عواطف أحمد البتانوني - حكَايَة ثَلاثَةُ فُرْسَان

دقَّ جرسُ التليفون في مكتب (الريس) مدبولي رئيسِ العمال، في مصلحة الصرف الصحي
كان المتحدث رئيس المصلحة. انتفض الرجل واقفاً وهو يقول:أيو يا فَنْدِم
قال الأستاذ عبد النبي: البَلاَّعة الرئيسية في شارع السد بالسيدة "زينب " مسدودة، والمجاري طافحَة في الشارع. أنتَ تعرفُ أنَّ غداً الليلةَ الكبيرة لستنا السيدة "زينب"، وسوفَ يَحْضُر الوزيرُ الاحتفال. ـ ـ مدبولي: إن شاءَ الله سأبعث العمالَ باكراً ـ ياسيدي ـ لتنظيفها.
قال عبد النبي ثائراً..أليسَ لكم عقلٌ يَفهم! أقول لكَ إن الوزير سوف يحضر غداً.. الليلةَ يا بنِي آدم.
ـ حاضر يا فندم. وضع (الريس ) مدبولي السمَّاعة وراحَ يضربُ كفًّاً بكَف ..ماذا يظنُّ هؤلاءِ البَهوات
هل أبعت لهم (فاكس) أولا أتصل معهم بالمحمول..كلهم ساكنين علي شمال الدنيا يا ناس.
دق جرسُ التليفون في حجرة (متولي) رئيس الوردية الليلية. كان المتحدث (مدبولي )
"يا متولي.. نُريدُ العمال الليلةَ ضروري..المجاري طافحة في شارع السدّ ، والوزير سوف يحضر الليلةَ الكبيرة للست زينب.
متولي متعجباً : يا ريس العمالُ كلُّ واحد يَسْكُنُ في ناحية، كيفَ أجْمَعُهم الآن ؟
ـ مدبولي: ما فيش عذر. سوف سَتُودُّوا بنا في داهية.
وضع (متولي ) السَّماعة، وأخذ يتمتمُ ، وهو يشربُ آخرَ شَربتين من كوبِ الشَّاي الأسود. الله يقطع ْ الشغل، على المصلحة، على العمَّال في يوم واحد.
انطلقَ إلى الدراجة البخارية وركِبَها بعدَ أن أخرجَ عناوينَ أكفأ العمالِ عنده,
(عِوض ).. منشية ناصر،حارة السُّكَّر والليمون، زقاق" بعجر".
(مُعوض)..الدويقة ، زقاق أم دومة ، عطفة "حنجل"
(عِوضين)..الأربعين، شارع السحلاوي، "حارة المرجوشي"
الفارس الأول : عوض
جلسَ (عوض) في صدر الغرفةِ وأمامه (باجور) الجاز وقد وضعَ عليهِ البَراد حتَّى يشربَ كوبَ شاي بعد أكلةِ العَدَس والبَصَل والطرشي * المعتبَر من دكَّان عمّ خمس. كانت الغرفةُ التي يَسْكنُها مع أسْرته المكوَّنة من نعيمة زوجته وأربع بنات وولد، والقادم في الطريق بعد شهرين. قبيلة تمثل خليَّة في جسد هذا المنزل المتهالك المبني بالأحجار والطين. كان الداخلُ إلى المنزل يمرُّ في طَرْقة طويلة صُفَّتْ حولَها غُرفٌ مِترين في مِترين، ثم يصعدُ سلَّماً من البلاطات الحَجَرية إلى غرفٍ عُلوية بنفس النظام
أما الحمَّام، فهو أربع جدران متهالكة يتوسطها مرحاضٌ أرضيٌّ وحوضٌ صَغير، يستره بابٌ خَشَبي قديم. وهو مشترك للجميع. فإذا شغلَهُ أحدُهم واحتاجَه أحدُ الأولاد، يفتحُ غطاءَ المَجاري الكائنِ وسط المدخل، ويتصرف!!
أما فِراشُ الغرفة/ فهو عبارة عن سرير يحتلُّ نصفَ الحُجْرة ، وقطعٌ من السَّجَّاد البَالي والحَصير وطاولة أرضية مستديرة للمذاكرة وتناول الطَّعام. أمَّا الملابسُ ومحافِظُ المدرسة ولوازم الأسرة، فهي مكدسَّةٌ في الأركان تحتاج غواصاً ماهراً ليجد كلَّ حاجَتِه. أمَّا المطبخُ ، فتحتَ السَّرير حُللٌ وأطباق وخُبزٌ تعشِّشُ بينها الحَشرات والقوارض بدون تكليف. ولم يكنْ أحد يستطيعُ أن يسمعَ الآخر أو يتجنَّبَ الارتطام َبأخيه وسط هذا الزخم من الأرجل والأذرع والأصوات. يُضافُ إلي ذلكَ صوتُ (باجور) الجاز. ولم يكنْ أحدٌ منهمْ يَسْتنشقُ في صدْرهِ الهواء. ولكنَّهم اعْتادوا على اسْتِنشاقِ الأنفاس، وعادم الجاز . قالت "فاطمة" البنت الكبري: يا أبي. المُعلِّمة تؤنبني كلَّ يوم من أجل المصاريف. قاطعتها "نبوية" : أما أنا ففي حاجة إلى حذاء مدرسي يا بُوي. البناتُ يضحَكْنَ على أَصابِعي وهيَ طالعة مِنَ (حذائي ) القديم المهترىء.
انتهزتْها نعيمة أمُّ القبيلة فرصةً لِتُعلن عن ما في قلبها من همٍّ : " يعني يا أبو العِيال بَدلَ القَعْدة على القهوة آخر النهار دَوِّر على شُغْل . العِيال في حاجةٍ إلى جَبَل مصاريف. بكى محمد الرضيع، وهو يحاول أن يَجِد قطراتٍ من الحَليب في صَدْر أُمِّه لتُرْضعَه. صَرَخ َعِوض فيها ، وهو يشربُ الشَّاي: "يا وليَّة "انْتِ عَامْلَة زَيِّ الأرْنَبَة". الوَلد الوحيدُ الذي رزقَنا الله به، لا يجد قطرات لبن تُشْبعه. كان لازماً أن تَحْمِلي حملاً آخر؟..قالت نعيمة وهي تجذب هُدومَها : "أطْلعْ من هُدُومي يا عِوض، يقولون: الولية قد أَصابَها الجنون !! ألستَ أنتَ الذي قلتَ : "عاوزين أخ للولد؟". في هذهِ اللحظةِ سَمعوا جارَهُمْ في الحُجْرة المُجاورة للْمَدخَل يُنادي: "يا عوض يا أمّ محمد" . خرجَ عِوض مسرعاً يسأل ما الخبر؟ وَقَعتْ عيناه ُعلي مَدبولي. صاحَ في تعجب: "الريس مدبولي، تفضَّل..
ـ مدبولي : قم معي يا عِوض ، هناك شغلٌ مُسْتعجَل.
ـ طيب، تفضَّلْ اشْربِ الشَّايَ يا ريِّس.
ـ لا أريد أيَّ شيئ ..اركَبْ.
كانتْ أصواتُ العِيال تُلاحقُ عِوض وهو يَركبُ الدراجة النارية وراء مَدْبولي :
ـ لا تنسَ لنا المصاريف يا با.
ـ محتاجة حذاءاً جديداً يا با.
ـ هاتْ "عِيشْ" مَعَك وأنتَ راجعٌ يا عِوض..هاتْ..هاتْ..هاتْ.
الفارس الثاني : معوض .
جلسَ )معوض( في مقهى "شوب" الكائن في الشَّارع الرئيسي المحاط بموقف السَّيارات والعربات الخَشَبية المحمَّلة بالخضر، وأكوامُ القُمامة تزاحمُ الناسَ في سوقِ المنطقة. وجحافلُ الأطفالِ من كُلِّ الأعمار، يتخذون من جبال القمامةِ ملاعبَ يتزحلقُون عليها، ويستخرجون العلبَ والزجاجاتِ الفارغةَ وكل ما يَحْسَبونَه صالحاً للَّعِب. ومِن العَجيب أن نهراً من المجاري الزرقاءِ يَجري وسطَ السُّوقِ ويمرُّ أمامَ المَقهى الذي كتب عليه صاحبه بخط جميل (مقهى شوب السعادة)
كانت الرائحةُ تُزكم أنفَ الداخل إلي الحي، ولكنَّها لا تثيرُ أيَّ استغراب أو اشمئزاز لدى السُّكان المقيمين ، فقد اعتادُوها بحكم العِشرة الطويلة.. فما يكاد الحي ينشط ويجففها، حتى تعودَ لسابق عهدها بإصرار كان (معوض) متزوجاً منذُ أربعةِ أعوام فقط،. أنْجَبت له زوجُه "كَسْبَانَة" أربعةَ أبناء في كُلِّ بطنٍ تَوأمان. يُقيمُ في منزلٍ مكوَّن من حُجرتين وفُسحة وحمَّام صغير. يقيم أخوه الأكبر إبراهيم في إحدى الحجرتين مع ستة من الأبناء والبنين وزوجته "انْشِراح". وتقيم معهم أُمُّ إبراهيم ومعوض في الفسحة
وقد وضعوا لها لوحاً من الخَشب عليه سجادٌ قديم ووسادة وبطانية. سيدة مُسنة تُعاني من أوجاع وأمراض لا تنتهي. عندما خرجَ معوض في تلك الأمسية مبتعدا عن جو البيت الكئيب، ليجلس علي المقهي يشرب شاياً ويدخنُ مُعَسَّلاً مع الأصدقاء .. كانت أمُّهُ تبكي وتتوسل إليه ألا يتْركها :
يا معوض يا ابْني خُذْني معك. أخوك يرجع شارباً ، يَضْرِبُني وَيَأخذ القِرْشَ الذي تمنحني إيَّاه ) ردَّ معوض في ضجر: "يا امَّه كيف آخذك علي المقهي؟ ". يبدو أنني سوف أقتل ابنكَ هذا، وأروحُ إلى السجن وأستريح . قالت: "طيب يا ابْني خُذْني أَقعد في الشارع وسط الناس، أنتَ الوحيدُ الذي تحِنُّ عليَّ.
عندما كان معوض يمسكُ "الجُوزة" مهموماً بأمر أمِّه..سمِع صَوتاً تألفُه أذْنُه جَيِّدا
ـ معوض يا معوض..أنت سرحان في ايه؟
ـ مين ؟ الرَّيس مَدبولي ؟ تفَضَّل هذه خطوة عزيزة.
ـ يا معوض ، عزيزة إيه وعيشة إيه. قم ْ معي . عندنا شغل الآن . اركَبْ معَنا.
الفارس الثالث : عوضين
كانَ عوضين شاباً في السَّابِعة والعِشرين, لم يتزوج ليس عزوفا عن الزواج ، ولكن لأن في رقبته تسعةَ عشرَ نفْساً بالتَّمامِ والكمال ، وهو يتم عدد العشرين :
هو وامه وثلاثة إخوة صغار لم يتزوجوا بعد،وأُختُه "حنان" المطلقة وأبناؤها السبعة، وأخته إجلال التي مات عنْها زوجُها ثم أبناؤها الستة.
عندما تدخل البيت الكائن بحارة " المرجوشي "، تجده يتكون منْ مدخلٍ مربعٍ, علي يمينهِ وشِماله حجرتان..
ثم تتكون الطوابق الأربعُ بعد ذلك من حجرةٍ متَّسعة فوقَها حجرةٌ وهكذا. بلا حنفية مياه ولا مطبخ .. إنما النظام السائد في هذه الأحياء هو حمَّام بمرحاض أرضي صغير ، وحوض مشترك للجميع.
كانت هذه القبيلة تقيم في حجرة بالدور الثاني بلا حمام .. فتحايلَ عوضين على هذا الوضع المهين للبنات والنساء بأن اقتطع جزء من البلكونة الطويلة بعرض سبعين سنتيمتر وطول متر وحجز هذا الجزء بجدار من ناحية الشارع وستارة من الداخل ومد ماسورة المجاري من أسفل حتى أوصلها لهذا الجزء، ووضع بها مرحاضاً وحوضاً، وبهذا صنع لهم حمامأً يحسدهم عليه باقي السكان.
ووضع قاعدةً خشبيةً في ركنٍ فوْقَها البوتاجاز وعِدةَ أرفف فأصبح لهم مطبخ. ودفع عشرةَ جُنيهات زائدة لصاحبِ البيت. عِنْدَما تَصعَدُ غرفةَ عِوضِين ، يقابلك أطفالٌ من كلِّ الأعْمَار يتزاحَمونَ على السُّلم صعوداً وهبوطاً يلعَبون ويَتَصايَحون.. فإذا دلفتَ إلي الحجرةِ بصعوبة تجد فراشاً كبيراً يحتلُّ نصفَ الحجرة تربعتْ عليه الجَدَّةُ وفي حُجْرها وحولَها حضانةُ أطفال من كل الأعمار، وتنتشرُ باقي القبيلةِ في كل ركن لا تعرف، مهما تصورت، كيف يقضي هؤلاء الليل وساعات النوم ؟
كان عوضين يعملُ صباحاً في مصلحةِ الصرفِ الصِّحِي ثم يبيعُ آخِر النَّهار حِمصَ الشَّام الذي تُعِدُّه أُمه. يسرح به علي عربةٍ خشبيةٍ يدفعها أمامَه مُحملةً بكل ما يلزم. لا يكاد دخلُ الوظيفة وبيعُ الحمص يكفي الخبز وحده. كانَ جالساً تلك الليلةَ يبيع الحمص ، ويحاولُ تذكُّر ما طلبتْه أُمه، عندما رأى الريِّس مدبولي. قبل أن ينطق ويسأل عن سبب هذه الزيارة، قال الرجل: اركبْ مع زملائك يا عوضين عندنا شغل. قال عوضين على فين يا جماعة؟ أنا أبيع قليلاً من الحمص لكي آتي بالعشاء للعيال.
قال متولي : الله يخرب بيوتكم على بيوت العيال .. اركبْ.
نادى معوض أخاه، "واد يا حُودة خلِّي بالك من العربية ، وشُوفْ طلبات أمك واتصرفوا في العشاء " تلاصق الرجال الأربعة فوق الدراجة النارية، وانطلقوا إلى المخازن..أخذَ كلٌّ منهم دراجةً حملَ فوقها الأسلاكَ والأدوات وانطلقوا وهمْ يتجاذبونَ أطرافَ الحديثِ في قَرفٍ يَلعنون العِيشةَ التي يعيشونها.
أخيرا ، وصلوا إلى شارع السد بالسيدة زينب، كانتْ المنطقةُ تعجُّ بالبَشر، الباعَةُ من كل لونٍ و عابرو سبيل ودراويش وشحاذين..خلقٌ من جميعِ البلاد تباينتْ ملابِسهم وأغطيةُ رؤوسِهم. كُلُّهُم شَدُّوا الرِّحالَ مع نسائهم وعيالهم وما نذروه من ذبائح وهدايا للست الرئيسة الحسيبة النسيبة السيدة زينب ـ كما كانوا يرددون ـ نُصبت المراجيحُ وألعابُ النيشان والمراهنات الساذَجة..عرباتُ التِّرمِس والبطاطا والذرة المشوي وحمص الشام (الحلبسة) , كل ذلك وسط تدفق من المجاري والروائح الكريهه.
أفسح الناس بصعوبة حتى وصلوا منطقة العمل. الكل يلاحقهم بالاحتجاج وأحيانا بالسباب ، وكأنهم هم المسؤولون عن هذا العطب. كانَ الليلُ قد انتصف ولكن لا شيء يدل على أن، الناس تريد أن تنفض أو تنام. أزاحوا غطاء البلاعة الكبير وتوكلوا علي الله. ووقف الريس متولي يُشرفُ علي العَمل
من أول وهلة بدت المشكلة متفاقمة،وعرفوا بالخبرة أن العملَ سوفَ يستغرقُ ساعاتٍ طويلةً، فقد تعودَ الباعةُ علي إلقاء أي فضلات في فتحاتِ المجاري ، ثم تركها مفتوحةً ، وقد تكوَّم حولَها أكوامُ القُمامة والاقفاص الفارغة. مضت ساعاتُ الليل في عملٍ شاقٍّ متَّصل…حتي اذا تدفقت أشعة الشمس أخيرا تدفء المكان،جلسَ الرجالُ يلتقطون أنفاسَهم ويجفِّفون ملابسَهم ويعرضن أجسادَهم التي تخشبت لأشعة الشمس الساخنة. اشتروا عدة كيزان من البطاطا المشوية اقتسموها لتسد جوعَهم..غير مبالين بأصابعهم السَّوداء وأفواهِهم المليئة برائحَة المَجَاري النَّتنة.
كان الرَّيس متولي قد تركهمْ وجلسَ على المَقهي. تناول شطائر الفول ، وشرب الشاي الثقيل وشد انفاس النارجيلة قبل أن يعود إليهم.
"ياللا يا ابني انْت وهو الظهر أدن..قال عوضين: "يا ريس خلينا نتشمس شوية جثتنا تثلجت."
قال معوض : "عاوز كأسين شاي تقيل يا ريس وشوف لي اسبرينة عندي صداع "
قال عوض متهكماً وهو يضحك : الحكيم امبارح في المستشفي قال لي ياعوض انْتَ عندك حَساسِية في صدرك , حذار أن تشُمَّ روائحَ غريبة.. قلت له : "يا دكتور أنا راجل صاحب مزاج لا أغير الريحة التي تعودت عليها أبداً..". انطلقت ضحكات الرجال على هذه النكتة.
طلب لهم الريس الشايَ الثقيلَ سكر زيادة من بائع الشَّاي الذي يفترشُ الطِّوار المواجِه..رشفَ الرجال الشايَ باستمتاع حتَّي إذا شعروا بالدفء كادت عيونهم تغفو ، ارتفع صوتُ متولي: قوم يا ابني انْتَ وهو . شاي وشربنا وادَّفينا..ياللا يا عوض نريد أن نصلَ للماسورة الرئيسية نشوف السدة ذي منين..استعاذ عوض من الشيطان الرجيم وزعق (يا أم العواجز) واستعد للنزول إلى عمق البئر وقد ربطوه بالحبال وحمل معه أدواتِ العمل. كان ينظر الي الشارع وهو يهبط :
المكان حافل بلعب الأطفال والعرباتُ مكدسة بالملابس الجديدة والفواكه : تفاح وموز وعنب..المراجيح تعلو وتهبط بالعيال في ملابس نظيفة.. صوت العاب النيشان..نداء الباعة.. واجهات المحلات تعرض كل جديد..قال ياااه شي لله يا أهل البيت . مولد صحيح.
سمع صوت بناته يرن في أذنيه: عاوزة حذاء جديد يابا..ماتنساش فلوس المجموعة يا با..ماتنساش العيش يا عوض..ثم ضحكة محمد الصغير..حجيب لك لعبة جميلة يا محمد.
لا بد أن الوزير سوفَ يمنحهمْ مكافأة. كانت الألوان تبهتُ والأصواتُ تتلاشي، وهو يهبط في البئر
مضي الوقت بطيئًا ..خمس دقائق..عشر دقائق..ربع ساعة..أحس متولي بالقلق..قرب وجهه من فتحة البئر ونادى..هيه يا عوض لقيت إيه ؟ لا رد قرب وجهه أكثر وهو يجلس القرفصاء..عوض..واد يا عوض…يا سنة سُودة .. الولد لا يرد.. انزلْ يا معوض شوفْ زميلَك جري له إيه . لم يترددْ معوض . توكل علي الله ونزل وقلبه يدق بشدة وهو يتمتم استر يا رب
كان يسمع صوت أمِّه ، وهي تتوسل اليه: خذني معك يا معوض،أنت الوحيد اللي بتحن علي. ما تنساش تجيب لي الدواء يا ابني ورأي وجوهَ الصغار البريئة وهم يقولون: ما تنساش تِجيب لنا حاجة حُلوة يابا
ـ "إن شاء الله حاخذ المكافأة وأجيب لهم هدوم جديدة كمان..هبط البئر..وساد صمت "…
قرب متولي وجهه ونادي،هه يا معوض لقيت عوض؟ معوض انْتَ ياابني.. كان الرجل يردد النداء بهلع
لكن…لا رد.
قال عِوضين :أنا نازل أشُوف زميلي يا ريس..اربطني كويس وادِّيني الكشَّاف الكبير..نزلَ عِوضين وهو يفكر في مصير زملائه وقد نسي طلبات أمه وطلبات القبيلة التي لا تكف عن هات..هات..هات
كان يردد :" احنا غلابة يا رب وأصحاب عيال..يا بركة أهل البيت..شئ لله يا ام هاشم ياااااا رب
وقبل أن يختفي في ظلام البئر وقلبه يدق كالطبل ، نظر حوله وقال:الناس كلها هايصة يا رب..عيالنا بس اللي محرومين.. كان نفسي يكونوا هنا يتمرجحوا ويألكلوا حلاوة المولد من نفسهم
حجيبهم ان شاء الله لما يقبضونا المكافأة.
اختفي عوضين داخل البئر..انتظر الريس وهو مضطرب قلق .. ونادى علي الرجال الثلاثة، وهو راكع علي ركبتيه .. ولا مجيب..
أسرع الرجلُ يجري وهو كالمصروع صائحا يتخبط في الناس..شوفوا لي محمول يا ناس الرجالة في قلب البئر..لا حول ولا قوة الا بالله!!!
مضت ساعة قبل ان تستطيع سيارة الإنقاذ وسيارة الإسعاف أن تشقا طريقَهما وسطَ الجموعِ الغفيرةِ المتزاحمة حول البئر يصفقون بأيديهم ويستنجدون بأم العواجز وينتظرون في لهفة.
بعد ساعة من المعاناة والبحث المضني..أخرج رجال الإنقاذ الرجال الثلاثة..جثثاً سوداءَ مبتلةً . وضعوهم علي الأرض وسارعوا يلقون عليهم أوراق الكرتون والجرائد ثم بعد التحقيق حملوا الرجال الثلاثة مع أحلامهم الموءودة إلى المِشرحة .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى