يعقوب المحرقي - جدار الورد

" كل الآلام
التي تدعي الحرب شفائها
اقل رعبا من الحرب بذاتها "
( فيكتور مارغريت )
كاتب و رواني فرنسي
1866 -- 1942

" الحرب تعلم فقدان كل شيء
وان نصبح ما لم نكنه من قبل "
( البير كامو )
1913 - 1960
كاتب و صحفي
وفيلسوف و روائي فرنسي


لم احلم بها
لم اتخيلها
لم اقرأ عنها
ولم يقصصها أحد على مسامعي
بعد غيبوبة شهر
جلت خلالها المدارات
وتجلت لي النيازك والكواكب والنجوم
كل يرتب اوضاعه
على دقات تصاريف
الدوران حول الارض
يتهامسون ياكلون
ويسكرون ويسهرون
يطلون من شرفات الانتشاء
ومن سامق السماء كأنهم الإله
على الأرض التي تدور
يرون المدن القذرة وضجيج المارة وصهيل الخيول والكتاب والمدونين وراء اجهزتم في المقاهي
ويرصدون المقرنصين والسياسيين يعقدون صفقات لانتخابات وشيكة
والوزراء يلعبون الشطرنج ويناقشون : كيف سطى النمل
على صوامع الحنطة ؟
تتضاحك الأقمار والكواكب والنجوم لما ترى من مآسي الإنسان
الذي لم يتطور بعد
هكذآ كنت في هداة الغيبوبة ضاجا بالهدوء وعاشقا للحنان
اعتقدتني في برزخ
بين جحيم الشيطان وجنة الرحمن
قفزت الأزمنة
وطاردتني كوارث الحروب
والسحب السوداء
والطائرات المسيرة
لتقذفني بماء النار
الذي خلته ماء الورد والريحان
جولتي في غيبوبة الزمان والمكان حملتني الى عصور لم تولد بعد واخرى لم تولد قط
وبين مدارس وسجون
ومقابر وبساتين ومطارات
تهت بين مدن لامسمى لها
على الخرائط
واخرى بهتت صورتها
لأن الرحالة تمزقت احذيتهم
فوق بساطها
انعم علي الزمان بذاكرة
تسرق من الفجر شروقه
ومن الشعلة قبسها
ومن الطيور الأجنحة
ومن القلوب الحب وعشق الجمال
لم اعد كما كنت
أمامي الأربعة الجدران
وباب خشبي ونافذة
تطل على لامكان
أمامي زخرف من ورود حمراء وردية منثورة بالاف على الجدران
كانها دقات من قبلات الجمال
على خدود وردية
نسجت من الخجل
ذات يوم ملكت جسدا اتحرك داخله اتحرر من هيكله في الأحلام
انغمس في بحيرة زرقاء هادئة حينا مضطربة أحيانا من المتع والملذات
لم يتعرض جسدي لصدمات وصعقات لانه لم يدخل حربا او سجنا حينها
اما الآن فلا اعرف لمن هذه الكتلة ونثار العظام
كتلة لحم بيد واحدة وراس
ماتبقى من جسدي
كأن طفلة تتلهى بتفكيك دميتها عندما وصلت إلى الذراع الثانية سمعت نداء امها
قذفت الباقي أرضا
تخيلتني في جسد شبه الدمية
شعرت بخالقي نحاتا مجنونا
سكر فنساني في مخزنه مع حطام التماثيل الفاشلة
احسست براسي ويدي الوحيدة يتحاوران عن مستقبل ويستشرفان افقه ومسالكه
كان قريبا من ثغاء الخراف لم افقه منه الكثير
بكيت لاننى أمام اليتيمين الباقيين من اطرافي اصبحت غريبا لا افهم
ما يدور بينهما
هل هما ايضا يتمنيان الانفصال
عن شبه الجسد
إرثي القبيح من الحرب
ام يتسألآن عن طبيعة علاقتي بهما بعدما اصبحت غير قادر على العناية المباشرة بهما
قال لي الجدار ذات صباح :
لماذا تقيد ماتبقى منك بمصيري فضحكت الورود المتناثرة عليه
لانها منذ دخولي الغرفة
عرفت هويتي
وامرت بقيدي على جدول السرمديين
ها انا اصبحت مقيما ابديا
في معية الورود
.
بعد سنوات :
هل سياتي اليوم
حيث أرى إنسانا آليا
يخدمني ويغني لي و يرقص
حلمت ذات ليلة بأنني مستلق
مغطى بالورود
وعطرها الفواح في الارجاء
خفت على تلك التي تحت ظهري
جمعتها وزينت بها حواشي النافذة فحط عليها سرب من النحل ليمتح الرحيق
وحلقت قبيلة صغيرة من العصافير راغبة في نقر البتلات
شكرني النحل والعصافير وتمنوا
ان تنموا اطرافي المفقودة
فبكيت فرحا وذهبت الى مخدتي بابتسامة تليق بحلمي .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى