جثت "نورا" على الشاطئ، و راقبت بعينيها الشاردتين بيوت الرمل، التي شيدتها صغيرتها اللاهية، ثم انصرفت ببصرها، و انهمكت في تأمل فورة الموج، و الزبد. كان صدرها مثقلا بالهموم إلا أن رائحة اليود التي تسللت إلى صدرها ، منحتها شيئا من الانشراح، في حين لم يكف رذاذ الهواء الطري الذي تطاير في الهواء عن مداعبة وجهها الواجم طوال الوقت، كأنما اراد أن يواسيها، و أن يخرجها من حزنها المستدام.
عادة ما تجلس في هذا المكان القريب من كوخها الخشبي، الذي يشخص وحيدا على هذا الشاطئ النائي عن خطو المارة، و عادة ما يشرد ذهنها؛ فتتذكر ذلك اليوم الأليم.
كان البحر رائقا هادئا في أول النهار، ربما أغرى ذلك الهدوء القبطان؛ فبدأ الإبحار. ظل المركب يتمايل ساعات و ساعات على صفحة الماء كراقص حذر، ومع حلول الليل هبت عاصفة مباغتة؛ فاضطربت الأمواج، و انكفأ المركب، و سرعان ما ضج الماء بركاب، و بحارة قاوموا الغرق، و بعد ساعة واحدة دب التعب في الأذرع الواهنة؛ فعجز أصحابها عن العوم، بينما لم تكف أصواتهم المبحوحة عن الصراخ؛ إذ رأوا البحر يفغر فاه مثل غول جائع، ابتلعهم واحدا بعد واحد.
ليلتها سبحت "نورا" بكل ما تبقى في جسدها من قوة، و صرخت بأعلى صوتها، و هتفت باسم زوجها مرارا و تكرارا، و لما لم يجبها أحد، دارت عيناها بذعر؛ فلم تبصر غير الظلام، و الأمواج المضطربة. ليلتها صمدت طويلا، و عندما أشرقت الشمس، لمح الصيادون من فوق مركبهم جسدها المخضب بالدماء؛ فانتشلوها بأقصى سرعة. و رغم الطيبة التي أشعت من وجه و عيني ريسهم، فإنه لم يتردد في فصل ما تبقى من ساقها، التي نهشتها الأسماك من أسفل ركبتها، و لم يتردد كذلك في دس أسياخ الحديد في الجمر، و سحبها بعد حين، و كي جرحها النازف بدربة.
ظلت " نورا" تهذي من أثر الحمى ثلاثة أيام بليالهن، و لما أفاقت، أسلمها الصيادون إلى هذا الشاطئ، و دلوها على هذا الكوخ المهجور، الذي مات صاحبه منذ سنوات، و لم يسكنه أحد من بعده.
(٢)
انقطعت بها السبل؛ فلم تجرؤ على العودة إلى أهلها؛ إذ تيقنت من أنها لن تتحمل عقابهم، أو حتى نظراتهم الشامتة، في حال عادت إليهم محطمة بساق واحدة، و عكاز. هي في نظرهم بنت منفلتة متمردة، تحدتهم جميعا، و رفضت الزواج بجميع من زاروا صالونهم المذهب، و أصرت على الزواج بمن تحب رغم معارضة الجميع. و لما ضيقوا عليها الخناق، و أصروا على تزويجها بأحدهم، فرت دون أن يشعر بها أحد، و تزوجت بمن تحب، و قررا مغادرة المدينة في أول فرصة ممكنة. و لما كان زوجها قد أودع في رحمها نطفة قبل شهر من غرقه، أثمرت نطفته هذه الحورية، التي تلهو الآن بجوارها.
(٣)
تقع أقرب قرية إلى كوخها على بعد كيلو متر واحد. قرية مأهولة بالصيادين و أسرهم رقيقة الحال، اعتادت "نورا" أن تزور تلك القرية لبيع ما أعدته من أصناف الحلوى، التي تهافتت عليها نسوة الصيادين، و أطفالهن. كما اعتادت شراء حوائجها بمجرد أن تفرغ من بيع بضاعتها، و أن تنتظر قدوم أية دراجة بخارية؛ لتعود بها إلى الكوخ؛ إذ كانت تلك الدرجات هي وسيلة التنقل الوحيدة بين قرى الصيادين المنتشرة على الشاطئ.
(٤)
لقد كان اليوم الذي جاءها فيه المخاض يوما جديرا بعدم النسيان؛ فقد سارعت قابلات القرية إلى نجدتها. ظل هذا اليوم لغزا غامضا؛ فقد جهلت نورا هوية الشخص، الذي نقل خبر عسرتها إلى أولئك القابلات. دعاها الفضول إلى سؤالهن أكثر من مرة؛ و لكنهن امتنعن عن الإجابة رغم إلحاحها عليهن. وجدت نورا أبواب التأويل مفتوحة أمامها؛ فخمنت أن يكون ثمة ملاك، هبط إلى الأرض في هيئة صياد، أخبر القابلات بأمرها، و خمنت أيضا أن يكون ثمة هدهد، حط على كوخها، و أحاط بخبرها؛ فسارع إلى استدعاء أولئك النسوة. و لما لم تجزم بصحة أي من الاحتمالين، ظلت ممتنة طوال الوقت للملائكة، و الهداهد، و القابلات.
(٥)
في صباح شتوي بارد رشق الرذاذ الخفيف صفيح الكوخ، و توارت الشمس خلف السحب الداكنة. كانت نورا داخل كوخها تحدق في وجه طفلتها الناعسة عندما هبت الريح بعنف. و لما ارتجت جدران الكوخ، حملت طفلتها بين ذراعيها، و ضمتها إلى أحضانها. سرعان ما انهمرت الأمطار، فتسربت المياه إلى الداخل من بين ثنايا الصفيح الصدئ. كان البرد قارسا، الأمر الذي دفع " نورا" إلى إشعال قطع من الخشب، ما إن توهجت، حتى سرى الدفء في جسد صغيرتها المرتعد. تمنت "نورا" أن تخف حدة المطر؛ ففتحت شباكها؛ لتنظر، و ما إن تطلعت إلى الشاطئ، حتى أصابها الفزع؛ إذ أبصرت جثة ممددة على الرمال بلا حراك، خمنت " نورا" أن يكون البحر قد لفظها، و قذف بها إلى الشاطئ.
بعد تردد طويل توكأت " نورا" على عكازها، و سارت تحت سيول الأمطار المنهمرة، و دنت من الجثة بخوف و حذر، و راحت تتفحصها بيديها المرتعشتين. كانت الجثة لكهل، ظنته ميتا، لكنها أبصرت بعد لحظات ارتعاشات، نض بها جسده المبتل المشرب بالزرقة؛ فسارعت إلى وضع أذنها على صدره، و أصغت إلى دقات قلبه. و لما سمعتها ضعيفة، دلكت صدره مليا، حتى استعاد شيئا من نبضه. و مع استمرار هطول الأمطار، لم تجد مفرا من جره إلى كوخها، رغم ما بها من خوف، و اضطراب.
(٦)
أكان ذلك الصياد المسجى على سريرها هدية من البحر، أم كان جمرة، أوشكت أن تحرق ما حولها؟! فتح الصياد عينيه، و راح يتفحص المكان بدهشة. قدمت إليه "نورا" الحساء الدافئ بتوجس؛ فبادرها بابتسامة واهنة، ارتسمت بالكاد على شفتيه، و راح يرهف السمع لتفاصيل ما حدث له أثناء غيابه عن الوعي. و حينما حان تبادل الأدوار، حكى حكاية مأساوية عن مركب صيد، و نوة ريح، و عشرات الغرقى، الذين تركوا خلفهم أيتاما، و زوجات في مقتبل العمر، حكى بأسى، و اغرورقت عيناه بالدموع، بينما أصغت "نورا" بدورها، و بكت غريقا واحدا، و ساقا، صارت وليمة لأسماك البحر، و بنتا لم تنعم برؤية أبيها قط. لقد بدت أوجاعهما متشابهة؛ فانثالت الحكايات بينهما بسلاسة، و لما شعرت بألفة و طمأنينة تجاه ضيفها، قررت كسر قانونها الصارم؛ فأذنت له بالبقاء ليلة واحدة، ريثما يسترد عافيته، و ريثما تهدأ النوة بالخارج.
(٧)
أقبل الليل؛ فراحت الصغيرة تغط في النوم، في حين جلس الصياد أمام باب الكوخ مباشرة، و انهمك في التطلع إلى البحر. و في تلك الأثناء كانت نورا في الداخل تكابد التوتر، و الارتباك، كان جسدها ينضح بالحرارة، و كانت ضربات قلبها تتسارع؛ و على ما يبدو أنها تذكرت أنوثتها المنسية؛ فاستغرقتها أحلام اليقظة للحظات، نهضت بعدها، و راحت تتطلع بعينين نهمتين إلى باب الكوخ. و لما حان موعد العشاء، جلست أمام الصياد، لم تفصل بينهما سوى مائدة صغيرة، راحا يتبادلان النظرات؛ فغرس كل منهما نصال عينيه في جسد الآخر. و على الرغم من برودة الطقس؛ فقد مر الوقت ملتهبا ثقيلا؛ إذ توهج الجمر، و أوشك الحريق أن يشتعل. دنا منها، و بمجرد إن تلامس جسداهما، اقتحم أحدهم الكوخ بدون طرق، أو استئذان؛ فانتفضت نورا مذعورة.
و لما كانت الصدمة في قوة الصاعقة، انطفأ شبق " نورا" المشتعل؛ فابتلعت ريقها بصعوبة، و اكتسى وجهها بحمرة و خجل، و ذهلت تماما عن الصياد، الذي استرسل في طرح شباكه، و ترديد عبارات الغزل؛ ففهمت "نورا" أن عينيه عجزتا عن إبصار ذلك المقتحم اللائذ بالصمت، الذي دخل للتو، و أنه لم يشعر بدخوله من الأساس؛ فما كان منها إلا أن هبت من مكانها، و سارعت إلى الباب، و أمرت الصياد بأن يخرج دونما إبطاء. و ما إن غادر الكوخ حانقا، حتى استدارت، و ارتمت بشوق و لهفة بين أحضان الغريق القديم، الذي أعاده البحر، بغتة إلى زوجته، و ابنته بعد سنوات من الموت، و الغياب.
عادة ما تجلس في هذا المكان القريب من كوخها الخشبي، الذي يشخص وحيدا على هذا الشاطئ النائي عن خطو المارة، و عادة ما يشرد ذهنها؛ فتتذكر ذلك اليوم الأليم.
كان البحر رائقا هادئا في أول النهار، ربما أغرى ذلك الهدوء القبطان؛ فبدأ الإبحار. ظل المركب يتمايل ساعات و ساعات على صفحة الماء كراقص حذر، ومع حلول الليل هبت عاصفة مباغتة؛ فاضطربت الأمواج، و انكفأ المركب، و سرعان ما ضج الماء بركاب، و بحارة قاوموا الغرق، و بعد ساعة واحدة دب التعب في الأذرع الواهنة؛ فعجز أصحابها عن العوم، بينما لم تكف أصواتهم المبحوحة عن الصراخ؛ إذ رأوا البحر يفغر فاه مثل غول جائع، ابتلعهم واحدا بعد واحد.
ليلتها سبحت "نورا" بكل ما تبقى في جسدها من قوة، و صرخت بأعلى صوتها، و هتفت باسم زوجها مرارا و تكرارا، و لما لم يجبها أحد، دارت عيناها بذعر؛ فلم تبصر غير الظلام، و الأمواج المضطربة. ليلتها صمدت طويلا، و عندما أشرقت الشمس، لمح الصيادون من فوق مركبهم جسدها المخضب بالدماء؛ فانتشلوها بأقصى سرعة. و رغم الطيبة التي أشعت من وجه و عيني ريسهم، فإنه لم يتردد في فصل ما تبقى من ساقها، التي نهشتها الأسماك من أسفل ركبتها، و لم يتردد كذلك في دس أسياخ الحديد في الجمر، و سحبها بعد حين، و كي جرحها النازف بدربة.
ظلت " نورا" تهذي من أثر الحمى ثلاثة أيام بليالهن، و لما أفاقت، أسلمها الصيادون إلى هذا الشاطئ، و دلوها على هذا الكوخ المهجور، الذي مات صاحبه منذ سنوات، و لم يسكنه أحد من بعده.
(٢)
انقطعت بها السبل؛ فلم تجرؤ على العودة إلى أهلها؛ إذ تيقنت من أنها لن تتحمل عقابهم، أو حتى نظراتهم الشامتة، في حال عادت إليهم محطمة بساق واحدة، و عكاز. هي في نظرهم بنت منفلتة متمردة، تحدتهم جميعا، و رفضت الزواج بجميع من زاروا صالونهم المذهب، و أصرت على الزواج بمن تحب رغم معارضة الجميع. و لما ضيقوا عليها الخناق، و أصروا على تزويجها بأحدهم، فرت دون أن يشعر بها أحد، و تزوجت بمن تحب، و قررا مغادرة المدينة في أول فرصة ممكنة. و لما كان زوجها قد أودع في رحمها نطفة قبل شهر من غرقه، أثمرت نطفته هذه الحورية، التي تلهو الآن بجوارها.
(٣)
تقع أقرب قرية إلى كوخها على بعد كيلو متر واحد. قرية مأهولة بالصيادين و أسرهم رقيقة الحال، اعتادت "نورا" أن تزور تلك القرية لبيع ما أعدته من أصناف الحلوى، التي تهافتت عليها نسوة الصيادين، و أطفالهن. كما اعتادت شراء حوائجها بمجرد أن تفرغ من بيع بضاعتها، و أن تنتظر قدوم أية دراجة بخارية؛ لتعود بها إلى الكوخ؛ إذ كانت تلك الدرجات هي وسيلة التنقل الوحيدة بين قرى الصيادين المنتشرة على الشاطئ.
(٤)
لقد كان اليوم الذي جاءها فيه المخاض يوما جديرا بعدم النسيان؛ فقد سارعت قابلات القرية إلى نجدتها. ظل هذا اليوم لغزا غامضا؛ فقد جهلت نورا هوية الشخص، الذي نقل خبر عسرتها إلى أولئك القابلات. دعاها الفضول إلى سؤالهن أكثر من مرة؛ و لكنهن امتنعن عن الإجابة رغم إلحاحها عليهن. وجدت نورا أبواب التأويل مفتوحة أمامها؛ فخمنت أن يكون ثمة ملاك، هبط إلى الأرض في هيئة صياد، أخبر القابلات بأمرها، و خمنت أيضا أن يكون ثمة هدهد، حط على كوخها، و أحاط بخبرها؛ فسارع إلى استدعاء أولئك النسوة. و لما لم تجزم بصحة أي من الاحتمالين، ظلت ممتنة طوال الوقت للملائكة، و الهداهد، و القابلات.
(٥)
في صباح شتوي بارد رشق الرذاذ الخفيف صفيح الكوخ، و توارت الشمس خلف السحب الداكنة. كانت نورا داخل كوخها تحدق في وجه طفلتها الناعسة عندما هبت الريح بعنف. و لما ارتجت جدران الكوخ، حملت طفلتها بين ذراعيها، و ضمتها إلى أحضانها. سرعان ما انهمرت الأمطار، فتسربت المياه إلى الداخل من بين ثنايا الصفيح الصدئ. كان البرد قارسا، الأمر الذي دفع " نورا" إلى إشعال قطع من الخشب، ما إن توهجت، حتى سرى الدفء في جسد صغيرتها المرتعد. تمنت "نورا" أن تخف حدة المطر؛ ففتحت شباكها؛ لتنظر، و ما إن تطلعت إلى الشاطئ، حتى أصابها الفزع؛ إذ أبصرت جثة ممددة على الرمال بلا حراك، خمنت " نورا" أن يكون البحر قد لفظها، و قذف بها إلى الشاطئ.
بعد تردد طويل توكأت " نورا" على عكازها، و سارت تحت سيول الأمطار المنهمرة، و دنت من الجثة بخوف و حذر، و راحت تتفحصها بيديها المرتعشتين. كانت الجثة لكهل، ظنته ميتا، لكنها أبصرت بعد لحظات ارتعاشات، نض بها جسده المبتل المشرب بالزرقة؛ فسارعت إلى وضع أذنها على صدره، و أصغت إلى دقات قلبه. و لما سمعتها ضعيفة، دلكت صدره مليا، حتى استعاد شيئا من نبضه. و مع استمرار هطول الأمطار، لم تجد مفرا من جره إلى كوخها، رغم ما بها من خوف، و اضطراب.
(٦)
أكان ذلك الصياد المسجى على سريرها هدية من البحر، أم كان جمرة، أوشكت أن تحرق ما حولها؟! فتح الصياد عينيه، و راح يتفحص المكان بدهشة. قدمت إليه "نورا" الحساء الدافئ بتوجس؛ فبادرها بابتسامة واهنة، ارتسمت بالكاد على شفتيه، و راح يرهف السمع لتفاصيل ما حدث له أثناء غيابه عن الوعي. و حينما حان تبادل الأدوار، حكى حكاية مأساوية عن مركب صيد، و نوة ريح، و عشرات الغرقى، الذين تركوا خلفهم أيتاما، و زوجات في مقتبل العمر، حكى بأسى، و اغرورقت عيناه بالدموع، بينما أصغت "نورا" بدورها، و بكت غريقا واحدا، و ساقا، صارت وليمة لأسماك البحر، و بنتا لم تنعم برؤية أبيها قط. لقد بدت أوجاعهما متشابهة؛ فانثالت الحكايات بينهما بسلاسة، و لما شعرت بألفة و طمأنينة تجاه ضيفها، قررت كسر قانونها الصارم؛ فأذنت له بالبقاء ليلة واحدة، ريثما يسترد عافيته، و ريثما تهدأ النوة بالخارج.
(٧)
أقبل الليل؛ فراحت الصغيرة تغط في النوم، في حين جلس الصياد أمام باب الكوخ مباشرة، و انهمك في التطلع إلى البحر. و في تلك الأثناء كانت نورا في الداخل تكابد التوتر، و الارتباك، كان جسدها ينضح بالحرارة، و كانت ضربات قلبها تتسارع؛ و على ما يبدو أنها تذكرت أنوثتها المنسية؛ فاستغرقتها أحلام اليقظة للحظات، نهضت بعدها، و راحت تتطلع بعينين نهمتين إلى باب الكوخ. و لما حان موعد العشاء، جلست أمام الصياد، لم تفصل بينهما سوى مائدة صغيرة، راحا يتبادلان النظرات؛ فغرس كل منهما نصال عينيه في جسد الآخر. و على الرغم من برودة الطقس؛ فقد مر الوقت ملتهبا ثقيلا؛ إذ توهج الجمر، و أوشك الحريق أن يشتعل. دنا منها، و بمجرد إن تلامس جسداهما، اقتحم أحدهم الكوخ بدون طرق، أو استئذان؛ فانتفضت نورا مذعورة.
و لما كانت الصدمة في قوة الصاعقة، انطفأ شبق " نورا" المشتعل؛ فابتلعت ريقها بصعوبة، و اكتسى وجهها بحمرة و خجل، و ذهلت تماما عن الصياد، الذي استرسل في طرح شباكه، و ترديد عبارات الغزل؛ ففهمت "نورا" أن عينيه عجزتا عن إبصار ذلك المقتحم اللائذ بالصمت، الذي دخل للتو، و أنه لم يشعر بدخوله من الأساس؛ فما كان منها إلا أن هبت من مكانها، و سارعت إلى الباب، و أمرت الصياد بأن يخرج دونما إبطاء. و ما إن غادر الكوخ حانقا، حتى استدارت، و ارتمت بشوق و لهفة بين أحضان الغريق القديم، الذي أعاده البحر، بغتة إلى زوجته، و ابنته بعد سنوات من الموت، و الغياب.