د. محمد عباس محمد عرابي - حدث بالفعل من فراسة وذكاء العرب

اشتهر العرب بالفراسة والذكاء والتفوق في علم القيافة، وخاصة لدى كل فطن متدرب ظنين، فقد ذكر طاش كبرى زاده (علم قيافة الأثر)، (علم قيافة البشر)، في كتابه (مفتاح السعادة في معرفة موضوعات العلم) ضمن فروع علم الفراسة، ومنها علم الاهتداء بالبراري والأقفار ، علم الريافة (استنباط المياه )،وكثيرة هي القصص الحقيقية التي حدثت بالفعل التي تدل على فراسة وذكاء العرب نذكر منها على سبيل المثال:



ذكاء وفصاحة أعرابي:

قال الأصمعي: كنت أقرأ: ” والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله غفور رحيم ”. وكان بجانبي أعرابي فقال: كلام من هذا؟



فقلت: كلام الله.



قال: اعِد



فأعدت، فقال: ليس هذا كلام الله

فانتبهت ُ فقرأت ُ ” والسارقُ والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله و الله عزيز حكيم “



فقلت: أتقرأ القرآن؟



قال: لا



قلت: فمن أين علمت؟



فقال: يا هذا، عزّ فحَكَم، فحكَمَ فقطَع، ولو غفر ورحِم لما قطَع

لا بد من التواضع:

*يحكي أن كان هناك رجلاً يسعي بين الصفا والمروة راكباً علي فرسه، وكان بين يديه غلمان وعبيد كثيرة يقومون بتوسيع الطريق أمامه بعنف وقوة، فثار الناس وغضبوا كثيراً، وكان الرجل فارع الطول واسع العينين، وبعد مرور عدة سنوات رآه أحد الحجاج الذين زاملوه وهو يتكفف الناس علي جسر بغداد، فتعجب الحاج من عمله وقال له : ألست أنت نفس الرجل الذي كان يحج علي فرسه في سنة كذا، وكان بين يديك الكثير من العبيد توسع لك الطريق ضرباً، فقال الرجل : بلي ، فقال الحاج : وكيف وصل بك الحال إلي هنا ؟ قال الرجل : تكبرت في مكان يتواضع فيه العظماء، فأذلني الله في مكان يتعالي في الأذلاء.



*ذكاء إياس:

*حكي أن في يوم من الأيام جاء رجل إلي إياس بن معاوية يسأله قائلاً: هل تضربني إن أكلت التمر؟ فرد إياس بن معاوية قائلاً: لا، فسأله الرجل من جديد: هل تضربني إن شربت قدراً من الماء، فقال إياس: لا، فقال الرجل مبتسماً في خبث ظناً منه أنه غلب إياس بن معاوية: إذاً لماذا يكون نبيذ التمر حراماً هو خليط بينهما؟ فقال إياس: إن رميتك بالتراب هل تتوجع؟ قال الرجل: لا، فقال إياس: ولو أصبتت عليك قدراً من الماء، هل ينكسر أحد أعضائك؟ قال الرجل: لا، قال إياس: ماذا لو صنعت من الماء والتراب طوباً وتركته يجف في الشمس وضربت به رأسك؟ قال له الرجل: ينكسر الرأس، فقال إياس: ذاك مثل هذا.

*ذكاء أبناء نزار بن معد بن عدنان مع الأفعى بن الأفعى ملك نجران:

نزار بن معد بن عدنان، وهو الجد الثامن عشر لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ويرتقي نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام

تقول القصة : كان لنزار بن معد أربعة أبناء : إياد وبه يكنى ،و أنمار ، وربيعة ، ومضر ، فلما حضرت نزاراً الوفاة دعا بجارية شمطاء ، فقال لإياد: هذه الجارية وما أشبهها من مالي فلك ، ثم أخذ بيد مضر فأدخله قبة حمراء ثم قال هذه القبة وما أشبهها من مالي فلك ،- ولذا قيل مضر الحمراء
ثم أخذ بيد ربيعة وقال له : هذه الفرس الأدهم والخبأ الأسود وما أشبهها من مالي فلك ،- ولذ قيل : ربيعة الفرس –
ثم أخذ بيد أنمار وقال : هذه البدرة والمجلس وما أشبهها من مالي فلك ، فإن أشكل عليكم هذه القسمة فأتوا الأفعى الجرهمي
وكان ملك نجران- حتى يقسم بينكم وترضوا بقسمته، فلم يلبث نزار حتى هلك ، وشكلت القسمة على ولده فركبوا قاصدين الأفعى ،
حتى إذا كانوا منه على يوم وليلة من أرض نجران ، وهم في مفازة ، إذا هم بأثر بعير ،فقال إياد أن هذا البعير الذي ترون أثره لأعور ، فقال أنمار : وانه أبتر ، وقال ربيعة وإنه لأزور قال مضر وانه لشرود ،
فلم يلبثوا أن أتي صاحب البعير فسألهم قائلاً:
هل رأيتم بعيراً ضالاً في وجودكم (وجوهكم) ؟ قال إياد : بعيرك أعور؟ قال فإنه لأعور، قال أنمار بعيرك أبتر ؟ قال فإنه لأبتر، قال ربيعة بعيرك ازور ؟ قال فإنه لأزور ،وقال مضر : كان بعيرك شرود ؟ قال فإنه لشرود ، فأين بعيري؟
دلوني عليه ، قالوا والله ما حسسنا لك بعير ولا رأيناه، قال أنتم والله أصحاب بعيري وما أخطأتم من نعته شيئاً، قالوا ما رأينا لك بعير ،
فتبعهم حتى قدموا نجران، فلما أناخوا بباب الأفعى استأذنوا عليه ، فأذن لهم ، فلما دخلوا صاح الرجل من وراء الباب
أيها الملك هؤلاء أخذوا بعيري ، فدعا به الأفعى فسأله عن شأنه ، فقال: أن هؤلاء ذهبوا ببعيري ،فقال لهم الأفعى : ما تقولون؟
قالوا رأينا أثر بعير ، فقال إياد : إنه أعور ، فقال ما يدريك أنه أعور؟
قال رأيته يرعى الكلأ من شق واحد ويترك الآخر ، وقال أنمار رأيته يرمي بعره مجتمعاً فلو كان أهلب لمصع به فتفرق بعره ،وقال ربيعة رأيت أثر إحدى يديه ثابت والآخر فاسدا فعلمت إنه أزور، وقال مضر : رأيته يرعى الشق من الأرض يتعداها فيمر بالكلأ الملتق الغض فلا ينهش منه حتى يأتي ما هو ارق منه فيرعى فيه ، فعلمت أنه شرود ، فقال الأفعى صدقوا قد أصابوا أثر بعيرك وليسوا بأصحابه ، التمس بعيرك . ثم قال الأفعى للقوم من أنتم؟ فأخبروه بما لهم ، فرحب بهم ثم قال: ما خطبكم؟
فقصوا عليه قصة أبيهم فقال الأفعى : فكيف تحتاجون إلي وأنتم ما أرى؟
قالوا أمرنا بذلك أبونا ثم أمر بهم ، فنزلوا ، وأمر خادما له على دار الضيافة أن يحسن إليهم ويكرم مثواهم وألطافهم بأفضل ما يقدر عليه ، ثم أمر وصيفاً له أن ينظر كل كلمة تخرج من أفواههم فيأتيه بها ،
فأتاهم القهرمان بقرص من شهد فأكلوا وقالوا : ما رأينا شهد أعذب من (هذا) ولا أحسن ولا أشد حلاوة منه ، فقال إياد صدقتم لولا أن نحله ألقاه في هامة جبار ، فلما حضر غداؤهم وجيء بالشواء فإذا بشاة شوية فأكلوا وقالوا: ما رأينا شواء أجود ولا ارخص لحماً ولا أسمن منه ،فقال أنمار : صدقتم لولا أنه غذي بلبن كلبة
ثم جاءهم بالشراب فلما شربوا قالوا : ما رأينا شراباً أعذب ولا أصفى ولا أطيب من رائحته ، فقال ربيعة:
صدقتم لو لا أن كرمه نبت على قبر ، ثم قالوا ما رأينا ملك أكرم قرى ولا أخصب رحلا من هذا الملك قال مضر
صدقتم لو لا أنه لغير أبيه . فذهب الغلام الموكل بهم إلى الأفعى فأخبره بما سمع منهم، فدخل الأفعى على أمه، فقال أقسمت عليك إلا خبرتني، فصدقته الخبر، ثم دعا القهرمان وسأله عن الشهد، فقال انه وجد في جمجمة، ثم سأل صاحب المائدة عن الشاة، فقال لقد ماتت أمها وهي صغيرة فرضعت كلبة مع جرائها، فبعث إلى صاحب الشراب وسأله عن الكرمة، فقال حبة كرم غرستها على قبر أبيك. فقال الأفعى: ما هؤلاء القوم إلا شياطين. ثم أحضرهم، فقال إياد: أبى جعل لي خادمة شمطاء وما أشبهها من ماله فقال
إن لأباك غنماً برشاء فهي لك ورعاؤها. وقال أنمار: أن أبى جعل لي بدرة ومجلسه وما أشبهها من ماله، قال فلك ما ترك أبوك من الرق والحرث والأرض، فقال ربيعة: إن أبى جعل لي فرس أدهماً وبيتا أسود وما شابهها من ماله. قال إن أباك ترك خيلاً دهماً وسلاحاً فهي لك وما فيها من عبيد. (فسمي ربيعة الفرس)
فقال مضر: إن أبى جعل لي قبة حمراء من أدم وما أشبهها من ماله. فقال إن أباك ترك إبلا حمراء فهي لك وما شابهها من ماله، فصارت لمضر الإبل والقبة الحمراء والذهب، فسمي (مضر الحمراء).

المراجع:

زيوي يحي، قصص الأذكياء، دار تلانتيقيت ، بجاية ، 2016 ، الجزائر

ينظر: إبراهيم عبد الله: فراسة المؤمن، الرياض، دار الشريف ،1426هـ

وينظر للقصص الواردة تناقلتها المصادر العربية في كثير من الكتب والمواقع منها:

ww.facebook.com/565601367135299



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى