محمد مزيد - نزوات الملكة السرية

تجلس الملكة مع صويحباتها على العشب قرب النهر ، خلفها خيمة صغيرة، تحيطهم أشجار كثيفة، لا تسمح لمتلصص عابث ، أن يسترق النظر الى اجواء مجلسها الساحر ، يطوق رجال الحماية والحرس هذا المكان على مسافة مئتي متر بشكل دائري ، تلمح وجودهم خلف الاشجار ، وهم في كامل الاستعداد للقضاء على البشر والطيور والحيوانات ان تمادت من الاقتراب الى مجلسها ، تريد الملكة ان تعوض خسارتها بفقدان زوجها الملك، الذي انشغل عنها في السنوات الماضية في ادارة الحروب ، تريد الترويح عن نفسها، ولكنها تعلم أن أهم انشغالات زوجها هو النساء ، فمنذ خمس سنوات لم يقترب من فراش الزوجية وعندما تطلب منه البقاء معها ليلة واحدة ، او حتى ساعة يتعلل بانشغاله بادارة الدولة .
ها هي الملكة تجلس امام النهر، وتفكر كيف تنتقم من اهمال زوجها لها ، تعلم أن الدنيا ملك يديها ، فبأشارة منها، يُجلب لها كل شيء، ومن ارقى المناشيء ، ترتدي الان ثوبها البنفسجي المطعم بالدرر والياقوت الذي يثير حسد زوجة نائب الملك وزوجة وزير الصحة وزوجة وزير الدفاع ، يكشف الثوب عن ذراعيها وينسرح الى اخمص قدميها ، لاتريد أن تستخف بنفسها فترتدي الملابس التي تكشف عريها ، لكنها تحلم كثيرا، لو أنها تتمدد على العشب عارية، تحلم ان تلامس جسدها ايد حانية، رقيقة، تشعر ثمة بأن المياه في داخلها تكاد تتجمد .
لكنها فجأة، وهي سارحة التفكير بتعاستها، سمعت صوتا يأتي عبر مويجات النهر ، انه صوت غناء رجالي يأتي مع الريح، ليصل الى سمعها، فأوقفت بحركة من يدها رطانة صديقاتها غير المجدية باشارة حازمة، وطلبت منهن الاصغاء مثلها الى ترنيمات الصوت الرجالي وذبذباته العذبة ، ينثر المغني البعيد صوته عبر الريح فتاتي به اشعةالغروب ومويجات النهر الى أسماعهن، كتمت النساء ثرثراتهن، تغلغل صوت الغناء الى روح الملكة ، وانتقل الى جسدها ، عبر الى مساماتها ، كانت تصغي بحياد ، بتوجس ، برهبة ، ملأ رئتيها بعطره ، ثم أشارت الى احد حراسها ، هرع اليها، همست باذنه شيئا، فانطلق الحارس عابرا النهر بمشحوف معد للنقل بين الضفتين، وما هي الا دقائق قليلة ، حتى جلب المغني، يرتدي دشداشة بيضاء ، وجهه حنطي، ونظراته فيها براءة وسذاجة اهل القرى البعيدة في الجنوب، انصرف الحرس ووقف المغني امامها مذعورا خائفا يتصبب عرقا ، قالت له الملكة " اريدك ان تغني لي لوحدي " وطلبت أن يذهب الى الخيمة، فأمسكته خادمتها الارمنية وادخلته الى الخيمة ، نهضت الملكة وغمزت الى صديقاتها، ثم جاءت اليه، مازال عطر صوته يملأ عليها رئتيها ، وقفت امامه في الخيمة ، شمت تلك الرائحة التي ينبعث منها صوت الرجال ، فجلست، وهي تكاد تنهار من الصيد السمين الذي حصلت عليه ، امرته ان يغني لها وحدها ، فانطلق صوته، ليتسرب خارج الخيمة، خارج المزرغة، عابرا الانهار والبحار والوديان والجبال، وبعد ساعة من الغناء ، انقطع الصوت، ما جعل صويحباتها يكتمن ضحكاتهن، وبدأن ينظر الى بعضهن البعض نظرات واضحة المعنى ، ثم خرج المغني يحمل بيده ورقة صغيرة تسمح له بالدخول الى قصرها ، فانطلق يركض عابرا النهر، أخذ يلبط بملابسه، كما لو كان دلفينا .
ولما عادت الملكة الى قصرها ، عرفت أن الوحدة ستقتلها، فلا المدلكة الارمنية تخفف عنها، ولا جمهرة العازفينو الراقصات اللواتي جلبن من اقاصي الارض يروحون عن خزنها وتعاستها، فهي الملكة التي تملك كل شيء في الدنيا ، غير ان الشيء الوحيد الذي تريد امتلاكه غير موجود ، ظل يدوي صوت المغني في مسامعها، وغمرها عطر صوته الذي ملأ مسامتها المتشوقة ، تعلم ان مليكها مشغول بالحروب وانها استطاعت ان تعفي مغنيها من المشاركة فيها، بقصاصة ورقة صغيرة ارتجف لها كبار قادة الحرب في البلاد .
جاء المغني الى القصر ، واخذ يغني لها لوحدها ( بلا ي وداع ) ، تصغي له فيما كان خيالها يسبح معه على مهل، وفي لحظة فارقة، أشارت اليه بالتوقف وطلبت منه أن يغني لها على الفراش ، هناك أمضى المغني يغني طوال الليل ( بلاي وداع ) هناك غاص في بحر الالحان الجديدة التي لم يسمع بها من قبل، ثم نام نومة هانئة الى الصباح ، وعندما فز من النوم ، وجد الملكة غائبة عنه، وثمة رجال مدججون بالسلاح يحيطون بالسرير الملوكي يتطاير الشرر من عيونهم ، فأخذوه عاريا .. عاريا الى التراب .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى