علي سيف الرعيني - قصة قصيرة!!!

شهد كوكب الأرض تطورا متسارعا وبخفة غير عادية وبات مصدر ثقل على كاهل الإنسان !! ولم يعُد يمتلكُ شيئًا من وقته ... الركضُ المُستمر وراءَ لُقمة العيش و توفير أسباب الرّاحة الشّخصيّة , ما عادَ ليتركَ مجالاً للتفكير في غيره! فانحلّت العلاقاتُ الأسَرية و انعَدَمت الاجتماعية أو ربما اتخذت أشكالاً أُخرى تَحكمها المصالح المادية!!

في مدينة ما من هذا العالم نأى بها موقعها الجبلي ..و طقسُها البارد عن الأخذ بكل أسباب الحضارة و لكن التّكنولوجيا الجاهزة وصلتهَا حتمًا فَفتحت ذراعيهَا لنمط العيش المستورد ... لم تكن مكتظةبالسكان ... ضاقَ الشّبابُ منهم ذرعًا بالشيوخ و العجائز الذينَ ما فتئوا يذكرونَهم بماض تعيس وعادات بائدة , فتخلّوا عنهم إلى مأوى العجزة!

التطور المحموم ينتهكُ كل شيء
الإنسان الذي صنَعهُ ما عاد قادرًا على إيقافه !أسلحة فتاكة , قنابلُ ذرّية جرثومية ... هيدروجينية و الأرض صامتة , ترى كيفَ يخرجُ من جوفها ما يفتك بأبنائها!

اليورانيوم !!صَرخت بهم مرارًا لا تستخرجوهُ إنه طاقتي التي تُساعدُني على الدوران حولَ قرص الشّمس كي تستمرالحياة .

فما أصغوا لها ..لوثوا جوها .. أسالوا أنهارًا من الدماء ..داسَ الأقوياءُ على الضعفاء .. شرّعوا الظّلمَ و استباحوا حرمات الحياة .. الأرض ما عادت تطيق عُقوقهم .

ربماتوقفت لحظة عن الدّوران!ليس قرارها بمشيئةالخالق جل وعلا اقشعرّت , فاكفهرّ الجو وفهمت الشمس الرّسالةاوبالاحرى اتاها امرالله فحجبت أشعتها .

تَصايحَ ملياراتُ البشر في كُل الأصقاع ... زلزلَ صراخهم الأرضَ! أسرعوا إلى مٌعداتهم و تقنياتهم لكنّهم وقَفوا عاجزين!!

ماذا يُمكنُ للتكنولوجيا أن تفعلَ إذا توقفت الأرضُ عن الدّوران!؟

لم يُفكّر أحَدُهم أبدًا في صنع محرّك للأرض و حتى إن فكر , هل يُمكن ..؟

و أشعّة الشمس كيف تستجلب ... كُل عناصر الطبيعة اتحدت:

زمجرَت السّماءُ مُغضبةً و قذفتْ الصّواعق!!بامرالله ..عصفت الرّيحُ بشراسة ... و تحرّك الكوكب المُضطهدُ في رعدة , كأنّما أثر حُمّى ... ارتعدَت الأرض و زلزلَت و كشرت عن شقوق وجُروف و هاويات سحيقة و ابتلعت أثقالها ثم..ارتعدت أخرى ايضا بامرربها فانضمّت وانغلقت كلّ الشقوق! فبزغت الشمسُ و هب النّسيمُ عليلاً , كأنّما يُضمّدان جراحَ أم يئست ممن أنجبت , فابتلعتهُ أعادتهُ إلى جوفها !!

في تلكَ المدينة ابتلعت الأرضُ كُل شيء عداكبارالسن وثلاثة أزواج من الشباب دحرجتهُم بعيدًا عن موقع المدينة ... هُم أصابهُم الدوارُ في البدء ثُم الإغماء ... و حينَ استفاقوا كانَ وجهُ الأرض قد تغيرتمامًا

فقدعادت صبية نَظرة ... الأمطارُ تهطلُ و الشّمس بازغة حانية العُشبُ ينمو ويطول مُباشرةً في نفس اليوم

الشّيوخُ و العجائزُ حينَ استفاقوا و حَمَدوا اللّه على نجاتهم ممّا أسموهُ قارعةأحَسّوا بالحزن و لكن من يبكون؟

لقد ذهب الكُلّ... كفكفوا دُموعهُم وانتشروا يُشاهدونَ ما أسموهُ مُعجزة .. ذُهلوا .. لم يرَوا في حياتهم خصبًا كذاكَ الخصب .

انتعشت صحّتُهم , فشَمروا عن سواعد الجدّ ... يحصدونَ القمح, يَنحتونَ الحجارة لطحنه ... سوّت العجائزُ غرابيلَ من ملابسهن, جلبن الطينَ وصنعنَ القُدورَ و التّنانير وما هيَ إلاّ بضعةُ أيّام حتّى استَقرّت حياتُهم ! بنى الشيوخُ أكواخا ... و قرّروا الزواج .. هيَ سنّة الحياة و الألفةُ الأولى للبشر فلمَا لا يتزوجون ؟

ذَهبَ الشّبابُ بألسنتهم السليطة وانتقاداتهم و تَسَلطهم عليهم , فلمَا لا يفعلون ؟

تَكاثرت الحيوانات و انسابت تَمرحُ , فَقد ذهبَ البشرُ الذين يُعيقونَها عن الحَركة بحرية ... الشّيوخ والمسنات قَرّروا أن لايأخُذوا منها سوى الصّوف و الحليب و ألاّ يُسرفوا في لُحومها .

غَدت وُجوهُهم نظرةً و استقامَ انحناءُ ظُهورهم , تَعاونوا على غسل الصّوف و تنجيده و غزله و صنعوا لأنفسهم الأغطيةَ و الفُرُشَ و الملابس وانتعَشوا لروائح الخُبز المنبعثة من التّنانير! انها نكهة الحياة

أما أولائكَ الشّباب ... فَما أحسنوا صنعَ شيء , تذكروا جدّاتهم وجدودهم الذين كانوا يُحسنونَ صُنعَ كُلّ شيء أسفوا إذ لم يَتَعلّموا منهم شيئًا ... وقَفوا عاجزين ... بَحثوا عن كُهوف أووا إليها و ترصّدوا الحيوانات , فَفتكوا ببعضها , لأكل لُحومها و لبس جلودها ... بعدَما تمزّقت الثّيابُ التي كانوا يلبسونَها ..لم يكونوا سُعداء أبدًا ... واعتَبروا الذين ماتوا من أصحاب الحظ السّعيد ... جابوا المنطقةَ بحثًا عن سيارة ... أوبقايا مُعلّبات يأكُلونَها , لكنّها كانت قد ابتلعت كل شيء .. بكوا و انتَحبوا , ندَبوا حظهُم ...فكّروا بالانتحار , لكن إحساسا بالمسؤوليّة عن تواصل الجنس البشري منعهم ... أينَ الملابسُ الدّافئةُ الرّفيعةُ و الأحذية المُريحة والأرائك الوثيرة و أجهزة التّلفزيون والهاتف وحتى يمن فورجي الوسيلة المثلى في التواصل ؟

لكن بمن يتصلون ؟ .. أسَرتهم ذكرى الحياة الماضية و حالت اختصاصاتُهم السّالفة دونَ تأقلُمهم مع الحياة الجديدة!!

فأحدالشباب كان يشتغل بتقنية المعلومات والثاني مُهندس كهرباء و الثالث بتدريس الفلسفة وأمّا الشابّات فإحداهنّ كانت بصالون الكوافير والثّانية مضيفة طيران والثالثة طبيبة !

قَرّروا أن يتزوّجواوبما أنّهم لم يكونوا يُكنونَ لبعضهم أيّة عواطف فقد احتكَموا إلى القُرعة!

لم تصلُح معارفهم لشيء في حياتهم الجديدة , غيرَ أنّ أستاذ الفلسفة ظل يُزعجهم بتفسير النّظريّات و شرح المقولات!!ممّا اضطرّهُم لضربه ضربًا مُبرحًا لإفهامه أن الفصلَ ليس , فصلَ فلسفةوأن عليه إن أرادَ أن يوظفَها في خدمة الظرف الجديد أن يفهمَ أولاً سببَ ما آلوا إليه شرطَ أن لا يعلمَهم به!

فقد ارتدت الحياةعندهم إلى نُقطة الصّفر مما اقنعهم بخطأ كل الحياة الماضية رُغمَ جمالها كما عزَوا تذكرهم لاختصاصاتهم مُجرّد شاهد على فشلها!!

ملّوا كهوفهم فقرّروا الارتحال والتّنقّل لتغيير المكان وتغيير هدفهم الذي كان يهدف للعُثور على بعض آثار الحياة الماضية !!؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى