فوز حمزة - العاصفة

إحدى الرّوايات القديمة تقول: أحبَّ رجلٌ امرأة حسناء، ولم يدرك ذلك إلا في نهاية الرّواية، بعد توالي الفصول وسقوط الأوراق في وحل النسيان.
عزاؤه أن ورقة واحدة بقيت عالقة في ذاكرة الأشّتياق، تركها بيضاء ليدوّن عليها بحبره الأسّود هزائمه المسّتمرة، وحربه التي خاضها مع نفسه ولا يدري مَنْ منهما الخاسر!
حاول عندما تبيّنَ له حمقه، الرّجوع إلى منتصف الرّواية ليقرأ ما كتبته تلك الحسناء في دفتر مذكراتها:
إن شيئًا ما سيحدث هذا المساء!
كنت أنتظره قرب بحيرة صغيرة، أطعم البجع الأبيض وأتساءل عن سرّ ارتعاشة نور القمر المنعكس على صفحة البحيرة كقلبي الآن! انقضت ساعات اللّيل المرتجف ولم يحضر، لم يخطر على بالي أنه كان مستلقيًا على الأرّيكة قرب الموقد يتصفح صور نساء مررّنَ بحياته دون أن يتركنَ أثرًا على أحداث الرّواية ثم غفى بسلام غير عابئ بضجيج السّطور والصّخب المنبعث من بين طيات الورق!
حينما استيقظ بعد حلم بائس، كانت الرَواية توشك على الانتهاء ومعها انتهت العاصفة، حاول أن يعيد ترتيب الأشياء إلى ما كانت عليه قبل تبعثرها بهذا الشّكل المفزع، لم ينجح وأدرك أن العواصف تهبُّ ليس فقط لنتعلم كيف ننجو منها بل العواصف حينما تهدأ تقسم الزّمن إلى ما قبل وما بعد.
حاول مد يده نحو الفصول الأولى، نحو زمن رحلتْ به العصافير وألقتهُ في عنق زجاجة، محاولًا انتشال آهات الوجع من ذاكرة الورق، وجد المسافات مليئة بالحصى و الزّحفُ عليها سيدمي رُكب الأيام.
عطرها الآسّر هو كل ما تبقى له، يزوره بين سطر و سطر، يفتك به ولا يتركه إلا وهو فُتات قلب.
لم يقرأ الورقة الأخيرة من الرّواية ، مضى وحيدًا تاركًا الأمل يعاقر السّراب.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى