رائد مهدي – تشويش

تراود ذهنه المكتظ بالحيرة فكرة تطرق وعيه بالألم وتوخز تركيزه فيندفع كألمجنون ساخطاً صارخاً في اعماقه لماذا قد كان بالأمكان لو لم يحدث هذا ! كان الأجدر ان يتحقق كذا ! لمَ كل هذه الفوضى? لمَ الألم لم يدع مفصلاً من حياتي إلاّ وتسلّل اليه كلصوص الليل ? لمَ انتِ ظالمة ايتها الحياة وكم انتِ بشعة ومقرفة. لكنه سرعان ماغيّر قناعته قائلاً لنفسه بأعتراض شديد : لا لا هي ليست بالبشعة. هي تبدو لك بشعة ولغيرك كعروس تزف في ليلة عمرها الغرّاء. لكن لماذا? تبدو لي انا بالذات بهذا القبح. وسرعان ماتغيرت قناعته منكرا على نفسه قوله : لا لا هي بريئة ولا تعادي احداً لكنني اعتدت التركيز على الجانب القبيح فيها وادرت ظهري لجانبها المشرق الفتان وحتى الذين يعيشون في قعر جهنم فهم يتعذبون بتركيزهم على العتمة وضلالهم عن بؤرة النور الخالدة وحتى اصحاب الجنة يتعذبون بسقوطهم بحفرة الغفلة عن النور ليقعوا منها في فخ عالم الظلمة والشر هذا الذي يحيطنا من كل جانب لكن مازال لنا شيء من الحرية لنكون فضلاء متناقضين مع طبيعة هذه الحياة التي قامت بناء على غفلة انسان واختياره ارتكاب الشر وضلاله عن ماينفعه. آه ……تبّاً لي …. ماعلاقتي انا بآدم الذي عصا ربه وجئت بسببه الى عالم النقص والموت والألم آه ….انا لست من آدم لأني ضد فعلته وكل ماهو بالضد فهو لاينتسب. وصرخ في اعماقه وماالفائدة إن انتسبت او لم انتسب لكنني لازلت قادراً ان اقوم من هذا الركام واستعيد حريتي التي صادرها الاشرار وعذبوني بذنب غيري فسرقت مني صحتي ببطاقات ال DNA سيئة الصيت والتي حملت لي الشر ونقلت لي صفات وامراض لم تك على مرامي ولم اك ارضى بها لنفسي وليس عاقلاً يرضى لنفسه تلك الصفات البيولوجية والامراض هذا هو الشر بعينه ان ينتقل اليك مرض وراثي لم تطلبه ولا تدري من هو المستفيد من اذلالك وبلوغك مرحلة مقتك لذاتك وتمنيك عدم وجودك بهذه الحياة. وصرخ بأعماقه : اللعنة كم كرهت اناي وكم مقتّك ياوجودي البائس والمحاصر من كل جهة. لذا لابد ان اهجر أناي وأتخذ أناً اخرى غير هذه الأنا كي لا اصاب بالجنون كي لا انتحر او ينفجر دماغي بأرتفاع ضغط الدم او نسب السكر العالية. رفقة بك ياشرايين قلبي سأتجاهل نفسي وسأجعل فاصلة بيني وبين ألمي وسأحرص على التمسك بتلك الفاصلة كي لايتسلل الألم الى ذاتي ويستغيث وجداني من الوخز ولا معين فقد سئمت الصراخ الى سماوات الخرافة وسئمت الثقة بمن جاء للوجود غيلةٍ كحالي وهو متورط مثلي وحائر بوجوده وشغله بمصيبة وجوده لايدع له مجالاً للأنشغال بمصائب وجود غيره فهو كما مركبة ممتلئة بالركاب وسائقها حائر بما فيها ولا مجال له ليحير بركابٍ آخرين ومركبات بائسة اخرى. وعاد ليعزي نفسه رافعاً من عزيمتها بأنه لاينبغي تجاهل وجودي مهما كان بائساً لابد ان اصنع معنىً من اتون فوضاي لا بد ان اكون شيئاً وهوية في رحم ضياعي. لابد ان ارتّب افكاري وسط هذا العبث المخيم على حواسي القاصرة العاجزة عن فهم مايجري وكأنني دمية يتلاعب بها طفل متهور شرير لايشعر بالمسؤولية ولايأبه لنتائج الاحداث طالما هو بمكان لايطاله احد ولايحاسبه احد على عبثه واستهتاره واسترخاصه لكل مافي يديه وزهده بكل ممتلكاته ولسوء حظي كنت احدى ممتلكات هذا الشرير ولاسبيل لي ولا مفر من عبثه واستهتاره براحتي وصحتي وسلامي .لكنني لااملك الا ان اسامحه كائنا ً ماكان منصبه وكائنة ماتكون مكانته فمسامحتي له انا الذي سأنتفع منها لأنه لاسلطان لي عليه كي أأخذ حقي منه ولكي احافظ على ماتبقى من صحتي فهو لايضره حنق ضحاياه عنه لأنه بلا مشاعر انسانية وهو مجرد من الضمير البشري الذي ينكر على صاحبه خطأه لذا سأرحم نفسي من عذابه واظللها أفياء العفو عنه ومسامحته فلا اعد مركّزاً على جنايته بحقي وكذا كل الذين ظلموني سأمنحهم عفوي ومسامحتي في الحال رأفة مني بحالي لا بهم. لأنني ليس لي سلطان عليهم فأفنيهم ولا قوة اتمكن من خلالها نفيهم من الارض فأستريح منهم وكذلك الناس ترتح منهم ومن شرورهم سأسامح كل من آذاني لأن حقدي عليهم يقتلني انا ولايقتلهم ويضر بي ولا يضرهم سأعفو عنهم مكرهاً لامختاراً لأنني لا ارى بأن الانسان قد اعتلى هرم حريته المسلوبة منه. وقد يكون ابقي له شيئا يسيرا منها لكي يتذكر ماسلبه الاشرار منها فترى الانسان حراً ببعض وجبات طعامه وشرابه. وان يدخل المرحاض بقدمه اليمنى او اليسرى او يمضغ ببطء او مسرعاً وماالى ذلك من الحريات البدائية والطفولية والتي تشاركه فيها كثير من الحيوانات والحشرات ليبقى مسلوباً ومجرداً من رأس حريته التي سلبت منه وانتزعت منه ظلماً وعدواناً وجرد منها وحرم منها وحيل بينه وبينها وارتكب بحقه ابشع الظلم يوم وُجِدَ فيه دون ارادته وجئ به مرغماً الى وجود لاتعيه حواسه القاصرة تتقاذفه امواج الظروف التي تبدو اليه كنكرات ظالمة لايعرف لها رأس من جسد. وخاطب نفسه بزهو سأعفو عن كل ظالميَّ رأفة بحالي وسأحتفظ بقناعتي التي مفادها ان ابشع جريمة تعرض اليها الانسان ولن يتعرض لمثلها هي جريمة وجوده دون اذن منه وكما يصنع الاطفال تمثال من الثلج في الشتاء ويتركونه في مواجهة العاصفة حتى تشرق الشمس. ويذوب التمثال ويقال في يوم جديد كان هنا التمثال الثلجي وقد فني وبلى واستحال ماءً في وادٍ ما او نهر او بالوعة مياه الامطار كذا هو حال الانسان سليب الحرية الحقيقية والاساسية حرية الوجود من العدم. لكنني سأحتفظ بهذه القناعة في درج التغافل والتغاضي كي لا اموت همّاً وغمّاً وسأسامح نفسي على عجزها عن صنع شيء يعيدها الى العدم السابق لوجودها ولأنها ضحية ولاملامة على الضحايا بل الجناة. وصرخ في اعماقه قائلاً سأصنع لي حرية ً جديدة ومن رحم العبودية سأشعر بالحرية وتلك هي اولى معجزاتي.

رائد مهدي – العراق

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى