الحائط الطيني او السد او الطوفة ليس تراكما من الطين. قبل ان يعبد الشارع ويستبدل القصب والبواري بالطابوق والبلوك , قبل ان تدخل الكيمياويات لتعجل نموالمخضرات وتفقدها نكهتها,لم يكن المذياع الا لغزا والكهرباء حتى حلما ,استدعى ابو ناصر ذلك الشاب المفتول العضلات الرياضي الجسم ليقيم ذلك السد من الطين .. انه عثمان ورث الحرفة من ابائه واجداده , فاقبل ذلك الصباح مع قريبه المراهق واعّول التراب المتحجر من ضربات المسحاة والمجارف والمعاول والسواعد المفتولة السمراء .. حفرا في حافة بستان ابو ناصر المطل على طريق متعرجة طويلة تحفه النخيل واشجار الكروم من الجهتين , اشتغلا بحفرة بعرض ثلاثة امتار وبطول اربعة , فلما اقترب الظهر ملئت الحفرة بالماء واعيد لها التراب مع الروث والتبن وداساها بالارجل واضافا بعض الحشيش المتيبس وغادرا .
استغرقا عشرة ايام , كل فجر يصلان لتلك الحفرة , يقلبان طينها ويضيفان عليه الماء من النهر القريب ويدوسان بالاقدام المتمرسة حتى استقرت طينة ناضجة .....
بعدها في صباح مبكر شمر اولاد ابو ناصر واصدقاؤهم الذين ياتون بعنوان السخرة .. يسمونها (عونة )في ابي الخصيب شمروا عن سواعدهم السمر وحفروا اساسا بعرض متر ثم اهيل فيه التراب وخمّر في الماء وديس بالاقدام , فيما كانت الصغيرات والنساء يهيئن التمر واللبن والرغيف من تنور الطين والزبد والماء من الخوابي والخيار والفلفل الحا ر والبصل .. وتصدرت الشهية العارمة لتقود معركة الاشباع .
هل خطر في بال ابو ناصر بان ذلك الحصن الطيني الذي يمتد لثلاثمئة مترا سوف لا يوفر حماية لبستانه النابض.
في ليلة من ليالي ايلول , بعدما طمره الماء وبناء على موعد مسبق , اخترق ذلك السد العملاق شاب وسيم من احفاد عثمان ... عرّاها على التراب الندي .. ولم تكن قد جربت حرارة الجسد , انامها على التراب وسط حلفاء على وجهها وبلا مقدمات اضاعها تحت جسده .. مثل دوزر بشري .. انه من احفاد عثمان الاشداء ... حاولت الصراخ وخشيت الفضيحة قضمت التراب والطين المتحجر ومزقت حمالة الصدر لتنجو , قضمت عروق النخيل النافرة , تشبثت بالسوس , مكيجها الطين, انشبت اظافرها بيديه حتى ادمته ... كان مشغولا بها عنها ,والتراب الذي غطاهما يستصرخ مستنجدا , وتركها بلا وعي حتى استعادت صحوتها قبيل الفجر , فنهضت تسحب جثتها الخاوية .
عندما انتصب الجدار الطيني العملاق سارعت الاشباح لتستوطنه والافاعي والجرذان والظلال واخترقت الشمس ثقوبه ونما عليه الشعير , وراءه تستظل نبتات الفلفل البارد والحار في ظل سعف البرحي .. وزحف الطرح والبطيخ والبزاليا جوار الترع والانهر ونمت اشجار الرمان والبمبر ,وتكفل الدلو بالسقي .. وتوالت الايام ساكنة لا يفزعها اضطراب ... ارواح رضية مستقرة .
اجتمع في ظل الجدار الطيني مناضلون يراجعون خططهم بتوزيع الصحف والكتب السرية ويتفقون على رموز قبل ان تجهز على حماسهم معتقلات الصحارى .... اليوم نفق بعض هؤلاء المناضلين واستشهد اخر , وغزا الشيب من تبقى , وعندما توفر مناخ الديمقراطية وتحقق حلمهم , تآ زروا على الاعتكاف , ولم تحركهم موجة التحول .
في البدء كان السد الطيني يشّيد لارتفاع نصف متر ويترك لتجففه الشمس , ثم تراكم اياد ماهرة عليه الوحل الناضج .
استمع السد لتأوهات < صبرا > التي هجرها زوجها ولم تنفع معه حمرة ديرم وضعت بلا وشم او نجوم , ولا تلك الارجل التي صقلتها حجارة مفخورة نقعت زمنا في الماء ,ولم تشفع لها الحفافة الماهرة التي صيّرت الخدين والوجنات رمانا يتوهج .
وصلت صبرا في الساعة الثامنة من ليلة غزيرة المطر , تصحبها اثنتان من صديقاتها , وعقدت شوكة متيبسة برزت من السد , وتلت بعض الايات ثم عقدتها بخيط اصفر ورشتها بالماء وخاطبتها ( اخضّري وساذبح لك ديكي تبركا بجاه ... اريد ان يعود زوجي لي )
لم يدرك ابو ناصر التحولات اللاحقة , سترفض الارض الوان الشتلات, يتصحر البستان وقد جفت التربة ,وفقدت خصوبتها ووهن منسوب الماء واشتدت الملوحة ... سيتحول بستانه ميدانا للمزمجرات والمدافع الثقيلة , ستزدحم فيه الالغام وتستعمره الارضة , ستعاني نخيله من مقابر جماعية , سترتدي حفيداته البنطلون ولم يعد من رقيب اخلاقي عليهن سوى الفضائيات , سيغادر المسحاة احفاده , ويشتغلون بالمهن الحرة او يتوظفون , سوف يتيّتم المرود والناعور , وتتوالى صفعات الامطار والعواصف والعابثين والصدمات على الجدار , ....
وشيئا فشيئا يشيخ وينحني متأوها على عمود الكهرباء .
استغرقا عشرة ايام , كل فجر يصلان لتلك الحفرة , يقلبان طينها ويضيفان عليه الماء من النهر القريب ويدوسان بالاقدام المتمرسة حتى استقرت طينة ناضجة .....
بعدها في صباح مبكر شمر اولاد ابو ناصر واصدقاؤهم الذين ياتون بعنوان السخرة .. يسمونها (عونة )في ابي الخصيب شمروا عن سواعدهم السمر وحفروا اساسا بعرض متر ثم اهيل فيه التراب وخمّر في الماء وديس بالاقدام , فيما كانت الصغيرات والنساء يهيئن التمر واللبن والرغيف من تنور الطين والزبد والماء من الخوابي والخيار والفلفل الحا ر والبصل .. وتصدرت الشهية العارمة لتقود معركة الاشباع .
هل خطر في بال ابو ناصر بان ذلك الحصن الطيني الذي يمتد لثلاثمئة مترا سوف لا يوفر حماية لبستانه النابض.
في ليلة من ليالي ايلول , بعدما طمره الماء وبناء على موعد مسبق , اخترق ذلك السد العملاق شاب وسيم من احفاد عثمان ... عرّاها على التراب الندي .. ولم تكن قد جربت حرارة الجسد , انامها على التراب وسط حلفاء على وجهها وبلا مقدمات اضاعها تحت جسده .. مثل دوزر بشري .. انه من احفاد عثمان الاشداء ... حاولت الصراخ وخشيت الفضيحة قضمت التراب والطين المتحجر ومزقت حمالة الصدر لتنجو , قضمت عروق النخيل النافرة , تشبثت بالسوس , مكيجها الطين, انشبت اظافرها بيديه حتى ادمته ... كان مشغولا بها عنها ,والتراب الذي غطاهما يستصرخ مستنجدا , وتركها بلا وعي حتى استعادت صحوتها قبيل الفجر , فنهضت تسحب جثتها الخاوية .
عندما انتصب الجدار الطيني العملاق سارعت الاشباح لتستوطنه والافاعي والجرذان والظلال واخترقت الشمس ثقوبه ونما عليه الشعير , وراءه تستظل نبتات الفلفل البارد والحار في ظل سعف البرحي .. وزحف الطرح والبطيخ والبزاليا جوار الترع والانهر ونمت اشجار الرمان والبمبر ,وتكفل الدلو بالسقي .. وتوالت الايام ساكنة لا يفزعها اضطراب ... ارواح رضية مستقرة .
اجتمع في ظل الجدار الطيني مناضلون يراجعون خططهم بتوزيع الصحف والكتب السرية ويتفقون على رموز قبل ان تجهز على حماسهم معتقلات الصحارى .... اليوم نفق بعض هؤلاء المناضلين واستشهد اخر , وغزا الشيب من تبقى , وعندما توفر مناخ الديمقراطية وتحقق حلمهم , تآ زروا على الاعتكاف , ولم تحركهم موجة التحول .
في البدء كان السد الطيني يشّيد لارتفاع نصف متر ويترك لتجففه الشمس , ثم تراكم اياد ماهرة عليه الوحل الناضج .
استمع السد لتأوهات < صبرا > التي هجرها زوجها ولم تنفع معه حمرة ديرم وضعت بلا وشم او نجوم , ولا تلك الارجل التي صقلتها حجارة مفخورة نقعت زمنا في الماء ,ولم تشفع لها الحفافة الماهرة التي صيّرت الخدين والوجنات رمانا يتوهج .
وصلت صبرا في الساعة الثامنة من ليلة غزيرة المطر , تصحبها اثنتان من صديقاتها , وعقدت شوكة متيبسة برزت من السد , وتلت بعض الايات ثم عقدتها بخيط اصفر ورشتها بالماء وخاطبتها ( اخضّري وساذبح لك ديكي تبركا بجاه ... اريد ان يعود زوجي لي )
لم يدرك ابو ناصر التحولات اللاحقة , سترفض الارض الوان الشتلات, يتصحر البستان وقد جفت التربة ,وفقدت خصوبتها ووهن منسوب الماء واشتدت الملوحة ... سيتحول بستانه ميدانا للمزمجرات والمدافع الثقيلة , ستزدحم فيه الالغام وتستعمره الارضة , ستعاني نخيله من مقابر جماعية , سترتدي حفيداته البنطلون ولم يعد من رقيب اخلاقي عليهن سوى الفضائيات , سيغادر المسحاة احفاده , ويشتغلون بالمهن الحرة او يتوظفون , سوف يتيّتم المرود والناعور , وتتوالى صفعات الامطار والعواصف والعابثين والصدمات على الجدار , ....
وشيئا فشيئا يشيخ وينحني متأوها على عمود الكهرباء .