حسن عبدالرحمن - أفينجير المنتقم.. قصة قصيرة

لم يتمالك نفسه وكأنه يكاد يبكي عندما كان يودعني على أول الشارع، عندما كان يقف أمام الفيلا التي أسكنها، أخذ ينظر إلىّ بعيون ملؤها الشوق والمحبة، وكانت النَّظْرَة الأخيرة عندما انحنيت من زاوية الشارع إلى شارع أخر وتواريت عن ناظريه. تريدون أن تعرفوا من الذي يحبني كل هذا الحب؟ إنه أفينجير(المنتقم) الكلب الجديد الذي أحضرته لنا زوجتي منذ عدة شهور، ولا أعرف لماذا أسمته بهذا الاسم فكانت تعتقد إنه سينتقم من أي لص سوف يأتي إلى الفيلا. كان من النوع الذي يسمى( الراعي الألماني).

زوجتي قالت هذا الاسم وأنا وافقتها لأني لا أفقه أي شيء عن أنواع الكلاب، ولا أطيق أن يلمسني أحدهم ولو من بعيد. لا أنسى عندما أحضرته وهو صغير للحراسة، لكنه عندما كان يسمع صوت كلب في الشارع كان يذهب بسرعة تحت أي منضدة ليختبئ من الخوف، ثم عندما يختفي الصوت كان يخرج منتشياَ كأنه منتصرًا. أه نسيت أن أعرفكم بنفسي أنا الدكتور مازن حفظي، دكتور نساء وأمتلك عيادة خاصة بمكان ما في شارع تسعة بالمعادي، سلوي زوجتي تعتقد أنني زير نساء ولا أخفي عليكم سراَ فأنا أعشق النساء ولكن لم أخن سلوى في يوم من الأيام. كانت تعتقد أنني أعرف تسع نساء عليها، وكنت إذ سألتها ولما العدد تسعة بالذات؟ تقول بصوت ملؤه الثقة.

علشان انت يا حبيبي فاتح عيادتك في شارع تسعة! بالله عليكم هل هذا تفكير سيدة متعلمة لتربط بين رَقَم الشارع وعدد السيدات التي أعرفهن.. فحمدت الله أن العيادة ليست في شارع التسعين بالمقطم أو مئة وخمسة بالمعادي مثلاَ.

منذ مجيء الأستاذ أفينجير إلى الفيلا لم يكن بيني وبينه ثمة أي مودة، ولم تحدث ألفة بيننا ولا أعرف لماذا، كان دائمًا ينظر إلى بطريقة غريبة كأني أنا اللص.. وعندما ذهبت لأشتكي لسلوى.. قالت لي إن أفينجير يشتكي منك نفس الشكوى.. فقلت لها بصوت لا يكاد يسمعه أفينجير.. هو اشتكى لك مني؟ طب هو بيتكلم زينا يعني؟ فقالت وبدأ على وجهها الغرابة. أه طبعاَ مش هو مخلوق وله مشاعر زيك، هو صحيح ما اتكلمش لكن أنا بفهم لغته كويس. قلت لها بصوت حانق مختنق حتى لا يسمعني أفينجير ومما يشتكي البيه؟ فقالت.. مش عاجبه نظراتك ليه اللي بتسبب له اكتئاب أول لما بتوصل البيت. فقلت وده معناه إني ما أجيش البيت أو أحاول ما اوريلوش وشي مثلاَ؟ أنا ما قولتش كده خالص أنا بقترح انك تتعلم لغته يمكن يكون دي المشكلة بينكم.

مر على هذا الحديث ثلاثة أيام ووجدت على مكتبي بالفيلا كتبا كثيرة عن اللغة الألمانية وهي اللغة الأم التي يعرفها سعادته، ومن غيرها لا تعرف التفاهم معه إذ يظن إنك تضطهده أو تكن له السوء، وبعض الكتب الأخرى في لغة الكلاب الذي أجهلها تمامًا مثل عندما يرفع أذنيه إلى أعلى ما معناها، أو عندما يهز ذيله عدة مرات أو عندما يرفع ذيله ويضعه في الهواء، أو عندما يرفع قدمه الخلفية وهذه هي الحركة الوحيدة التي كنت أعرفها عن معظم الكلاب..فهي لغة مشتركة عمومًا.

تعلمت بعض الكلمات التي يمكن بها أن أتعامل مع أفينجير مثل اجلس واذهب بعيدا عني. أصبح يحبني الآن أكثر من الماضي وكنت عندما أدخل إلى المنزل كان يتهلل فرحاَ، ويأتي عند قدمي ويلعق في بنطالي وكنت أنهره باللغة الألمانية طبعاَ، وأركله بقدمي في مؤخرته بعيدًا عني قبل أن تلاحظ سلوى هذا الفعل الذي تعتبره مشينا.

في صباح يوم مشرق صحوت على صوت أفينجير وكنت أظن أنني أحلم إذ كان صوته يدخل في أحلامي ولكنني صحوت على مفاجأة مروعة هذه المرة، فقد كان يقف أمام خِزانة ملابسي، وأخذ يمزق في قمصاني البيضاء بعد أن مزقها رفع قدمه الخلفية وهنا أدركت ما سوف يفعله لأنني أصبحت أعرف في لغة الكلاب الكثير، ومنها هذه الفعلة المشينة. فقد فعلها وتبول على قمصاني الممزقة.

نزلت مسرعًا من الدور الثاني حيث حجرة نومي إلى الدور الأول وكان أفينجير يجري أمامي ناكسا أذنيه وبصوت جَهْوَري ناديت على سلوى، وكنت أمسك بإحدى قمصاني الممزقة ولكن دون بول وأخذت أصرخ في وجهها. ولكنها كانت معي هذه المرة ، وصرحت إني هذه المرة لم أظلمه وأن سلوكه يحتاج لتقويم.. ولذلك اقترحت علىّ أن تذهب به إلى الدكتور عيسوي.. أو الدجال عيسوي فهي تقول عنه إنه دكتور نفسي للكلاب.. ألقيت القميص من يدي وصعدت إلى حجرة نومي مرة أخرى لكي ارتدي ملابسي. ارتديت حُلتي في هذا اليوم بنصف قميص أو ما تبقى من القميص وقد داريته أسفل الحلة حتى لا يظهر للمرضى.

عندما دخلت عيادتي همت الممرضة أن تخلع عني حلتي وفي يدها البالطو الخاص بي، لكنني رفضت طبعاَ لكي لا ترى مأساتي وقميصي الممزق، وتعللت وقتها أن الجو بارد وأنا أفضل أن ارتدي البالطو فوق ملابسي.. تركتني غير مقتنعة بكلامي. رن هاتفي المحمول وكانت على الطرف الثاني مدام ( لي لي) كانت ( لي لي) أخر بطلات غرامياتي التي لا تعرف زوجتي عنها شيئا، وضربت موعدا معها الليلة حيث إن سلوى مشغولة عند المشعوذ عيسوي لمعالجة الكلب.

توقفت بسيارتي أمام إحدى المحال لأبتاع قميصًا جديدًا وذهبت مسرعًا إلى المنزل لأخذ حمامًا سريعا لألوذ أخيرًا بميعاد كنت أنتظره منذ عدة أسابيع، لكني وجدت سلوى في حديقة الفيلا ومعها أفينجير، وسألتها بدهاء لماذا لم تذهب إلى البروفسير عيسوي لمعالجة الكلب في ميعادها الساعة التاسعة كما حدد لها عيسوي، فقالت إن عيسوي جاء بنفسه اليوم لأنه كان عنده ميعاد اليوم بالقرب من الفيلا، ومر علينا وعقد جِلسة نفسية مع الكلب، وتحدث معه كثيرًا وكانت كل الجِلسة عنك وكيفية التعامل معك والتأدب في سلوكه معك. بالفعل وجدت أفينجير رقيق المشاعر معي ومرهف الحس.. أخذ يلعق بحذائي ويدور حولي كأنه يعتذر لي عن ما بدر منه من فعل مشين هذا الصباح فقبلت اعتذاره.

وفي الثامنة ارتديت ملابسي كاملة وتحججت أن عندي مؤتمرًا طبياَ. خرجت من الفيلا على عجالة وتبعني أفينجير عند الباب وهنا نأتي الي أول القصة عندما قلت. (لم يتمالك نفسه وكأنه يكاد يبكي عندما كان يودعني على أول الشارع.. عندما كان يقف أمام الفيلا التي أسكنها، أخذ ينظر إلىّ بعيون ملؤها الشوق والمحبة.. وكانت النَّظْرَة الأخيرة عندما انحنيت.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى