كاظم حسن سعيد - خروف نذر

فجرا في حي سجن بلا حرس او ابواب , يفضح ضوء الصباح صور الاولياء التي لصقت عليها, وتتجلى عناوين موحدة على ابوابها وجدرانها المتهرئة الملبوخة بالاسمنت, ,كتبت بمختلف الخطوط الرديئة والاصباغ المتنوعة ((الدار للبيع )), غالبا ما تمحى فتعاد ,لكن السكان الاصليين لم يتغيروا, ينتقلون فيه من زقاق لاخر , ولن يرحلوا بعيدا ,باب يقابل بابا , في فروع متوازية لا تتجاوزمائة متر طولا ولا يتسع عرضها لدخول سيارة , هذا الحي معمل للتفريخ , فقد ضاقت المساحات بالسكان والاطفال الذين يتكاثرون اكثر من النمل , السطوح واطئة ,تتكلم بدارك فيسمعك جارك فهو شريك معك بحديد السقف والجدران , كل بيتين بجدار واحد , فتعذر وضع الشبابيك .
ينشط هذا الحي ايام الاعراس والمآتم وتوزيع المواد الغذائية وايام عاشوراء , والمشاجرات ونصب السرادق لفض النزاعات العشائرية ,وينشط في ساعات قطع الكهرباء حيث تتحول البيوت مراجل ,في ايام الانتفاضات يتحول عاصفة من الرصاص , ويتجمع في رأس ازقته اناس من كلا الجنسين لازاحة ما تراكم من المياه الثقيلة النتة في فصل الشتاء .
فجرا , البائع متعب ومرح , عجوز تقترب تلف نفسها بعباءة تقف في انتظار ان ينضج الفلافل , الوشم يزدحم على رقبتها ويديها بشكل نجوم وصلبان وازهار , العطر البدائي يشع , الكحل يترسب : فاليأس وعجلات السنين والخيبة تكاد ان تطفيء عينيها ,
يمر قطيع من الماعز والخراف متسخ يعرج بعضه , يتشاجر , يتلفت , يسهو ,يتراكض الى موقع القمامة ,,
خروف مسن , علق شريط اخضر في رقبته ..: ( ما هذا ؟ ) فالتفتوا الى حيث يشير , .. (لماذا علق الشريط برقبة الخروف ؟!!)
قال البائع ـ وهو يقلب كريات الفلافل في دهن يغلي ـ (انه منذور للاولياء )
(لا ) , قالت العجوز... واكملت (انها حمت الرسول محمد (ص) اثناء هروبه من الكفار ).
الشركة التركية التي استوردتها الحكومة المحلية لتنظيف القمامة ـ بعدما سرحت اكثر عمال البلدية ـ لم تبق شيئا من الزاد لهذا القطيع , الماعز يأكل الورق المقوى بشهية ,خروف يدخل بوزه في علبة الصفيح طلبا للزاد, فتقبض على فمه ويعاني وهو يحاول الافلات منها ,صغار الماعز اكتسب خبرة بفتح اكياس النايلون السوداء واستخراج الطعام ... الماشية تتصارع .
في الضحى ,ستتضخم القمامة مرة اخرى , فيتقاتل عليها الصغار وجامعو القناني الفارغة واسلاك النحاس , اطفال ينقلون القمامة الى بيوتهم ,نساء اخريات يحملنها من البيوت لتعود لموقع القمامة مرة اخرى .. كأن القمامة اواني مستطرقة .
يعود عمال النظافة الناقمون, اليافعون الذين يقنّعون وجوههم ــ لانها حسب رؤيتهم مهنة هابطة ـ والرجال والشيوخ بزي موحد ويملؤون عجلة القمامة التركية .. التي تكبس الزبل وهي تجري وقد كتبت عليها بخط انيق عبارة لا يهتم بها احد (حافظ على نظافة مدينتك ).

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى