اقتضت حكمة الله أن يخلق للحكم أناسا لا يصح الأمر ولا يستقيم إلا بهم ، ويبطل وإن طال أمده حكم من خرج أو تمرد عليهم ، وهذه الحكمة الإلهية والسنة الكونية هى ناموس من النواميس المقدسة لا يخرج عنها إلا من زاغ بصره ، وفسد قلبه ، واتبع هواه ، وغرته نفسه الآمرة بالسوء ، فالقائد أو الزعيم .. الرئيس أو الأمير .. السلطان أو الملك لكل جماعة بشرية صغرت أو كبرت سواء كانت قبيلة أو دولة أو إمارة .. سلطنة أو مملكة أو جمهورية معروف سلفا ومقدر غيبا ، فإذا جاء أوانه أخرجه الله من السر إلى العلن ومن العدم إلى الوجود ، فكان خروجه معجزة من المعجزات وآية من الآيات ، فمن سولت له نفسه أن ينازع الحاكم حكمه ، أو يراجعه ، أو يعارضه ، أو ينقلب عليه ، فقد تمرد على حكمة الله وناموسه الأعظم ، فاستحق أن ينبذ ويلعن فى السماء قبل الأرض.
ولأننى واحد من هؤلاء الذين شرفهم الله بتولى مسئولية القيادة والحكم وتحمل أعبائهما ، وأوكل إلىّ السهر على راحة عامة الشعب ورعايتهم ، والاعتناء بكل فرد منهم كما يعتنى الأب القوى الرءوف بابنه الصغير العاجز ، وكما يرعى الشاب أو الرجل القوى أبيه العجوز العاطل ، بل أن مسئوليتى عنهم أشد وأعظم من مسئولية هؤلاء ، فكل فرد من أفراد الشعب هو مسئوليتى الشخصية ، موكل إلىّ التصرف بكافة شئونه منذ أن يولد إلى أن يموت ، فرزقه الذى قدره الله له موكل إلىّ أعطيه منه بقدر ما يصلحه ويصلح أموره ، فلا أفسده بكثرة العطاء أو قلته ، كما أننى فوق ذلك أتحمل عنه أعباءً كثيرة لا حصر لها ولا إحصاء ، فعنه أتحمل مشقة التفكير وصعوبته ، والتخطيط للمستقبل وأهميته ، والاختيار بين البدائل وضرورته ، واتخاذ القرارات ومتابعة تنفيذها وتقويم نتائجها ، فالحاكم هو الأب الأكبر لكافة أفراد شعبه ، فهل يصح بعد كل ذلك من أعباء جسيمة ، ومهام جليلة ، ومسئوليات عظيمة يحملها الحاكم فى رقبته أن يقول قائل ـ وهو جاهل ـ أن الحكم ترف وأن الحاكم مُنعم؟ أيجوز أن ينازع المحكومون ـ بجهلهم ـ الحاكم فى سلطاته وأن ينغصون عليه حياته ويحملونه فوق أعبائه مالا يطيق ولا يحتمل؟
غير أنه من العجيب والمستغرب أن هذا الأمر الذى يعجز الإنسان ذو العقل السليم والفطرة السوية عن مجرد التفكير به ولو حتى فى أحلامه أو خيالاته قد حدث معى أنا ، أنا الأب القوى الرءوف القائم على أمور شعبه والمضحى لأجلهم بوقته وفكره وصحته وراحته الشخصية ، فإذا ببعض الضلال معدومى العقل والتمييز يشككون فى حكمتى وحسن تدبيرى للأمور ، وإذا بهم يتهموننى بما لا يجوز أن أعيد سرده من اتهامات ظالمة فى شخصى ، وفى أسرتى وأقربائى ، وفى أهل مشورتى ومعاونىّ من الوزراء والخبراء ، فيسوقون بجهلهم أبنائى من أفراد الشعب الطيب كقطيع من الغنم إلى سكة العصيان والتمرد ، فيستغل هؤلاء القلة بخبثهم براءة الناس وسلامة نيتهم ليفسدونهم ويدفعونهم إلى إتيان ما لا يمكن أن يخطر ببالهم لو تركوا لأنفسهم ولفطرتهم التى تبجل الحاكم الأب المتصرف فى شئونهم ، الحافظ لهم من كل شر والجالب لهم بكل نفع وخير ، غير أن الناس إذا ضلت فإنها تستمرأ الضلال وتمضى فيه دون تعقل أو تدبر ، وهنا تظهر أهمية الحاكم الأب المتصرف ، فإذا أفلت زمام الناس تحولوا إلى وحوش ضارية يهاجم بعضها بعضا فيؤذون أنفسهم قبل أن يؤذوا حاكمهم ، وينقلب شرهم وضلالهم على أنفسهم هم ، فتضطرب أحوالهم وتسوء معيشتهم ويفقدون أمنهم وأمانهم ، ويندفعون فى غيهم وضلالهم يتخبطون ، لا يردعهم رادع ولا يمنعهم مانع ، وقد يكون الله رحيما بهم فيعين حاكمهم على إنقاذهم ، والأخذ بأيديهم مرة أخرى إلى سبيل الهداية والرشاد ، فيحقن دماءهم ويحفظ أعراضهم وأموالهم ويعيد إليهم الأمن والأمان ، وقد يسخط الله عليهم بما ارتكبوه فى حق حاكمهم أبيهم فيسلطهم على أنفسهم وينأى بحاكمهم عن أن يمد لهم يد العون والرعاية وينجيه منهم ، فتدركهم اللعنة التى لا فكاك لها أو خلاص منها فيندثرون لا تقوم لهم قائمة ، ويصبحون عبرة لمن يعتبر وذكرى لمن يتذكر.
وقد يمتحن الله الحاكم الأب محبة وتطهيرا له فيمكن هؤلاء الغوغاء الجُهال منه ، يفعلون به الأفاعيل ، ويقترفون فى حقه وحق من ثبُت معه الجرائم المنكرة ، ويجعل ذلك امتحانا له وتمحيصا وتثبيتا ، كما امتحن الله الأنبياء والرسل فنصر بعضهم ورفع بعضهم إليه ، وقد كان قدرى أن أكون من هؤلاء الصفوة من الحكام الآباء الذين امتحنهم الله ، فامتُحنت فى نفسى ، وفى أهلى ، وفى خاصتى وأهل مشورتى ووزرائى ، فلم يراعوا حرمتى ولا فضلى عليهم ، وتمادوا فى غيهم يريدون محاكمتى وتجريمى ، وإذ أتحمل صابرا محتسبا عالما بأن مصيرهم الهلاك ولو بعد حين ، وأن مصيرى الخلود والنعيم ، فطوبى للحكام ويا حسرة على المحكومين.
يوليو 2011
نص من كتاب لم يكتمل بعد
بعنوان "شخصيات من كتاب الثورة"
مجلة الثقافة الجديدة – سبتمبر 2011
ولأننى واحد من هؤلاء الذين شرفهم الله بتولى مسئولية القيادة والحكم وتحمل أعبائهما ، وأوكل إلىّ السهر على راحة عامة الشعب ورعايتهم ، والاعتناء بكل فرد منهم كما يعتنى الأب القوى الرءوف بابنه الصغير العاجز ، وكما يرعى الشاب أو الرجل القوى أبيه العجوز العاطل ، بل أن مسئوليتى عنهم أشد وأعظم من مسئولية هؤلاء ، فكل فرد من أفراد الشعب هو مسئوليتى الشخصية ، موكل إلىّ التصرف بكافة شئونه منذ أن يولد إلى أن يموت ، فرزقه الذى قدره الله له موكل إلىّ أعطيه منه بقدر ما يصلحه ويصلح أموره ، فلا أفسده بكثرة العطاء أو قلته ، كما أننى فوق ذلك أتحمل عنه أعباءً كثيرة لا حصر لها ولا إحصاء ، فعنه أتحمل مشقة التفكير وصعوبته ، والتخطيط للمستقبل وأهميته ، والاختيار بين البدائل وضرورته ، واتخاذ القرارات ومتابعة تنفيذها وتقويم نتائجها ، فالحاكم هو الأب الأكبر لكافة أفراد شعبه ، فهل يصح بعد كل ذلك من أعباء جسيمة ، ومهام جليلة ، ومسئوليات عظيمة يحملها الحاكم فى رقبته أن يقول قائل ـ وهو جاهل ـ أن الحكم ترف وأن الحاكم مُنعم؟ أيجوز أن ينازع المحكومون ـ بجهلهم ـ الحاكم فى سلطاته وأن ينغصون عليه حياته ويحملونه فوق أعبائه مالا يطيق ولا يحتمل؟
غير أنه من العجيب والمستغرب أن هذا الأمر الذى يعجز الإنسان ذو العقل السليم والفطرة السوية عن مجرد التفكير به ولو حتى فى أحلامه أو خيالاته قد حدث معى أنا ، أنا الأب القوى الرءوف القائم على أمور شعبه والمضحى لأجلهم بوقته وفكره وصحته وراحته الشخصية ، فإذا ببعض الضلال معدومى العقل والتمييز يشككون فى حكمتى وحسن تدبيرى للأمور ، وإذا بهم يتهموننى بما لا يجوز أن أعيد سرده من اتهامات ظالمة فى شخصى ، وفى أسرتى وأقربائى ، وفى أهل مشورتى ومعاونىّ من الوزراء والخبراء ، فيسوقون بجهلهم أبنائى من أفراد الشعب الطيب كقطيع من الغنم إلى سكة العصيان والتمرد ، فيستغل هؤلاء القلة بخبثهم براءة الناس وسلامة نيتهم ليفسدونهم ويدفعونهم إلى إتيان ما لا يمكن أن يخطر ببالهم لو تركوا لأنفسهم ولفطرتهم التى تبجل الحاكم الأب المتصرف فى شئونهم ، الحافظ لهم من كل شر والجالب لهم بكل نفع وخير ، غير أن الناس إذا ضلت فإنها تستمرأ الضلال وتمضى فيه دون تعقل أو تدبر ، وهنا تظهر أهمية الحاكم الأب المتصرف ، فإذا أفلت زمام الناس تحولوا إلى وحوش ضارية يهاجم بعضها بعضا فيؤذون أنفسهم قبل أن يؤذوا حاكمهم ، وينقلب شرهم وضلالهم على أنفسهم هم ، فتضطرب أحوالهم وتسوء معيشتهم ويفقدون أمنهم وأمانهم ، ويندفعون فى غيهم وضلالهم يتخبطون ، لا يردعهم رادع ولا يمنعهم مانع ، وقد يكون الله رحيما بهم فيعين حاكمهم على إنقاذهم ، والأخذ بأيديهم مرة أخرى إلى سبيل الهداية والرشاد ، فيحقن دماءهم ويحفظ أعراضهم وأموالهم ويعيد إليهم الأمن والأمان ، وقد يسخط الله عليهم بما ارتكبوه فى حق حاكمهم أبيهم فيسلطهم على أنفسهم وينأى بحاكمهم عن أن يمد لهم يد العون والرعاية وينجيه منهم ، فتدركهم اللعنة التى لا فكاك لها أو خلاص منها فيندثرون لا تقوم لهم قائمة ، ويصبحون عبرة لمن يعتبر وذكرى لمن يتذكر.
وقد يمتحن الله الحاكم الأب محبة وتطهيرا له فيمكن هؤلاء الغوغاء الجُهال منه ، يفعلون به الأفاعيل ، ويقترفون فى حقه وحق من ثبُت معه الجرائم المنكرة ، ويجعل ذلك امتحانا له وتمحيصا وتثبيتا ، كما امتحن الله الأنبياء والرسل فنصر بعضهم ورفع بعضهم إليه ، وقد كان قدرى أن أكون من هؤلاء الصفوة من الحكام الآباء الذين امتحنهم الله ، فامتُحنت فى نفسى ، وفى أهلى ، وفى خاصتى وأهل مشورتى ووزرائى ، فلم يراعوا حرمتى ولا فضلى عليهم ، وتمادوا فى غيهم يريدون محاكمتى وتجريمى ، وإذ أتحمل صابرا محتسبا عالما بأن مصيرهم الهلاك ولو بعد حين ، وأن مصيرى الخلود والنعيم ، فطوبى للحكام ويا حسرة على المحكومين.
يوليو 2011
نص من كتاب لم يكتمل بعد
بعنوان "شخصيات من كتاب الثورة"
مجلة الثقافة الجديدة – سبتمبر 2011