لم أكن أرى غير طرق مهجورة في قيظ لافح .. أمامنا أمتار عدة للدخول الى الطرق الضيقة نبحث فيها عن حفرة سيرقد فيها من نحمله إلى الأبد ..كنا ثلاثة ، نحمل النائم فوقنا في صندوق خشبي ملفوف بملاءة سوداء .. لم نر أي من الناس يتحرك ضمن مساحة سيرنا .. الظهيرة حامية والأرض هاجعة ..سمعت ، واظن ان الآخرين سمعوا ، صياح امرأة في هذا اللفيح الحامي .. في البدء كان بعيدا الا انه تناهى الى سمعي بوضوح ، المرأة تصرخ .. حسبت إنها تبكي من تقف عند الراقد في حفرته في هذه الترائب الحامية .. لم يعلق احد من صاحبّي وكأن الأمر سقط في صمت الأرض التي نسير عليها .. الصندوق ملفوف بملاءة سوداء نظيفة .. نسير به الى مكانه الأخير ..كان الطريق ضيقا وملتويا ومفعوّن وعلينا الوصول إلى المكان الذي سينام فيه ، لم نره من قبل ولم نعرفه كما الشخص الراقد فوقنا .. لم نعرفه أكان رجلا ام امرأة أم صغيرا .. تلقفناه من الشارع المطل على المقبرة وهو مرمي بعيدا عن سيارة انحدرت الى الكتف التربي وليس فيها احد .. أية حفرة تلك التي سينام فيها من نحمله ؟
زميلي الذي يحمل مؤخرة الصندوق اقترح ان نحفر له في اقرب بقعة ندخلها .. كنت احمل مقدمة الصندوق وأحسست بثقل ينهش كتفي الأيمن وثمة إنهاك بدا يراودني ضحكت ـ وانا الخمسيني المنهك ـ بأننا وقعنا في فخ السذاجة .. الأوسط الأقرب إلى البلادة لم ينطق بحرف منذ حملنا الصندوق وكان كما خمنت أخفنا حملا .. في السماء كانت أصوات الصفير والنعيق تحوم من فوقنا فيما سمعت تنهيدة خفيضة قربي ، أدرت وجهي فرأيت في عيني الأوسط ألق الدموع .. قال بلطف :
مالنا وهذه الفجيعة ..
فجأة ، تعالت أصوات نسوة ، صاحت إحداهن بصوت عال أخفى قليلا الأصوات التي تحوم فوقنا .. خمنت انها المرأة التي سمعناها قبل وصولنا .. النسوة يبكين حول حفرة بداخلها رجل وهو يشجّ جوفها بمجرفة .. وجه غائص بين طيات لحية كثة اخترقتها بقع بيض مبعثرة .. تقافزت النسوة نحونا وهن يولولن وكانت المرأة صاحبة الصوت قد علا وجهها الشاحب صفرة باهتة وهي تهمد على الأرض بلا حراك كأنها تسقط من علو شاهق .. تجمعن حولنا ورحن ينهشن بالصندوق الذي أنزلناه مجبرين .. قال الأوسط الذي زحف عليه الترهل
ربما الميت لهم !
جثوت قرب الحفرة .. لم يبال بي الحفار الذي واصل بصمت .. عيناي مفتوحتان تحدقان به ولكن لا اهتمام منه ، لم يشعر بوجودنا رغم اننا اقتربنا منه بوجوه وديعة ..
من بعيد علت غبرة وسط القبور ، وكأني سمعت صوت سنابك خيل تقترب .. نهضت المح القادم ..كان شابا يركض بخفة طائر فيما هرول حشد من الناس خلفه .. الراكض ، مرّ بقربي ولحقه المهرولون الحفاة بأقدامهم المفلطحة وسمعت حفيف لهاث محموم .. الراكض ينزف من جبهته .. الحفار قفز من الحفرة يراقب إلا انه أدار ظهره وآثر الصمت ونزل .. ثمة أمر ما يحدث !
الراكض بوجه مدمى والنساء تركن الحفرة وهرولن مع الحشد .. نحن ثلاثة نراقب الحفار الصامت تحت أشعة الشمس المنسكبة فوق الرؤوس والأجساد اللاهثة ..
الراكض تلاشى والحفاة خلفه تتدافع وأصبت بغيبوبة في التفكير ولم اعد أحل لغز ما يجري ..
الحفار الملحّى ، ضامر الجسم ووحه بملامح ذئبية ، خرج من غفوة صمته ونطق اخيرا ..
نطق وانا ارتعب لمنطقه حقا .. قال كلاما يتقطر فزعا وروعني منظره وهو يتسلى بحفر آخر ما تبقى من اللحد :
أسرعوا واخرجوا قبل أن يبدأوا !!
غرق في صمته الموحش وكأنه يودعنا بنظراته التي كانت تخفي مجهولا لم أتخيله .
كان الوهن ضاربا الوجه الذئبي وشعرت بان كلامه قد سقط في الحفرة ونام الى الأبد .. غير ان صاحبيّ كانا اكثر خوفا مني وانتابتهما رعشات مهلوسة ..
الرجل الملتحي اردف بتهكم :
انهم سينالون من الراكض وسيفتكون به .. إنهم يبحثون عن احد ما ! أي احد قوي ! أعضاؤه نشيطة ومربحة !!
كان الحر التنوري يلهب الرؤوس وأحسست ان الكلام الذي نطق به الذئبي ، كان حارا ولاهبا واحرقني .. أدرت رأسي لأرى ما يجري ففزعت لمرآى اثنين من الأجسام الضخمة تحمل الهراوات وعلى ثيابهم آثار دماء يقتربان من المكان ..
كانت السنتنا قد توقفت وابتلعت انا آخر ريق بخوف ، وشعرت بأن شفتاي قد ضربهما تصحر مفاجئ ..
لم ينطق الحفار الذي هب اليهما مبتسما مكشرا عن أسنان صفر ورأيت لسانه يلعق بشفتيه كأنه يلمح لصيد ثمين واطلقت استغاثة خافتة مع نفسي وفكرت بالهرب .
الضخمان توقفا وتقدم احدهما ماسكا بهراوته السوداء وانفلق غيظا وسال منه الغضب الهامد وانهال عليّ بالضرب المميت وسط ذهول صاحبيّ . رأيت وانا في غمرة التراشق الهراوي المؤلم ، الحفار يضحك . كلمت نفسي المنهارة : هل انت مسلوب من كل شيء ؟ لماذا تدعه ينهشك ويميتك !
لمحت وانا اتمايل وجعا ، ان الصندوق قد تلون بدمائي ، سقطت مترنحا ، لم اجد صاحبي ّ .. يبدو انهما افلتا من المصير . لم المحهما يهربان .
مت بنصف عين !
سمعت الحفار يراهن على ان جسدي يدخل الحفرة ، انها الخبرة يا صاح واطلق ضحكته المدوية .. حبست دمعتي . فتحا الصندوق .. لمحت ابتسامة على وجه الضخم صاحب الضربات الموجعة .. ضحكوا جميعا .. قالوا بصوت اجش : انه صغير ، فتى يافع .. أعضاؤه غالية !!
حملاني ووضعاني في الحفرة ، الحفار يواصل الضحك .
عيناي كانت جد مدماتين .. لكني كنت ارى بواحدة .. اعتقدوا أني مت . لم تبد اية حركة وهمدت .
مت على طريقتي ولأول مرة أشم رائحة موتى !
كانت رقدة الموت قد أصابت جسدي المسجى بوهن غريب .. لم استطع الحركة ، شعرت اني مت فعلا .. الحفار يقول لصاحبيه :
كانت صدفة عجيبة .. إنهم يوصلون الصندوق بدلا منكما !
رده احدهما
كان لابد من خداعهم ..
أحسست بأن صرير النمل بات قرب أذني ، وسمعت أزيز ذبابة تقترب .. انه الموت إذن .
احد الضخمين قال للحفار متهكما :
انه أسهل مما توقعت وضحك ببلادة .
الحفار ينظر اليّ وخاطبني كميّت : فليأتين يبكين لانطفائك.. الراكض افلت بجلده .. ولا احد سواك .. صخب الجو بضحكاتهم الموتورة ..
انهال عليّ التراب .. صرت كميت ابدي .. انهم يهيلون التراب بحرقة !
حبست أنفاسي كأني استعد للغوص تحت الماء .. أي غوص هذا ؟
انه موت مؤكد .. إنني الآن في قبر . وخمنت بأن النمل سيبدأ عمله المحموم معي .. إنني اسمع صريره .. ياويلتي . لم اسمع أزيز الذبابة . أهالوا التراب عليّ .. أنا الموعود بالموت من سذاجتي وقلة حيلتي ..
كيف لي أن أموت هنا وأنا لست مقتولا أو مهزوما ولا مدفوعا بشهوة الموت ؟
إني الفظ أنفاسي ربما الأخيرة تحت التراب .. اختنق من الحر ، تعرق جسمي والتصقت بالتراب .. لم اسمع شيئا ، عليّ أن أخمن ما يحدث فوق ، على الأرض .. أنهم يذهبون بصيدهم .. الميت الفتي .. أعضاؤه مازالت طرية وربما مدفوعة الثمن وكنت بديلا له جئت لهم دون قلب ، هكذا هو المدفوع للموت دون مقابل. كم من الوقت استطيع أن أوقف أموت ؟
هل اسمح للموت بالتريث وانتظار الآتي ؟ وقد يرأف بي ولا يأتي وربما يمهلني وقتا اقدر على مخادعته ومحايلته وأرعبه واجعله يهرب مني .. ربما .
وكم من الوقت انتظر ليأتي اليّ صاحبي الفارّين ! إنهم كانا أسرع من ذراع الرجل وهي تسقط عليّ كصخرة جبل صلدة مذعورة .. لم أرهم يهربون .
ولكني لمحت المكان قد خلا إلا من هؤلاء الذين كنت انا هدفهم ولا احد غيري ..
بعد لحظات أكون قد فارقت الأرض بما عليها ، وأكون طَبقا سمينا للنمل المهذب
حتى اللحظة .. بعد ساعة من موتي سيخرجونني ويشرّحون جسدي .. هكذا هم..
تحايلت على موتي ، عندما نهضت مرعوبا ، ماسكا باللحظة كأنها دهورا، مزيحا التراب بصدري السابح بالدم .. راودتني قوة عضلية لم اعرفها من قبل فانتفضت محاربا الوقت .. أخرجت رأسي المبلل بالعرق والدم . تنفست وسعلت . كان الصندوق فارغا وقد أزيح غطاؤه .. سمعت أزيز ذبابة تقترب . النساء مذهولات . حشد الراكضين مستقر قربي ينظرون ببلاهة .
حامت من فوقي أصوات النعيق والصفير .. النسوة يبكين مفزوعات وانا انظر الى الحفرة التي خرجت منها منتشياً وبقلب صخري ..اتحسس جسدي الذي لم يشرّح بعد..
* عن الزمان
زميلي الذي يحمل مؤخرة الصندوق اقترح ان نحفر له في اقرب بقعة ندخلها .. كنت احمل مقدمة الصندوق وأحسست بثقل ينهش كتفي الأيمن وثمة إنهاك بدا يراودني ضحكت ـ وانا الخمسيني المنهك ـ بأننا وقعنا في فخ السذاجة .. الأوسط الأقرب إلى البلادة لم ينطق بحرف منذ حملنا الصندوق وكان كما خمنت أخفنا حملا .. في السماء كانت أصوات الصفير والنعيق تحوم من فوقنا فيما سمعت تنهيدة خفيضة قربي ، أدرت وجهي فرأيت في عيني الأوسط ألق الدموع .. قال بلطف :
مالنا وهذه الفجيعة ..
فجأة ، تعالت أصوات نسوة ، صاحت إحداهن بصوت عال أخفى قليلا الأصوات التي تحوم فوقنا .. خمنت انها المرأة التي سمعناها قبل وصولنا .. النسوة يبكين حول حفرة بداخلها رجل وهو يشجّ جوفها بمجرفة .. وجه غائص بين طيات لحية كثة اخترقتها بقع بيض مبعثرة .. تقافزت النسوة نحونا وهن يولولن وكانت المرأة صاحبة الصوت قد علا وجهها الشاحب صفرة باهتة وهي تهمد على الأرض بلا حراك كأنها تسقط من علو شاهق .. تجمعن حولنا ورحن ينهشن بالصندوق الذي أنزلناه مجبرين .. قال الأوسط الذي زحف عليه الترهل
ربما الميت لهم !
جثوت قرب الحفرة .. لم يبال بي الحفار الذي واصل بصمت .. عيناي مفتوحتان تحدقان به ولكن لا اهتمام منه ، لم يشعر بوجودنا رغم اننا اقتربنا منه بوجوه وديعة ..
من بعيد علت غبرة وسط القبور ، وكأني سمعت صوت سنابك خيل تقترب .. نهضت المح القادم ..كان شابا يركض بخفة طائر فيما هرول حشد من الناس خلفه .. الراكض ، مرّ بقربي ولحقه المهرولون الحفاة بأقدامهم المفلطحة وسمعت حفيف لهاث محموم .. الراكض ينزف من جبهته .. الحفار قفز من الحفرة يراقب إلا انه أدار ظهره وآثر الصمت ونزل .. ثمة أمر ما يحدث !
الراكض بوجه مدمى والنساء تركن الحفرة وهرولن مع الحشد .. نحن ثلاثة نراقب الحفار الصامت تحت أشعة الشمس المنسكبة فوق الرؤوس والأجساد اللاهثة ..
الراكض تلاشى والحفاة خلفه تتدافع وأصبت بغيبوبة في التفكير ولم اعد أحل لغز ما يجري ..
الحفار الملحّى ، ضامر الجسم ووحه بملامح ذئبية ، خرج من غفوة صمته ونطق اخيرا ..
نطق وانا ارتعب لمنطقه حقا .. قال كلاما يتقطر فزعا وروعني منظره وهو يتسلى بحفر آخر ما تبقى من اللحد :
أسرعوا واخرجوا قبل أن يبدأوا !!
غرق في صمته الموحش وكأنه يودعنا بنظراته التي كانت تخفي مجهولا لم أتخيله .
كان الوهن ضاربا الوجه الذئبي وشعرت بان كلامه قد سقط في الحفرة ونام الى الأبد .. غير ان صاحبيّ كانا اكثر خوفا مني وانتابتهما رعشات مهلوسة ..
الرجل الملتحي اردف بتهكم :
انهم سينالون من الراكض وسيفتكون به .. إنهم يبحثون عن احد ما ! أي احد قوي ! أعضاؤه نشيطة ومربحة !!
كان الحر التنوري يلهب الرؤوس وأحسست ان الكلام الذي نطق به الذئبي ، كان حارا ولاهبا واحرقني .. أدرت رأسي لأرى ما يجري ففزعت لمرآى اثنين من الأجسام الضخمة تحمل الهراوات وعلى ثيابهم آثار دماء يقتربان من المكان ..
كانت السنتنا قد توقفت وابتلعت انا آخر ريق بخوف ، وشعرت بأن شفتاي قد ضربهما تصحر مفاجئ ..
لم ينطق الحفار الذي هب اليهما مبتسما مكشرا عن أسنان صفر ورأيت لسانه يلعق بشفتيه كأنه يلمح لصيد ثمين واطلقت استغاثة خافتة مع نفسي وفكرت بالهرب .
الضخمان توقفا وتقدم احدهما ماسكا بهراوته السوداء وانفلق غيظا وسال منه الغضب الهامد وانهال عليّ بالضرب المميت وسط ذهول صاحبيّ . رأيت وانا في غمرة التراشق الهراوي المؤلم ، الحفار يضحك . كلمت نفسي المنهارة : هل انت مسلوب من كل شيء ؟ لماذا تدعه ينهشك ويميتك !
لمحت وانا اتمايل وجعا ، ان الصندوق قد تلون بدمائي ، سقطت مترنحا ، لم اجد صاحبي ّ .. يبدو انهما افلتا من المصير . لم المحهما يهربان .
مت بنصف عين !
سمعت الحفار يراهن على ان جسدي يدخل الحفرة ، انها الخبرة يا صاح واطلق ضحكته المدوية .. حبست دمعتي . فتحا الصندوق .. لمحت ابتسامة على وجه الضخم صاحب الضربات الموجعة .. ضحكوا جميعا .. قالوا بصوت اجش : انه صغير ، فتى يافع .. أعضاؤه غالية !!
حملاني ووضعاني في الحفرة ، الحفار يواصل الضحك .
عيناي كانت جد مدماتين .. لكني كنت ارى بواحدة .. اعتقدوا أني مت . لم تبد اية حركة وهمدت .
مت على طريقتي ولأول مرة أشم رائحة موتى !
كانت رقدة الموت قد أصابت جسدي المسجى بوهن غريب .. لم استطع الحركة ، شعرت اني مت فعلا .. الحفار يقول لصاحبيه :
كانت صدفة عجيبة .. إنهم يوصلون الصندوق بدلا منكما !
رده احدهما
كان لابد من خداعهم ..
أحسست بأن صرير النمل بات قرب أذني ، وسمعت أزيز ذبابة تقترب .. انه الموت إذن .
احد الضخمين قال للحفار متهكما :
انه أسهل مما توقعت وضحك ببلادة .
الحفار ينظر اليّ وخاطبني كميّت : فليأتين يبكين لانطفائك.. الراكض افلت بجلده .. ولا احد سواك .. صخب الجو بضحكاتهم الموتورة ..
انهال عليّ التراب .. صرت كميت ابدي .. انهم يهيلون التراب بحرقة !
حبست أنفاسي كأني استعد للغوص تحت الماء .. أي غوص هذا ؟
انه موت مؤكد .. إنني الآن في قبر . وخمنت بأن النمل سيبدأ عمله المحموم معي .. إنني اسمع صريره .. ياويلتي . لم اسمع أزيز الذبابة . أهالوا التراب عليّ .. أنا الموعود بالموت من سذاجتي وقلة حيلتي ..
كيف لي أن أموت هنا وأنا لست مقتولا أو مهزوما ولا مدفوعا بشهوة الموت ؟
إني الفظ أنفاسي ربما الأخيرة تحت التراب .. اختنق من الحر ، تعرق جسمي والتصقت بالتراب .. لم اسمع شيئا ، عليّ أن أخمن ما يحدث فوق ، على الأرض .. أنهم يذهبون بصيدهم .. الميت الفتي .. أعضاؤه مازالت طرية وربما مدفوعة الثمن وكنت بديلا له جئت لهم دون قلب ، هكذا هو المدفوع للموت دون مقابل. كم من الوقت استطيع أن أوقف أموت ؟
هل اسمح للموت بالتريث وانتظار الآتي ؟ وقد يرأف بي ولا يأتي وربما يمهلني وقتا اقدر على مخادعته ومحايلته وأرعبه واجعله يهرب مني .. ربما .
وكم من الوقت انتظر ليأتي اليّ صاحبي الفارّين ! إنهم كانا أسرع من ذراع الرجل وهي تسقط عليّ كصخرة جبل صلدة مذعورة .. لم أرهم يهربون .
ولكني لمحت المكان قد خلا إلا من هؤلاء الذين كنت انا هدفهم ولا احد غيري ..
بعد لحظات أكون قد فارقت الأرض بما عليها ، وأكون طَبقا سمينا للنمل المهذب
حتى اللحظة .. بعد ساعة من موتي سيخرجونني ويشرّحون جسدي .. هكذا هم..
تحايلت على موتي ، عندما نهضت مرعوبا ، ماسكا باللحظة كأنها دهورا، مزيحا التراب بصدري السابح بالدم .. راودتني قوة عضلية لم اعرفها من قبل فانتفضت محاربا الوقت .. أخرجت رأسي المبلل بالعرق والدم . تنفست وسعلت . كان الصندوق فارغا وقد أزيح غطاؤه .. سمعت أزيز ذبابة تقترب . النساء مذهولات . حشد الراكضين مستقر قربي ينظرون ببلاهة .
حامت من فوقي أصوات النعيق والصفير .. النسوة يبكين مفزوعات وانا انظر الى الحفرة التي خرجت منها منتشياً وبقلب صخري ..اتحسس جسدي الذي لم يشرّح بعد..
* عن الزمان