نقوس المهدي - إبن غرلة والاميرة ارميلة.. قصة عشق مغربية

تعج كتب التراث بعديد من اخبار العشق والهيام التي وصلت بالبعض الى حافة الجنون أو الموت بطريقة أو أخرى، بل وتربط من باب التخليد كل عشيق بمعشوقته، وتتفنن في نسج قصص وحكايات غريبة بات الناس يتداولون تفاصيلها تهكما أو إيمانا وتسليما أو إشفاقا من سلطان الغرام، وسطوة الحب وكيمياء سحره اللايقاوم. مثل قصص (حيزية) الجزائرية، و(تاجوج والمحلق) السودانية، وحسن ونعيمة، وبهية وياسين المصرتين، و(ميم وزين) الكردية، بينما ساعدت الأسطورة في اختراع بعضها، ونسج حكايات حولها، مثل قصة (حمو اونامير) و(تيسلي وتيسليت)، لكن القليل من الدراسات هي التي تناولت قصة ابن غرلة ورميلة، هذه القصة الغريبة التي يقترن فيها الحب الصادق بالحقد الدفين، بالقتل على شريعة شهداء الحب، وتحكي عن شغف الشاعر وأخت السلطان عبد المومن بن علي الموحدي ببعضهما، ونظمهما لقصائد غرامية متبادلة شاعت بين الناس، أشهرها قصيدة العروس التي ادت الى انكشاف أمرهما وانتهت بإعدام الشاعر..
القصيدة على جمالها ورقة معانيها تنطوي على قدر كبير من قوة النظم ووثوقية المواقف، وتمتلئ بعبارات وتباريح الحب الصريح والتشبيب بأخت الأمير.
وسبب غرابة هذه القصة أنها لشاعر تجاسر على عشق أميرة، ولنتصور أيضا سر هذا العشق النادر، وتطواف ابن غرلة - وهو على دراية بخطورة عشقه وجسارة موقفه - تحت جنح الليل حول القصر المحمي بالحرس والعسس، والذي لا يجرؤ احد من العامة على الاقتراب من جدرانه احرى ان يبوح بعشقه لواحدة من أهله ويجاهر بعشقه لها.. لكن القلوب لا تستشير في ما تعشق احيانا، تنكوي وتتحمل وحسب، أنه وجه لاحدى حالات العشق القصوى التي تختم بانتصار الشر على الخير في المطاف الاخير وانتهت باعدام الشاعر ابن غرلة واسدال الستار على هذه العلاقة الحميمية التي تنضاف لمآسي العشق والغرام الخالدة.. وهو نفس المصير المؤلم والمفجع الذي لقيه الشاعر الجاهلي المنخل اليشكري، والشاعر وضاح اليمن على يد على الملك النعمان بن المنذر والخليفة الوليد بن عبد الملك، وقريبا ايضا من نفس المآل الذي كاد ان يلاقيه المتنبي بعشقه لخولة اخت سيف الدولة الحمداني وغيرهم كثير.
اثبت هنا دون تعليق هذه المزنمة (الزجل الذي يدخله الإعراب) الشهيرة من اشعار الموشحات للشاعر المغربي ابن غرلة الذي اشتهر بعشقه للاميرة ارميلة او رُمَيلة اخت او ابنة السلطان عبدالمومن بن علي الموحدي، وكانت سببا في مقتله:

من يصيدْ صيدا = فليكن كما صيدي
صيدي الغزاله = من مراتع الأُسدِ
كيف لا أصول = واقتنصتْ وحشيّه
ظبية تجول ف = ي ردا وسوسيّه
صاغها الجليل = فهي شبه حوريه
تنثني رويدا = إذ تميس في البردي
تعجن الغلاله = والرِدى مع النهدي
ربّ ذاتِ ليله = زرتها وقد نامت
والرقيبْ في غفله = والنجوم قد مالت
رمتُ منها قبله = عند ضمِّها قالت
قرْ قرْ واهدا = لا تكون متعدّي
تكسّر النبالة = تفرط العقدي

ويحكى إنه لما أخرجه الملك لقتله، ارتجل أبياتا في نفس الوزن والقافية يستنجد بها عشيرته للأخذ بثأره:
خدها الأسيل = بدت منه أنوار
طرفها الكحيل = سل منه بتّار
ها أنا القتيل = هل يؤخذ الثار
قد أسرت عبدا = ولم أك بالعبدي
متُّ لا محالة = فاطلبوا دمي بعدي

ومن نظمها فيه
مشَى السَّهَر حَيْرَان = حتى رَأَى إنسان = عَيْني وقف
اسْمر جنــان = في شَقَّة من نعمان = قد التَحَفْ

فضلا عن القليل مما كتبه ابن حجة الحموي في "ﺑﻠﻮﻍ ﺍﻷﻣﻞ في ﻓﻦ ﺍﻟﺰﺟﻞ"، لم اجد سوى ذكر يسير لا يفي بالغرض للدكتور عباس الجراري في القصيدة، والدكتور صلاح فضل الذي خص هذه العلاقة الغرامية بمقالين ضمن بحوثه العميقة حول الموشحات، زسطر يتيم للاستاذ عبدالكريم التواتي في مقال له بمجلة دعوة الحق، ولعل مايثير الانتباه وجود جادة في مراكس تحمل اسم "الرميلة" بين باب دكالة ودار الباشا المؤدية الى رياض العروس، فيما لم اعثر على مقالات اخرى تتناول هذه العلاقة

.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى