محمد محمود غدية - قطار بلا عودة

لا تدرى كيف التقيا وتحابا وهو القادم من الشرق، حيث سمرة الوجه ورائحة التوابل والعرق الذى أحبته، ولا يمكن مقارنته بأفخم العطور، كل ماتذكره أنهما التقيا تحت سماء زرقاء صافية ومضيئة تمتد بلا نهاية، فى عينيه كانت تطل نظرة حزينة، كتلك التى تتوهج من دمعة متحجرة لتمثال عتيق بمتحف آثار قديم، كانت فى حاجة للحب الملجأ والمهرب من قسوة الضجر والقيود ورتابة الحياة والناس، والإعتيادية اليومية الملول، معه عاشت نشوة الركض والتعب، ماأشقى أن تبكى بلا دموع وماأصعب أن تذهب بلا أمل فى رجوع، وماأقسى أن تشعر بالضيق ورحابة المكان من حولك تضيق بك،
الحب عاصف يقتلع كل مايقابله، كيف يرضى وهو الشرقى أن تصرف عليه امرأة ؟
حلم بالسفر، والعيش الرغد،
طرق الكثير من أبواب العمل، لاشيء سوى الأعمال التى تتطلب المجهود البدني حتى داهمه المرض الذى لاشفاء منه، أخفى عنها مرضه مقررا الموت فى بلده، حزم حقائبه وسافر، وترك فى الغربة حب بحجم الكون وامرأة أشبه بنضارة الورد والحليب الصافى،
لم تفلح دموعها فى إثناءه عن السفر، الحب ساحر يعيد فلترة الروح، قررت أن تكتب له كل يوم رسالة فى واحدة منها كتبت : أحببتك حب زهرة برية متفردة، هدهدت الوحشة وضجر العيش، أرجوا أن تطمئن بالا وأن تطيب نفسا، لم تعد لى كالسابق شهية الطعام، ولدي من ألم غيابك مايكفى لأمضغه كل يوم، جمعنا القدر وأبدا لن نفترق، كل المصابيح دونك مطفئة، وتتوالى رسائلها .. أعبق كل يوم شذى جسدك، إنه المسك الذى ذوقتنى أيها الشرقي الجميل، سأكتب لك كل يوم لأستشعر أننى مازلت أحيا،
لم يفلح العلاج الكيماوي فى قهر المرض ويموت،
وأبدا لا تتوقف رسائل محبوبته تدعوه أن يأتى، كيف يأتى وقد سافر فى قطار بلا عودة دائم التأهب تتشابه ملامح ركابه الذين لا يحملون حقائب سفر فى رحلة بعيدة ، حيث تزأر الرياح وتتبعثرالورود، ويلقى الليل بعباءته فوق شواهد رخامية مكتوب عليها أسماء ساكنيها الودعاء الطيبون .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى