عبدالله قاسم دامي - النورس المكسور...

أن تكون بريئاً في هذا الزمن ... جريمة أيضا.

صامتة دوما، لم أراها تبتسم إلا ذالك اليوم عندما حيَيتها بلُغتِها، إبتسمت لي وعيونها البُنيّة تكاد تبكي، كانت أجمل إبتسامة رأيتها بعد التي على وجنات أمي.

ذهبَتْ بخطى ثابتة إلى خارج المقهى، إستنشقَت هواءاً طلقاً وكأني أحرجت صدرها ثم رجَعَتْ حزينة إلى الداخل وكأن أمرا ما همَّها واشغل بالها، عادت إلى كآبتها تبحر في أعماق الأحزان، لاحظتُها سارحةً بعيداً لعلّها استرجعت ببعض الذكريات عن القرى الجبلية حيث تسكن قوميتها المضطهدة عرقياً.

بعد غيابي لفترة أسبوعين وجدتُ نفسي في كنبة تقابلها، أبتسم لها وتبتسم، مددتْ إليّ قهوتي ثم همست في أذني "أريد أن أهرب" ... يا للصدمة ... ابتعدَتْ وواصلَتْ عملها ...آه وهل أخبرتكم يا سادتي عن عملها؟

إنها تُقدم القهوة للزبائن، تغسل الفناجين بيديها الناعمتين، تنفُخ النار بشفتيها بطريقة بدائية، تُرتب المكان وتُجمّع القروش من الزبائن وتُسلمها لسيدتها التي تعتلى على كرسيّها.

سيدتها السمينة السمراء، تكحل عينيها وتعتلي بكبرياء، تسرح شعرها بانتهازية، تمضغ العلكة كطفلة مدلّلة، تظنّها بلقيس في عرش اليمن.

قَصَدْتُ ليلةً أخرى، قارسة البرد ظلماء، إلى المقهى، كانت قد لمّمت كل شيء لكي تنام، ناديتُها بهدوء وطلبتُ منها أن تقتصر لي قصتها في غضن ثوان قبل أن ترانا سيّدتها المتملّكة.

بدأتْ ترتجف من شدة البرد والخوف، كلّ شيء كان مخيفاً ومشوقاً أيضا، كنت أتحسس بزفيرها الدافئ وذراعها اللين حين كانت تسرد لي مأساة حياتها.

_ أُدعى دُرَّاي، أخذوني من منطقة وَلُّو في إقليم أمهرا، كانت أمي الأورومية تخدم عند هذه السيدة ولكنها ماتت إثر نوبة قلبية، أخذوني إلى هنا نيروبي، لأخدم في هذا المقهى.

_ كم هو مرتبك؟

_ عن أي مرتب تتحدث! عيشة صباحية وأنجيرة مسائية ومكان أنوم فيه ... هذا كلّ ما لدّي.

_ لا بأس، لا بأس بك يا آنسة، إنها صفقة لا بأس بها، أنتِ حقاً في جنّة.

_ يا لك من حاقد ... كنت أظنك إنساناً.

_ عن أي إنسانية تتحدثين يا جميلتي؟ الكلّ يُعاني بطريقة أو بأخرى، إنه عالم ليس بأمان.

غادرت سريعا دون أن تراني سيّدتها، اتجهتُ نحو اللامكان لإني كنت أصلا لاجئا متشردا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى