دخلت هدى مسرعة على ضابط النوبتجية محمد أبو العدل بمركز الشرطة، دموعها أنهارا تغرق وجهها، انتبه مسرعا إليها يحاول أن يهدئ من روعها، لفهم كلماتها المتهتهة الغير مفهومة، يمد إليها يده بكوب الماء من على مكتبه، قائلا لها اتفضلي اشربي الأول ..استريحي واحكيلي، إيه اللي حصلك، إنت إسمك إيه الأول؟
بدأ قلب هدى يبطئ من سرعة دقاته، وسقوط الدموع أصبح يتهادى على خديها، ترد على ضابط النوبتجية إسمي هدى إبراهيم شحاته عزب..
يتأكد الضابط محمد أبو العدل من استعداد هدى للرد على السؤال فأسرع قائلا: ومين اللي مزعلك يا هدى؟
ترد مسرعة: أبويا
الضابط محمد متعجبا: .. أبوكي !! عمل إيه؟
تسرع هدى في الإجابة: مش راضي يجوزجني ومش موافق على العريس اللي اتقدملي.
يعتدل الضابط محمد في جلسته، بعد تأكده من عدم وجود جريمة ارتكبت في حقها، وأن أغلب الظن هناك خلاف في أسرة الشاكية هدى لا أكثر..
يسأل الضابط محمد هدى: طب إحكيلي يا هدى مش عاوز يجوزك ليه؟
مش موافق على عريس إنت بتحبيه، ولا إيه الحكاية؟
تبدأ هدى بعد ذهب عنها الغضب، في شكواها للضابط محمد..
أبويا طلق أمي من أكتر من عشر سنين، أنا وأخويا كنا صغيريين، أمى خدتنا ورحنا قعدنا في بيت خالي، اتكفل بكل معيشتنا وتعليمنا، وعرفت ليه قالوا في المثل زمان إن الخال والد، أبويا طول العشر سنين اللي فاتوا من يوم ما انفصل هو ووالدتي محاولش يبعت لنا في يوم من الأيام مصروف نعيش بيه، وخالي رفض إن أمي تشتغل علشان تصرف علينا، قالها لما أموت إبقي اشتغلي وإصرفي على عيالك، لكن طول ما إنت في ذمتي مفيش شغل، وأولادك هما ولادي.
اتعلمت وكبرت في بيت خالي زي أولاده، مفرقش بينا في المعاملة، ولا اتاخر يوم عننا.
لحد ما كبرنا، وخلصت تعليمي وأخدت دبلوم تجارة، وأخويا التحق بالجامعة، اتقدملي عريس من عيلة كويسة ومحترمة جيران خالي في البلد، أمي رفضت في الأول، وقالت لخالي هنجيب منين نجهزها، أبوها يتكفل بجهازها، مش كفاية عشر سنين وأنت شايل حملنا.
يقاطعها خالي: أنت كدة بتقولي إن هدي مش بنتي؟
ترد أمي مسرعة عليه: أنا مقلتش كدة يا أخويا، ولا عمري هقول كدة، أنا قصدى حملنا بقى تقيل عليك.
أمسك خالي أمي من إيدها، متجها إلى غرفة مغلقة بالدور الأول من منزله، كل من في المنزل يعرف أن خالي يقوم بتخزين جهاز إبنته أماني التي تكبر هدى بعام بها، وفتح الخال باب الغرفة، مشيرا إلى الأجهزة من مختلف الأصناف التي ملأت الغرفة على الجانبين، دا جهاز بنتك هدى ودا جهاز بنتي أماني، من كل حاجة اتنين، ولادك هما ولادي يا أم هدى.
يستعجل الضابط محمد هدى: أومال فين المشكلة؟ ولا أقولك كملي أنا سامعك للآخر..
تعود هدى إلى شكواها: المهم أمى وخالي وافقوا على العريس، وقعدت معاه، لاقيت فيه كل المواصفات اللي أي بنت تتمناها، وعرفت إنه نفسي يكلمني من زمان قبل ما يسافر، ولما اشتغل وحس إنه قادر على الجواز اتقدم لخالي، وأنا وافقت، بعد ما صليت استخارة، وربنا استجاب لدعاء أمي ورزقني بعريس ابن حلال..
يستعجل الضابط محمد هدى.. أومال فين المشكلة يا هدى؟
المشكلة إن خالي بعت إبنه لأبويا وقاله إن هدى جالها عريس، ومستعجل على الجواز علشان مسافر يشتغل في السعودية، لو عاوز تحضر كتب الكتاب، هيبقى يوم الأسبوع الجاي.
أبويا إتجنن وضرب ابن خالي اللي كان رايح يبلغه، وهدده إن لو كتبنا الكتاب هيدخل خالي وأمي السجن، وراح لمأذون البلد عندنا وهدده لو كتب الكتب هيبلغ عنه أنه عقد القرآن بدون إذن الولي، والمأذون خاف من التهديد ومرضيش يقبل أوراق الجواز مننا، وأن أبويا هو اللي لازم يقدمله أوراقهم، ومفيش حد غيره يقدر يمضي ولي عن العروسة طول ما هو عايش..
روحنا لمأذون بلد جنبنا نكتب عنده الكتاب، مرضيش وقالي إننا مش في دايرة تخصصه، لازم المأذون الخاص بدايرة قريتهم هو اللي يكتب الكتاب، لأن ده ممكن يعرضه للعقوبة والإيقاف.
يرد الضابط محمد على هدى: فعلاً المأذون عنده حق، في وجود الأب ولا يوجد مانع شرعي عنده، لازم هو اللي يبقى الولي لبنته، لكن إيه سبب الزعل دا كله عند أبوكي علشان يرفض العريس؟
ترد هدى: هو مش رافض للعريس، هو بينفذ تهديده لأمي، قالها وهو بيطلقها هخليكي إنتي وعيالك زي البيت الوقف، وأي حاجة فيها مصلحتكوا مش هوافق عليها، ومصدقتش إن أبويا لسه فاكر تهديده لأمي، وقلت العشر سنين نسوه اللي فاتت، لكن هو منسيش تهديده، وهو بينفذه دلوقتي ومبسوط إنه بيقضي على مستقبلي، بعد ما قلت ربنا فرجها علينا، وهخفف الحمل عن أمي وخالي، اللي سترني زي بنته، وأبويا اللي هو مطلوب منه كل ده، معملوش وموقف حالي، وعريسي هيسافر كمان ثلاث أسابيع، والفرح متحدد بعد أربعة أيام.
يركن الضابط محمد أبو العدل رأسه على الكرسي ينظر إلى سقف الغرفة، شاردا في حل لمشكلة هدى، القانون والشرع في صف والدها، وعلى الرغم من كثرة القضايا التي يتابعها بالمكتب، إلا أن مشكلة هدى سيطرت على تفكيره كاملًا، ولمعت عيناها واعتدل في جلسته على المكتب، وخبط بكفه على سطحه، وعيون هدى تتابع حركاته..
يقول الضابط محمد لهدى: للأسف القانون والشرع في جانب والدك، وقانوناً هو الولي الشرعي ليكي، لكن هنعمل محاولة بروح القانون، وهخالف قسم وظيفتي علشان خاطرك، بس تعملي اللي هقولك عليه، أولا اتصلي بعريسك يجي هو ووالدتك ويجيب المأذون ومعاه دفتر القسائم، هنعمل محضر صوري أن والدك قبض المهر من عريسك واستولى عليه ولم يقم بتجهيزك للزواج، ووالدتك والعريس هيشهدوا على المحضر.
يضغط الضابط محمد على جرس استدعاء أمين الشرطة، طلباً منه استدعاء إبراهيم شحاته عزب، والد هدى على الفور، وميجيش ألا وهو معاه، وأخذ أمين الشرطة على جنب، يهمس له في أذنه، فأكد عليه أمين الشرطة: أوامر يا باشا.. هيجيلك موافق إن شاء الله.
دخل أمين الشرطة على الضابط محمد، يقدم له التحية، قائلا: المتهم إبراهيم شحاته عزب يا باشا.
يشير له الضابط بالانصراف.. ويترك والد هدى واقفا أمام مكتبه، متصنعا إنشغاله في أوراق على مكتبه يتفحصها، وهدى ووالدتها وعريسها جالسين على كنبة طقم الأنترية بغرفة ضابط المباحث، وأمامهم مشروبات الضيافة، وعندما وقعت عين والد هدى عليهم زاغت عيونه وتوجس خيفة، يفرك كفيه من القلق مما ينتظره لدى ضابط المباحث.
مرت دقائق كأنها دهر على والد هدى، بعد تعمد الضابط محمد أبو العدل على إهماله واقفا، فأغلق الملف الذي يتفحصه، وأمسك بورقة أخرى ونظر إلى والد هدى في عينيه متعمدا إرسال نظرة تحمل رسالة تهديد تثير القلق بداخله.
يوجه الضابط كلامه لوالد هدى: يا حج إبراهيم أنت جاي هنا متهم، وبنتك بتتهمك في المحضر دا، بتهمة هنضطر نحبسك لحد ما نعرضك على النيابة يوم السبت، والنهاردة الخميس، يعني هتبات معانا النهاردة وبكرة.
يرد والد هدى مسرعا، ليه يا باشا أنا معملتش حاجة، هو فيه إيه، وينظر إلى طليقته وبنته الذين التزموا الصمت تماما تنفيذا لتعليمات الضابط محمد؟
يرد عليه الضابط محمد: أنت قبضت المهر من عريس بنتك مائة ألف جنيه، ولم تقم بتجهيز بنتك، وأخدتهم لنفسك، وأم هدى وعريس هدى شاهدين على المحضر، فأما هتجيب الفلوس يا إما هتبات معانا في الحجز لحد يوم السبت للعرض على النيابة وتتعملك قضية تبديد.
يرد والد هدى مسرعا: محلصش يا بيه .. مأخدتس منه حاجة، والمحضر اللى عمله دا مزور، واتهام باطل، أنا محضرتش أي حاجة في الجوازة دي، وهما اللي عاوزين الجوازة وأنا مش موافق.
يقاطعه الضابط محمد: مش موافق ليه؟ هو عريس بنتك مش كويس ولا عليه علامات استفهام؟ وبعدين بنتك مش موافقة عليه، وأنت طلقت أمها، إيه سبب أنك مش موافق؟
يتلجلج والد هدى في الرد.. أصلهم عملوا كل حاجة من غير ما يشركوني معاهم في الجوازة.
يرد الضابط محمد: علشان كدة أخدت المهر ولم تجهز بنتك؟
محصلش يا بيه والله، أنا معرفش حاجة عنهم، هما اللي اتفقوا على كل حاجة، وهما اللي جهزوا العزال، وأنا مليش فيه؟
خلاص الأمر مش بإيدي، يضغط على جرس استدعاء الحارس، الذي يدخل مسرعا، مؤديا التحية العسكرية.
خد المتهم للحجز ويوم السبت يتعرض على النيابة.
يصرخ إبراهيم والد هدى، يا سعادة الباشا بعد إذنك أنا مخدتش حاجة، واسأل المأذون كان موجود ومفيش حد جاب سيرة المهر والعزال ومليش أي دخل في الجوازة دي.
يعتدل الضابط محمد: خلاص نجيب المأذون، يستدعي الحارس طالباً منه استدعاء المأذون من غرفة المعاون.
يسرع إبراهيم والد هدى بسؤال المأذون أمام ضابط المباحث، هو أنا طلبت منهم مهر؟ أنا أخدت منهم مهر يا حج؟
يصمت المأذون ..يلقى بنظرة إلى الضابط محمد، يستأذنه في حل يرضي كل الأطراف، وينهي المشكلة.
يرد عليه الضابط محمد: يا مولانا المحضر اتكتب، ولازم أعرضه على النيابة مع المتهم، يا أما يرد فلوس المهر، يا أما يجهز بنته، وتقول إنه جهزها.
يرد المأذون عليه: عندي حل للمحضر دا يا باشا، لو والد هدى قام بالتوقيع على قسيمة الجواز يبقى هو ملتزم بتجهيز بنته، واعتراف منه أنه قبض المهر حق بنته.
يرد الضابط محمد: وإيه الدليل إنه هيجهز بنته؟
قبل أن يرد المأذون على الضابط، أسرع والد هدى قائلا: همضي يا باشا على القسيمة، وأنا عارف إنهم عاملين المحضر علشان أنا مش موافق على الجواز، همضي أدامك دلوقتي.
يتصنع الضابط محمد أنه متأفف، وأنه مجبر على قبول توقيع والد هدى على قسيمة زواج هدى.
يسرع والد هدى بالتقاط قسائم الزواج من يد المأذون يوقع عليها، وعيون هدى تتابع توقيع والدها على عقد زواجها وقلبها يرقص من الفرحة، وتحتضن والدتها باكية.
يوجه والد هدى حديثه إلى الضابط محمد: تمام كدة يا باشا، أنا براءة.
يرد عليه الضابط محمد: لا طبعا.. لسه فيه حاجة تانية.
يتغير وجه والد هدى: خير يا باشا؟
يبتسم الضابط محمد ابتسامة خفيفة.. مش هتعزمني على الفرح؟
يرد عليه مسرعا: تنور البلد كلها يا باشا.. وهكون في استقبالك.
يضحك الضابط محمد: خلاص إن شاء الله هحضر ..
يخرج الجميع من مكتب الضابط محمد، الذي أمسك بالورقة البيضاء من على مكتبه، يمزقها ويلقي بها في سلة المهملات.
بدأ قلب هدى يبطئ من سرعة دقاته، وسقوط الدموع أصبح يتهادى على خديها، ترد على ضابط النوبتجية إسمي هدى إبراهيم شحاته عزب..
يتأكد الضابط محمد أبو العدل من استعداد هدى للرد على السؤال فأسرع قائلا: ومين اللي مزعلك يا هدى؟
ترد مسرعة: أبويا
الضابط محمد متعجبا: .. أبوكي !! عمل إيه؟
تسرع هدى في الإجابة: مش راضي يجوزجني ومش موافق على العريس اللي اتقدملي.
يعتدل الضابط محمد في جلسته، بعد تأكده من عدم وجود جريمة ارتكبت في حقها، وأن أغلب الظن هناك خلاف في أسرة الشاكية هدى لا أكثر..
يسأل الضابط محمد هدى: طب إحكيلي يا هدى مش عاوز يجوزك ليه؟
مش موافق على عريس إنت بتحبيه، ولا إيه الحكاية؟
تبدأ هدى بعد ذهب عنها الغضب، في شكواها للضابط محمد..
أبويا طلق أمي من أكتر من عشر سنين، أنا وأخويا كنا صغيريين، أمى خدتنا ورحنا قعدنا في بيت خالي، اتكفل بكل معيشتنا وتعليمنا، وعرفت ليه قالوا في المثل زمان إن الخال والد، أبويا طول العشر سنين اللي فاتوا من يوم ما انفصل هو ووالدتي محاولش يبعت لنا في يوم من الأيام مصروف نعيش بيه، وخالي رفض إن أمي تشتغل علشان تصرف علينا، قالها لما أموت إبقي اشتغلي وإصرفي على عيالك، لكن طول ما إنت في ذمتي مفيش شغل، وأولادك هما ولادي.
اتعلمت وكبرت في بيت خالي زي أولاده، مفرقش بينا في المعاملة، ولا اتاخر يوم عننا.
لحد ما كبرنا، وخلصت تعليمي وأخدت دبلوم تجارة، وأخويا التحق بالجامعة، اتقدملي عريس من عيلة كويسة ومحترمة جيران خالي في البلد، أمي رفضت في الأول، وقالت لخالي هنجيب منين نجهزها، أبوها يتكفل بجهازها، مش كفاية عشر سنين وأنت شايل حملنا.
يقاطعها خالي: أنت كدة بتقولي إن هدي مش بنتي؟
ترد أمي مسرعة عليه: أنا مقلتش كدة يا أخويا، ولا عمري هقول كدة، أنا قصدى حملنا بقى تقيل عليك.
أمسك خالي أمي من إيدها، متجها إلى غرفة مغلقة بالدور الأول من منزله، كل من في المنزل يعرف أن خالي يقوم بتخزين جهاز إبنته أماني التي تكبر هدى بعام بها، وفتح الخال باب الغرفة، مشيرا إلى الأجهزة من مختلف الأصناف التي ملأت الغرفة على الجانبين، دا جهاز بنتك هدى ودا جهاز بنتي أماني، من كل حاجة اتنين، ولادك هما ولادي يا أم هدى.
يستعجل الضابط محمد هدى: أومال فين المشكلة؟ ولا أقولك كملي أنا سامعك للآخر..
تعود هدى إلى شكواها: المهم أمى وخالي وافقوا على العريس، وقعدت معاه، لاقيت فيه كل المواصفات اللي أي بنت تتمناها، وعرفت إنه نفسي يكلمني من زمان قبل ما يسافر، ولما اشتغل وحس إنه قادر على الجواز اتقدم لخالي، وأنا وافقت، بعد ما صليت استخارة، وربنا استجاب لدعاء أمي ورزقني بعريس ابن حلال..
يستعجل الضابط محمد هدى.. أومال فين المشكلة يا هدى؟
المشكلة إن خالي بعت إبنه لأبويا وقاله إن هدى جالها عريس، ومستعجل على الجواز علشان مسافر يشتغل في السعودية، لو عاوز تحضر كتب الكتاب، هيبقى يوم الأسبوع الجاي.
أبويا إتجنن وضرب ابن خالي اللي كان رايح يبلغه، وهدده إن لو كتبنا الكتاب هيدخل خالي وأمي السجن، وراح لمأذون البلد عندنا وهدده لو كتب الكتب هيبلغ عنه أنه عقد القرآن بدون إذن الولي، والمأذون خاف من التهديد ومرضيش يقبل أوراق الجواز مننا، وأن أبويا هو اللي لازم يقدمله أوراقهم، ومفيش حد غيره يقدر يمضي ولي عن العروسة طول ما هو عايش..
روحنا لمأذون بلد جنبنا نكتب عنده الكتاب، مرضيش وقالي إننا مش في دايرة تخصصه، لازم المأذون الخاص بدايرة قريتهم هو اللي يكتب الكتاب، لأن ده ممكن يعرضه للعقوبة والإيقاف.
يرد الضابط محمد على هدى: فعلاً المأذون عنده حق، في وجود الأب ولا يوجد مانع شرعي عنده، لازم هو اللي يبقى الولي لبنته، لكن إيه سبب الزعل دا كله عند أبوكي علشان يرفض العريس؟
ترد هدى: هو مش رافض للعريس، هو بينفذ تهديده لأمي، قالها وهو بيطلقها هخليكي إنتي وعيالك زي البيت الوقف، وأي حاجة فيها مصلحتكوا مش هوافق عليها، ومصدقتش إن أبويا لسه فاكر تهديده لأمي، وقلت العشر سنين نسوه اللي فاتت، لكن هو منسيش تهديده، وهو بينفذه دلوقتي ومبسوط إنه بيقضي على مستقبلي، بعد ما قلت ربنا فرجها علينا، وهخفف الحمل عن أمي وخالي، اللي سترني زي بنته، وأبويا اللي هو مطلوب منه كل ده، معملوش وموقف حالي، وعريسي هيسافر كمان ثلاث أسابيع، والفرح متحدد بعد أربعة أيام.
يركن الضابط محمد أبو العدل رأسه على الكرسي ينظر إلى سقف الغرفة، شاردا في حل لمشكلة هدى، القانون والشرع في صف والدها، وعلى الرغم من كثرة القضايا التي يتابعها بالمكتب، إلا أن مشكلة هدى سيطرت على تفكيره كاملًا، ولمعت عيناها واعتدل في جلسته على المكتب، وخبط بكفه على سطحه، وعيون هدى تتابع حركاته..
يقول الضابط محمد لهدى: للأسف القانون والشرع في جانب والدك، وقانوناً هو الولي الشرعي ليكي، لكن هنعمل محاولة بروح القانون، وهخالف قسم وظيفتي علشان خاطرك، بس تعملي اللي هقولك عليه، أولا اتصلي بعريسك يجي هو ووالدتك ويجيب المأذون ومعاه دفتر القسائم، هنعمل محضر صوري أن والدك قبض المهر من عريسك واستولى عليه ولم يقم بتجهيزك للزواج، ووالدتك والعريس هيشهدوا على المحضر.
يضغط الضابط محمد على جرس استدعاء أمين الشرطة، طلباً منه استدعاء إبراهيم شحاته عزب، والد هدى على الفور، وميجيش ألا وهو معاه، وأخذ أمين الشرطة على جنب، يهمس له في أذنه، فأكد عليه أمين الشرطة: أوامر يا باشا.. هيجيلك موافق إن شاء الله.
دخل أمين الشرطة على الضابط محمد، يقدم له التحية، قائلا: المتهم إبراهيم شحاته عزب يا باشا.
يشير له الضابط بالانصراف.. ويترك والد هدى واقفا أمام مكتبه، متصنعا إنشغاله في أوراق على مكتبه يتفحصها، وهدى ووالدتها وعريسها جالسين على كنبة طقم الأنترية بغرفة ضابط المباحث، وأمامهم مشروبات الضيافة، وعندما وقعت عين والد هدى عليهم زاغت عيونه وتوجس خيفة، يفرك كفيه من القلق مما ينتظره لدى ضابط المباحث.
مرت دقائق كأنها دهر على والد هدى، بعد تعمد الضابط محمد أبو العدل على إهماله واقفا، فأغلق الملف الذي يتفحصه، وأمسك بورقة أخرى ونظر إلى والد هدى في عينيه متعمدا إرسال نظرة تحمل رسالة تهديد تثير القلق بداخله.
يوجه الضابط كلامه لوالد هدى: يا حج إبراهيم أنت جاي هنا متهم، وبنتك بتتهمك في المحضر دا، بتهمة هنضطر نحبسك لحد ما نعرضك على النيابة يوم السبت، والنهاردة الخميس، يعني هتبات معانا النهاردة وبكرة.
يرد والد هدى مسرعا، ليه يا باشا أنا معملتش حاجة، هو فيه إيه، وينظر إلى طليقته وبنته الذين التزموا الصمت تماما تنفيذا لتعليمات الضابط محمد؟
يرد عليه الضابط محمد: أنت قبضت المهر من عريس بنتك مائة ألف جنيه، ولم تقم بتجهيز بنتك، وأخدتهم لنفسك، وأم هدى وعريس هدى شاهدين على المحضر، فأما هتجيب الفلوس يا إما هتبات معانا في الحجز لحد يوم السبت للعرض على النيابة وتتعملك قضية تبديد.
يرد والد هدى مسرعا: محلصش يا بيه .. مأخدتس منه حاجة، والمحضر اللى عمله دا مزور، واتهام باطل، أنا محضرتش أي حاجة في الجوازة دي، وهما اللي عاوزين الجوازة وأنا مش موافق.
يقاطعه الضابط محمد: مش موافق ليه؟ هو عريس بنتك مش كويس ولا عليه علامات استفهام؟ وبعدين بنتك مش موافقة عليه، وأنت طلقت أمها، إيه سبب أنك مش موافق؟
يتلجلج والد هدى في الرد.. أصلهم عملوا كل حاجة من غير ما يشركوني معاهم في الجوازة.
يرد الضابط محمد: علشان كدة أخدت المهر ولم تجهز بنتك؟
محصلش يا بيه والله، أنا معرفش حاجة عنهم، هما اللي اتفقوا على كل حاجة، وهما اللي جهزوا العزال، وأنا مليش فيه؟
خلاص الأمر مش بإيدي، يضغط على جرس استدعاء الحارس، الذي يدخل مسرعا، مؤديا التحية العسكرية.
خد المتهم للحجز ويوم السبت يتعرض على النيابة.
يصرخ إبراهيم والد هدى، يا سعادة الباشا بعد إذنك أنا مخدتش حاجة، واسأل المأذون كان موجود ومفيش حد جاب سيرة المهر والعزال ومليش أي دخل في الجوازة دي.
يعتدل الضابط محمد: خلاص نجيب المأذون، يستدعي الحارس طالباً منه استدعاء المأذون من غرفة المعاون.
يسرع إبراهيم والد هدى بسؤال المأذون أمام ضابط المباحث، هو أنا طلبت منهم مهر؟ أنا أخدت منهم مهر يا حج؟
يصمت المأذون ..يلقى بنظرة إلى الضابط محمد، يستأذنه في حل يرضي كل الأطراف، وينهي المشكلة.
يرد عليه الضابط محمد: يا مولانا المحضر اتكتب، ولازم أعرضه على النيابة مع المتهم، يا أما يرد فلوس المهر، يا أما يجهز بنته، وتقول إنه جهزها.
يرد المأذون عليه: عندي حل للمحضر دا يا باشا، لو والد هدى قام بالتوقيع على قسيمة الجواز يبقى هو ملتزم بتجهيز بنته، واعتراف منه أنه قبض المهر حق بنته.
يرد الضابط محمد: وإيه الدليل إنه هيجهز بنته؟
قبل أن يرد المأذون على الضابط، أسرع والد هدى قائلا: همضي يا باشا على القسيمة، وأنا عارف إنهم عاملين المحضر علشان أنا مش موافق على الجواز، همضي أدامك دلوقتي.
يتصنع الضابط محمد أنه متأفف، وأنه مجبر على قبول توقيع والد هدى على قسيمة زواج هدى.
يسرع والد هدى بالتقاط قسائم الزواج من يد المأذون يوقع عليها، وعيون هدى تتابع توقيع والدها على عقد زواجها وقلبها يرقص من الفرحة، وتحتضن والدتها باكية.
يوجه والد هدى حديثه إلى الضابط محمد: تمام كدة يا باشا، أنا براءة.
يرد عليه الضابط محمد: لا طبعا.. لسه فيه حاجة تانية.
يتغير وجه والد هدى: خير يا باشا؟
يبتسم الضابط محمد ابتسامة خفيفة.. مش هتعزمني على الفرح؟
يرد عليه مسرعا: تنور البلد كلها يا باشا.. وهكون في استقبالك.
يضحك الضابط محمد: خلاص إن شاء الله هحضر ..
يخرج الجميع من مكتب الضابط محمد، الذي أمسك بالورقة البيضاء من على مكتبه، يمزقها ويلقي بها في سلة المهملات.