سعيد الشحات - ذات يوم.. 26 أغسطس 1974.. عرض فيلم «العصفور» ليوسف شاهين يؤجل القبض على الشاعر أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام عيسى

1
تقدم المخرج يوسف شاهين للرقابة للحصول على ترخيص بعرض فيلمه «العصفور»، فوافق وزير الثقافة يوسف السباعى ليعرض فى 26 أغسطس «مثل هذا اليوم 1974»، بعد عامين من المنع حسبما تؤكد أمل عريان فؤاد فى كتابها «سلطة السينما - سلطة الرقابة».
2
ومثلما كانت للفيلم ومخرجه رحلة عذاب مع أجهزة الرقابة، كانت للشاعر أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام قصة أخرى مع هذا الفيلم الذى اختير ضمن أفضل مائة فيلم مصرى فى القرن العشرين، وكتب قصته والسيناريو لطفى الخولى، وشارك فيه نجوم أبرزهم، محسنة توفيق، صلاح قابيل، محمود المليجى، على الشريف، حمدى أحمد، صلاح منصور، رجاء حسين، عبدالوارث عسر، نظيم شعراوى، مريم فخر الدين، الممثلة اللبنانية «جلاديوس أبوجودة».
3
تتبع أمل عريان رحلة «العصفور»، مشيرة إلى أن «شاهين» تقدم بسيناريو الفيلم إلى مؤسسة السينما لإنتاجه، وطلبت اللجنة الاجتماع به لمناقشته، وأمام اللجنة وقع فى امتحان واستجوابات عسيرة ضاق ذرعا بها، وانصرف دون اتفاق فى نهاية سنة 1971 وبداية 1972، وتؤكد أنه قرر أن ينتجه بنفسه بالاشتراك مع مؤسسة السينما الجزائرية، خاصة أنه قدم فى عام 1958 فيلما عن المناضلة الجزائرية «جميلة بوحريد».
4
بدأ تصوير «العصفور» فى يونيو 1972، ويتناول هزيمة 5 يونيو 1967 وأسبابها الداخلية، وتدور قصة الفيلم قبل وقوع الهزيمة، حيث يعمل الصحفى يوسف، بكل جد على إجراء تحقيق صحفى يتعلق بالسرقات التى تقع فى القطاع العام، وهو ما يتبين له من خلال مصنع لم يكتمل بناؤه فى قرية بالصعيد حيث تتم سرقة معداته، وعلاقة ذلك بمن فى السلطة، وفى نفس الوقت تعمل بهية الخياطة المقيمة فى حى الحسين لتوفير معيشة طيبة لابنتها الطالبة الجامعية، وتؤجر غرفا سكنية لأشخاص ينتمون لشرائح مختلفة من الشعب المصرى، وتقع حرب 5 يونيو، ويلتف الجميع حول أجهزة الراديو ليستمعوا إلى البيانات الكاذبة عن إسقاط طائرات العدو، حتى يظهر عبدالناصر فى 9 يونيو على شاشات التليفزيون، ويعلن التنحى لتنطلق بهية ومن خلفها الجماهير لتهتف فى الشوارع: «حنحارب.. حنحارب» فى الوقت ذاته ينطلق العصفور من قفصه الحديدى.
5
انتهى «شاهين» من تصوير الفيلم فى سبتمبر 1972، وسافر إلى باريس للتحميض والطبع ليعد نسخة جاهزة للعرض مدتها 95 دقيقة ليتقدم بها إلى المصنفات الفنية، لكن التقرير عنه حمل ملاحظات، تركز على مساوئ الجبهة الداخلية، وسرقة القطاع العام بمشاركة مسؤولين سياسيين وفى جهاز الشرطة، وبناء على هذا التقرير تقرر منع عرض الفيلم نهائيا.
6
طار «شاهين» إلى الجزائر حيث يوجد النيجاتيف الأصلى للفيلم، وأعاد طبعه مرة أخرى وعرضه فى الجزائر ليحقق نجاحا كبيرا، ثم عرضه أربع مرات فى مايو 1973 فى مهرجان «كان» فى الدورة 26 ممثلا عن الجزائر، وحاز على إعجاب النقاد، وعرض فى مهرجان «بيت مرى» فى لبنان، وأثار جدلا واسعا فى الصحافة اللبنانية، وأصدر الحاضرون فى المهرجان بيانا بعرض الفيلم لكونه أحد أهم الأفلام فى السينما العربية، وموضع فخر لكل عربى ومصرى.
7
تذكر أمل عريان، أنه بعد انتصار الجيش المصرى فى حرب 6 أكتوبر 1973، بدأت حملة صحفية تطالب بعرض «العصفور» فى مصر، ووافق وزير الثقافة يوسف السباعى، وكان العرض الأول يوم 26 أغسطس 1974 بسينما رمسيس، وظل خمسة أسابيع فقط محققا إيرادا لا يتعدى خمسة آلاف جنيه، ووضع شاهين تترا فى بداية عناوين الفيلم يقول: «العصفور لم يكن يستطيع أن ينطلق، لولا الانطلاقة الكبيرة للإنسان المصرى فى يوم 6 أكتوبر العظيم».
8
اشترك الشاعر أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام عيسى فى الفيلم بأغنية: «مصر يا أمة يا بهية..يا أم طرحة وجلابية..الزمن شاب وانتى شابة..هو رايح وانتى جاية»، وكان جهاز أمن الدولة مشغولا بكيفية القبض عليهما، منذ تأليف «نجم» لقصيدة «شرفت يا نيكسون بيه»، بمناسبة زيارة الرئيس الأمريكى نيكسون لمصر يوم 12 يونيو 1974، حسبما يؤكد صلاح عيسى فى كتابه «شاعر تكدير الأمن العام».
9
يؤكد «عيسى»، أن سلطات الأمن انتظرت الفرصة، حتى وجدتها فى سهرات كان يقضيها الاثنان فى منزل «سيف الغزالى» بالدرب الأحمر، خاصة سهرة يوم 5 يوليو 1976 وحضرها عشرة أفراد، ويذكر عيسى أن رئيس نيابة أمن الدولة أعطى إذنا بضبط وتفتيش ستة عشرة شخصا من بينهم كل الذين حضروا سهرة 5 يوليو، وفى مقدمتهم «نجم» و«إمام»، لكن الإذن لم ينفذ خلال الفترة المحددة له وهى خمسة عشر يوما، وطلبت المباحث تجديده، لكن يبدو أن تحديد يوم 26 أغسطس «مثل هذا اليوم» 1975 موعدا لعرض «العصفور» حال دون تنفيذ الإذن فى موعده، إذ الغالب أن سلطات الأمن خشيت أن يستغل غيابهما عن حفلة العرض الأولى للفيلم لإثارة حملة تضامن معهما.


..................................................
سعيد الشحات
اليوم السابع




1.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى