منا خلع ملابسنا ، كان يوجه كلامه الى الكاتب الذي نزع ملابسه بدون توجيه المدير، غير ان قوله كان يقصدني به، وما ان بدأت بنزع ملابسي حتى شعرت بالخجل ، تأزر الكاتب بمنشفة كبيرة ، وفعلت مثله وقد ذاب خجلي بسرعة ، ودخلنا الى رحبة كبيرة لم تكن مظلمة، ثمة قناديل موزعة في كل مكان وهناك حوض يشبه شكل السمكة بحدود سبعة امتار طولا وثلاثة امتار عرضا، يتصاعد منه البخار، وعلى حافته ثمة مصطبة عريضة جلس عليها رجال ونساء عراة تلمع اجسادهم بالضوء الشحيح في داخل الرحبة تتدلى سيقانهم في مياه الحوض السمكي، دبت الهسهة في جسدي ، ولاحظ الكاتب انني منبهر فاغر فمي ، التفتُ الى كل الجهات ، ثمة غرف صغيرة بستائر شفافة على ابوابها ، كان الكاتب يبحث عن شيء ما قبل ان يطلب مني الجلوس بجانب احدى الحسناوات السود على المصطبة السمكية ، ولما عثر على الشيء الذي يبحث عنه، حتى عرفت انه يريد من امراة معينة ان تاتي الينا ، فجاءت ، بيضاء تتأزر بمنشفة وردية همس باذنها شيئا ، فابتسمت لي المرأة ثم اخذتني من يدي الى احدى الغرف ، طلبت مني الاستلقاء على بطني بدون المنشفة، وقامت برش الماء على جسدي باناء كبير ثم بدات تفرك ظهري بالصابون المعطر ، بعد ساعة شعرت انني صرت مثل طائر يريد الطيران بدون جناحين ، عدنا الى الرحبة ولاحظت ان الكاتب اختفى ، اجلستني المرأة على المصطبة وجاءت امرأة اخرى سوداء ، جلست بجانبي بعد اشارة من المرأة البيضاء ، لا ادري ما الذي حصل لي ، ان ما اراه حتى في افلام البرنو لم اشاهد مثلها ، في الغرف الموزعة بشكل دائري حو الرحبة ثمة رجال ونساء لوحدهم ، يفركون اجساد بعضهم البعض، لا تتكلم المرأة السوداء الجالسة بجانبي ، انها تراقبني فقط ، بابتسامة مشعة تظهر اسنانها اللؤلؤية ، ولما استعصى عليها الكلام بدأت تستعمل يديها لايصال ماتريد قوله ، ثم نهضت وجلبت لي صينية عبارة عن خوص النخيل فيها تمر البرحي فالتهمت نصفها ، وهي تقف امامي حاجبة الرؤية عني ، انسحبت كل النساء من الحوض السمكي وخرجن الى زاويا معينة وجلبن الدفوف وبدأن يغنين ويرقصن ، ترتدي بعضهن المناشف الوردية بيضاوات وسوداوات وحنطيات ، تدخل اصواتهم مسامعي فتثير في نفسي الراحة والتلذذ ، ماذا يجري هنا ، نحن في اي عصر نعيش ، تقول المخطوطة ، انه القرن السابع الهجري ، كنت اتنقل بنظري بين الحسناوات باحثا عن شيء ما لفت نظري ، لا اعرف ماهيته ، خطف هذا الشيء من امامي بسرعة عجيبة ، وتاه وسط حشد النساء ، لا اعرف ما هيته ، شعرت بالقلق والخدر اللذيذ ، وعدم القدرة على استيعاب ماهية هذا الحفل الغنائي الراقص ، يصفق الرجال وقفوا وانا والمرأة الجالسة بجانبي قد لصقت فخذها بفخذي ، مازلنا ننظر الى الاجواء السحرية الغارقة بالبرنو ، ولما انتهى الغناء والرقص انسبحت النساء الى الزوايا المظلمة من الرحبة ، لكنني وجدت شيئا لم يكن ليخطر على بالي ، انني رأيت امرأة تشبه حبيبتي التي فارقتني اثناء حرب ايران ، كانت تغني معهن ، فبحثت عن الكاتب لكي يساعدني في الوصول اليها ولما عثرت عليه هرعت اليه وهو مغمور بالضحك مع احداهن ، همست باذنه ، فذهب الى المدير وقال له مضمون ما همست ، حتى جئن النساء ، يمرن من امامي ، هذه المرة بدون المناشف ، يسرن بغنج ودلال وضحكات مكتومة ، يتهامسن ، وفي الاخير وجدت المراة التي تشبه حبيبتي ، التي فارقتني بسبب الحرب ، كانت تسير لوحدها في الرحبة ، ولما نهضت اليها كانت قد اختفت من ناظري ، كدت اشعر باليأس من فقدانها حتى وجدتها تقف بدلال، وبابتسامتها التي احبها في غرفة بعيدة ، خلف الستارة ، تومئ لي بالاقتراب منها ، ذهبت اليها ، ولما وصلت عانقتني وقبلتني ، هي هي نفسها ، حبيبتي التي فارقتني ايام حرب ايران ، بكيت بحرقة وانا الثمها واقبل كل جزء من جسدها ، بعدها اطفأت القناديل وبقي واحدا يحمله الكاتب يبحث عني ، ولما عثر علي تركتني الحبيبة وغادرت الظلام وأمسك الكاتب بيدي الى غرفة ارتداء الملابس، ثم ذهبنا الى بيته وقد طر الفجر، كنت مازال ابكي ، وانا غير مصدق بما انعمت به من الخدر واللذة ، حتى سقطت دموعي على المخطوطة التي كنت اقرأ بها .