محمد مزيد - الملكة كوبابا تدخل الى صريفتي*

حين دخلت الملكة الجميلة " كوبابا " الى صريفتي، حبست أنفاسي، لابد من الاشارة الى انني أسكن في هور الجبايش، بعيدا عن العيون، رافضا الإلتحاق بالجيش لمحاربة ايران، كنت نائما، أحلم كيف أهرب من رجال الامن الذين يزجون بالهاربين الى محرقة الحرب . كان كابوسا انقذتني الملكة بدخلوها صريفتي ، توقعت دخول سمير اميس، غير أن الذي حصل هو هبوط " كوبابا " . ملكة السومريين بدلا عنها.
قالت لي كوبابا:
- انا وهي لا يمكننا أن نجتمع معا في مكان واحد .
لا أعرف كيف علمت الملكة كوبابا برغبتي لقاء سمير اميس؟ كيف عرفت ما يدور في عقلي وقلبي؟
وقفت " كوبابا" في منتصف الكوخ، ترتدي ملابس مثيرة شبه عارية ، تنورة قصيرة تكشف عن فخذيها البيضاوين كما لو إنها صنعت من المرمر ، تضع على صدرها درعا فولاذيا، تحمل سيفاً يقطر دما، لاحظت أن وجهها يعلوه غبار الغضب، شعرها الذهبي ينسدل على كتفيها، حتى يصل الى خصرها .
شعرت بالرهبة من نظرات الملكة، كانت تحاول العثور على قطعة قماش لتمسح آثار دم عن سيفها، عندما رأيتها اول مرة، " خرطت " بيجامتي من تلقاء نفسها، تكشف لها ساقاي، فضحكت الملكة، ثم قالت:
- لا تخف، أنا أبنة الاهوار، أنا من هذه الأرض.
اشاعت كلماتها الاطمئنان في نفسي، شعرت بالارتياح والسرور . مدت نبالة سيفها الى بيجامتي " المخروطة " ورفعتها فوق ركبتي، كادت تشرخ العدة الرجالية :
- ارتد ملابسك؟
أظهرت لها عدم قدرتي على التجاوب مع حدة مزاجها وعصبيتها الواضحة، بصوت راجف قلت لها :
- لست خائفا ، لكنني اريد معرفتك اكثر ؟
جلست على الكرسي مقابل سريري، رفعت رأسها الى سقف الصريفة، فانسرح شعرها خلفها، رمت الدرع على الأرض، ظهر صدرها العامر، تغطيه بقميص أبيض شفاف لا يستر ثدييها كما يجب ، قالت :
- انا الملكة " كوبابا ".. الا تعرفني؟ أصبحت ملكة على هذه الأرض الشاسعة وعلى هذه المياه التي تسكن انت بجوارها، هاربا من الامن خشية أن يزجوك بالحرب القائمة الان بيننا وبين الفرس؟
أبتسمتُ بحذر، أحببت تعبيرها " بيننا وبين الفرس"، كدت أقول لها أنا أعرفك، كنت تعملين نادلة في حانة، لكنني أرجأت قولي حتى لا تسيء فهمي.
قالت موضحة، ردا على خواطر لم ابح به:
- بل كنت مالكة الحانة هنا في أرضنا السومرية، ليس كما خطر في ذهنك، كان المزارعون يكثرون من زراعة الشعير في ارضي فيخمرونه للشراب، لدي مزارع كبيرة تغذي حانتي .
أصبتُ بالهلع والذعر ، اذ كيف تسنى لها أن تعلم بما يدور في خواطري، لكنني كنت على يقين انها مالكة حانة وليست ملكة ّ!
ضحكت، ثم قالت :
- تريد أن تعرف كيف أصبحت من مالكة حانة الى ملكة لكش، لقد أغويت الملك ذات يوم، ولما تزوجته، صرت أنا المتحكمة بمقدرات البلاد ، حتى جاء اليوم الذي أطحت به، وهو ثمل أحمق لا يعرف كيف يمشي، فصلت رأسه عن جسده بهذا السيف.
السيف ملقى على الأرض، فأشارت اليه بخيلاء . فكرت، كيف يمكن لامرأة أن تقتل زوجها الملك بهذه السهولة؟
قالت:
- تريد أن تعرف لماذا قتلته؟ حسنا، وجدت زوجي الملك، ينزوي بإحدى خادماتي، في غرفتها، بعض الرجال لا شرف لهم، بسهولة يغدرون بالعشرة، فأطحت برأسه وهو يمارس الحب معها، كما شطرت الخادمة الى نصفين. ثم أعلنت نفسي ملكة على سومر.
تصاعد في نفسي الرعب والخوف منها، أنا الخائف اصلا من عناصر الفرقة الحزبية التي تطارد الهاربين امثالي، منزوٍ في هذه الاهوار، أتنقل من مكان الى آخر ، بسبب اولئك الاوغاد، الذين يزجون الشباب، في محرقة الحرب مع إيران، ها أنذا ، وجدتني في قبضة ملكة لا ترحم .
- لا تفكر أبدا إنني ملكة غير رحيمة، حقي لا أطالب به، بل أنتزعه من عيون الرجال، كما فعلت بملك سوريا، الذي جهز جيشا لمواجهتي، أنا أيضا جهزت جيشي لمواجته، وتوليت قيادته، هجمنا على مملكة سوريا، ووقعت ارضها الممتدة من نينوى الى البحر، تحت قبضتي، بعد أن هرب ملكها الى الجبال، ها أنت ترى سيفي مازال يقطر دما بسبب تلك المعركة الحاسمة التي خضتها. ولما أرسلت أنت عليّ تستنجد بي، هبطتُ عليك، لأنك عندي أهم من كل الرجال الذين أعرفهم.
صوتها فيه خشونة، طوال مدة كلامها، لم تبتسم، الا مرة واحدة، تبدو جادة، عصبية، برغم أنوثتها الطاغية، التفتت يمنيا ثم يسارا وقالت:
- هل لديك أي طعام اسد به جوعي؟
كانت لدي دجاجة خضيري مشوية، أكلت منها قليلا في الظهيرة، جلبتها ووضعتها على طاولة أمامها، مع الخبز والبصل، فالتهمت الدجاجة حتى أتت على عظامها، ثم تشجأت بصوت يشبه صوت الرجال .
- والان، لماذا أردتني ؟ ما الشيء الذي من أجله طلبتني ؟
لا أعرف ماذا وراء هذه الأسئلة، صمتُ كالابله، أردت أن اخبرها، كيف يكون شكل الملكة السومرية الوحيدة التي غزت بلاد سوريا، وبلاد فارس في الازمان البعيدة . غير انني ارجأت ذلك .
نهضت، كانت تبحث في الصريفة عن شيء ما، تمشي بخطوات بطيئة، تنظر الى بناء جدار الصريفة ثم الى السقف، ثم نظرت الى باب داخلي، فأشارت :
- ماذا خلف هذا الباب؟
أبتسمت بخوف:
- هذا الحمام الذي أسبح فيه واقضي حاجتي.
نزعت ملابسها، ثم دخلت فيه. نهضت أنظر الى قطع ملابسها، قلبت سيفها، صدمة الرهبة والخوف مازالتا تتحكمان بمشاعري .
بعد ساعة، خرجت من الحمام ، نشفت شعرها بمنشفة كانت معلقة خلف الباب، لم ترتد ملابسها، جاءت تمشي عارية، بخيلاء وكبرياء، وهي تنظر لي لأول مرة بنظرة لا اعرف معناها، بابتسامة مثيرة مغناجة، أستلقت على السرير، فقالت :
- تعال هنا ، تعال ... نم معي .
سحرتني نبرتها المميزة ، نمت على ذراعها، وغفوت .



................................
(( استفدت بكتابة هذه القصة من كتاب ارسله لي الباحث الكبير د. خزعل الماجدي عن النساء في وادي الرافدين ))
* الصريفة : بناء من القصب والحصران وجذوع النخيل يبنى بالاهوار والجنوب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى