لن يهلمك شيء،
الموت للبرود الذهني.
الموت للحشرات التي تداهمني كلما فتحت باب التابوت لتقلق منامي وتقرفني ساعة الأكل بشكلها البشع. إن الحشرات السريعة أقل إقرافاً من تلك التي تزحف ببطء في الأرض وتحرك سيقانها السوداء الرفيعة للإمام والخلف كمجداف المراكب. ولقد حاولت باستمرار طردها من تابوتي، قاومتها وقاوَمَت دحري لها. لم ينفع الموبيد الحشري ولا المساحيق السامة. إنها تزحف في قلب السحاب السام كما لو كانت ترتدي أقنعة واقية. تزحف ببطء، وتحرك رأسها القبيح يمنة ويسرة كما لو كانت تشق الطريق وسط خنادق الحرب. فأزداد شعوراً بالقرف.
"يجب أن تحصل على بعض الإثارة في تابوتك الضيق"
تقول وتزحف، تزحف وتقول. وأظل أصفعها بالحذاء مرات ومرات فتتكور على نفسها كما لو كانت ميتة لتخدعني لكنني أعرف ألاعيبها، فأصفعها مرات ومرات، مرات بعقب الحذاء ومرة بمقدمته، وحين استغرق في حمامات دمها الأصفر اللذج أتعرق وأفقد عقلي، أصبح كعازف الجيتار الكهربائي في فرقة روك المجانين.
"يجب أن ترحل من هذا التابوت.. نحن نحبك لذلك نفعل ذلك".
تحبونني يا حشرات يا كذبة..
وأظل أصفعها..
هل جاء المساء؟ هل هبط الظلام؟ أما زال النهار حياً فوق بطن الكون؟
الساعة الخامسة إلا عشر دقائق عصراً.
لقد اكتشفت أنها أمطرت البارحة.
وعليَّ أن أغرز أنيابي في الأسفلت لأمتص الزفت الأسود منه.
أسعل سعالاً خفيفاً وأسمع أزيز غطاء التابوت. فأنظر إلى ساعة الهاتف الجوال:
"سأكتب يوميات مصاص الزفت الآن"
أفرد عباءتي وأحاول التلصص على السماء، كان القمر ينتصفها. وهكذا هرولت فوق أسطح منازل الفقراء وقصور الأغنياء بلا هدى إلى أن لمحت الأسفلت اللامع، حيث ينعكس فوقه ضوء القمر.. وشرعت في غرز أنيابي فيه.
"أرجوك"
كان ذلك نهار يوم السبت حيث لا يجب أن أقتل حشرة كما قال موسى بن ميمون.
ورفعت إطار سيارتها وربطته، وتأكدت من أنه جاهز للانطلاق.
لقد نظرت لي نظرة استحقار. وكان ذلك غريباً. كان كما لو كان من الواجب عليَّ أن أساعدها في تبديل إطارها المعطوب، لذلك قلت:
- خمسمائة.
وحدث ما توقعته تماماً، لم تكن تملك مالاً فامتقع وجهها وجف فمها من اللعاب وبدأت تستجديني أن أقبل الدفع بعد أن تصل إلى وجهتها. انتهى صلفها عندما انتهى توقعها القديم بأنني ساعدتها من أجل كونها أنثى رغم أن توقعها كان صحيحاً.. ولكن هذا النوع من النساء صاحبات العقل النرجسي يحتجن للتأديب.
نفضت يدي ودرت على عقبي وغادرت فحركت جسدها ببطء مخذول ودخلت إلى كابينة سيارتها وقادتها بأسى.
وحين غرزت أسناني في الأسفلت شممت رائحة قدمها العطرة فتقيأت.
علينا أن نجر الحبال.. أن نجر حبال السفينة لندخلها إلى الشاطئ. وفردت عباءتي السوداء وهبطت فوق السفينة فرأيتهم يجرعون الخمر.
"إن شكلك غريب"
قال أحدهم، ورددوا ذلك ثم ضحكوا.. فضحكت، ليتحول ضحكهم إلى صراخ مفزع حين رأوا أنيابي الضخمة.
"لا تخافوا لست سوى مصاص أسفلت"
وانتزع أحدهم بندقية قديمة من الجدار وصوبها نحوي ثم أطلق النار.
"إنكم مخطؤون"
كانت أنفاسهم تعلوا وسط جمودهم.
"من يريد الخلود؟ لا أحد.. أليس كذلك.. لذلك كان على أن أحاول مص كل شيء.. لا بالتأكيد ليس ما تتخيلون أيها السكارى الوقحون، لكنني جربت مص الدماء ومص السحب ومص الأخشاب والحديد وضوء الشمعة والتيار الكهربائي وغير ذلك إلى أن انتهى بي الأمر إلى مص الأسفلت"
وألتقي بها في ذلك البلد البعيد بصدفة محضة.
"لقد احتقرتِني لأنني ساعدتك؟"
"لا.. أقسم لك أنني لم أفعل"
"كنتِ تعتقدين بأنني ساعدتك لأنك امرأة جميلة.. ألا تستحي من عقلك الطفولي"
"لا.. لم يحدث ذلك لكنك ذكرتني بذلك الماضي الطفولي.. ذكرتني بالصدف التي تلتقي فيها امرأة برجل قوي.. فتشعر كما لو عادت مراهقة مرة أخرى.. إنه شعور سخيف ويبدو مسطحاً وغير متناسب مع رغبتي في تجاوز كل احباطات الماضي.. كنت قد قررت صناعة قدري لكنني لم أعتقد بأن ذلك سيكون صعبا بهذا القدر"
"إنني مصاص أسفلت وأعرف أنك امرأة عاجزة عن صناعة قدرك.. إن الساخطين لا يستطيعون صناعة قدرهم"
كانوا ينظرون إلى فمي بجزع، وكنت أخلط دم من أطلق علي النار بالزفت الأسود.
"إنني أحاول أن أصبح إنساناً.. هذا كل شيء.. المسألة لا تتعلق بجوعي لامتصاص الأسفلت.. بل بأن أتخلص من تابوتي.. أن أرى النهار.. إن الآلهة غاضبة مني.. متأكد من ذلك"
وتسحب كم بلوزتها معرية ذراعها الأبيض..
"خذ"
ولكنني أخذت عنقها.. عنقها كان معطراً بعطر الشيكولاتة.. عطر رخيص لكنه في مكان غالٍ جداً.
"هل تجربين تابوتي"
وأغلقت عليها غطاء التابوت.. لكنها صرخت ما أن فعلت ذلك..
لقد داهمتها الحشرات السخيفة، وعبرت من تحت تنورتها إلى أفخاذها وثدييها ورقبتها البيضاء، وأخذت تندس مختبئة في شعرها..
حاولت فعل كل شيء كما هو معهود.. وأخيراً كانت عارية وقد فاحت منها رائحة البنزين ومن حولها تناثرت جثث الحشرات السخيفة وهي مقلوبة على ظهرها وسيقانها السوداء الرفيعة ترتعش.
"سأصنع قدري"
"كل يوم؟"
"نعم.. كل يوم"
وبدون أن ترتدي ملابسها خرجت.
لن يهلمك شيء،
الموت للبرود الذهني.
"عملت كمحظية لبضعة أشهر.. وتعرضت للضرب المبرح.. لا شيء سهل في هذه الحياة"
وكنت أضحك وأنيابي تزداد طولاً.
"لن تتمكني من صنع قدرك بدون أسلحة"
"لو كنتَ عضضتني المرة السابقة لأصبحت قوية مثلك"
"لم أكن يوماً قوياً..البرود الذهني هو ما يجعلك أعزلاً"
كنت أجر حبال السفينة لأدخلها إلى المرسى الخاص بها، فمهمتي أن ترسو سفن الموتى باستمرار كي يمنحوا الناجين الأمل.
"سأجمع النفايات أيضاً"
قالت وسحبت ساقيها من تحت ساقَيْ.
"وأنا سأغرز فيها أنيابي لأمتص بقايا عفونة الآخرين"
"وماذا تستفيد؟"
"لأن العفونة هي الحقيقة التي تختبئ خلف الطهارة المزيفة".
وهكذا بدأَتْ في جمع القمامة لأن القدر -كما قالت- لا يكمُن إلا هناك.. وهكذا بدأتُ بدوري في تجربة مص دم الحشرات اللزج المقرف علني أجد فيه السلوى.
(تمت)
الموت للبرود الذهني.
الموت للحشرات التي تداهمني كلما فتحت باب التابوت لتقلق منامي وتقرفني ساعة الأكل بشكلها البشع. إن الحشرات السريعة أقل إقرافاً من تلك التي تزحف ببطء في الأرض وتحرك سيقانها السوداء الرفيعة للإمام والخلف كمجداف المراكب. ولقد حاولت باستمرار طردها من تابوتي، قاومتها وقاوَمَت دحري لها. لم ينفع الموبيد الحشري ولا المساحيق السامة. إنها تزحف في قلب السحاب السام كما لو كانت ترتدي أقنعة واقية. تزحف ببطء، وتحرك رأسها القبيح يمنة ويسرة كما لو كانت تشق الطريق وسط خنادق الحرب. فأزداد شعوراً بالقرف.
"يجب أن تحصل على بعض الإثارة في تابوتك الضيق"
تقول وتزحف، تزحف وتقول. وأظل أصفعها بالحذاء مرات ومرات فتتكور على نفسها كما لو كانت ميتة لتخدعني لكنني أعرف ألاعيبها، فأصفعها مرات ومرات، مرات بعقب الحذاء ومرة بمقدمته، وحين استغرق في حمامات دمها الأصفر اللذج أتعرق وأفقد عقلي، أصبح كعازف الجيتار الكهربائي في فرقة روك المجانين.
"يجب أن ترحل من هذا التابوت.. نحن نحبك لذلك نفعل ذلك".
تحبونني يا حشرات يا كذبة..
وأظل أصفعها..
هل جاء المساء؟ هل هبط الظلام؟ أما زال النهار حياً فوق بطن الكون؟
الساعة الخامسة إلا عشر دقائق عصراً.
لقد اكتشفت أنها أمطرت البارحة.
وعليَّ أن أغرز أنيابي في الأسفلت لأمتص الزفت الأسود منه.
أسعل سعالاً خفيفاً وأسمع أزيز غطاء التابوت. فأنظر إلى ساعة الهاتف الجوال:
"سأكتب يوميات مصاص الزفت الآن"
أفرد عباءتي وأحاول التلصص على السماء، كان القمر ينتصفها. وهكذا هرولت فوق أسطح منازل الفقراء وقصور الأغنياء بلا هدى إلى أن لمحت الأسفلت اللامع، حيث ينعكس فوقه ضوء القمر.. وشرعت في غرز أنيابي فيه.
"أرجوك"
كان ذلك نهار يوم السبت حيث لا يجب أن أقتل حشرة كما قال موسى بن ميمون.
ورفعت إطار سيارتها وربطته، وتأكدت من أنه جاهز للانطلاق.
لقد نظرت لي نظرة استحقار. وكان ذلك غريباً. كان كما لو كان من الواجب عليَّ أن أساعدها في تبديل إطارها المعطوب، لذلك قلت:
- خمسمائة.
وحدث ما توقعته تماماً، لم تكن تملك مالاً فامتقع وجهها وجف فمها من اللعاب وبدأت تستجديني أن أقبل الدفع بعد أن تصل إلى وجهتها. انتهى صلفها عندما انتهى توقعها القديم بأنني ساعدتها من أجل كونها أنثى رغم أن توقعها كان صحيحاً.. ولكن هذا النوع من النساء صاحبات العقل النرجسي يحتجن للتأديب.
نفضت يدي ودرت على عقبي وغادرت فحركت جسدها ببطء مخذول ودخلت إلى كابينة سيارتها وقادتها بأسى.
وحين غرزت أسناني في الأسفلت شممت رائحة قدمها العطرة فتقيأت.
علينا أن نجر الحبال.. أن نجر حبال السفينة لندخلها إلى الشاطئ. وفردت عباءتي السوداء وهبطت فوق السفينة فرأيتهم يجرعون الخمر.
"إن شكلك غريب"
قال أحدهم، ورددوا ذلك ثم ضحكوا.. فضحكت، ليتحول ضحكهم إلى صراخ مفزع حين رأوا أنيابي الضخمة.
"لا تخافوا لست سوى مصاص أسفلت"
وانتزع أحدهم بندقية قديمة من الجدار وصوبها نحوي ثم أطلق النار.
"إنكم مخطؤون"
كانت أنفاسهم تعلوا وسط جمودهم.
"من يريد الخلود؟ لا أحد.. أليس كذلك.. لذلك كان على أن أحاول مص كل شيء.. لا بالتأكيد ليس ما تتخيلون أيها السكارى الوقحون، لكنني جربت مص الدماء ومص السحب ومص الأخشاب والحديد وضوء الشمعة والتيار الكهربائي وغير ذلك إلى أن انتهى بي الأمر إلى مص الأسفلت"
وألتقي بها في ذلك البلد البعيد بصدفة محضة.
"لقد احتقرتِني لأنني ساعدتك؟"
"لا.. أقسم لك أنني لم أفعل"
"كنتِ تعتقدين بأنني ساعدتك لأنك امرأة جميلة.. ألا تستحي من عقلك الطفولي"
"لا.. لم يحدث ذلك لكنك ذكرتني بذلك الماضي الطفولي.. ذكرتني بالصدف التي تلتقي فيها امرأة برجل قوي.. فتشعر كما لو عادت مراهقة مرة أخرى.. إنه شعور سخيف ويبدو مسطحاً وغير متناسب مع رغبتي في تجاوز كل احباطات الماضي.. كنت قد قررت صناعة قدري لكنني لم أعتقد بأن ذلك سيكون صعبا بهذا القدر"
"إنني مصاص أسفلت وأعرف أنك امرأة عاجزة عن صناعة قدرك.. إن الساخطين لا يستطيعون صناعة قدرهم"
كانوا ينظرون إلى فمي بجزع، وكنت أخلط دم من أطلق علي النار بالزفت الأسود.
"إنني أحاول أن أصبح إنساناً.. هذا كل شيء.. المسألة لا تتعلق بجوعي لامتصاص الأسفلت.. بل بأن أتخلص من تابوتي.. أن أرى النهار.. إن الآلهة غاضبة مني.. متأكد من ذلك"
وتسحب كم بلوزتها معرية ذراعها الأبيض..
"خذ"
ولكنني أخذت عنقها.. عنقها كان معطراً بعطر الشيكولاتة.. عطر رخيص لكنه في مكان غالٍ جداً.
"هل تجربين تابوتي"
وأغلقت عليها غطاء التابوت.. لكنها صرخت ما أن فعلت ذلك..
لقد داهمتها الحشرات السخيفة، وعبرت من تحت تنورتها إلى أفخاذها وثدييها ورقبتها البيضاء، وأخذت تندس مختبئة في شعرها..
حاولت فعل كل شيء كما هو معهود.. وأخيراً كانت عارية وقد فاحت منها رائحة البنزين ومن حولها تناثرت جثث الحشرات السخيفة وهي مقلوبة على ظهرها وسيقانها السوداء الرفيعة ترتعش.
"سأصنع قدري"
"كل يوم؟"
"نعم.. كل يوم"
وبدون أن ترتدي ملابسها خرجت.
لن يهلمك شيء،
الموت للبرود الذهني.
"عملت كمحظية لبضعة أشهر.. وتعرضت للضرب المبرح.. لا شيء سهل في هذه الحياة"
وكنت أضحك وأنيابي تزداد طولاً.
"لن تتمكني من صنع قدرك بدون أسلحة"
"لو كنتَ عضضتني المرة السابقة لأصبحت قوية مثلك"
"لم أكن يوماً قوياً..البرود الذهني هو ما يجعلك أعزلاً"
كنت أجر حبال السفينة لأدخلها إلى المرسى الخاص بها، فمهمتي أن ترسو سفن الموتى باستمرار كي يمنحوا الناجين الأمل.
"سأجمع النفايات أيضاً"
قالت وسحبت ساقيها من تحت ساقَيْ.
"وأنا سأغرز فيها أنيابي لأمتص بقايا عفونة الآخرين"
"وماذا تستفيد؟"
"لأن العفونة هي الحقيقة التي تختبئ خلف الطهارة المزيفة".
وهكذا بدأَتْ في جمع القمامة لأن القدر -كما قالت- لا يكمُن إلا هناك.. وهكذا بدأتُ بدوري في تجربة مص دم الحشرات اللزج المقرف علني أجد فيه السلوى.
(تمت)