مارا أحمد - فستان مازال ينتظر...

أمسكت بفستانها الجديد، وضعته على جسدها أمام المرآة، وظلت تتأمل نفسها وتتخيل رد فعله حين يراها به، ثم طبقته ووضعته بكيسه، ثم رصته بجانب ما اشترته من ملابس وقمصان وحقائب ...

مر اليوم العام الأول على الانفصال، وبدأت ملامحه تبهت بذاكرتها، حتى لمساته طمست آثارها من فوق جسدها، وتبقى فقط الأمل في لمسة جديدة بشعور جديد كما كانت أول لمسة منه في أول لقاء.

جميعنا يفتقد إثارة أول لمسة وأول قبلة وأول لقاء حب سريري؛ فكل البدايات شيقة ومذهلة، كما جمال الطفل والقطة الصغيرة والنبتة الصغيرة.

عادت لتتصفح رسائله القديمة ولهفته عليها، وصورهما معا، يحتضنان كفيهما حتى لم يستطع أي مشاهد للصورة أن يفرق بين أي منهما يدها وأيها يده!

لكنها جبنت أن تتواصل معه؛ فكبرياؤها يمنعها، أما هو؛ فتؤرقه نرجسيته ويتعالى أن يعترف بشوقه وحنينه؛ ورغم تعدد علاقاته إلا أنه لا واحدة استطاعت أن تمحو شعوره بالأمان معها ولا إحساسه بالسلام في حضورها.

هكذا عانى اللهفة وتأنيب الضمير لأنه يخون ذكراها، وخشي أنه بذلك قد زاد من المسافة بينهما وأنه لا يستحق الرجوع إليها؛ فعقوبته أن يظل محروما من جنتها.

وخافت هي إن بدأت الاتصال أن يتعالى عليها وينفر من الرجوع؛ فربما بدأ علاقة وقصة حب جديدة، إنه الخيال الذي يجعلنا أحيانا نبدع ونبتكر، وهناك الخيال الخرافي الذي يخلق أحداثا من صنعه لا علاقة لها بالواقع؛ فيكبح خطواتنا ويحرمنا من السعادة؛ نقدم ساقا ونؤخر أخرى حتى تنفد فرصنا ونعيش الفقد.

سنة تلو سنة وهي تتأمل ملابسها التي اقتنتها للحظة لقائه وحرّمتها على جسدها، وعطر تطاير متحررا من محبسه فلا فائدة منه إن ظل قابعا بقارورته كما المعتقل، وينتظر هو أن يرن الموبايل ويظهر على الشاشة رقمها؛ اشتاق إلى صورتها وإلى كلماتها التي تنشرها بصفحتها تناجيه في صمت؛ يفتح النت ويدخل الصفحة ليقرأ النعي الذي نشرته ابنتها على الصفحة وصورتها وهي تبتسم له، إنها الصورة التي التقطها لها وهي تجلس أمامه بالكافيه، وهي تنظر إليه وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة تملؤها السعادة، وهو الآن يراها مبتسمة، وما زالت تنظر إليه في لهفة المشتاق، ولكنها صورة بلا جسد أو صوت، بقيت الصورة تنتسب إليه

وغابت هي عنه وتناثرت لحظاته معها كما شذرات الزجاج ذات لمعة ولكنها حطام، ليظل فستانها حبيس خزانتها وحقيبتها المجهزة ليوم لقياه، تعاني الانتظار وحيدة، ويظل هو يجتر الذكريات، يعض على شفتيه لحمقه حين ظل ينتظرها، وكأن الطرق هي من تذهب إلى أصحابها والبشر أرصفة انتظار.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى