هناك فى ميدان التحرير.. مهموماً بمشاكله التى أثقلت كاهله، يحاور نفسه بصوت مسموع، آثر السلامة.. تنحى جانبا بعيداً عن الركاب المنتظرين على محطة إنتظار الأتوبيس، كل العيون ترقب حواره الأحادي، يخفى عنهم حواره.. متفاديا اتهامهم له بالجنون فى حديثه مع نفسه، بعد أن أحتد في حواره مع نفسه، لتشاركه حواره مع همومه.. يسند جانبه الأيمن على المظلة الخراسانية - وضعت على المحطة حماية للركاب من شمس الصيف ومطر الشتاء - تكاثرت عليه همومه, ترك محطة الانتظار.. دلف إلى الحديقة الدائرية وسط الميدان، يعبر طريق السيارات، مخترقاً الحاجز الحديدى الذى يحيط بالميدان، قاصداً مجمع التحرير، تتفقد عينيه خلال حواره مع همومه مقاعد الرخام المنتشرة بميدان المجمع، لا يلقى بالا للعشاق أزواجاً أزواجاً احتلوها، يبحث عن مقعداً بعيداً عن أعين الجالسين والعابرين.. لم يحالفه الحظ طلبا للراحة لجسده المنهك، حتى يتفرغ لحوارته الأحادية، لم يبلغ مآربه ..عاد إلى سور الأغلال الحديدية المحيطة بالميدان، يجلس على الأرض ساندا ظهره إليه ..أغلاله الداخلية تشبه أغلال الميدان كثيراً، ينظر يميناً ويساراً يتفقد من يحيط به ليطمئن لخولته وحيدا بهمومه، يعاود حوراه معها.
على بعد خطوات.. تستقر عينيه على حقيبة وضعت بعناية إلى جوار السور الحديدى ..طال نظرته إلي الحقيبة, نسى حواره مع همومه ..حالة صمت طويلة انتابته ..يجول بنظره يبحث عن أحد المارة يبحث عن الحقيبة الأنيقة, قام من جلسته قاصدا الحقيبة, يحاول أن يكشف عن هوية صاحبها، بعد أن أثارت بداخله الشك والريبة!!
أفكار متلاحقة عصفت بتفكيره عما تحمله بداخلها .. ثورة اشتعلت بداخله، تتنازعه الأهواء عن القرار الذى يجب أن يتخذه مع هذه الحقيبة، حجمها يثير الشكوك، وأناقتها وغلو ثمنها يجعل صاحبها أحرص أن لا يفقدها، من نوعية الحقائب التى تعلق على الكتف، يتدلى الحزام منها على الأرض، منتفخة تشير إلى احتوائها على أغراض قد تكون لها أهميتها لصاحبها، لا يلقى لها بالاً المارة من المواطنين، ألقيت أو تركت أو فقدت فى مكان بعيداً عن أعين المارة فى آخر السور فى الجهة المقابلة لمسجد عمر مكرم، الذي يظهر فى خليفته مبنى جامعة الدول العربية شاهقاً صامتاً.
وقف يتلفت يمينا ويسارا، يدعو أن يعود صاحبها ليخرجه من حوارته حول ماهية الحقيبة، يتقدم خطوة ويرجع أخرى، يتفحص الحقيبة جيداً كلما إقترب منها.
يرتكن بذراعه على السور الحديدى، يجس الحقيبة بمقدمة حذائه بركلات خفيفة وسريعة ومتردده، ينظر حوله طالباً المشاركة فى إفشاء سر هذه الحقيبة الغامضة من أحد المارة بالميدان، ينحني يقلب الحقيبة بيديه بحذر على جانبيها، يطمئن إلى وزنها المعتدل.
يعود إلى البحث بين وجوه المارة..
يقع بصره على سيارة الشرطة، تقف أمام مسجد عمر مكرم على جانب الطريق بميدان سيمون بوليفار، يستجمع شجاعته متحملاً كافة العواقب التى يمكن أن تحدث له، يحمل الحقيبة بيده متجهاً حيث سيارة الشرطة.
بتردد.. يقترب من أحد الجنود الواقفين أمام السيارة، يسأله عن الضابط، يشير له إلى ضابطي شرطة جلسوا فى حديقة المسجد وخلفهم مبنى جامعة الدول العربية, بجوار السور المبنى موازياً للطريق من ميدان التحرير إلى كورنيش النيل.
ينظر إليه أحد الضباط، يهم واقفاً متجهاً إلى حيث المواطن الذى يحمل حقيبة مريبة بين يديه، موجهاً حديثة إليه، أؤمرنى ..أى خدمة ممكن أقدمها؟
يرد عليه بصوت مرتعش: أنا لاقيت الشنطة دى جنب السور الحديد لميدان التحرير هناك.
يلتقط الضابط الحقيبة بحذر من بين يدى المواطن يسأله.. أسمك أيه يا حج؟
يرد عليه المواطن ومشاعر الخوف من السلطة تبددت لديه، متراجعا خطوتين للخلف ناظراً للحقيبة
العربى شريف أمين، موظف في المجمع..
يسرع الضابط وخلفه العربى والمجندين واضعاً الحقيبة على ترابيزة أمامهم يساعده زميله فى محاولة فتحها، لحسن الحظ أرقام فتح الحقيبة لم يتم تغييرها.
الكل فى لهفة لمعرفة محتويات الحقيبة، والتطلع إلى ما تحتويه الحقيبة الغريبة التى تدل ملامحها أنها مستوردة أو مملوكة لأحد الأجانب، فنوعيتها نادرا ما تجدها فى أى من البلاد العربية.
برفق يفتح الضابط الحقيبة.. ليفاجأ الجميع بما تحتويه..
أوراق مرصوصة بعناية فائقة تدل على أهميتها لصاحبها, وبعض المقتنيات, يدل من طلتها الأولى قيمتها الثمينة, لا يعرف قيمتها مواطن يعيش فى البلدان العربية.
الاطمئنان يسيطر على قلوب المحيطين بالحقيبة، بعد الكشف على محتواها وقام أحد الجنود بتقديمها إلى الكلب البوليسى للكشف عن أى متفجرات قد تحتويها الحقيبة وتكون مخفية في أحد جيوبها، ليطمئن الجميع أن الحقيبة آمنة.
قام الضابط بوضعها على الترابيزة أمامه, وبدأ فى فرز ما تحتوية لعله يجد ما يدل على صاحبها وهويته.
وقعت يده على لفافة تم ربطها بعناية فائقة, ملفوفة بكيس بلاستيك أسود, تحتوى على أشياء مختلفة, يمد يده داخل الكيس ويخرج لفافة على شكل علم مصر، قام بفضها ليجد تمثالا فرعونيا للمك توت عنخ آمون, فيعلق الضابط شكلها قضية جامدة, من بدايتها آثار مسروقة.
يعود مسرعاً إلى الكيس الأسود، يمد يده ليخرج عملات مصرية مختلفة الفئات, بداية من ربع جنيه وخمسون قرشا وجنيه وأوراق نقدية لجميع الفئات, خمسة وعشرة وعشرون وخمسون ومائة ومائتين جنيها, وروقه واحدة من كل فئة، ازداد استغراب الضابط والمحيطون به, وزادت الحيرة والغموض حول هوية الحقيبة وصاحبها.
يعود الضابط ليخرج من الكيس الأسود دلاية مصنوعة من الفضة، على شكل كف اليد, يتوسطها عين بها خرزة زرقاء, ليزيد تعجب المحيطون، ويمد يده مرة أخرى داخل الكيس الأسود, يخرج آخر ما به, خريطة مطوية بعناية, يفردها لتقع عينه على خريطة مصر بدون مثلث حلايب وشلاتين، يتعجب الضابط من وجود مثل هذه الخريطة بالحقيبة، يضع محتويات الكيس الأسود على حافة المنضدة, ويزول تعجبه بعد أن مد يده بداخل الحقيبة, ليخرج ملف به مستندات، يبدو من الأختام الممهورة بها, أنها أوراق معاملات مالية, ويصعق الضابط شاهقا من حجم الأموال التى تدل عليها المستندات, تحويلات بنكية، من دول خليجية إلى بنوك أوروبية وأمريكية بمليارات الدولارات، ومستندات بنكية خاصة بتحويلات مالية لمنظمات حقوقيه مقرها مصر، مزيلة بحسابات بنكية لأشخاص محدده, من جماعات لا تعترف بالوطن إلا كونه حفنة من تراب، بزغ نجمهم خلال فترة الاضطرابات التى مرت بها مصر، تليها مستندات بتحويلات بنكية لكبرى شركات الأسلحة فى العالم, فى أمريكا وروسيا وتركيا وألمانيا.
يزداد توتر الضابط حول ماهية الحقيبة وما تحتوية من مستندات وأوراق تنم عن جرائم قد تكون ارتكبت في حق الوطن..
يمد يده بسرعة مرة أخرى يستخرج باقى أوراق المؤامرات التى بدأت تتضح معالمها.
تبوح الحقيبة بورقة مطوية يفضها الضابط بعناية، يظهر عليها الشعار الأمريكى, فى أقصى اليسار أعلى الورقة، وذيلت فى النهاية بكلمات إنجليزية «خريطة الشرق الأوسط الجديد»، تحتوى على معالم مختلفة الحدود للدول العربية غير التى يعرفها كل مواطن عربي ويحفظها عن ظهر قلب، من المحيط إلى الخليج، دول اختفت من على الخريطة ودول جديدة زرعت من نبت شيطاني، من علاقة آثمة من خونة باعوا الأوطان لعملاء أرادوا محو كل ما يتعلق بما هو عربى.
قام الضابط من شدة غضبه بسحق الخريطة لولا أن زميله أمسك بذراعه يهدئ من غضبه, قائلا: الموضوع كبير يا أحمد بيه, لازم كل حاجة تفضل على وضعها ونرفعها إلى المسئولين علشان نعرف هوية الحقيبة دى, الموضوع كبير.
قام الضابط أحمد بإعادة الخريطة على وضعها السابق، إلى جوار باقى محتويات الحقيبة التى أخرجها، يستكمل فرز ما تحتوية هذه الحقيبة من مؤمرات, ألقيت بميدان التحرير عن قصد أو سهوا.
يخرج من الحقيبة شنطة أخرى بلاستيكية, منتفخة يفضها, يخرج منها عباءة مغربية، وعقال سعودى، وجلباب سودانى، وخنجر عمانى، والكتاب الأخضر الليبى, وحجر من العقيق اليمنى, وشال فلسطينى, وكتيب صغير بعنوان «موقعة المروحة», صورة الغلاف لجميلة بوحريد وقد قبض عليها اثنين من جنود الاحتلال الفرنسى, وصورة فوتوغرافية للمسجد الحرام بمكة والمسجد النبوى بالمدينة والمسجد الأقصى بالقدس، مدائن صالح بالسعودية، وصور أخرى لكنسية بيت لحم, وأخرى للجامع الأزهر والأهرامات ومعبد الكرنك وميدان التحرير بمصر، وبرج خليفة بالإمارات، ومصفاة البترول بالكويت, وحدائق بابل المعلقة وأشجار النخيل بالعراق, والمسجد الأموى وقلعة الأثرية بمدينة بصرى وقلعة الحصن بسوريا، وأعمدة بعلبك أشجار الأرز بلبنان، مدينة البتراء بالأردن، وقلعة بنى حماد بالجزائر، ومدينة القيروان بتونس، ومعبد إيزيس بليبيا، قلعة بهلاء ومدينة نزوى بعمان..
يزداد غضب الضابط أحمد مع تعجبه, لم يكمل الصور التى تحتويها الحقيبة واتي ترمز إلى أهم معالم الوطن العربى من المحيط إلى الخليج, يلتفت خلفه بنظرة تملؤها الحسرة تجاه مبنى جامعة الدول العربية، الذى يربط بين نهر النيل وميدان التحرير.
يعود ويكمل فحص باقى محتويات الحقيبة, يخرج منها مضبطة إحدى جلسات مؤتمر القمة القادم, المقرر عقده بعد عدة أيام.
ثم تلتقط يده مجموعة أوراق داخل مظروف مغلق كتب عليه سرى للغاية, بسرعة أخرج ما يحتويه المظروف, فتكون الصاعقة.. قائمة تضم رموز الدول العربية تجمع بين رؤساء وملوك وعلماء وكبار الساسة العرب.
لم ينتظر الضابط أحمد أن يفض باقى ما تحتوية الحقيبة المفقودة, لملم ما أفرغه من أحشائها, مشيراً إلى زميله قائلاً: يلا بينا الموضوع لا يستحمل التأجيل, الحقيبة دى لازم توصل فى أسرع وقت للي يقدروا يفسروا اللى فيها..
رد عليه المواطن العربى شريف: طب مش تقولنا هتروح فين يا باشا؟!
رد عليه الضابط أحمد وهو يهم بحمل الحقيبة بعد أن فرغ من إعادة محتوياتها قائلاً: الموضوع كبير يا عم عربى, الموضوع أكبر منى ومنك, الموضوع موضوع مستقبل وطن عربى بأكمله..
يعلق العربى على كلماته قائلا: تفتكر الحاجات دى وحشه أوى كده على البلد؟ وفى ناس تقدر تقف لصاحب الشنطة دى؟
يرد عليه الضابط وهو يهم بالانصراف أمرا سائق السيارة بالتحرك: بقولك وطن كله.. مش بلد واحدة بس, وفيه ناس بتحب البلد دى وبتحب عروبتها.
تنطلق السيارة بسرعة.. تجتاز ميدان التحرير, حتى اختفت عن الأنظار.
تتناثر الأحاديث الجانبية بين الواقفين من العابرين لميدان التحرير, تختلف الآراء, وتتنازع الأهواء عن صاحب الحقيبة المريبة, وهل تركها سهوا بالميدان, أم أن صاحبها تعمد تركها بالميدان.
يتركهم العربى شريف.. يعود إلى حيث ميدان مجمع التحرير..
ما زالت مقاعد الرخام تزدحم بالعشاق، عبر الطريق إلى الجهة المقابلة جلس على الرصيف في مواجهة مبنى جامعة الدول العربية ، يتطلع إلى الأعلام التي تزين حديقته، يعود إلى حواره مع همومه..
على بعد خطوات.. تستقر عينيه على حقيبة وضعت بعناية إلى جوار السور الحديدى ..طال نظرته إلي الحقيبة, نسى حواره مع همومه ..حالة صمت طويلة انتابته ..يجول بنظره يبحث عن أحد المارة يبحث عن الحقيبة الأنيقة, قام من جلسته قاصدا الحقيبة, يحاول أن يكشف عن هوية صاحبها، بعد أن أثارت بداخله الشك والريبة!!
أفكار متلاحقة عصفت بتفكيره عما تحمله بداخلها .. ثورة اشتعلت بداخله، تتنازعه الأهواء عن القرار الذى يجب أن يتخذه مع هذه الحقيبة، حجمها يثير الشكوك، وأناقتها وغلو ثمنها يجعل صاحبها أحرص أن لا يفقدها، من نوعية الحقائب التى تعلق على الكتف، يتدلى الحزام منها على الأرض، منتفخة تشير إلى احتوائها على أغراض قد تكون لها أهميتها لصاحبها، لا يلقى لها بالاً المارة من المواطنين، ألقيت أو تركت أو فقدت فى مكان بعيداً عن أعين المارة فى آخر السور فى الجهة المقابلة لمسجد عمر مكرم، الذي يظهر فى خليفته مبنى جامعة الدول العربية شاهقاً صامتاً.
وقف يتلفت يمينا ويسارا، يدعو أن يعود صاحبها ليخرجه من حوارته حول ماهية الحقيبة، يتقدم خطوة ويرجع أخرى، يتفحص الحقيبة جيداً كلما إقترب منها.
يرتكن بذراعه على السور الحديدى، يجس الحقيبة بمقدمة حذائه بركلات خفيفة وسريعة ومتردده، ينظر حوله طالباً المشاركة فى إفشاء سر هذه الحقيبة الغامضة من أحد المارة بالميدان، ينحني يقلب الحقيبة بيديه بحذر على جانبيها، يطمئن إلى وزنها المعتدل.
يعود إلى البحث بين وجوه المارة..
يقع بصره على سيارة الشرطة، تقف أمام مسجد عمر مكرم على جانب الطريق بميدان سيمون بوليفار، يستجمع شجاعته متحملاً كافة العواقب التى يمكن أن تحدث له، يحمل الحقيبة بيده متجهاً حيث سيارة الشرطة.
بتردد.. يقترب من أحد الجنود الواقفين أمام السيارة، يسأله عن الضابط، يشير له إلى ضابطي شرطة جلسوا فى حديقة المسجد وخلفهم مبنى جامعة الدول العربية, بجوار السور المبنى موازياً للطريق من ميدان التحرير إلى كورنيش النيل.
ينظر إليه أحد الضباط، يهم واقفاً متجهاً إلى حيث المواطن الذى يحمل حقيبة مريبة بين يديه، موجهاً حديثة إليه، أؤمرنى ..أى خدمة ممكن أقدمها؟
يرد عليه بصوت مرتعش: أنا لاقيت الشنطة دى جنب السور الحديد لميدان التحرير هناك.
يلتقط الضابط الحقيبة بحذر من بين يدى المواطن يسأله.. أسمك أيه يا حج؟
يرد عليه المواطن ومشاعر الخوف من السلطة تبددت لديه، متراجعا خطوتين للخلف ناظراً للحقيبة
العربى شريف أمين، موظف في المجمع..
يسرع الضابط وخلفه العربى والمجندين واضعاً الحقيبة على ترابيزة أمامهم يساعده زميله فى محاولة فتحها، لحسن الحظ أرقام فتح الحقيبة لم يتم تغييرها.
الكل فى لهفة لمعرفة محتويات الحقيبة، والتطلع إلى ما تحتويه الحقيبة الغريبة التى تدل ملامحها أنها مستوردة أو مملوكة لأحد الأجانب، فنوعيتها نادرا ما تجدها فى أى من البلاد العربية.
برفق يفتح الضابط الحقيبة.. ليفاجأ الجميع بما تحتويه..
أوراق مرصوصة بعناية فائقة تدل على أهميتها لصاحبها, وبعض المقتنيات, يدل من طلتها الأولى قيمتها الثمينة, لا يعرف قيمتها مواطن يعيش فى البلدان العربية.
الاطمئنان يسيطر على قلوب المحيطين بالحقيبة، بعد الكشف على محتواها وقام أحد الجنود بتقديمها إلى الكلب البوليسى للكشف عن أى متفجرات قد تحتويها الحقيبة وتكون مخفية في أحد جيوبها، ليطمئن الجميع أن الحقيبة آمنة.
قام الضابط بوضعها على الترابيزة أمامه, وبدأ فى فرز ما تحتوية لعله يجد ما يدل على صاحبها وهويته.
وقعت يده على لفافة تم ربطها بعناية فائقة, ملفوفة بكيس بلاستيك أسود, تحتوى على أشياء مختلفة, يمد يده داخل الكيس ويخرج لفافة على شكل علم مصر، قام بفضها ليجد تمثالا فرعونيا للمك توت عنخ آمون, فيعلق الضابط شكلها قضية جامدة, من بدايتها آثار مسروقة.
يعود مسرعاً إلى الكيس الأسود، يمد يده ليخرج عملات مصرية مختلفة الفئات, بداية من ربع جنيه وخمسون قرشا وجنيه وأوراق نقدية لجميع الفئات, خمسة وعشرة وعشرون وخمسون ومائة ومائتين جنيها, وروقه واحدة من كل فئة، ازداد استغراب الضابط والمحيطون به, وزادت الحيرة والغموض حول هوية الحقيبة وصاحبها.
يعود الضابط ليخرج من الكيس الأسود دلاية مصنوعة من الفضة، على شكل كف اليد, يتوسطها عين بها خرزة زرقاء, ليزيد تعجب المحيطون، ويمد يده مرة أخرى داخل الكيس الأسود, يخرج آخر ما به, خريطة مطوية بعناية, يفردها لتقع عينه على خريطة مصر بدون مثلث حلايب وشلاتين، يتعجب الضابط من وجود مثل هذه الخريطة بالحقيبة، يضع محتويات الكيس الأسود على حافة المنضدة, ويزول تعجبه بعد أن مد يده بداخل الحقيبة, ليخرج ملف به مستندات، يبدو من الأختام الممهورة بها, أنها أوراق معاملات مالية, ويصعق الضابط شاهقا من حجم الأموال التى تدل عليها المستندات, تحويلات بنكية، من دول خليجية إلى بنوك أوروبية وأمريكية بمليارات الدولارات، ومستندات بنكية خاصة بتحويلات مالية لمنظمات حقوقيه مقرها مصر، مزيلة بحسابات بنكية لأشخاص محدده, من جماعات لا تعترف بالوطن إلا كونه حفنة من تراب، بزغ نجمهم خلال فترة الاضطرابات التى مرت بها مصر، تليها مستندات بتحويلات بنكية لكبرى شركات الأسلحة فى العالم, فى أمريكا وروسيا وتركيا وألمانيا.
يزداد توتر الضابط حول ماهية الحقيبة وما تحتوية من مستندات وأوراق تنم عن جرائم قد تكون ارتكبت في حق الوطن..
يمد يده بسرعة مرة أخرى يستخرج باقى أوراق المؤامرات التى بدأت تتضح معالمها.
تبوح الحقيبة بورقة مطوية يفضها الضابط بعناية، يظهر عليها الشعار الأمريكى, فى أقصى اليسار أعلى الورقة، وذيلت فى النهاية بكلمات إنجليزية «خريطة الشرق الأوسط الجديد»، تحتوى على معالم مختلفة الحدود للدول العربية غير التى يعرفها كل مواطن عربي ويحفظها عن ظهر قلب، من المحيط إلى الخليج، دول اختفت من على الخريطة ودول جديدة زرعت من نبت شيطاني، من علاقة آثمة من خونة باعوا الأوطان لعملاء أرادوا محو كل ما يتعلق بما هو عربى.
قام الضابط من شدة غضبه بسحق الخريطة لولا أن زميله أمسك بذراعه يهدئ من غضبه, قائلا: الموضوع كبير يا أحمد بيه, لازم كل حاجة تفضل على وضعها ونرفعها إلى المسئولين علشان نعرف هوية الحقيبة دى, الموضوع كبير.
قام الضابط أحمد بإعادة الخريطة على وضعها السابق، إلى جوار باقى محتويات الحقيبة التى أخرجها، يستكمل فرز ما تحتوية هذه الحقيبة من مؤمرات, ألقيت بميدان التحرير عن قصد أو سهوا.
يخرج من الحقيبة شنطة أخرى بلاستيكية, منتفخة يفضها, يخرج منها عباءة مغربية، وعقال سعودى، وجلباب سودانى، وخنجر عمانى، والكتاب الأخضر الليبى, وحجر من العقيق اليمنى, وشال فلسطينى, وكتيب صغير بعنوان «موقعة المروحة», صورة الغلاف لجميلة بوحريد وقد قبض عليها اثنين من جنود الاحتلال الفرنسى, وصورة فوتوغرافية للمسجد الحرام بمكة والمسجد النبوى بالمدينة والمسجد الأقصى بالقدس، مدائن صالح بالسعودية، وصور أخرى لكنسية بيت لحم, وأخرى للجامع الأزهر والأهرامات ومعبد الكرنك وميدان التحرير بمصر، وبرج خليفة بالإمارات، ومصفاة البترول بالكويت, وحدائق بابل المعلقة وأشجار النخيل بالعراق, والمسجد الأموى وقلعة الأثرية بمدينة بصرى وقلعة الحصن بسوريا، وأعمدة بعلبك أشجار الأرز بلبنان، مدينة البتراء بالأردن، وقلعة بنى حماد بالجزائر، ومدينة القيروان بتونس، ومعبد إيزيس بليبيا، قلعة بهلاء ومدينة نزوى بعمان..
يزداد غضب الضابط أحمد مع تعجبه, لم يكمل الصور التى تحتويها الحقيبة واتي ترمز إلى أهم معالم الوطن العربى من المحيط إلى الخليج, يلتفت خلفه بنظرة تملؤها الحسرة تجاه مبنى جامعة الدول العربية، الذى يربط بين نهر النيل وميدان التحرير.
يعود ويكمل فحص باقى محتويات الحقيبة, يخرج منها مضبطة إحدى جلسات مؤتمر القمة القادم, المقرر عقده بعد عدة أيام.
ثم تلتقط يده مجموعة أوراق داخل مظروف مغلق كتب عليه سرى للغاية, بسرعة أخرج ما يحتويه المظروف, فتكون الصاعقة.. قائمة تضم رموز الدول العربية تجمع بين رؤساء وملوك وعلماء وكبار الساسة العرب.
لم ينتظر الضابط أحمد أن يفض باقى ما تحتوية الحقيبة المفقودة, لملم ما أفرغه من أحشائها, مشيراً إلى زميله قائلاً: يلا بينا الموضوع لا يستحمل التأجيل, الحقيبة دى لازم توصل فى أسرع وقت للي يقدروا يفسروا اللى فيها..
رد عليه المواطن العربى شريف: طب مش تقولنا هتروح فين يا باشا؟!
رد عليه الضابط أحمد وهو يهم بحمل الحقيبة بعد أن فرغ من إعادة محتوياتها قائلاً: الموضوع كبير يا عم عربى, الموضوع أكبر منى ومنك, الموضوع موضوع مستقبل وطن عربى بأكمله..
يعلق العربى على كلماته قائلا: تفتكر الحاجات دى وحشه أوى كده على البلد؟ وفى ناس تقدر تقف لصاحب الشنطة دى؟
يرد عليه الضابط وهو يهم بالانصراف أمرا سائق السيارة بالتحرك: بقولك وطن كله.. مش بلد واحدة بس, وفيه ناس بتحب البلد دى وبتحب عروبتها.
تنطلق السيارة بسرعة.. تجتاز ميدان التحرير, حتى اختفت عن الأنظار.
تتناثر الأحاديث الجانبية بين الواقفين من العابرين لميدان التحرير, تختلف الآراء, وتتنازع الأهواء عن صاحب الحقيبة المريبة, وهل تركها سهوا بالميدان, أم أن صاحبها تعمد تركها بالميدان.
يتركهم العربى شريف.. يعود إلى حيث ميدان مجمع التحرير..
ما زالت مقاعد الرخام تزدحم بالعشاق، عبر الطريق إلى الجهة المقابلة جلس على الرصيف في مواجهة مبنى جامعة الدول العربية ، يتطلع إلى الأعلام التي تزين حديقته، يعود إلى حواره مع همومه..
«الحقيبة المجهولة» .. قصة قصيرة للكاتب عبدالنبي النديم
بوابة أخبار اليوم الإلكترونية
akhbarelyom.com