سيدة بن جازية - ما بعد الوليمة

في ذلك الكوخ البسيط على مقربة من مصب القمامة الغربي لاحت لي كتلة متحركة بثبات، اقتربت استرق النظر بفضول، ابتسمتُ بدمع حارق، ماكانت الكتلة عبثا إنها لعجوز شبه مقعدة تحاول الاعتناء بدجاجة ترقد على بيض مرصوف في وعاء قصديري مكوم بالقش، كانت تغني لها أغنية شعبية نرددها في أعراسنا التقليدية، بصوت شجي و نفس حزين تمسد ريشها و تدعو دجاجتها الحاضنة " بنيتي الحميراء " معك ربي و الصُلاَّح، تصفق تارة و تزعرد أخرى ماسحة دمعا بخرقة كمها الخليق...

لمحتني اقترب فدعتني إلى وليمة مما كتب الله وقد أشرق محياها و لمعت عيناها تحت التجاعيد المكتظة.

لم أشأ إحراجها تقدمت خطوتين ، نهرتني من إيذاء حميرائها و قدمت لي كأس شاي منعنع تفوح منه رائحة البساطة الدافئة و الحب المحموم، سألتها بسذاجة عن عمرها وصحتها، ابتسمت والصدر يرتفع مخفيا تنهيدة مكلومة
_ " دعك من عمري فها قد انقضى بعد أن نهب صحتي، لولا حميرائي لدعوت صاحب الأمانة أن يأخذ أمانته، لكن من سيرعى حفيدي و يرعاها مدة النفاس بعد أن لفظها الشارع و ذئاب الغابة "
تغيرت نبرة صوتها في حشرجة و أسى و قد قطبت جبينها،
فانعقد لساني ولم أجد كلمات مناسبة للموقف الهزلي ...

طأطأت رأسي معلنا موافقتي و هممت بالخروج كي أطلق قهقهة مكتومة من خرف العجائز فاستوقفتني تسألني عن أقرب مشفى للتوليد.
ضاحكا عاجلتها بكلمتين سأعود لاحقا و أخبرك.
أمضيت يومي متخيلا مشهد الدجاجة تحمل إلى المستشفى كي تتخطى عسر الولادة .... عندما حل المساء حملت بعض الخضر و الغلال و الأطعمة الجاهزة و قصدت المكان.
ما إن اقتربت خطوتين حتى سمعتها تواسي دجاجتها بعبارات أم رؤوم عانت ألام المخاض و وخز العار و الفضيحة حمحمت ثلاثا و دلفت إلى الداخل محملا بما يسرها...

فتاة قاصر تحمل إعاقة عضوية ببطن منتفخ و ملامح البلهاء.
ما هذا يا الله!
وضعت هديتي و عدت أدراجي حزينا مغتاظا.
لم يغمض لي جفن، انتظر بزوغ شمس يوم جديد،
لم أتردد في الاتصال بمركز رعاية فاقدي السند كي تتخطى هذه العائلة مصيبتها و لم يتردد رجال الشرطة في الزج بي في السجن لسنوات .

سيدة بن جازية تونس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى