محمد مزيد - كالفينو وابن بطوطة على جناح غيمة

يجلس أبن بطوطة مع الروائي المجنون كالفينو، على ساحل البحر، يراقبان النساء والصبايا اللواتي يرتدين ملابس البحر المثيرة ، ألتقيا بالمصادفة، في مدينة ميرسين التركية الساحلية، التي تقع قبالة جزيرة قبرص، وسط البحر الابيض المتوسط ، يُعرف عن أبن بطوطة انه كثير الاسئلة، حتى قيل أنه في أواخر أيامه ، كان يسأل الحجر والشجر ومياه الامطار و الانهار والاسماك، اسئلة في غاية التعقيد والغرابة، طبعا بسبب خرفه، فيضحك الحجر والشجر والانهار والامطار على عقل اكبر رحالة عربي، لم يترك بلادا لم يزرها في حياته ، بزعم بحثه عن الحقيقة الضائعة في ميثولوجيا الشعوب ، أبن بطوطة كاي عربي ، يحب البحار ، يحب سواحلها تحديدا ، بل يحب النساء اللواتي يسبحن في البحار اكثر تحديدا ، ويعتقد أن جمال المدن من جمال نسائه، وجمال النساء ينحصر في القوام الرشيق والبشرة الناعمة، والمؤخرات .. غير أن كالفينو ، وهو أبن ايطاليا التي تمتد بلاده في عرض البحر الابيض المتوسط، على شكل حذاء عسكري مثل البسطال العراقي، لا يشعر بالشغف للنساء الذي لدى صديقه العربي، ذلك لان النساء الايطاليات، لا يقارن جمالهن بنساء اوروبا والعالم كله .. ولما سأل كالفنيو أبن بطوطة، عن سبب زيارته هذه المدينة ، فقال له أنني أريد الذهاب الى مدينة بلا خيال ، أستغرب الروائي الايطالي من الاجابة المدهشة للرحالة، فهو الروائي المشغول على الدوام، بمدن الخيال، حتى انه سمى احدى كتبه ( مدن لا مرئية ) اي انها مدن مصنوعة من الخيال ، مما جعله أن يترك صاحبه يحدثه عن هذه المدينة التي بلا خيال، لكن كالفينو شعر بالقرف من ضيق خيال محدثه ... لا يحب الاطالة في الشرح ، انه يكتفي بالتلميح ولا يعبأ بالتصريح ، لذلك ، عند دخول الرحالة في مدينة زنجبار الساحلية، قال له كالفينو ، توقف هنا ، في هذه المدينة ، هل كنت تقصد انها مدينة بلا خيال ؟ مسد الرحال لحيته البيضاء واخذ يبكي ، ولم يعلم الروائي أن سبب بكاءه يعود الى فراقه الابدي، الذي تم بين الرحالة والاميرة الزنجبارية التي تعرف عليها في قصر والدها الملك، وأحبها بجنون ، أحب قامتها الرشيقة ونظرة عينيها ، وأحب مؤخرتها عندما استدارت، وهي تترك قاعة القصر تتبعها خادماتها يرفعن اذيال ثوبها الحرير السمائي ، بكى في غرفة الضيافة، لانه لن يراها قط بعد الان، فقد رفض الملك أن يزوجها لرجل "مجرد رحال" لايعرف شيئا من فنون الحياة سوى انه يلقي بالاسئلة ويكتب انطباعات، تحتاج على الدوام، الى الشرح والتدقيق ، في تلك الاثناء التي استغرق فيها الرحالة بالبكاء بالقرب من صديقه الايطالي كالفينو ، لمح الرحالة فتاة ترتدي البكيني الابيض ، وجهها الحنطي يضحك ، مقبلة باتجاههما ، حيث يجلسان على صخرة ، كانت الفتاة تترنح بمشيتها، كما لو كانت قد شربت برميلا من الجعة، تضع على شعرها قبعة مبرزة بعلامة جمجمة يتقاطع عليها عظمان ، سأل الرحالة كالفينو عن معنى العلامة، فضحك الروائي باسترخاء وقال له " تعني لا تقربوا مني انا خطيرة ، انا ابنة ملوك " وتبادلا الضحك ومسح الرحالة دموع عينيه ، وشعر بالاستياء من علامة القبعة، لكن نظرة الفتاة كانت مركزة على الرجل العجوز الرحالة ، فنظر اليها بتركيز ايضا ،وركضت اشعة الشهوة الغاربة في عينيه ، كانت الارض هي التي تركض الى الفتاة، وليست النظرة ، قربت الفتاة ذات القبعة وجهها من وجه الرحالة، خشي كالفنيو من ردود افعال الفتاة، خوفا عليه من أن تصفع الرجل العربي، الا ان المفاجأة التي لم يتوقعها الرحالة ان الفتاة وقفت بين ساقيه، ثم وضعت يديها حول لحيته البيضاء، ولثمته بقبلة، قبلة ظويلة ، اسكرته ، هشمت كل دعاماته ، فاوقعته ارضا الى الخلف، وبان لابسه الداخلي الطويل، غطت وجهه عباءته البنية ، ثم غادرت الفتاة، وظن كالفينو انها تتجه الى كوخ منزع الملابس الخاص بها، بقي يصفق لهذا المشهد الدرامي العاطفي بين الرحالة والفتاة ، نهض وساعد صديقه بالنهوض ثانية ، ثم التفت الرحالة بحثا عنها، فوجدها تتموسق بمشيتها باتجاه الدوش الذي نصب في الرمال، وقفت فتاة القبعة بانتظار أن تنتهي احدى السابحات من اغتسال جسدها لكي تاخذ مكانها ..
فجأة صرخ كالفينو الى صديقه " تلك الواقفة تغتسل بالدوش اعرفها ، كانت هي السبب بمجيء الى هنا "، هرع إليها ووقف أمامها، وهي تنظر أسفل قديمها الحافيتين، يغمرها ماء الدوش من الاعلى الى الاسفل، فقال لها وهي مشغولة بتنظيف شعرها وجسدها من ذرات الرمال " أعتقد أنت ربيكيا.. ؟ " كان الرحالة يقف خلفه، يستمع الى صوته الضعيف الخائر الذي خرج من قلبه المرتجف " ألست ربيكيا "، ضحك أبن بطوطة من خلفه، وقال له " من هي ربيكيا ؟ " فالتفت الروائي كالفينو اليه مذعورا " ما الذي جاء بك الى هنا ؟ " فقال " السبب نفسه الذي جاء بك الى ربيكيا ، انظر الى فتاتي " التفتت الفتاة ذات القبعة الى الرحالة وقالت له " أأعجبك ؟" ولم تنتظر جوابه ، أمسكت بيده، واخذته الى كوخ منزع الملابس الخاص بها ، وبقي كالفينو يوزع نظراته بين الفتاة السمراء الايطالية ربيكيا، وبين الكوخ الذي اتجه اليه ابن بطوطة مع الفتاة ، وما إن مرت دقائق ، حتى خرج الرحال يعدل ملابسه من الاسفل، ويضع عمامته البيضاء على رأسه، اقترب من الروائي وقال له منشرحا " اين وصلت بمشوارك مع ربيكيا ؟ " لم يجب كالفينو ، لاحظ شمس الشهوة تتزاحم في عيني الرحالة مثل موجات البحر الذي يوشوش بإلحانه خلفهما ، لاحظ كالفينو أن في قسمات أبن بطوطة يمتد شعاع الشهوة ، الى ربيكيا ، فساءه ذلك ، همس الروائي باذن ربيكيا شيئا فانطلقت تتضاحك معه، ثم أمالت رأسها الى الخلف تمسد خصلاته المبللة وهي مستغرقة بالضحك ، بعدها ابتعدت ربيكيا ولجأت الى منزع ملابس احد الاكواخ، التفت كالفينو الى صديقه العربي " لم تخبرني عن المدينة التي بلا خيال" فقال الرحالة وهو يتابع مشية الفتاة الايطالية ربيكيا " القضية اكبر من الخيال ياكالفينو العزيز " لم يفهم الروائي الايحاءات المتشعبة باقوال صاحبه فسأله " ما هو الاكبر الذي تقصده ؟ " اشار الرحالة باصبعه الى مؤخرة ربيكيا، لكن الروائي فكر باحدى المدن فسأله ثانية " اي مدينة ذهبت الها ولم تجد فيها الخيال ؟ " وبعد ان اطلق الرحالة حسرة قوية قال له " زنجبار .. مدينة عمانية تقع على البحر العربي لم اجد فيها الواقع ، بل وجدت الخيال ، عمرانها، ناسها، اميراتها الخارجات من الاصداف مثل اللؤلؤ ، امسك الرحال بيد الروائي وقال له تعال لاخذك الى زنجبار ، هذه هي المدينة الوحيدة التي بقيت عالقة في روحي، بسبب اميرة زنجبارية، رفضت أن تصافحني ، صاح به الروائي وهما على متن غيمة انطلقت بهما الى زنجبار " ماذا تفعل ؟" ، كان الروائي ينظر الى الاسفل مذعورا فيرى الناس مثل النمل والبحر مثل بركة مياه صغيرة والمدن مثل علب كارتونية ، والمصانع عبارة عن مواقد تبث الدخان الى الاعلى تشبه السجائر "، اصاب كالفينو الهلع وهو يتذكر الان ان ربيكيا تنتظره في كوخ منزع الملابس، شعر بالذعر والخوف وهو على بعد الاف الامتار عن سطح الارض، حيث تطير به غيمة ابن بطوطة، بينما الرحالة العربي يكركر بالضحك وقال له " هكذا يفعل خيالي ، فماذا يفعل خيالك ؟ ولكي يعبر كالفينو عن حنقه وسأمه وجبروت خياله، انشطر الى نصفين، كما فعل ببطل روايته الفيسكونت المشطور ، نصف شرير ونصف خير، تحول الذعر الى الرحالة واخذ يتنقل ببصره بن النصفين المنشطرين فقال له " في ايهما انت ؟ " رد النصف الشرير " انا هنا احمل السيف سأشطرك، إن لم تعد بنا الى ساحل ميرسين ؟ " عبر الرحال عن خوفه وهلعه من جنون الروائي، وأمر الغيمة بالعودة الى مكانيهما ، نزل كالفينو من الغيمة وأتجه فورا وهو يركض متعثرا الى ربيكيا حبيبته التي هجرته وهو في العشرين من العمر قبل عشرات السنين والتفت اليه " عربي شبق ما تصير لكم جاره وعلي ، اذهب الى زنجبار ايها المعتوه لن تقبل بك الاميرة ولن تصافحك " .
دخل كالفينو الى كوخ ربيكيا وبعد ممارسة الحب، ندم لانه طرد الرحالة ولم يذهب معه الى زنجبار إذ كانت فرصة ذهبية ليرى ناسها وسواحلها وقصورها واميراتها الجميلات السمراوات في تلك المنطقة المجهولة من العالم، كما تم وصف ذلك في مذكرات قرأها في كتاب " أميرة عربية من زنجبار " التي ترجمت الى الايطالية من لغتها الالمانية الركيكة، وكيف أن تلك الاميرة تزوجت من رجل الماني، بغير علم والدها الملك، استطاع الالماني اغواءها وهو يشرف على بناء جسر بين البلدة وقصر الملك، ولما خرج كالفينو من الكوخ، وجد الرحالة يجلس على الغيمة واضعا ساقا على الاخرى ويؤشر له بالاقتراب للصعود معه ، فقال له "وربيكيا ماذا نفعل معها" فقال "لتصعد معنا" . صعد الثلاثة على متن الغيمة، واتجهت بهم الى زنجبار، وفي الطريق بين تركيا وعمان، فارت الشهوة لدى الرحالة واراد مواقعة ربيكيا في الفضاء بعد أن نزع ثوبه و لباسه الطويل ودفع ربيكيا لتنام على ظهرها ، فقال له كالفينو صارخا " لا " تكلبها (تقلبها) بينا يا ابن بطوطة " .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى