محمد محمود غدية - زهور تنبت فى التحرير

لم يتعرف عليه رواد المقهى الجدد، ألقى عليهم السلام لم يردوا التحية كما كانوا يفعلون فى السابق، كانوا يلتفون حوله يحبون حديثه، لم يعد لديه مايرويه بعد أن جفت الينابيع، والحكايات بدت ماسخة إنه على أعتاب الخمسين، ذبحته مقصلة الخصخصة أو المصمصة وألقت به خارج المصلحة فى معاش مبكر، إختفى وجهه النضر وأصبح ضامر البدن شاحب الوجه، ترك نصف كوب الشاي والجريدة التى لم يكمل قراءتها، فقد أزعجته المانشيتات التى ألف كذبها، وهى تبشر بغد راقص لا يأتي، شعر بغصة فى الحلق، ترك على أثرها المقهى تقوده قدماه فى غير إتجاه، وجد نفسه وسط مظاهرة من الشباب، تحمل أعلام مصرية ولافتات تتجه صوب ميدان التحرير، يرددون هتافات : عيش حرية عدالة إجتماعية، أحلامهم بسيطة مطالبهم مشروعة، كانت الشمس قد إرتفعت فى كبد السماء وإتقدت أشعتها، فألقت بأردية الدفء والوقت شتاء، وجد نفسه يردد مع الشباب الذى خرج عن صمته فى جرأة غير مسبوقة هتافاتهم، الأعداد تتزايد جميعهم فى عمر الزهور النضرة،تجاوره فتاة فى عمر إبنته سألها : من أنتم ؟ أجابت : مصريون شباب الفيس بوك، وهذه ثورة الخامس والعشرين من يناير، وأخذت تشرح له بعض الأهداف المرجوة، ماأروعكم قالها بعد أن تطابقت أهداف الثورة مع حلمه، توقفت الهتافات بعد أن أذن أحدهم للصلاة الوقت عصرا، إصطف معظم الشباب للصلاة، سأل الفتاة التى تجاوره عن مكان قريب يتوضأ فيه، فتحت الفتاة حقيبتها وأخرجت زجاجة مياه معدنية فتحتها وصبت الماء على يديه، شكرها وأثناء إنحنائها تدلت من عنقها سلسلة يتوسطها صليب، إستشعرت حرجه قائلة : كلنا مصريون، بعد الصلاة توجه إلى أحدهم كان يكبر بصوت جهوري الله أكبر، سأله لماذا لم تصلي ؟
فأشار لدروع بشرية أحاطت بالمصلين قائلا : إنهم مسيحيون مثلى يحافظون على سلامة إخوانهم المسلمين، مدهوشا إنه أمام ملحمة من الحب والتآخي،
لا فرق بين مسلم ومسيحي جميعهم يعيشون فى وطن واحد، همومهم واحدة، الشباب يرفض مغادرة الميدان، وسادتهم الحجارة والأسفلت، يتلحفون بالبرد والصقيع، الثورة فى أسبوعها الثاني، كلما عاند النظام إرتفع سقف مطالب الشباب للنظام : إرحل
حققت الثورة حلمه وعاش ليرى رحيل الفساد، الذى قبض على عنقه ثلاثة عقود كاملة، كل يوم يملأ حقيبته بالطعام وزجاجات المياه، أعادت الثورة إليه وجهه القديم، ينظف الميدان مع الشباب ويكتب اللافتات وهو الدارس لفن الخط العربي، من النهاردة دى بلدك / ماترميش زبالة / ماتكسرش إشارة / ماتدفعش رشوة / لا تصنع فساد تاني / بلدك أجمل بيك
ينفض حزنه ويخلع عن بدنه عباءة الليل، ويرتدى حلل النهار .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى