أحمد عبدالله إسماعيل - طلب قبل المحاكمة

في سجن الاحتلال، شديد الحراسة، يظهر السَّجَّان، أسود البشرة طويل القامة يرتدي لباسًا عسكريًا رمادي اللون، وفوق حزام خصره يضع مسدسه، يمسك بالأسير، المكبل بالقيود، ذو اللحية الخفيفة والجسد النحيل، يرتدي بدلة بنية اللون مخصصة للسجناء، انفتح الباب، ففقد بصره مؤقتًا؛ فاجأته الشمس بعد أن قضى زمنًا في المعتقل.
وقعت عيناه على ابنته الصغيرة التي لم تتجاوز عامها الثالث، ترتدي بنطالًا قصيرًا وقميصًا ورديّ اللون وترفع يدها نحوه، ولا تحفظ من الكلمات إلا اسمه، علت الابتسامة وجهه، هرولت تجاهه تفتح ذراعيها كعادتها، لم تطاوعه نفسه أن يسأل من أخذ أرضه قهرًا وظلمًا الرحمة، ورغم تحجر الدمع في عين الحارس، سحبه بعيدًا يجره جرًّا ؛ فالتفت إلى ابنته يتابعها بنظره وهي تلاحقه، تطلق عينها نداءات استغاثة أوجعت قلبه، ومع ذلك لم يتوقف عن الابتسام في وجهها، وهنا سقط على الأرض فجأة؛ فصوَّب الحارس مسدسه نحو البنت وصاح:
انهض أو أفرّغه.
بصعوبة نهض واقفًا، غلبته دموعه؛ مُكرهًا طلب تقبيلها واحتضانها -ولو لمرة واحدة- قبيل إبعاده عنها طويلًا؛ إذ كان يحاكم بتهمة إزعاج المستوطنين، بينما التوصيف الحقيقي لجريمته هو الدفاع عن أرضه ضد من اغتصبها وبنى عليها واستوطنها، لم تكف الابنة عن الهتاف، سببت كلماتها انزعاجًا شديدًا للسجان؛ منفعلًا من ضجيجها، دفعه في ظهره بكل قسوة في طريقه نحو قاعة المحكمة متجاهلًا طلبه الوحيد قبيل محاكمته، بينما دويّ صوتها يجلجل في أذنيه:
نضال بابا عايش .. نضال بابا عايش .. نضال بابا عايش ..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى