محمد محمود غدية - ماذا بعد؟

قمحية فى عينيها حزن غير معلن، فواحة الحضور، تشبه اللوحات القديمة فى الزمن الجميل، شاركت فى ثورة الخامس والعشرين من يناير، ومنذ ذلك الحين والسياسة طبقها المفضل على كل الموائد، أصيبت بجرح قطعي فى يدها اليسرى أثناء موقعة الجمل، عندما أفاقت وجدت نفسها فى مستشفى ميداني، لم تنسى قط إبتسامة الطبيب المسعف، والتى عرفت أنه مسيحي من الصليب المتدلي من عنقه، وهو يهنئها بسلامة الشفاء، هذه المشاعر الطيبة التى تضافرت فى ثورة، شارك فيها كل أطياف الشعب المصري،
ماذا بعد نتيجة الإستفتاء على الدستور بنعم ؟
هل ستدور عجلة الإنتاج، وتستقيم الأحوال ويتعافى الجنيه المصرى وتطول قامته، إنها فى حيرة أمام المشهد المرتبك، فى حصار الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامي، والفتاوى الظالمة لأصحاب اللحى الذين ينتقلون بين سبوبة الفضائيات فى يسر وسهولة، حملت هذه الأسئلة ودارت بها بين الأصدقاء والمنتديات والمقاهي والشبكة العنكبوتية، مهمومة بالوطن تسبح بقوة فى إتجاه السفينة، تتحاشى الوقوع بين مخالب الحب، حتى لا ينكسر القلب وتتهشم الروح، يكفيها تجارب من سبقوها، ترى الحب الحقيقي فى عيون من ترعاهم فى المستشفيات، وهى الطبيبة التى لا تتوانى عن تقديم العون لكل مصاب، تعيش العصافير على مطر إبتسامتها، إنتابتها غصة موجعة وهى تتأمل صورة الصحفى الذى سقط شهيدا أمام الاتحادية، لم تفلح فى إخفاء دموعها التى إنهمرت كالمطر، أحزانها تأتى على مهل، ترتشفها قطرة قطرة، تدثرت السماء بسحب داكنة خفيفة، وأرسلت الشمس شعاعا باهتا، تمدد فوق البنايات والشوارع،
الطبيبة تدور فى عتمات متحركة لا تدري أين تذهب ؟
عيونها تمسح اللاشيء، وأقدامها تسير فى اللامكان، إختارتها طاولة فى مقهى صدرها مضطرب بالصراخ والعويل، تنتحب فى صمت وتجهش فى البكاء دون دمع، تتأمل من زجاج نافذة المقهى، السحب التى تشبه صفاء البحر، وهى تنثر المطر المخصب فوق الأشجار والبيوت، لتغسلها من الرماد العالق بها، أفاقت من شرودها على صوت النادل وهو يسألها : ماذا تشرب ؟ تجيبه ضاحكة واحد شاى .. وواحد يفهمني اللي بيجرى فى مصر .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى