أحمد عبدالله إسماعيل - زفاف في زمن الكورونا

انتفض أدهم كأنه قد سمع صوت الرعد المخيف؛ وبدلًا من أن يهنئ صديق العمر، وجد نفسهيصارحه:
- هل سألت عنها؟
مهند: سوف أعرف كل شيء في فترة الخطوبة.
أدهم : كنتَ دومًا منشغلًا بدراسة الطب ولا تعلم الطريقة التي تفكر بها البنات هذه الأيام.
مهند: هي أجمل فتاة في الدنيا، بعينها الجميلة الواسعة ورموشها الطويلة الكثيفة وشفتيها الحمراء كحبات الكرز التي تزيدها جمالًا وأنوثة.
أدهم: لكني ، ...
مهند: هل هناك ما تخفيه عني؟
أدهم: سمعت أحد الشباب يقول إنها مرتبطة.
مهند: سمعت؟ يقول؟ من هو !
أدهم: اسمه عماد.
مهند: الغيرة فقط هي التي تدفعك لما تقول!
أدهم: كم تمنيت ألا تجرحك صراحتي.
مهند: لا أريد أن أرى وجهك ثانيةً.
مرت الأيام واعتاد مهند زيارة خطيبته وكلما زارها، عاد يرقص في بشر وحبور. قابل أدهم ذات مساء مصادفة لأول مرة منذ حفل الخطبة، فأوقفهمحاولًا الاعتذار.
أدهم: رغم كلماتك التي خلّفت وراءها ذبحًة في قلبي، إلا أنني سأظل الأخ الذي يحبك بصدق.
مرت الشهور ومهند يترقب إتمام الزواج ويحسب الدقائق والثواني بدقات قلبه؛ ليقترب من أول حب في حياته. ذهب لزيارتها كالمعتاد بعد صلاة الجمعة، ولكنه فوجئ بها غير مقبلة عليه،
سألت في دهشة: هل رتبت أمر الأثاث؟
مهند: نعم، وللمفاجأة، سيتم إنهاء تشطيباته بمنزلنا.
وردة: ألا يليق بي شراء أثاث دمياط الفخيم؟
مهند: لقد تحدثنا مرارًا وتكرارًا ولم تمانعي قط، فماذا تغير؟
وردة: عليك أن تجد لنا مكانًا مناسبًا بدلًا من منزلكم الضيق، ولا تنس أن لديك ثلاثة أشقاء وثلاث أخوات؛ كيف سأعيش في هذا المنزل الصغير؟! أليس بإمكانك أن تجد لي منزلًا يليق بي!
مهند: أحيانًا يُغلق أمامنا بابٌ لكي يفتح لنا آخر أفضل منه.
وردة: هل تعني أنك ستوفر لنا مكانًا مستقلًا واسعًا وأثاثًا فاخرًا؟وهل تظن أن حياتنا ستكون أفضل؟
مهند: أعدكِ أنك ستعيشين أجمل مما تحلمين، وستفخرين بزواجك مني.
وردة: لا أعلم.
انصرف مهند وهو يفكر في حاله؛ إذ انقبض قلبه متخوفًا من ألا يتم زواجهما، وبمجرد أن عاد إلى بيته، صدمه ما سمعه من أخيه سالم الذي يدرس في نفس الجامعة التي تدرس فيها وردة؛ حيث أخبره بأنه رآها بصحبة عماد في أحد مطاعم الوجبات السريعة بجوار الجامعة، لكنه انصرف قبل أن يرونه. لم يتمكن مهند من السيطرة على انفعالاته؛ فلم يفطن لنفسه إلا وقد انهال على أخيه ضربًا وشتمًا.
في مساء نفس تلك الليلة كان أدهم في طريقه عائدًا لبيته، سمع بالمصادفة صوت توبيخ من جارهم -والد عماد- الذي استنكر على ابنه تواصله هاتفيًا مع فتاة مخطوبة بدلًا من مذاكرة دروسه، فأسرَّها في نفسه.
ما لبث أن دخل البيت حتى زاره سالم يشكو ما فعله مهند به، فحاول تهدئته، وقص عليه ما حدث منه عندما علم بنيته أن يتزوج وردة، واستطرد مبينًا : "معظم الناس لا يريدون معرفة الحقيقة؛ لما ينطوي عليها من مسؤولية، ورد فعل، واتخاذ قرار نحو من يعرفون حقيقتهم".
في يوم بئيس كان مهند على موعد مع مفاجأة مدوية، فرغم إعجاب والد وردة به وتقديره له، إلا أن الأسرة قد ناقشت أمر ابنتهم طوال الأسبوع ووصلوا لاتفاق فيما بينهم. فوجئ بتغير في كل شيء؛ حيث صدم هذه المرة عندما لمح في يد والدها صُرة بها هداياه.
والد وردة: كل شيء نصيب.
مهند: أين تجاربك وخبراتك وسلطتك كأب؟
والد وردة: ليتها تعلم أني أشد الناس حرصًا على فرحتها واستقامة حياتها، لكن لا يحق لي إرغامها على الزواج بمن لا تريد.
مهند : ألا ترى أنه من الأفضل أن تنصحها؟
والد وردة : لقد فعلت، لكنها أبت، ولا أعلم سبب هذا الرفض وأتعجب من ذلك كثيرًا.
مهند: سنعيش في أحسن حال، وسيجعل الله بعد عسرٍ يسرًا.
والد وردة: سيعوضك الله، فاطمئن.
هام مهند على وجهه في شوارع قرية ميت بدر حلاوة، وانتهى المطاف في بيت أدهم حاملًا صرة الهدايا، وما أن رآه إلا وانهمرت الدموع الغزيرة من عينيه، فاحتضنه قائلًا:
مهند: أتمنى أن أموت.
أدهم: ستحين فرصًا أكثر للتعويض وسيأتيك خيرًا كثيرًا مثلما تمنّيت وأكثر.
في تلك اللحظة سُمع دوي زغاريد من منزل مجاور، استطلع أدهم مصدر تلكالأصوات، فرأي السيدات يتوافدن على منزل أم عماد؛ لتهنئتها على خطبة ابنها لوردة. سمع مهند الخبر، فاصطبغت الأشياء جميعها في عينيه باللون الأسود، وسقط مغشيًا عليه ونُقل على الفور إلى المستشفى.
عندما فقد أول حب في حياته، أصبحت الكرة الأرضية على اتساعها كالقبو المعتم في عينه، وأصبح العالم كله فارغًا حتى من الهواء الذي هو سر الحياة. على الجانب الآخر، انشغلت هي بتلقي التهاني دون أن تدرك مدى الألم الذي سببته لمهند بعد الفراق عنه وخطبتها لعماد في نفس اليوم؛ فظل يردد :"من يعش يري العجب"!
ظل يخضع للعلاج إلى أن اعتدل مزاجه وهدأ بعد بضعة أشهر، أما وردة فلم تشعر قط بأي ذنب.
ترك عماد دراسته الجامعية وسافر إلى فرنسا، ومنها إلى إيطاليا التي كانت دومًا حلم حياته.
ما لبث أن أكمل مهند خدمته العسكرية، حتى حصل على منحة دراسية لإتمام الدكتوراه في الطب في جامعة برلين الألمانية في تخصص تحاليل الفيروسات. أتم رسالة الدكتوراه بامتياز، ثم جاءته الفرصة التي طالما انتظرها وهي العمل واستكمال أبحاثه هناك. في نفس الوقت، أجاد عماد العمل بالحقول الإيطالية بين مدينتي ميسينا وبارما إلى أن أصبح مزارعًا من الطراز الأول، لكنه في المقابل اكتفىبشهادة الثانوية العامة.
استمر مهند في أبحاثه العلمية، فذاع صيته؛ مما أهَّله لأعلى المناصب الجامعية الأوروبية رغم صغر سنه، فصار مديرًا لأحد المعاهد الطبية التابعة لجامعة برلين قبل أن ينهي العقد الثالث من عمره. تردد اسمه كثيرًا في الأوساط العلمية حتى نال أعلى وسام علمي في ألمانيا في حفل تناقلته وكالات الأنباء العالمية.
علمت وردة بما وصل إليه مهند من نجاح، ونصحها والدها بعدم التفكير فيه نهائيًا والذهاب إلى أماكن لقضاء وقتها مع أبنائها، وأن تتواصل مع زوجها لإرسال دعوة لها ولأبنائهم للإقامة معه لحاجتها الشديدة له في تلك الفترة. حرصت على تقديم الاعتذار لوالدها الذي كان دومًا ضد انفصالها عن مهند.
استقر مهند في حياته العملية في برلين، ورغم طول غيابه عن بلدته، إلا أنه فاجأ الجميع عندما تبرع بمبلغ ضخم لإنشاء وتجهيز مركز طبي متكامل بها. ساعد إخوته، فمنهم من سافر للعمل بإحدى الدول المجاورة وسافر اثنان منهم للإقامة والعمل في فرنسا.
جلس أدهم في شرفة منزله في إحدى ليالي الصيف، فسعد كثيرًا من سماع صوت صديق عمره الذي أخبره أنه لسنوات يقضي معظم أوقاته في إجراء أبحاث لتطوير أمصال ولقاحات لعلاج الفيروسات.
تعجب أدهم كثيرًا عندما قالإنه ساعد عمادالذي تواصل معه بعدما ألقت الشرطة الألمانية القبض عليه بسبب اتهامه بأداء تحية هتلر المحظورة، على الفور أحضر له محاميًا معروفًا، فتم إطلاق سراحه بعد تبرئته. حين استوطن الحب في قلب مهند، صار الأمر يسيرًا عليه ليتغافل عما حدث في الماضي بغض النظر عما سببه له من هم وألم.
أعاد كلامه لذهنه ما حدث بينهما، وإن كانت الأيام قد أنست الجميع ما حدث، إلا أنه لم ينس يومًا أن وردة قد فضلت عماد عليه ووقفت تستمتع بمشاهدة قلبه يقطر دمًا غير مبالية بما ألمَّ به.
وجه مهند الدعوة إلى عماد وأسرته لتناول طعام الغداء في منزله وكم كان مؤلمًا أن يرى وردة بعد كل هذه السنوات، إذ ظل ينتظر أن تجمعه الأيام بعينيها ولو صدفة.
كانت رؤيتها له بمثابة عودة الروح للجسد، رغم رفضه قبل سنوات، إلا أنها أيقنت بعد مساعدته لزوجها في شدته أنه أحبها بصدق، فما أحلى اللقاء بين الأحباء بعد الجفاء والغياب، لكن سرعان ما سحبت يدها من يده، بعد أن كانت تستمتع بصوت قلبها الخفاق حين حلقت بذهنها بعيدًا للحظات بمجرد رؤيته.
أدرك أدهم بسعادة التغيير الكبير الذي طرأ على حياة صديقه وجاره اللذان كانا يومًا ألد الخصام.
مرت السنوات سريعًا، ووجد "مهند" نفسه في الأربعين من عمره وكأنه خيط دخان قد جرفه تيار الغربة بلا أسرة، ولا زوج، ولا ولد، حتى التقى بأستاذة جامعية ألمانية من أصول جزائرية تدعى صابرينا تتمتع بجمالها الخلابوملامحها الهادئة بجانب صوتها ذو النبرة المميزة الرقيقة، فتأرجحت المشاعر بين السعادة والخوف.
لاحظت صابرينا عند رؤيته لأول مرة أنه يختلس النظر لها بين الحين والآخر، فغادرت المعمل. اقترب منها، وتولدت بداخله مشاعر صادقة نحوها، فتخيل مستقبله معها وكذلك المنزل والأطفال. كان لها جمالها المميز، وتحلت بروحها الجميلة المحبة للحياة، لكن مهند أحب معرفة كل تفاصيلها.
شعر بإعجابه الشديد بها ووقوعه في حبها والانجذاب إليها؛فقرر عرض الزواج عليها، وحينها كانت إجابتها بالموافقة أسرع من سؤاله، لكنه طلب الانتظار لحين مشاورة الأهل.
تواصل مهند مع والديه عبر الإنترنت ثم اجتمع مع أسرتها لترتيب مراسم حفل زفافهما. تعددت اللقاءات والزيارات لأسرة العروس، واعتاد أن يُحضر لها الهدايا. أحبَّته وشاركته حب كل ما يحبه وابتعدت عن كل ما ينفر منه، وأخذت تعطي له كل اهتمام واحتواء. حافظت العروس على التقاليد والعادات شأنها شأن كل أبناء الجزائر خاصة في حفلات الزفاف.
اتفق مهند مع السيد زهير مسعادي والد خطيبته على إقامة حفل الزفاف في الجزائر في أعياد الربيع من عام ٢٠٢٠. جعله الخيال يبتسم من أعماق وجدانه عندما سبح في فضاء أفكاره ليتصور تفاصيل الحفل أثناء حديثه مع خطيبته ووالدها، وحلم أنه قام بحجز تذاكر السفر للاحتفال وسط أسرتها في تلك الليلة المميزة الباهية وللاستمتاع بالأغاني الفلكلورية الرائعة.
حلم العروسان أنهما استغرقا هناك بضعة أيام بالجزائر، بدايةً من يوم "حمام العروس"حيث حلمت صابرينا بمرافقة صديقاتها وقريباتها إلى الحمام، مصطحبات الحلوى والشموع.
أكملت حلمها في بيت الأسرة وتم فيه توزيع الحناء على صديقاتها، ثم كان يوم الزفاف وفيه اجتمعت العائلات والأقارب في قاعة كبيرة وارتدت الحلي الذهبية وتزينت بالفستان الأبيض التقليدي، فيما لبس مهند بدله أحضرها معه من ألمانيا. حتى لو كانت مجرد أحلام يقظة، يكفي أنها أسعدت العروسين لأنها حملت كل معاني البهجة متمنين أن تتحقق يوم زفافهما، حينها أدرك أننا نحب الخيالات والتصورات التي تأتي كما نتمنى، فقال حينها: ولكم في الخيال حياة.
مرت الأيام أسرع مما تخيلا، واجتاح العالم وباء تغيرت معه كل الخطط والترتيبات؛ حيث جعل مهند يقف على قدم واحدة في حالة من الارتباك، وكأن الوباء ضغط زر التوقف المؤقت لحياته مسببًا حالة من الشلل والتوقف التام لكل شيئ، وألزمه أن يكون أكثر حذرًا في تصرفاته اليومية وأن يعطي العناية الشخصية والصحة العامة الاهتمام المستحق.
حَمَلت تلك الآفة مهند وصابرينا على عدم السفر إلى الجزائر أو مصر كما كان مخططًا، بل وعلى تأجيل الزفاف.
صابرينا: "أراك منشغلًا على مدار الساعة بالتجارب المعملية، ولا أصدق أن تتحول كبرى المدن في العالم إلى مدن أشباح بين عشية وضحاها؟"
مهند: "تبدو حياتنا ممزقة متوقفة لحين إشعار آخر، كأنه حقًا قد أوقف كوكب الأرض عن الدوران، فبدت مدن صاخبة مثل القاهرة وبرلين، بغاية الكآبة".
صابرينا: "إلى متى سنتحمل أن نعيش حياة غير مألوفة وتظل حياتنا محطمة؟"
مهند: "لا أحد يعلم، لكن ستبقى لفترة علاقاتنا متغيرة وفاترة، ولن نتصرف بتلقائية؛ سنكتفي بالسلام بالإيماء بالوجه بالعين أو بالابتسامة أو بإرسال القبلات الهوائية لأطفالنا. ستتحول بيوتنا إلى حجر صحي إلزامي، خوفًا من الموت في المستشفيات، وسنستمر في استخدام المطهرات والمعقمات والكمامات ولبس القفازات والتنافس في شراء أغلاها ثمنًا وأعلاها قيمة".
صابرينا: "أعلم أن الخطب جلل، لكن ليس من الواضح إلى متى سيستمر هذا البلاء أو كيف ستكون شدته خلال الأشهر أو السنوات المقبلة، علينا أن نحسم قرار زواجنا؛ الحياة لا يجب أن تتوقف. متى تتوقع أن نستكمل العُرس؟".
مهند: "سننتظر ما ستسفر عنه الأيام المقبلة. لا أحد يعرف متى سننتهي من هذا الهلع وذلكالاحتجاز الإجباري في منازلنا. لا أعلم متى سنتزوج، وهل سنتزوج عن بُعد؟ هل ستكتفين بالنظر إلىّ، وأنا كذلك هل سأكتفي بمجرد وجودنا في منزل واحد بلا سلام أو حتى لمس؟ هل سيسيطر الرعب على حياتنا، ليصبح أسلوبًا مألوفًا للحياة؟
صابرينا: "لم أحصل منك على إجابة لسؤالي، متى سنتمم زواجنا؟".
مهند: "زواجنا؟! مع اجتياح كورونا لكل قارات العالم بهذه الطريقة المفاجئة دون مراعاة لأسماء الدول أو الأشخاص أو الوظائف، أعتقد أن أوان الحديث عن الزواج الآن غير ملائم، ولابد من الانتظار لحين اكتشاف دواء حاسم فعّال نهائي لهذا الفيروس الخبيث".
صابرينا: "لقد أصابني كلامك بالصدمة؛ ربما تخذلني بسبب الخوف من هذا الوباء".
مهند: "بكل صدق، لا أعتزم أن أتركك نهائيًا، لكن يتعين علىّ أن أعمل جاهدًا من أجل اكتشاف دواء لنحمي كبار السن، فقد حان الوقت للالتفاف حول أجدادنا وجداتنا لاحتوائهم قدر الإمكان بدلًا من وقوعهم في قبضة الفيروس، أما زواجنا فميعاده لا يمكننا تحديده".
كان مهند في معمل الكلية مستغرقًا في تجاربه حين تذكر ما دار بينه وبين خطيبته بشأن الزواج، دهش في حيرة من أنهالا تخشى المستقبل، مما شجعه على أن يتمم الزواج أثناء الكورونا دون انتظار.
قرر إقامة حفل زفافه عبر الإنترنت وطلب من الأهل في مصر وأهل زوجته في الجزائر وكل الأصدقاء في ألمانيا متابعة البث المباشر؛ليتقاسموا معهما فرحتهما.
عقد العروسان زفافهما بالسفارة المصرية، مع إتباع الاحتياطات الوقائية والتقطت العروس صورًا تذكارية.
بعد أن توافَق العروسان على يوم الزفاف، كتب مهند على موقع التواصل هذا المنشور الذي تناقلته المواقع الإلكترونية في كثير من دول العالم :
اجلس في البيت وتابع فرحتنا، أتشرف بدعوة كل المقربين إلى قلوبنا وجميع الأهل والأقارب والأصدقاء في كل مكان للبقاء بالمنازل ومتابعة البث المباشر لحفل زفافي بمشيئة الله يوم الاثنين المقبل، ليلة عيد الربيع الساعة الثامنة مساءً بتوقيت القاهرة لننثر الزهور، ونضيء الشموع، وندق الدفوف من مسكن الزوجية مقر إقامتي في برلين؛ حيث سيقتصر الحفل على العروسين بسبب الوباء،
بمتابعتكم تكتمل سعادتنا ولا تنسوا إثبات حضوركم بعمل إعجاب أو تعليق أو مشاركة لفيديو الحفل.
قامت صابرينا بتجهيز نفسها بأدوات التجميل، ولبس مهند بدلته.
انتظر الجميع لحظة البث المباشر، فكانت تجربة رائعة وفريدة من نوعها،وزفافًا عالميًا بفضل الإنترنت رغم الوباء الذي أرغمهم على شكل الحفل.
فوجئ العروسان بجارهما أندرو عازر -مهندس ألماني من أصل مصري يقطن في المبنى المقابل- يعزف لهما موسيقى جميلة على الكمان من شرفة منزله، بينما كانت زوجته الألمانية في تلك الأثناء تعزف على البيانو، رقص العروسان على تلك الأنغام رقصة هادئة.
بدا الأمر برمته استثنائيًا، ونادر الحدوث، غير أنه كان مميزًا وبسيطًا. غمرت العروس السعادة كأنها فوق القمر، كما سَعِد مهند بالزفاف غير التقليدي، لكنهما افتقدا أجواء الزفاف المصرية والجزائرية المليئة بالحياة.
تناقلت المواقع الإلكترونيةووكالات الأنباء تفاصيل الزفاف، وفي حوار صحفي قالت صابرينا لمراسل إحدى الصحف الجزائرية، إن زواجهما هو أبسط حفل زفاف في العالم، متابعة، "رتبت شعري وقمت بتزيين نفسي، ولبست الفستان الذي اشتريته عن طريق الإنترنت وأنا هنا في منزلي؛ فالفيروس، الذي حصد أرواح عشرات الآلاف، لم يقف أمام سعادتنا".
بينما قال مهند: "لقد انتبهنا إلى جميع التفاصيل والتدابير الطبية، وفعلنا كل شيء بحذر شديد في المنزل"، مضيفًا أنه خلال توثيق الزفاف، ظلت طائرة تحلق في محيط المكان، فاعتقدوا أنها تصور فيديو لهما، ليكتشفوا بعدها أنها تابعة للشرطة، وأنها ضمن الإجراءات الأمنية الصارمة!
تابعت وردة حفل الزفاف على هاتفها المحمول وأعادته أكثر من مرة؛ شعرت بالغيرة الشديدة من سعادة العروسين الطاغية رغم بساطة الحفل مقارنةبزفافها الذي كان حافلًا، كعادة الأعراس المصرية قبل الوباء، ولم تبخل بعمل إعجاب للفيديو رغم اعتصار قلبها ألمًا!
لم تتصور صابرينا مدى الابتهاج بزواجها الذي يعني انسياب الود بكل ألوانه.
أحسّت في ليلة زفافها بألحان الحياة، وحلاوة كل مُر، وأشرقت عيناها بنور الأمل والسعادة، وعزفت أوتار قلبها أعذب الألحان، فأتى الربيع قبل الأوان، وذابت كل الآلام، وتعطرت بروائح السعادة التي هي أجمل وأزهى من أغلى أصناف العطور، وشعرت بأنّ لها جناحان قويان تحلّق بهما فوق الغمام، حيث لا عذاب ولا عتاب، وحيث تنهل من الحب بلا حساب.
واجه العروسان الواقع، بدلًا من ترقب أسوأ الافتراضات التي من الممكن أن يسببها، فتم الزفاف الذي منحهما دَفعة ولو صغيرة من السعادةبدلًا من أن يكونا كالمحبَطين السائرين في ليل البؤس واليأس، الذين أطفئوا شموع الرجاء بأنفسهم في قنوط؛ فواصلا الخطى فوق المحنة، ليكون الزواج عصاهما التي يتكئان عليها حتى تستقيم ظهورهما وتتعافى كسورهما؛ فبدأ فصل جديد وسعيد من حياتهما بعد الزفاف في زمن الكورونا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى